أحمد زكي أو النمر الأسود أو الامبراطور أو فتى الشاشة الأسمر، اسم واحد وألقاب عديدة جميعها تشير إلى نفس الشخص، هو الأسطورة السينمائية والموهبة التمثيلية الفريدة التي أشاد بها روبرت دي نيرو حين شاهد فيلم زوجة رجل مهم، وقال بإن هوليود قد فقدت هذا الرجل، والرجل هو أحمد زكي أو رئيس جمهورية الإبداع كما يُلقبه الوسط الفني المصري.
أحمد زكي .. من هذا ؟
أحمد زكي هو الرجل الذي تربع على عرش السينما لأكثر من ربع قرن، دون أن تتراجع شعبيته أو تتزعزع نجوميته، عاش بطلاً أول ومات بطلاً مطلق للأفلام، فكيف كانت مسيرته؟ وما إنجازه الفني؟ وما العوامل التي كفلت له التميز والتفوق حتى صار أسطورة قد لا تتكرر؟
الميلاد والبُتم :
في الثامن عشر من نوفمبر عام 1949م وُلِد النجم المصري الأسمر أحمد زكي ،واسمه بالكامل أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي، وكان ذلك في مدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية المصرية، وكان زكي هو الابن الأوحد لوالديه، وقد عانى من الشعور باليُتم في وقت مبكر جداً، إذ إن والده قد وافته المنية بعد ميلاده بفترة قصيرة، وزاد الأمر سوءاً زواج أمه من رجل الآخر، ففقد بذلك أمه أيضاً، حيث لم يتمكن من العيش مع زوجها في بيت واحد، فتولى جده لوالده تربيته ورعايته منذ ذلك الحين، وكان رجلاً حكيماً ملتزماً دينياً، أحسن رعاية الطفل وعمل على أن يغرس فيه القيم الإسلامية منذ نعومة أظافره، ويعتبر الجد هو القدوة والمثل الأعلى في حياته، ولكن رغم كل ذلك لم يتمكن من أن يعوضه عن والديه أو يملأ فراغهما، فقد ترك اليُتم أثراً كبيراً في نفس أحمد زكي ويعتبره أسوأ ما مر به.
بين الدراسة والفن :
كان مستوى تحصيل أحمد زكي العلمي متوسطاً، ولعل ذلك سببه شغفه بالفن عموما والتمثيل على وجه الخصوص، وسعيه الدائم إلى ممارسته وصقل هوايته التي تفجرت في وقت مبكر من عمره.. تلقى زكي تعليمه الابتدائي والإعدادي بمدارس الزقازيق الحكومية، ثم التحق فيما بعد بإحدى مدارس الثانوي الصناعية، وخلال سنوات دراسته بالكامل اعتاد زكي على الانضمام إلى الفرق المسرحية، وقدم أول أدواره من خلال المسرح المدرسي، وكانت موهبته طاغية فجذبت إليه أنظار زملائه وأساتذته، وكان منهم ناظر مدرسته الثانوية الذي كان مسرحياً هاوياً، والذي نصحه بالعمل على تطوير موهبته وعدم إهمالها، وتكرر الأمر نفسه حين تمت دعوة بعض الفنانين إلى إحدى المسابقات المسرحية التي تقيمها مديريات التعليم، وحين شاهدوا أداء الطفل أحمد زكي على المسرح أعجبوا به، ونصحوه بالالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بعد إتمامه لدراسته الثانوية، واستمع زكي للنصيحة والتحق بالمعهد بالفعل.
المسرح :
بدأ أحمد زكي مسيرته الاحترافية في عالم الفن من خلال خشبة المسرح، وكان ذلك فور تخرجه من معهد الفنون المسرحية في عام 1973م، وتمكن من الحصول على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف وكان الأول على دفعته، وبعدها أجرى العديد من اختبارات التمثيل أمام كبار مخرجي المسرح آنذاك، فتمكن من الحصول على عِدة أدوار ثانوية بالعروض المسرحية أبرزها دوره بمسرحية هالو شلبي، والتي شارك في بطولتها اثنين من كبار نجوم المسرح في ذلك الوقت هما سعيد صالح وعبد المنعم مدبولي، وتوالت أعماله المسرحية الناجحة مثل مدرسة المشاغبين والعيال كبرت والقاهرة في ألف عام وغيرهم.
