ليزي فيلاسكويز هي إحدى الحالات الإنسانية الخاصة، ليست حالة خاصة لإنها مصابة بمرض شديد النُدرة، إنما هي حالة خاصة لإنها استطاعت تحويل الإحباط إلى حافز والسخرية منها إلى دافع، ليزي فيلاسكويز هي واحدة من ثلاثة حالات فقط حول العالم مصابة بمرض الشياخ، وهي واحدة أيضاً من عدد قليل من البشر، استطاعوا أن يكونوا مُلهمين وقدوة ومثل أعلى للشباب، ليزي هي الفتاة العشرينية التي تحمل بداخلها شعلة حماس لا تنطفئ أبداً، وتنشر ضياء التفاؤل والحب في كل مكان.
ليزي فيلاسكويز .. من تكون :
قناة ليزي فيلاسكويز على الإنترنت تضم الآن حوالي 240.000 مشترك، وحلقتها في برنامج حديث تيد TED Talks عام 2013 حققت نسبة مشاهدة مرتفعة، قدرت بحوالي سبعة ملايين مشاهد للبث الأول.. فما سر انجذاب الأنظار إليها؟ وما التأثير الذي أحدثته وكيف؟
الميلاد المُبكر :
في الثالث عشر من شهر مارس لعام 1989م رُزِق الوالدين ريتا وجوادلوبي فيلاسكويز بابنتهما الأولى، وأطلقا عليها اسم ليزي فيلاسكويز ،وكان ذلك في مدينة أوستن الواقعة ضمن حدود ولاية تكساس الأمريكية، ولكن عملية ولادة ليزي لم تكن يسيرة أبداً، والأمر نفسه ينطبق على فترة حمل أمها بها بشكل عام، وهو الأمر الذي ترتب عليه ولادتها قبل الموعد المفترض بحوالي 4 : 5 أسابيع، وسبب اضطراب الحمل والولادة المبكرة هو معاناة الجنين من خلل وراثي، اكتشف الأطباء فيما بعد إنه متلازمة بروجيريا أو مرض الشياخ، وقد كانت ليزي فيلاسكويز عند ولادتها هزيلة وضعيفة، فقد كان تزن عند ميلادها حوالي رطلين أي ما يعادل واحد كيلو جرام و200 جراماً فقط، وقد رجح الأطباء بعد توقيع الكشف الطبي عليها إنها ستتوفى خلال أيام، إلا إن المعجزة تحققت وترعرعت ليزي الصغيرة إلى أن بلغت طور الشباب.
الأسرة والدعم :
تتحدث ليزي فيلاسكويز في كل مناسبة عن فضل عائلتها عليها ودعمهم لها، وتقول إن والديها لم يُشعراها يوماً إنها تعاني من المرض، أو إنها مصابة بنقص ما، وكانا حريصين على أن تحظى بحياة طبيعية شأنها شأن جميع الأطفال، فقاما بإلحاقها بالمدرسة وأخبراها بإن عليها أن تبقى مرفوعة الرأس دائماً، وإن دعمهم المستمر لها هو ما مكنها من تخطي كافة أزمات حياتها، وهو ما كان يجعلها تتغاضى عن مضايقات الأطفال لها في المدرسة. وتقول ليزي إن لها ثلاثة أخوة أسوياء ولكنها لم تشعر يوماً بأن هناك ما يفرقها عنهم، فقد كان أبويها عبقريان في تعاملهما معها، فكانا يمنحاها الرعاية الفائقة التي تحتاجها دون أن يشعرها بإنها تعاني من المرض.
التعليم :
اتسمت ليزي فيلاسكويز بالذكاء وهو ما ساهم في رفع معدلات تحصيلها العلمي، وفي بداية سنوات دراستها كانت تشتهر وسط الطلبة والمعلمين بمظهرها الشكلي الغريب، ولكنها في السنوات التالية اشتهرت بسبب تفوقها الدراسي، واستمر تفوق ليزي حتى إتمامها لدراستها الثانوية بمدارس أوستن، ثم تمكنت من الالتحاق بصفوف جامعة تكساس وتخصصت في دراسة الاتصالات.
اقبح امرأة في العالم :
لم ترغب ليزي فيلاسكويز يوماً في أن تكون مشهورة، ولم تسع يوماً لأن يسلط عليها الضوء، ولكنها أرغمت على ذلك بسبب واحد من الحمقى، ممن يجدعون متعتهم في التهكم على الآخرين والسخرية من الغير، فقد فوجئت ليزي بصباح أحد الأيام بانتشار مقطع فيديو لها ومجموعة من صورها الخاصة على الإنترنت، بعد أن تم وضع عليها عنوان (شاهد.. المرأة الأكثر قبحاً في العالم)، بالتأكيد شكل الأمر صدمة قوية بالنسبة لها، خاصة حين اطلعت على كم التعليقات السخيفة أسفل الفيديو، والتي كان من بينها تعليقات لأشخاص يطالبونها بالانتحار، ويقولون لكان ذلك خيارهم إذا ما كانوا في موقفها، أحبطت ليزي لفترة وشعرت بالقهر جراء ذلك التصرف الغير مسئول من قبلهم، لكنها حين فكرت رأت إن حياتها ملك لها وحدها، ولا يحق لأحد أيا كان أن يتدخل بها أو يخبرها بما عليها فعله، ومنذ ذلك الحين قررت أن تواجه هؤلاء المتهكمين والمجتمع بل والعالم بأسره.
