ناجي العلي هو رسام الكاريكاتير الأشهر في العالم العربي، وهو أكثر عربي أقيمت معارض لرسوماته سواء خلال حياته أو بعد وفاته، وقد عُرِف ناجي العلي بشجاعته ومهاجمته الكيان الصهيوني وسياسات الدول العربية، التي كان يراها -من وجهة نظره- متخاذلة، وقد عاش حياته مهدداً بالموت في كل لحظة، ولكن التهديدات لم ترهبه ولم يقبل المساومة على ما يؤمن به، واستمر في نضاله بسلاح الفن إلى أن لقي حتفه بسلاح الغدر والخسة في 1987م.
ناجي العلي .. من هذا ؟
إن كانت مقولة الفن يولد من قلب المعاناة صادقة، فسيكون ناجي العلي هو الدليل الأكبر على صدقها.. فما سر معاناته؟ وكيف كانت سبباً في تفجير طاقاته الإبداعية؟ وما الأثر الذي تركه والإنجاز الذي حققه؟
مناضل من البداية :
وكأن القدر كتب على ناجي العلي منذ لحظة ميلاده أن يشب مناضلاً، فقد وُلِد العلي في عام 1936م واسمه بالكامل ناجي سليم حسين العلي، وكان ميلاده في قرية الشجرة والتي تقع في شمال فلسطين بين منطقتي طبريا والناصرة، وقد نشأ العلي في كنف أسرة فلسطينية أصلية وبسيطة تعمل بالزراعة، وقد تشكل وعيه الأول من خلالها، وحين بلغ من العمر إثنى عشر عاماً، ومع بدء تمكنه من إدراك حقائق الأمور، اندلعت حرب فلسطين عام 1984م، والتي انتهت بالنكبة الفلسطينية وفرض العصابات الصهيونية سيطرتها على أراضيها.
الترحال :
الاستقرار بالنسبة لـ ناجي العلي هو مصطلح بلا معنى أو مدلول، فلا يمكن للإنسان أن يعي مدلول لفظ لم يشعر به طيلة حياته، فقد بدأ ترحاله في وقت مبكر جداً من حياته، ولعل أسوأ ما في الأمر هو إنه قد أرغم عليه هو وأسرته، فمع بدء عمليات الاجتياح الصهيونية لقرى فلسطين، نزحت عائلة العلي إلى لبنان، ومنذ ذلك الحين لم يعرف للاستقرار معنى ولم يكف عن الترحال يوماً واحداً، فتنقل ما بين لبنان والكويت والسعودية وليبيا وبعض الدول الأوروبية.
الصحوة الفكرية :
أجبر ناجي العلي على إدراك أمور يعجز من هم في سنه على إدراكها، فتجربة النزوح والعيش في مخيم لاجئين بالطبع كانت مريرة، لكنها في الوقت ذاته كانت سبباً في إيقاظ مداركه وتشكيل وعيه، فقد وعى ناجي الطفل لمعاني الاحتلال والتشرد والذل، وعلم إنه وشعبه الفلسطيني أصحاب حق وإن حقوقهم قد سلبت على يد عصابات إسرائيل، وإن عليهم الثأر منهم واسترداد حقوقهم عاجلاً أو آجلاً.
الدراسة :
لم يحظ ناجي العلي بفرصة للتعليم الجيد، فحياته المشتتة وترحاله الدائم أحال دون تحقيق ذلك، لكنه كان كثير الاطلاع محب للقراءة، مما يعني إنه –بشكل ما- قد علم نفسه بنفسه، أما عن دراسته الأكاديمية فقد بدأت في مدرسة اتحاد الكنائس المسيحية في لبنان، ولكنه لم يستمر بها بسبب حاجته إلى المال، التي اضطرته لترك المدرسة والاتجاه إلى العمل في المزارع، وبعد انتقاله إلى طرابلس التحق بمدرسة الرهبان البيض المهنية، ثم استكمل دراسته في بيروت وحصل منها على دبلوم الميكانيكا، ثم انتقل إلى السعودية ليعمل بها ببعض الورش، وفي خضم كل هذه الأحداث المتلاحقة لم ينس العلي موهبته أو يهملها.
الصرخة والرسم :
بدأ ناجي العلي حياته النضالية والإبداعية في وقت لاحق، ففي عام 1960م اتفق مع مجموعة من أصدقائه من حركة القوميون العرب على إصدار نشرة سياسية تحمل عنوان الصرخة، والإصدارات الاولى من تلك النشرات قد نشرت بخط يد العلي نفسه، وفي ذات السنة انتظم ناجي العلي في صفوف الأكاديمية اللبنانية للرسم (أليكس بطرس)، ولكن دراسته بها لم تدم إلا لمدة شهر أو أكثر قليلاً، وذلك بسبب ملاحقات الشرطة اللبنانية له.
بداية عمله الصحفي :
ابتداء من عام 1963م انتقل ناجي العلي إلى دولة الكويت الخليجية، وعمل هناك في مجلة الطليعة رساماً ومحرراً صحفياً، وكان عمله بها ما هو إلا سعي إلى جمع المال، كي يتمكن من استكمال دراسته للفن في القاهرة أو روما، ولكنه كان حريصاً على ألا تدفعه حاجته للمال إلى التخلي عن مبادئه.. عمل بعد ذلك في العديد من الجرائد والمجلات العربية، منها جريدة السياسة الكويتية وجريدة السفير والقبس الدولية وغيرها.
