الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان هو أحد أشهر من تولوا حكم مصر في التاريخ، وذلك لا يرجع فقط إلى كونه آخر حاكم من سلالة محمد علي باشا، ولكن لإن الملك فاروق كان ولا يزال مثيراً للجدل، فحين يذكر اسم فاروق يتجرد أغلب المؤرخين من حيادهم وينقسمون إلى فريقين، أولهما يؤيد جمال عبد الناصر وثورة يوليو فيصورونه شيطاناً، والآخر يرى إن الضباط الأحرار كانوا طامعين في السلطة، وهؤلاء يجعلون منه ضحية لانقلاب جيشه، أما الحقيقة هي إن فاروق لم يكن سوى ملكاً دام حكمه لأكثر من خمسة عشر عاماً، وشهدت فترة ولايته العديد من الأحداث التاريخية، فأخطأ أخطاءً فادحة استحق عليها العزل، وفي ذات الوقت حقق إنجازات عظيمة يستحق أن نوجه له التحية عليها.
الملك فاروق .. من هذا :
الملك فاروق هو الحاكم الأكثر إثارة للجدل في تاريخ مصر.. هل استحق العزل والنفي؟، هل كان بالفعل معقداً نفسياً بسبب نشئته غير السوية؟ هل كان مخلصاً؟ هل كان خائناً؟.. الأسئلة عديدة ولا يمكن الإجابة عنها إلا باستعراض سيرته الذاتية.
الميلاد والعائلة :
في الحادي عشر من فبراير عام 1920م تم إطلاق إحدى عشر طلقة مدفعية، ومُنح الموظفين العمومين في مصر والسودان إجازة، وتم إطلاق سراح عدد من السجناء بعفو ملكي، وتم توزيع العطايا على الفقراء من عامة الشعب، وهذا كله احتفالاً بميلاد الملك فاروق ،أو من كان يعرف في تلك اللحظة بلقب الأمير فاروق بن فؤاد باشا، ومنذ أول ساعة له في الدنيا قُدِر له أن يحكم مصر يوماً، باعتباره الابن الابن الذكر الوحيد للملك فؤاد، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الأمير إسماعيل في 1897م، وكان لفاروق خمسة شقيقات، منهم أربع شقيقات هن الأميرات فوزية وفائقة وفتحية وفايزة وهن بنات الملكة نازلي، بجانب الأميرة فوقية والتي هي ابنة زوجة أبيه الملكة شويكار.
مس إينا تايلور :
عهد الملك فؤاد إلى السيدة إينا تايلور بتربية الملك فاروق في صغره، فقد كان ولي عهده والذي سيحل محله ذات يوم ويتولى العرش خلفاً له، ولهذا كان مر فاروق بمرحلة طفولة استثنائية، كانت أشبه ما يكون بمعسكرات الإعداد، واختار والده المربية الإنجليزية إينا تايلور لهذه المهمة خصيصاً لما عرفت به من صرامة وحسم، حتى إنها كانت ترفض تدخل والدته الملكة نازلي في تربيته، وكانت تستند في ذلك إلى الصلاحية المطلقة التي منحها إياها الملك فؤاد، ولكن أسلوب السيدة تايلور حّرِم فاروق من طفولته، التي خلت من كافة أشكال المرح ومظاهر البهجة، فقد كانت تايلور تعامله وكأنه ملكاً يجب أن يكون وقوراً ذو هيبة يتحدث بحساب ويتصرف بهدوء، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على الطفل، ويرى البعض إن إنفلات الملك فاروق وانغماسه في حياة اللهو لفترة طويلة، كان النتاج الطبيعي للكبت والحرمان الذي عانى منه في صغره.
فاروق .. أمير الصعيد :
تم إلحاق الملك فاروق أو الأمير فاروق بالعمل السياسي في وقت مبكر جداً من عمره، وكان الأمر نظرياً فقط وأشبه بالإقحام منه بالإلحاق، بمعنى إن والده الملك فؤاد لم يقلده منصباً رسمياً ولم يمنحه صلاحيات تصرف في نطاقها، إنما هو فقط طرح اسمه على الساحة السياسية، فأطلق عليه في الثاني عشر من ديسمبر عام 1933م لقب أمير الصعيد فاروق الأول، وأعلن بشكل رسمي منذ ذلك الحين إن فاروق بن فؤاد باشا هو ولي العهد المصري.. في ذات الوقت كان ينتهز فؤاد كل فرصة لتقديم نجله بصفته الملك فاروق باعتبار ما سيكون، فكان يصحبه معه في مختلف المناسبات العامة، وكان يجلسه بجانبه ويظهره أمام الكاميرات، كي يتعرف الشعب على ملكه المستقبلي، وفي السادس من مايو 1936م تولى فاروق العرش بصفة رسمية خلفاً لوالده المتوفي.
