نزار قباني هو أحد أشهر وأبرز الاسماء في الشعر المعاصر، هو الشاعر والدبلوماسي السوري الدمشقي، الذي اعتاد إثارة الجدل ولم تؤثر به الانتقادات اللاذعة، والتي في أحيان كثيرة كانت حادة بلغت حد التشكيك في الالتزام الدين والعقائدي، وقد أثرى نزار قباني الأدب العربي بقرابة 35 ديواناً، أولهم صدر في عام 1944م وحمل عنوان قالت لي السمراء، ورغم إنه يصنف دائماً كشاعر رومانسي، إلا إن السياسة وقضايا الأمة لم تغب عن أشعاره، ومنها سلسلة أشعاره التي نظمها في أعقاب حرب النكسة في 1967م، والتي انتقد من خلالها السياسات العربية، وأغلب هذه القصائد حُظر نشرها لما تضمنته من هجوم حاد على زعماء الأمة العربية آنذاك.
نزار قباني .. من هذا ؟
نزار قباني نعرفه من خلال أشعاره رومانسياً حالماً مرهف الحس، أو ثائراً غاضباً ينتفض لكرامة بلاده ويدافع عنها بسيف الكلمة ودرعها.. والقاسم المشترك الوحيد بين نزار الحالم والثائر هو نزار الإنسان، فمن يكون؟، وما سيرته؟
ميلاده ونسبه :
هو نزار توفيق قباني المولود في الحادي والعشرين من مارس 1923م، وذلك في حي مئذنة الشحم بمدينة دمشق السورية، وينتمي نزار قباني إلى عائلة سورية عريقة، فنسبه ينتهي إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وجده من جهة الأب هو أبو خليل قباني أحد أشهر رواد الفن المسرحي العربي.
علاقته بأبويه :
كان نزار قباني شديد التعلق بوالديه وكانا هما مدرسته الأولى، فبداية يقال إنه كان متعلقاً بأمه حتى إن كان يرفض الطعام إلا منها، بمعنى إنها ظلت ترضعه حتى بعد تجاوزه عمر العامين، وبعد فطامه المتأخر حتى كان يأبى تناول الطعام إلا من يدها، أما والده والذي كان يملك مصنعاً لإنتاج الملابس والحلوى، فقد كان محباً للشعر ويمتلك مكتبة شعرية ضخمة في منزله، وكان هو بوابة نزار الصغير إلى ذلك العالم، فورث عنه حب الشعر وتذوقه وإلقائه، وحفظ في سن صغيرة أشعار جميل بثينة وطرفة بن العبد وقيس بن الملوح وعمر بن أبي ربيعة وغيرهم، وكان لنزار شقيقة واحدة تدعى وصال.
نزار الدبلوماسي :
درس نزار قباني في كلية الحقوق بجامعة دمشق وتخرج منها في 1945م، وفور تخرجه تم إلحاقه بوزارة الخارجية السورية وفي ذات العام عُين سفيراً لها في القاهرة، وبذلك لم تعرف حياته الاستقرار أبداً، فمثله مثل كافة العاملين في السلك الدبلوماسي كان دائم التنقل بين مدن العالم، ورغم إن ذلك حرمه من الاستقرار والهدوء، إلا إنه انفتح على ثقافات جديدة والتقى بشعوب مختلفة، وهذا كله ساهم في تشكيل وعيه وتوسعة أفقه، وهو ما انعكس على إنتاجه الأدبي الذي صار خلال تلك المرحلة أكثر عمقاً من ذي قبل.
حياته الخاصة :
مر نزار قباني بتجربتي زواج خلال حياته كلتاهما انتهيتا نهاية مؤسفة، فزواجه الأول كان من السيدة زهراء آفبيق ابنة خاله، وانجب منها ابنته هدباء وابنه توفيق، والذي توفي في عام 1973م ورثاه والده بقصيدة أسماها : الأمير الخرافي توفيق قباني، وقد خلّف فقدان الابن جرحاً غائراً في نفس نزار، وانعكست حالته النفسية على قصائده الشعرية، فغلب عليها خلال هذه المرحلة جانب من الشجن والكآبة، أما زواجه الثاني فقد كان من السيدة بلقيس العراقية، والتي ألتقى بها مصادفة أثناء حضوره إحدى الأمسيات الشعرية في بغداد، ونشأت بينهما قصة حب انتهت بزواجهما، ورُزِق منها بطفليه عمر وزينب، ولكنها توفيت في الهجوم الإرهابي الذي استهدف السفارة العراقية في بيروت، وكان نزار شديد التعلق بها فلم يتزوج من بعدها، بل ورفض البقاء في لبنان بعد وفاتها، وقضي ما تبقى له من سنوات عمره هائماً على وجهه بين عواصم الدول، من بيروت إلى باريس ومنها إلى جنيف ثم لندن، واستقر بالأخيرة وقضي بها خمسة عشر عاماً إلى أن وافته المنية في 1997م.