السينما :
مسيرة أحمد زكي السينمائية لم تختلف كثيراً عن مسيرته المسرحية، فقد تعرف عليه الجمهور من خلال العديد من الأدوار الثانية والصغيرة، والتي من خلالها تمكن من ترك بصمة ومن جعل صورته تعلق بأذهان الجمهور، أي إنه بلغة السينما كان (يسرق الكاميرا)، ومن ذلك أدواره في أفلام ابناء الصمت وبدور وليلة وذكريات وولدي، وفي عام 1978م حصل على أول بطولة في حياته الفنية، حين تم اختياره من قبل المخرج علي بدرخان لتجسيد شخصية متولي بفيلم شفيقة متولي، ورغم إسناد الدور الرئيسي وصاحب المساحة الأكبر له، إلا إن بطولته كانت منقوصة نوعاً ما، وذلك لأن البطلة الرئيسية للفيلم كانت سعاد حسني ونسب الفيلم لها، بجانب إن الفيلم ضم عدد كبير من النجوم الكبار مثل أحمد مظهر وجميل راتب، ولكن أدائه المبهر بالفيلم جعل المخرجين والمنتجين يضعون ثقتهم به، فتخطى مرحلة الأدوار الثانوية إلى الأدوار البارزة والرئيسية، ومنها أدواره في أفلام العمر لحظة والباطنية وموعد على العشاء، وفي 1981م حصل زكي على أول بطولة مطلقة صريحة في مشواره الفني، وكانت من خلال فيلم لا أكذب ولكني أتجمل عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس وإخراج إبراهيم الشقنقيري.
زكي بطلاً :
منذ أن ارتقى أحمد زكي إلى مرتبة نجوم الصف الأول في السينما العربية وأصحاب البطولات، لم يشهد تاريخه الفني تراجع واحد أو فشلاَ ذريعاً، فظل متألقاً محتفظاً بمكانته إلى أن توفي في 2006م، وكان يمتلك أحمد زكي شعبية طاغية خاصة بين الشباب، وتمكن من تحقيق قاعدة جماهيرية عريضة، ربما هي الأكبر في تاريخ السينما المصرية، فقد كان زكي يمثل القدوة والمثل الأعلى بالنسبة لشباب الثمانينات والتسعينات، فكانوا يقلدون أساليب تصفيفه لشعره وخاصة قصة (كابوريا)، التي انتشرت بين الشباب المصري في أعقاب طرح فيلم كابوريا في 1999م، وكذلك كان زكي هو فتى الشاشة الأول وفارس أحلام أغلب فتيات ذات الحقبة.
النقاد والجماهير :
أحمد زكي هو أحد القلائل الذين تمكنوا من إيجاد حلاً لأعقد المعادلات الفنية، وهي تحقيق النجاح الجماهيري وفي ذات الوقت الحظي بإشادة وتقدير النقاد، فقد حققت أفلام أحد زكي نجاحات مبهرة على مستوى شباك التذاكر، دون أن يُخل ذلك بمستواها الفني، وأغلب أفلامه تعد من العلامات في تاريخ السينما المصرية، كما إن عدد منها تم تصنيفه ضمن قائمة أفضل مائة فيلم عربي في التاريخ.
رجل الأدوار المعقدة :
براعة أحمد زكي التمثيلية تتمثل في قدرته على التوع وتجسيد الشخصيات المتباينة، كما كان يسعى دوماً إلى تجسيد الأدوار المركبة والمعقدة، إذ كان متعة في تشخيصها وتمنحه الفرصة لتحدي نفسه وإبراز قدراته التمثيلية، حتى إن الفنان الراحل نور الشريف قال إن أحمد زكي لم يقدم شيئاً خلال مشواره الفني، وكان قصده بهذا القول هو إن موهبة زكي تفوق كل ما قام بتقديمه من أدوار، ومن أمثلة أدواره المعقدة التي علقت بأذهان الجماهير وأشاد بها النقاد:
- زوجة رجل مهم : جسد به شخصية هاشم الضابط الوصولي المستبد بأحد الأجهزة الأمنية، والذي يتم الاستغناء عنه في إطار هيكلة وزارة الداخلية مما يصيبه بأزمة نفسية.
- كابوريا : جسد خلاله شخصية الملاكم الناشىء حسن هدهد، الذي يعاني من صراع داخلي عنيف، ناتج عن الصدام ما بين قناعاته والقيم التي تربى عليها وبين الواقع الذي يعيش فيه، والفيلم بشكل عام كان يصور طموحات وأحلام شباب تلك الفترة ويعرض مشاكلهم.
- أحمد سبع الليل : الأيقونة السينمائية الخالدة التي جسد بها أحمد زكي شخصية أحمد سبع الليل، المجند بأحد المعتقلات السياسية، الذي يعتقد بأنه يقدم خدمة جليلة للوطن ثم يكتشف إنه تم خداعه من قبل السلطة.
