موتسارت ويُقال أيضاً موزارت وموتزارت.. يختلف أسلوب النطق وتتباين طرق كتابة الاسم، لكن في النهاية المراد هو شخص واحد.. هوفولفغانغ أماديوس موتسارت ،صاحب العبقرية الموسيقية الفذة الذي قضي على ظهر الأرض رحلة قصيرة المدة عميقة التاثير، فقد توفي أماديوس وهو في عمر الخامسة والثلاثين تقريباً، وترك خلفه إرثاً موسيقياً عظيماً مكون من 626 عملاً موسيقياً منوعاً، وهو أصغر قائد أوركسترا في التاريخ وأعظم مؤلف موسيقى أوبرالية، وكل جملة موسيقية لحنها تعد من العلامات البارزة في التاريخ الفني.
أماديوس موتسارت .. من هذا ؟
فولفغانغ أماديوس موتسارت من الشخصيات التي أجبرت التاريخ على تخليد ذكراها، فهو أعظم فنان موسيقي عرفته البشرية بتوافق أغلبية النقاد والمتذوقين والمؤرخين الموسيقيين، فما سر عظمة ذلك الموسيقار وعبقريته؟ وما التأثير الذي أحدثه فاستحق عليه أن يكون من المُخلدين في التاريخ؟
الميلاد :
في السابع والعشرين من يناير لعام 1756م وُلِد الموسيقار فولفغانغ أماديوس موتسارت ، وذلك في مدينة سالزبورج في النمسا، والتي كانت آنذاك واقعة ضمن حدود الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وهو الابن الثاني لوالديه ليوبولد وآنا ماريا وله شقيقة واحدة تكبره سناً كانت تدعى نانيرل، وقد نشأ أماديوس الصغير في كنف أسرة مسيحية كاثوليكية عاشقة للفن بشكل عام والفن الموسيقى على وجه الخصوص، وقد عُرفت عائلة ليوبولد موتسارت بالالتزام الديني، ومن الثابت تاريخياً إنهما حرصا على تعميد أماديوس في اليوم التالي مباشرة لولادته، وكان ذلك في كنيسة روبرتس بمدينة سالزبورج.
تأثره بوالده :
كانت النغمات الموسيقية هي أول ما سمعه أماديوس موتسارت فور ولادته، فقد كان والده ليوبولد من أبرع الموسيقيين في عصره، وكان يقود الأوركسترا الخاصة برئيس الأساقفة في مدينة سالزبورج، وبلغ اهتمامه بالفن الموسيقي تأليف كتاباً عن آلة الكمانجة وتأثيرها في الألحان، ولكنه رغم براعته الموسيقية لم يحقق شهرة أو نجاحاً، ولم يكن يجن مع وظيفته كقائد للأوركسترا مالاً وفيراً، ولهذا خلت طفولة أماديوس موتسارت من كافة أشكال الرفاهية، فكانت متعته الوحيدة تتمثل في الجلوس بجانب والده، والاستماع إلى ألحانه ومراقبته وهو يصنع الألحان ويدوّن النوتة الموسيقية، فصارت الموسيقى بذلك بالنسبة لأماديوس تمثل مصدر البهجة الوحيد.
المرض :
يشير بعض المؤرخين إلى إن معاناة أماديوس موتسارت مع المرض بدأت في وقت مبكر من عمره، فقد أصيب في طفولته بمرض الفشل الكلوي، كما تكررت مرات إصابته بالحمى، وكانت أسرته أقرب ما تكون لطبقة المعدمين، ولم يتمكن والده من الحصول على المال اللازم لتوفير الرعاية الصحية اللازمة له، مما يمكن القول معه بأن طفولة موتسارت كانت مزيج من كافة أشكال الحرمان والألم والمعاناة، ولكن هذا كله كان سبباً في ازدياد تعلقه بالموسيقى، فقد كان يستمتع بالاستماع لها وعزفها، وكان يقول بإن الموسيقى تلهيه عن مرضه وتُسكن آلامه.
عبقرية مُبكرة :
موهبة أماديوس موتسارت الموسيقية برزت في وقت مبكر جداً من عمره، فتشير بعض المصادر إلى إنه تعلم العزف وأجاده إلى حد الإتقان وهو في عمر الرابعة، وعلى الرغم من إن تلك المعلومة عجيبة وصعبة التصديق، إلا إن أغلب المؤرخين يجمعون على صحتها، ودليلهم على ذلك هو إن أماديوس قد بدأ المشاركة في الحفلات الموسيقية وهو في السادسة من عمره تقريباً.