تدينها :
أثيرت العديد من الأقاويل حول اعتقاد ليزي فيلاسكويز الديني، فروج البعض إلى إنها ملحدة أو معتنقة لفلسفة اللادينيين، ولكنها خرجت في وقت لاحق وأوضحت صراحة إلا إنها تؤمن بوجود الله، فليزي قد نشأت في ظل أسرة كاثوليكية، وظلت هي على ديانتها المسيحية طيلة حياتها، بل تقول إن معاناة المرض زادتها إيماناً على إيمانها، وتقول إنها بسبب حالتها الخاصة كانت سبباً في جعلها أكثراً قرباً من الخالق، وترى إن أكبر النعم التي أنعم بها عليها هي نعمة مرضها، الذي كان سبباً في تغيير مجرى حياتها ودافعها إلى تحقيق ما حققته من إنجازات.
طبيعة مرضها :
مرض ليزي فيلاسكويز وحالتها الصحية النادرة هما سبب معاناتها، وفي الوقت ذاته كانا السبب الرئيسي في تحول مسار حياتها، وكذلك كانا دافعها نحو النجاح وتحقيق طموحتها، وأمام كل ذلك فلا يمكن استعراض سيرتها وتأثيرها ونجاحاتها، دون التوقف أمام تلك الحالة الطبية النادرة والتعرف عليها.. المرض الذي تعاني منه ليزي فيلاسكويز يسمعى متلازمة بروجيريا أو مرض الشياخ واختصاراً يسمى HGPS، وهذا المرض ما هو إلا اضطراب وراثي شديد الندرة، وتقريباً لم تسجل إلا ثلاث حالات إصابة به فقط حول العالم، إحدى هذه الحالات هي ليزي، وذلك المرض يقصد به تعرض الإنسان لمظاهر الشيخوخة في وقت مبكر جداً من عمره، والشيخوخة هنا يقصد بها المظاهر الشكلية والتأثيرات العضوية في ذات الوقت، أي إن الحالة الصحية للمصاب في عمر الطفولة والشباب، تكون متماثلة بقدر كبير للحالة الصحية للطاعنين في السن، ولهذا فإن العلماء يقولون بإن هذا المرض قد يسبب الوفاة في منتصف المراهقة أو أوائل العشرينات.
القلب الشجاع :
القلب الشجاع هو اللقب الذي حملته ليزي فيلاسكويز منذ ظهورها الأول على شبكة الإنترنت، وقد قام بإطلاقه عليها نشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيراً منهم عن إعجابهم بتلك الفتاة الشابة، التي لم تدفن رأسها في الرمل أو تحاول الاختباء من الأنظار، وقررت أن تواجه العالم أجمع بحقيقة مرضها، فاستحقت عن جدارة أن تُلقب بالقلب الشجاع، والسبب الآخر والمهم الذي جعل ليزي فيلاسكويز تحظى باحترام متابعي الإنترنت، هو إن أسلوبها في الحديث خلال مقطع الفيديو الذي نشرته للرد على من قالوا عنها أقبح امرأة في العالم، لم تكن تشكو مرضها أو تحاول كسب تعاطف الناس، وإنما كانت تتحدث بثقة وبلهجة من يُقر واقع ويوضح الحقائق لا أكثر ولا أقل.
تأثيرها وإنجازها :
ما فعلته ليزي فيلاسكويز جعل منها رمزاً للصمود والإصرار والنجاح، وصارت ملهمة بالنسبة للكثيرين من المحبطين والمتخبطين، فهي من استطاعت أن تحول حياتها من النقيض إلى النقيض، ولم تستسلم لويلات المرض أو نظرات الآخرين وتهكماتهم، بل إن مقطع الفيديو المحبط الخاص بها الذي تم بثه على الإنترنت، كان هو دافعها إلى تغيير مجرى حياتها، والحافز الذي أشعل حماسها ومكنها من تحقيق أهدافها في الحياة.
ليزي الكاتبة والمحاضرة :
تعتبر ليزي فيلاسكويز واحدة من أكثر الشخصيات إلهاماً للشباب في العالم، وتقوم بإلقاء العديد من المحاضرات التفاعلية، التي تهدف إلى تفجير القدرات الكامنة لدى الأشخاص، وتخليصهم من مشاعر الإحباط والتخبط السلبية، وقد بدأت مسيرة ليزي بنشرها لمقطع فيديو على موقع يوتيوب توضح به حقيقة مرضها، وكيف تمكنت من التعايش معه وكيف استطاعت ألا تجعله عائقاً في طريق طموحها، وفي عام 2010م قامت بكتابة سيرتها الذاتية بمعاونة زملائها، وقد حقق الكتاب نسبة مبيعات كبيرة وتمت ترجمته إلى اللغة الإسبانية، وهو ما شجعها على طرح كتابها الثاني بعنوان كن جميلاً كما أنت، وهو الكتاب الذي يحمل رسالة مفادها أن الجمال الجوهري أهم من الظاهري، وإن حقيقة الإنسان تكمن في أفعاله وتأثيره وليست في مظهره الشكلي الذي كثيراً ما يكون مُخادع.
أضف تعليق