محمد حسنين هيكل هو أحد القامات الصحفية، وأحد أشهر أرباب القلم في تاريخ الوطن العربي، عُرف محمد حسنين هيكل خلال حياته بألقاب عديدة، منها كاتب السلطة وصديق الحكام المقرب وصانع الحكام وغيرها، ولكن لم يكن من تلك الألقاب محبباً بالنسبة لهيكل نفسه، الذي عاش بقلمه ومات به وظل طيلة حياته متمسكاً وفخوراً بلقب (الصحفي)..
محمد حسنين هيكل .. من هذا ؟
محمد حسنين هيكل في نظر الكثيرين هو الكاتب الصحفي الأبرز والأهم في القرن العشرين. فترى كيف بلغ تلك المكانة؟ وكيف كانت مسيرته الصحفية؟ وما إنجازاته؟ وكيف حققها؟
الميلاد والتعليم :
الثابت بالعديد من المصادر إن الكاتب محمد حسنين هيكل ولد في الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 1923م، وكان ذلك في حي الحسين الذي يعد أحد أعرق وأشهر أحياء القاهرة الشعبية ذات الطابع الأصيل، ورغم إن نشأة هيكل كانت قاهرية، وبها تلقى تعليمه وتنقل بين مختلف المراحل الدراسية، إلا إن جذوره تعود إلى الصعيد المصري، فوالده حسنين هيكل كان تاجراً للحبوب جاء إلى القاهرة مهاجراً من مركز ديروط بمحافظة سوهاج.
حلم الصحافة :
الصحافة بالنسبة لـ محمد حسنين هيكل لم تكن مهنة بقدر ما كانت حلماً سعى إلى تحقيقه، فقد كان هيكل متوفقاً خلال مراحل تعليمه المختلفة، وهو ما دفع أسرته -وخاصة والده- إلى التنبؤ بإنه سيكون يوماً من ذوي الشأن وأصحاب المكانة الرفيعة، وكان والده يطمح إلى أن يكون ابنه النابغة طبيباً، وتوافق حلم الابن من حلم الوالد في نقاط عديدة واختلف في النقطة الرئيسية، فقد أراد هيكل في صباه أن يحقق النجاح وأن يصير من أصحاب الاسماء البارزة، ولكن في مجال الصحافة لا في مجال الطب، ولهذا اختار استكمال دراسته في القسم الأوروبي التابع للجامعة الأمريكية، رغبة منه في تطوير نفسه وسعياً إلى تحقيق طموحه بأن يصبح صحفياً.
إيجيبشان جازيت :
أول خطوة حقيقية لـ محمد حسنين هيكل في مشواره الصحفي، تتمثل في اللقاء الذي جمعه خلال دراسته بالجامعة الأمريكية، مع الصحفي الشهير سكوت واطسون العامل آنذاك بجريدة إيجيبشان جازيت، وهي جريدة مصرية تصدر باللغة الإنجليزية، وآمن واطسون بموهبة هيكل ورأى إنه بذرة صحفية صالحة، فلم يتردد في معاونته على الالتحاق بالجريدة، ونجح في ذلك في فبراير 1942م، حيث قبلت إدارة الجريدة انضمام هيلك لها بصفته محرراً تحت التمرين بقسم الحوادث.
تحقيقات فتيات الليل :
كان محمد حسنين هيكل يملك مقومات الصحفي الناجح، ورغم صغر سنه ورغم حداثة عهده بعالم الصحافة، إلا إنه تمكن من اكتساب ثقة رؤسائه بجريدة إيجيبشان جازيت، وصاروا على يقين بقدرته على إنجاز المهام الصعبة، وكان ذلك سبب تكليفه بإجراء تحقيق صحفي حول البغاء في مصر، في أعقاب إصدار وزير الشؤون الاجتماعية قراراً بإلغاء البغاء وإغلاق بيوت الدعارة في مصر، والتي كانت مقننة في ذلك الوقت، وتمكن هيكل من إجراء حوارات صحفية مع عدد من فتيات الليل سواء المقبوض عليهم أو التائبات منهن، وأحدث تحقيقه الصحفي ضجة كبيرة آنذاك حيث تمكن من الحصول منهن على اعترافات كانت حديث الرأي العام وقتها، ويعتبر ذلك التحقيق نقلة هامة في مسيرة هيكل الصحافية.
صحفي الحروب :
إنجاز محمد حسنين هيكل لتحقيق فتيات الليل ونجاحه فيه، كان سبباً في تكليفه فيما بعد بتعطية أخبار الحرب العالمية، رغم إن المهام من ذلك النوع كانت عادة تسند لصحفيين أكبر سناً وأكثر خبرة، فانتقل هيكل إلى منطقة العلمين وتغطيته للأحداث كانت دليلاً جديداً على كفاءته، فصدرت الأوامر بتكليفه بتغطية أحداث المعارك الدائرة في مالطا ثم باريس، ومن هنا ذاع صيت هيكل في الوسط الصحفي، وصارت كبرى المؤسسات الصحفية تسعى لاجتذابه إليه، وأثناء رحلته إلى باريس التقى بالسيدة فاطمة اليوسف، والتي تمكنت من ضمه إلى طاقم التحرير بمجلتها روز اليوسف في 1944م، ثم في وقت لاحق تعرف على محمد التابعي الذي أقنعه بالانضمام إليه بمجلة آخر ساعة.