- الامبراطور : وجسد به شخصية زينهم الشاب المشرد الذي يتمكن من اعتلاء قمة هرم تجارة المخدرات في الشرق الأوسط، وهي ذات الشخصية التي جسدها آل باتشينو في النسخة الأمريكية من الفيلم والمسماه الوجه ذو الندبة أو scare face
وغيرها من الأدوار المميزة والخالدة مثل المحامي مصطفى خلف بفيلم ضد الحكومة، ومنتصر عبد الغفور في الهروب، وزين في فيلم هستيريا، والبواب الأمي عبد السميع في البيه البواب.
تجسيد الشخصيات الحقيقية :
كان أحمد زكي يمتلك موهبة إضافية بجانب موهبته التمثيلية الفائقة والطاغية، وهي قدرته الفريدة على تجسيد الشخصيات الحقيقية، وهي أمر يعتبره أغلب النقاد موهبة مستقلة بذاتها، انفرد بها عدد قليل من الممثلين حول العالم، كان أحمد زكي من بينهم، ومن أمثلة الشخصيات الحقيقية التي جسدها ببراعة فائقة، شخصية الرئيس جمال عبد الناصر في فيلم ناصر 56، وكذلك شخصية الرئيس أنور السادات في فيلم أيام السادات، وشخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في فيلم حليم، والذي هو آخر أعمال النجم الأسمر.
الجوائز والتكريمات :
أحمد زكي هو النجم الأكثر شعبية في تاريخ السينما المصرية، وله تاريخ حافل بالأفلام والأدوار المميزة، والتي حققت -كما ذكرنا- نجاحات ساحقة بشباك التذاكر أو على المستوى النقدي، ولكن كان هناك نجاح من نوع آخر في انتظار النجم الأسمر، ذلك النجاح الذي يتجسد في الجوائز والتكريمات التي نالها، ومنها:
- أفضل ممثل عن فيلم طائر على الطريق من مهرجان القاهرة السينمائي.
- أفضل ممثل عن فيلم عيون لا تنام من جمعية الفيلم.
- جائرة أفضل ممثل عن فيلم كابوريا من مهرجان القاهرة السينمائي.
- جائرة أفضل ممثل عن فيلم امرأة واحدة لا تكفي من مهرجان الإسكندرية.
- جائزة أفضل ممثل عن فيلم معالي الوزير من مهرجان القاهرة السينمائي.
- نال زكي وسام الدولة من الطبقة الأولى عن فيلم أيام السادات.
- كذلك تم اختيار 6 أفلام من أفلامه ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما العربية.
حياته الخاصة :
هالة فؤاد هي الزوجة الوحيدة والحب الوحيد في حياة الراحل أحمد زكي ،هالة هي ابنة المخرج المصري الكبير أحمد فؤاد، والتي عملت لفترة في مجال التمثيل، التقت خلالها بزكي ونشأت بينهما قصة حب انتهت بالزواج، ورُزِق زكي منها بابنه الوحيد هيثم، ولكن تصاعدت الخلافات بينهما وانتهت باتفاقهما على الانفصال، ولكن مشاعر زكي تجاهها لم تنته بانفصاله عنها، ورفض رفضاً تاماً أن يتزوج من أخرى، وقد اعتزلت النجمة هالة فؤاد في سنواتها الأخيرة وارتدت الحجاب، وتوفيت في عام 1990م وكان لذلك الخبر وقع الصاعقة على أحمد زكي ،الذي أصيب بحالة من الاكتئاب يقول المقربون منه إنه لم يتخلص منه حتى وفاته.
الوفاة :
عانى أحمد زكي في سنواته الأخيرة من مرض سرطان الرئة، الذي أصيب به نتيجة إفراطه في تدخين السجائر وعدم الانصياع لتخذيرات الأطباء، كما إن ويلات المرض لم تبعده عن العمل في الحقل الفني، وكان يقسو على نفسه ويتحامل على آلامه ليقف أمام كاميرا السينما التي يعشقها، وكان آخر أفلامه فيلم حليم من إخراج شريف عرفة، والذي لم يستكمل تجيسد دوره به ولم يشاهده حتى، فقد اشتدت عليه آلام المرض فسافر للخارج للاطمئنان على حالته الصحية، ثم عاد ليستكمل علاجه في القاهرة، وفي السابع والعشرين من مارس 2005م أعلن نبأ وفاة أحمد زكي ،والذي تم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في جنازة حاشدة مهيبة، حضرها الملايين من عشاق النجم الأسمر، كما تصدرها عدد كبير من الفنانين والمثقفين والشخصيات العامة.
أضف تعليق