وداد النصر .. رفيقة الرحلة :
ناجي العلي من الشخصيات التي من الصعف فصل حياتها الشخصية عن العامة، فما لاقاه فنان الكاريكاتير الأشهر في العالم العربي من معاناة، وما شُن ضده من هجوم وما تعرض له أحياناً من نبذ، أنعكس بالضرورة على المقربين منه وبصفة خاصة أفراد أسرته، حتى إنه يمكن اعتبارهم رفقاء رحلته النضالية أكثر منهم أسرته. في أوائل التسعينات تعرف على العلي على السيدة وداد النصر، والتي كانت تربطه صداقة بأخيها وأقرابها، وقد أعجب بأفكارها وتجربتها النضالية وإيمانها بالقضية الفلسطينية، فتقرب منها وسرعان ما نشأت بينهما علاقة حب، على الرغم من إن الفارق العمري بينهما إذ كان ناجي العلي يكبر وداد بإحدى عشر عاماً، وفي عام 1999م أعلنا زواجهما، ورُزِق الزوجين بأربعة ابناء هم خالد وليال وجودي وأسامة، ورافقت وداد زوجها في كافة تنقلاته، وصمدت معه في مواجهة الحرب الشعواء التي شنت ضده، واستمر زواجهما واستمرت في دعمها له حتى وفاته في 1987م، ولم تتزوج وداد بعد رحيل العلي وعاشت على ذكراه، ولا زالت حتى اليوم تتحدث عنه بكثير من الامتنان وتعبر عن افتقادها له.
الجوائز والتكريمات :
نال ناجي العلي العديد من الجوائز والتكريمات خلال حياته وحتى بعد وفاته، تقديراً لمكانته وامتناناً لعطائه الفني، ومن أبرز صور التكريم في حياة العلي ما يلي:
- مُنِح اسم ناجي العلي جائزة قلم الحرية الذهبي، وتسلم الجائزة -بدلاً منه- ابنه خالد في إيطاليا، وهو أول صحفي عربي ينال تلك الجائزة.
- في عام 1988م وصفه اتحاد الدولي لناشري الصحف بإنه أحد أعظم رسامي الكاريكاتير منذ القرن الثامن عشر.
- تم إطلاق اسمه على أحد المراكز الثقافية في مدينة بيروت.
- أقامت جريدة السفير مسابقة في الرسم الكاريكاتوري أطلقت عليها اسم مسابقة ناجي العلي للكاريكاتير.
ضمير الثورة :
ضمير الثورة هو اللقب الذي أطلق كثيراً على ناجي العلي ،وهو لقب يلخص مسيرة هذا الفنان المناضل ويبرز تأثيره وإنجازه الأكبر، فقد تمكن العلي وببراعة التعبير عن القضية الفلسطينية وموقف دول العربية منها من خلال رسوماته الساخرة، مما يجعل أعماله الفنية بمثابة عملية تأريخ لمعاناة الشعب الفلسطيني ونضاله.
الاغتيال :
تعرض ناجي العلي لعملية اغتيال في لندن في يوليو 1987م، حيث تم إطلاق الرصاص عليه من قبل مجهول، وتم نقله إلى المستشفى ودخل في حالة غيبوبة استمرت حتى وفاته في 29 أغسطس 1987م، وقد أحدث حادث اغتيال العلي أزمة دبلوماسية بين لندن وتل أبيب، إذ تمكنت الشرطة البريطانية من ضبط المتهم باغتيال العلي وهو فلسطيني يدعى إسماعيل صوان، والذي أقر بأنه نفذ العملية بإيعاز من قادته في تل أبيب، وقد رفضت إسرائيل الإدلاء بأية معلومات لديها قد تفيد في التحقيقات، فقامت مارجريت تاتشر رئيسة وزراء إنجلترا آنذاك بإغلاق مكتب الموساد في لندن.
إرث ناجي العلي :
عاش ناجي العلي حياة حافلة بالأحداث عامرة بالنضال والمواقف البطولية، التي تشهد عليها رسومه الكاريكاترية، ولكنه حين توفي على حين غرة، لم يكن محتفظاً إلا بالقليل من تلك الأعمال، وإن كان بمقدورنا اليوم الاطلاع على إبداعات ناجي العلي ورسوماته الكاريكاترية، فإن الفضل في ذلك يعود لشخص واحد وهو نجله الأكبر خالد العلي، الذي حمل على عاتقه مهمة جمع أعمال والده الراحل وأرشفتها، وقد استغرق ذلك وقتاً طويلاً وتطلب مجهوداً كبيراً لعدة أسباب، منها بُعد الفترة الزمنية فالعلي قد رحل عن عالمنا قبل تسعة وعشرون عاماً، بخلاف إنه كان دائم التنقل ونشر رسوماته بالعديد من الجرائد، وهو ما تطلب من خالد القيام بعملية بحث موسعة، ثم القيام بترميم التالف من الصور بواسطة البرامج الحسوبية لتكون صالحة للنشر.
أضف تعليق