الانتقاد :
لا يخفى على أحد إن نزار قباني كانت أشعاره تتسم بقدر كبير من الجرأة، لم يعتاده المتلقي العربي، وكان ذلك سبباً في توجيه النقد واللوم إليه، إذ رأوا إن ما يذكر بأبيات نزار قباني لا يتوافق مع التقاليد العربية المحافظة، وكذلك يتجاوز به تعاليم الدين الإسلامي وضوابطه، فقد كان لدى نزار ولع بوصف النساء العاريات في أشعاره، وكثير من القصائد التي نظمها كانت تتمحور حول العلاقات الجنسية، فيصف ما يدور بين الشاعر والأخريات في المخادع، وانتقاد نزار لم يكن مصدره رجال الدين وحدهم، بل إن المؤسسات المعنية بحقوق المرأة والمدافعة عنها شنت ضده هجوماً مماثلاً، إذ رأت إن قصائده حتى الرومانسي منها هو يعد احتقاراً للمرأة ويحط من شأنها، إذ إن المرأة في نظر نزار هي جسد مفرغ من الروح والعقل، فلا يتغزل إلا في أجساد النساء ولا يصف إلا مفاتنهن الشكلية، كما كان يرى إن تعدد النساء في حياة الرجل الواحد هو أمر يدعو للفخر، وكرره بأكثر من صياغة في أكثر من قصيدة أشهرهم قوله: فصلت من جلد النساء عباءة.
اتهامه بالإلحاد :
لم يُعرف لـ نزار قباني طيلة حيته دين بخلاف الدين الإسلامي، الذي وُلِد به ونشأ عليه، ولم يُصرح خلال أي حوار صحفي أجري معه بغير ذلك، ولم يتفوه بما قد يثير الشكوك حول حقيقة دينه ومدى تمسكه به، ولكن المشكلات في حياة نزار قباني كان مبعثها دوماً أشعاره، والتي كانت سبباً في توجيه العديد من الاتهامات إليه، ومن بينها اتهامه بالفسوق وتجاوز تعاليم الشريعة الإسلامية، والبعض اتهمه بالإلحاد بشكل صريح، ولذلك بسبب بعض أبياته الشعرية التي رأى البعض من النقاد ورجال الدين إنها تنطوي على تجاوز في حق الذات الإلهية، ومنها قوله : على الورق أمتلك حرية إله، وفي موضع آخر من قصائده قال : رأيت الله في عمان مذبوحاً على يد رجال البادية، وذلك البيت الثاني جاء ضمن ديوانه الذي طرح بعنوان (لا)، والذي تعرض بسببه لموجة حادة من الانتقادات وفي أحيان كثيرة التكفير.
فلسفته العشقية :
أبرز ما يميز نزار قباني هو تبنيه فلسفة عشقية فريدة وعميقة، فكان دائماً ما يربط ما بين أشكال الحب المختلفة في قصيدة واحدة، فنجده يخلط في قصائده بين حب المرأة وحب الأم وحب الوطن، والمدافعون عنه يرون أن منتقديه لم يفهمون المغزى العميق من أشعاره، وإنه لم يكن يقصد بها الإساءة إلى المرأة، والتي كانت لديه هي رمز العطاء والحب ومصدر الوجود، وبشكل عام فإن نزار يعد أحد أهم وأبرز شعراء الرومانسية في تاريخ الأدب العربي.
الوفاة والوصية :
في بداية 1997م تعرض نزار قباني لوعكة صحية شديدة، ورغم نجاته منها إلا إنها كانت مؤشراً قوياً على مدى تدهور صحته، وتعرض لوعكات أخرى وتم احتجازه بالمستشفيات مرات متكررة، وخلال تلك الفترة شعر نزار بإن أجله قد اقترب، فدوّن وصيته وهو على فراش المرض، وفي الثلاثين من أبريل عام 1998م تعرض لأزمة قلبية، وتوفي على إثرها عن عمر يناهز 75 عاماً تقريباً، وحين فُتحت وصيته وُجِد إنه يوصي بدفنه في دمشق، التي لم يُنسيه إياها طول غيابه وكثرة ترحاله، وحتى وصيته لم تخل من التعبيرات الشعرية الجزلة والتشبيهات العميقة، إذ وصف دمشق بالرحم الذي علمه الشعر والإبداع وأبجدية الياسمين.
الجنازة :
تم تنفيذ وصية نزار قباني ونقل جثمانه إلى سوريا، وتم تشييعه في جنازة مهيبة حاشدة ضمت مختلف أطياف المجتمع السوري، وتقدمها أبرز الشخصيات العامة من الفنانيين والمثقفين السوريين والعرب، وتم دفنه في منطقة باب الصغير في جنوب مدينة دمشق.
أضف تعليق