علاقته بوالدته :
لم تكن الملكة نازلي من نوع الأمهات اللواتي يفخر بهن الابناء، خاصة إن كان ابنها الملك فاروق ،الشخص الجالس على رأس هرم السلطة التنفيذية في البلاد، والذي لا يكف الناس عن الحديث عنه وتناقل أخباره، والخوض في أعراضه إذا سنحت لهم الفرصة بذلك، وكانت الملكة نازلي هي تلك الفرصة وكانت الباب الذي نفذ منه أعدائه إليه. فقد عرف عن الملكة كثرة نزواتها وتعدد علاقاتها وتصرفاتها غير المنضبطة، وكان كثيراً ما تتعرض للانتقاد الذي ينال ابنها جزء منه، ودليل ذلك القول الشهير الذي تناقله العوام في زمن الملك فاروق ،وهو (من لا يحكم أمه.. كيف يحكم أمة؟!)، وفقد عرف إن الملكة الأم كانت متزوجة عرفياً من أحمد حسنين باشا أحد أفراد حاشية نجلها، وبعد موته سافرت إلى أوروبا وكانت تصل إلى مصر أخبار نزواتها وسهراتها، وكانت الضربة القاضية لفاروق متمثلة في شيوع خبر تخليها عن الإسلام واعتناقها المسيحية، وتزويجها لابنتها الأمير فتحية من دبلوماسي مسيحي، الأمر الذي دفع فاروق الأول إلى تجريدها من أوسمتها ولقبها، في محاولة منه لتهدئة الرأي العام الثائر.
إنجازاته :
عصر الملك فاروق لم يكن بأكلمه فاسداً كما حاول البعض تصويره في أعقاب ثورة 1952م، بل شهد عهده تحقيق العديد من الإنجازات السياسية والاقتصادية، أبرزها إنهاء الحماية البريطانية على مصر وقصر تواجد جنودها على مدن القناة، كما تأسست في عهده مدرسة الطيران المعروفة حالياً باسم الكلية الجوية، وعمل على تمصير قادة الجيش بعد أن كان يسيطر على المناصب العليا به الأتراك، كما وقع اتفاقية مونتريه التي تم بموجبها إلغاء الامتيازات الأجنبية، ومَكّن مصر من الانضمام إلى عصبة الأمم، بجانب إنشاء عدة جامعات ونقابات في عهده.
الاضطرابات :
انهيار نظام الملك فاروق آخر ابناء محمد علي الحاكمين لمصر لم يكن حدثاً مفاجئاً، بل كان نتيجة حتمية للعديد من الأزمات السياسية التي مر بها، والتي كانت بمثابة ضربات قوية زعزعته وأدت في النهاية إلى انهياره، ومن أمثلة ذلك حرب فلسطين أو نكبة 48، والتي كانت السبب الرئيسي في حدوث الشقاق بينه وبين الجيش، بسبب الأزمة المعروفة تاريخياً باسم الأسلحة الفاسدة، والتي كانت السبب المباشر تكوين تنظيم الضباط الأحرار السري، بخلاف الاضطرابات التي شهدتها القاهرة في يناير 1952م والمعروفة باسم حريق القاهرة، وهذا كله بخلاف الظلم الاجتماعي والتفرقة الطبقية وفساد طبقة الإقطاعيين من البكوات والبشوات، وكلها عوامل ساعدت وعجلت بالقضاء على مُلك الملك فاروق
ثورة يوليو :
استمر حكم الملك فاروق لمدة ستة عشر عاماً كاملاً، وفي يوليو عام 1952م أندلعت الثورة بقيادة تنظيم الضباط الأحرار، الذين أرغموه على التنازل عن العرش إلى ابنه أحمد فؤاد، ويُحسب لفاروق إنه عزف عن الدخول في صدام عسكري مع الضباط الأحرار، وفضّل أن يغادر البلاد في هدوء على متن يخت المحروسة، ليحقن بذلك دماء غزيرة كان من الممكن أن تسال إن وقع الصدام بين ابناء الوطن الواحد، وتوجه فاروق إلى إيطاليا التي قضي بها أغلب فترات حياته في المنفى، ولم يعد إلى مصر حتى وفاته.
الزوجات والابناء :
اعتلى عرش مصر ملكتين في عهد الملك فاروق ،هما زوجتيه الملكة فريدة والملكة ناريمان:
- الملكة فريدة : هي الزوجة الأولى واسمها الحقيقي صافيناز ذو الفقار، وهي سليلة عائلة ذو الفقار المصرية العريقة، والتي اشتركت في الرحلة الملكية إلى أوروبا، وبها تعرفت على الملك الشاب ونشأت بينهما قصة حب، انتهت بإعلان الملك فاروق زواجه منها في عام 1938م، بعد أن تغير اسمها إلى فريدة ليبدأ بحرف الفاء، وهو الحرف الذي كانت تبدأ به اسماء العائلة المالكة من ابناء الملك فؤاد، وانجب فاروق منها بناته الثلاثة فادية وفوزية وفريال، ولكن فاروق كان يسعى إلى إنجاب ابناً ذكراً ليرث عرشه، وحَمّل زوجته الملكة مسئولية ذلك، وانتهت علاقتهما بالطلاق في نوفمبر 1948م.