الرحلة :
ليوبولد موتسارت بصفته موسيقي بارع ومُحنك، انتبه في وقت مبكر جداً إلى الموهبة الفريدة التي يمتلكها طفله، وكان أستاذاً مخلصاً له، حرص على تعليمه أساليب العزف وأصول التأليف الموسيقي، وفي عام 1762م أدرك إن موهبة طفله صارت تضيق بحدود سالزبورج، فقرر أن يصحبه هو وأخته نانيرل في رحلة طويلة يطوفون بها أشهر وأكبر المدن الأوروبية، وذلك كي يمنحهما الفرصة للتألق وإظهار موهبتهما، وبالفعل ذاع صيت الصبي العازف موتسارت ،ولاقت العروض التي قدمها في لندن ولاهاي وزيورخ وباريس وبراج إقبالاً جماهيرياً وحققت نجاحاً كبيراً.
موتسارت 1782م : 1787م :
بحلول عام 1782م كان أماديوس موتسارت قد حقق شهرة واسعة، وكان يقدم عروضه الموسيقية بصفة دورية في كبرى المدن الأوروبية، وفي عام 1786م بدأ موتسارت مسيرته في التأليف الموسيقي الأوبرالية، وفي العام ذاته قام عرض زواج فيجارو الأوبرالي، والذي حقق نجاحاً كبيراً في براغ وفيينا، وتكرر ذات النجاح في العام التالي مباشرة حين قدم أوبرا دون جيوفاني.. ونجاحات موتسارت المتلاحقة مكنته أخيراً من تكوين الثروة التي طالما حلم بها، ولكن هو وأسرته أنفقوا أموالاً طائلة على مظاهر البذخ والترف، وهو ما ارتد عليه بشكل سلبي في سنواته الأخيرة، فقد أهدر الثروة وأعلن أفلاسه وعاد مجدداً لحياة الفقر.
حياته الخاصة :
في عام 1777م انتقلت عائلة موتسارت إلى مدينة مانهايم لتقديم عروضهم، وهناك التقوا بعائلة فريدولن قيبر عازف الكمان، وخلال هذه الزيارة التقى أماديوس للمرة الأولى بالآنسة كونستانزي قيبر، وشعر بانجذاب إليها رغم إنه لم يتقرب إليها بالقدر الكافي ولم ينعم بصحبتها لفترة طويلة، إذ اضطر للرحيل مجدداً لاستكمال رحلاته الأوروبية. ولكن اللقاء تجدد بينهما مرة أخرى في فيينا عام 1781م، وهذه المرة لم يهدر أماديوس موتسارت الفرصة وصارح كونستانزي بحبه وبادلته إياه، وقد كان هناك العديد من المعوقات في طريقهما، أهمها وأكبرها هو عدم موافقة والد كونستانزي على أماديوس، ولكن في النهاية حبهما انتصر وتزوجا في 1782م، وأنجبا ستة أطفال ولكن بسبب سوء الرعاية الصحية لم يبلغ منهم عمر الصبا سوى اثنين فقط.
الإنجاز الموسيقى :
أماديوس موتسارت بالنسبة لغالبية المؤرخين الموسيقيين هو الموسيقى الأبرع في تاريخ الفن ،كما إن له الفضل في تحرير التأليف الموسيقي من القيود المفروضة عليه، وإخراجه من القوالب التي حوصر بها لفترة طويلة، كما ساهم أيضاً في تطوير أسلوب تدوين النوتة الموسيقية، وقد أحدث أماديوس موتسارت كل تلك الإنجازات الغير مسبوقة في فترة زمنية قصيرة، فقد توفي أماديوس وهو دون الثلاثين عاماً، ويقول النقاد إنه ترك إرثاً موسيقياً يكفي البشرية لمئات السنين.
الوفاة :
عاني موتسارت في أيامه الأخيرة من المرض والفقر، حتى إن بعض المؤرخون يؤكدون إنه لم يكن يملك ثمن علاجه، وهو ما أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل سريع، وفي الخامس من ديسمبر 1971م أصيب بحمى شديدة توفي على إثرها. وشيع جثمان الموسيقي العظيم في جنازة لا تليق به بكل المقاييس، فلم يحضر إلى الجنازة سوى خمسة أشخاص فقط من بينهم تلميذه سوسماير، ولم يتوفر المال الكافي لإيجاد مدفن لائق بالموسيقار المبدع، فتم دفنه في مقبرة جماعية في ضواحي فيينا تسمى مقبرة سانت ماركس، ويعتبر المؤرخين الموسيقيين واقعة الدفن هذه هي أكثر حدث مخذل في تاريخ الموسيقى.
حفلات التأبين :
جنازة موتسارت لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن شعبيته ومكانته لدى الجماهير، فحفلات التأبين التي تلت إعلان نبأ وفاته، شهدت حضور كثيف من جماهيره ومحبي موسيقاه، وكانتا براغ وفينا أكثر المدن احتفاءً بالموسيقار العظيم، واهتم أغلب المؤرخين الموسيقيين بتوثيق أعمال موتسارت خلال الفترة التي أعقبت وفاته، وهو ما ساهم في ازدياد شعبيته ووصول أعمله لأكبر قطاع من الجماهير.
أضف تعليق