انفرادات هيكل :
كان كل تحقيق أو تقرير صحفي يجريه محمد حسنين هيكل يجعل منه حديثاً للساعة، مثال ذلك تقاريره المصورة عن خط الصعيد، أشهر خارج عن القانون في مصر في تلك الآونة، ثم قيامه بعمل تغطية عن وباء الكوليرا، وفي سبيل ذلك اقتحم قرية القرين، والتي لم يكن يجرؤ أي شخص إلى الاقتراب منها نظراً لكونها منطقة مبوءة، وقد نال هيكل عن تقاريره هذه جائزة فاروق، والتي أرفع الجوائز الصحفية في زمن المملكة المصرية.
هيكل رئيساً للتحرير :
الثامن عشر من يونيو 1952م من التواريخ الهامة في حياة الكاتب محمد حسنين هيكل ،ففي ذلك التاريخ انقضت مرحلة وبدأت أخرى، فقد فوجئ قراء آخر ساعة بمقال مصطفى أمين الصادر بهذا العدد، يعلن فيه استقالته وتخليه عن منصب رئاسة التحرير، وإسناده إلى زميله وتلميذه محمد حسنين هيكل ،والذي كان آنذاك بالكاد يبلغ التاسعة والعشرين من عمره.
هيكل بعد الثورة :
بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م حظي محمد حسنين هيكل بثقة تنظيم الضباط الأحرار، وبصفة خاصة جمال عبد الناصر الذي كان آنذاك الرجل الثاني بالتنظيم بعد محمد نجيب، حتى إنه تم اختياره ليكون المتحدث الرسمي والصحفي باسم الضباط الأحرار، وبعد تولي جمال عبد الناصر لمنصب الرئاسة كان هو الأقرب إليه بين رجال الصحافة، فكان على الدوام قريباً من مراكز صنع القرار، كما توطدت علاقاته بأبرز الاسماء على الساحة السياسية في مصر والوطن العربي.
إنجازه :
محمد حسنين هيكل هو أقرب للمؤرخ منه للمحرر الصحفي أو المحلل السياسي، فقد تمكن من صياغة تاريخ مصر الحديث والتأريخ لأحداثه الهامة، وما ساعده على إنجاز هذا العمل هو قربه الشديد من دوائر صنع الكبار، واختلاطه الدائم بكبار الساسة والقادة والرؤساء، وتعتبر كتابات ومؤلفات هيكل هي المرجع الأهم لتاريخ مصر الحديث، والتي تمتد ما بين آواخر عهد الملك فاروق الأول وحتى نهاية عصر حسني مبارك.
حياته الشخصية :
تزوج الكاتب محمد حسنين هيكل مرة واحدة في حياته، من السيدة هدايت علوي تيمور الحاصلة على ماجستير الآثار الإسلامية والعاملة في المجال ذاته، وهي سليلة عائلة تيمور التي تعد واحدة من أعرق العائلات المصرية، واتسمت حياة هيكل الخاصة بالهدوء والاستقرار، كما أوضح بأكثر من حوار أجري معه وتم التطرق به إلى حياته الخاصة، وقد رُزق الزوجين هيكل وهدايت بثلاثة أنجال هم: الدكتور علي هيكل طبيب باطني والأستاذ بجامعة القاهرة، ورجل الأعمال أحمد هيكل رئيس شركة القلعة للاستثمارات، وحسن هيكل الرئيس التنفيذي لمجموعة هيرميس المالية، كما إن هيكل وزوجته قد صارا جدوداً منذ فترة طويلة، ولديهم من الأحفاد سبعة.
الوفاة :
كان آخر ظهور لـ محمد حسنين هيكل من خلال سلسلة اللقاءات التلفزيونية التي أجراها مع الإعلامية لميس الحديدي، ثم تدهورت حالته الصحية بشكل مفاجئ، فتم نقله إلى المستشفى وتم تشخيص حالته بإصابته بمياه على الرئة وحالة متقدمة من الفشل الكلوي، وقضي هيكل ثلاثة أسابيع داخل المستشفى خضع خلالها لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته، وفي مساء الأربعاء السابع عشر من فبراير 2016م، أُعلن نبأ وفاة الكاتب الكبير عن عمر يناهز 93 عاماً، ليرحل عن عالمنا تاركاً لنا عشرات المؤلفات والحلقات التلفزيونية والمقالات الصحفية، التي رصد من خلالها فترة هامة من تاريخ مصر والأمة العربية، وحلل بها الأوضاع السياسية وكشف عن كواليس القرارات المصيرية التي اتخذت في عهد ثلاثة رؤساء.
أضف تعليق