- الملكة ناريمان: تزوج الملك فاروق للمرة الثانية في عام 1952م من ناريمان، والتي تحقق أمله على يدها وأنجبت له أول ابنائه الذكور، الذي فرح به فاروق فرحاً شديداً وسماه أحمد تيمناً باسم والده أحمد فؤاد باشا، ولكن ولي عهده لم ينعم باستقرار ولم يهنأ بعرش، فقبل أن يتم عامه الأول اندلعت ثورة يوليو 1952م التي أطاحت بملكه، وتنذر المصريين على ذلك الأمر بقولهم إن ناريمان ذات وجه شؤم، وسر شيوع تلك النكات هو إن الملكة فريدة كانت مقربة من الشعب، وأحزنهم نبأ انفصال ملكهم عنها وكان ذلك سبباً في كرههم لناريمان التي حلت محلها.
الوفاة وعلامات الاستفهام :
قضى الملك فاروق ليلة الثامن عشر من مارس 1965م بأحد مطاعم روما، ويُقال إنه قد أسرف في تناول الطعام بتلك الليلة، وأصيب بحالة من الاختناق وضيق التنفس نُقِل على إثرها إلى المستشفى، وبها لفظ أنفاسه الأخيرة، وأكد الأطباء الإيطاليون أن الإفراط في الطعام هو ما تسبب في وفاته، خاصة وإنه كان يعاني من سمنة مفرطة، بخلاف إصابته بمرض ارتفاع ضغط الدم المزمن وضيق الشرايين.. ولكن باعتباره ملك سابق لدولة بحجم مصر فإن نبأ وفاته لم يمر مرور الكرام، بل أثير حوله الكثير من الشكوك والتساؤلات، وأشيع إنه تم اغتياله بدس سم الأكوانتين في طعامه، وبطبيعة الحال أشارت أصابع الاتهام إلى أعضاء تنظيم الضباط الأحرار ورجال جمال عبد الناصر، خاصة وإن في الأشهر الأخيرة من حياة الملك فاروق ،أُشيع إنه يعتزم العودة إلى مصر والإقامة بها، ولكن في النهاية كل ما أثير حول ذلك الأمر يبقى محض أقاويل، لا يوجد دليل واحد يُثبتها علاوة على إن ما ورد في التقارير الطبية ينفيها.
الدفن :
كان الملك فاروق الأول -برغم مساوئ عهده- شديد التعلق بمصر، ورغم إنه ينتمي إلى أسرة محمد علي إي إنه يندرج من أصول غير مصرية، إلا إنها كانت في نظره وطنه إلى ولد ونشأ به وتولى حكمه لفترة طويلة، وبناء على ذلك فقد أوصى قبل وفاته بأن يُدفن في مصر، إلى جانب والده وجدوده ممن اعتلوا عرشها يوماً، وبعد الوفاة تقدمت عائلة فاروق بطلب إلى جمال عبد الناصر لدفن والدهم بأرضها، إلا إنه قابل طلبهم بالرفض، فلجأوا إلى الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود الذي توسط لهم لدى الرئيس المصري، فوافق على أن يُدفن في مقبرة إبراهيم نجل محمد علي بمنطقة الإمام الشافعي، وخلال فترة السبعينات تقدمت الأسرة إلى الرئيس أنور السادات يطلبون نقل رفاة فاروق إلى مقبرة المسجد الرفاعي، ووافق السادات على طلبهم وتم نقل رفاة الملك فاروق إلى مقبرة مسجد الرفاعي، ليُدفن بجانب والده الملك فؤاد وجده الخديو إسماعيل.
الظلم ورد الاعتبار :
في أعقاب ثورة يوليو 1952م وتحول مصر من النظام الملكي إلى الجمهوري، تعرض الملك فاروق الأول وأسرته لحملة تشويه ممنهجة، كان المستفيد الأول منها بالتأكيد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، الذين قاموا بالإطاحة بفاروق وخلفوه في إدارة الدولة، فكانت الصحف والكتب التاريخية التي تم إصدارها في تلك الفترة، تصور فاروق على إنه حاكم شيطاني جشع يرعى الفساد وينهب الثروات، وبعضهم اعتبره ملكاً طفلاً غير جدير بقيادة دولة بحجم مصر، وقالوا بإن ولائه كان للمُحتل البريطاني وليس لشعبه، ولكن بعد مُضي عشرات السنين على عزل فاروق الأول ووفاته، ظهرت بعض الكتب التي أنصفته، وتناولت ما شهده عهده من أحداث بشكل موضوعي فكما ذكرت مساوئ حكمه ذكرت كذلك ما قدمه من إنجازات، كم تم تدشين موقع إلكتروني خاص به وبأسرته على شبكة الإنترنت في 2007م، لتوضيح العديد من الحقائق المتعلقة بما شهده عصره من أحداث وصراعات سياسية.
أضف تعليق