سيف الدين قطز هو أحد أبرز القادة في التاريخ الإسلامي والعربي، يشتهر بقيادته لجيش المسلمين في مواجهة جحافل التتار، وإنه القائد الوحيد الذي استطاع كسر شوكتهم وصد عدوانهم الغاشم، ولكن سيف الدين قطز لم يكن قائداً تقليدياً، فهو لم يرث القيادة أو منصبه كحاكم، بل إنه شق طريقه من السفح حتى بلغ القمة، ورغم إنه كان يلقب بالسلطان المظفر إلا إنه بدأ حياته كمملوك أو أقل.
سيف الدين قطز .. من هذا ؟
سيف الدين قطز يملك حياة فريدة فبقدر ما تحفل به من إنجازات وانتصارات، مليئة بالمتاعب والمعاناة، فكيف كانت مسيرته؟ وما المتاعب التي واجهها؟ وما الإنجازات التي حققها؟
أصله ونسبه :
سيف الدين قطز وُلِد باسم الأمير محمود بن ممدود الخوارزمي، ولم يتذكر المراجع التاريخية العام الذي وُلِد به بشكل دقيق، ولكن هناك توافق على إن ذلك كان في عام قريب من العام 628هـ الموافق 1231 بالتقويم الميلادي. يرجع أصل سيف الدين قطز إلى بلدة خوارزم، وقد كان من ابناء الطبقة الحاكمة بها، فالسلطان جلال الدين الخوارزمي هو خاله وفي ذات الوقت ابن عم والده، وقد توفي الأمير ممدود أثناء قتاله لجحافل المغول وابنه محمود لا يزال بالمعهد، فلم ينعم برؤياه إلا لأيام قليلة والطفل نفسه لم يفطن إلى ملامح أبيه، وكان ممدود قد أوصى خاله السلطان جليل الدين بإيواء طفله ورعايته حال استشهاده، وهو ما تم فنشأ محمود أو قطز إلى أن بلغ عمر الصبا في قصر خاله جلال الدين الخوارزمي.
فارس في سوق العبيد :
أحسن السلطان جلال الدين تربية ابن شقيقته سيف الدين قطز والمعروف آنذاك باسم محمود بن ممدود، وكحال الأمراء من ابناء الأسرة الحاكمة، حرص على تعليمه ركوب الخيل في وقت مبكر جداً من عمره، وحين بلغ محمود عمر العاشرة تقريباً كان فارساً بحق، يجيد امتطاء الخيول وتلقى تدريبات مكثفة على استخدام السيوف والأسلحة، ولكن حياته الوردية لم تستمر على ذلك الحال لفترة طويلة، فقد دارت الدائرة على مملكة جلال الدين الخوارزمي، واجتاحتها جحافل التتار فقتلوه ودمروا مُلكه وشردوا شعبه، وكان الأمير محمود بن ممدود من بين من سقطوا أسرى في أيدي التتار، ولقي مصير كافة الغلمان ممن تم أسرهم، إذ تم التوجه بهم إلى أسواق العبيد فتم بيعه هناك إلى واحد من أثرياء الشام.
علاقته بالعز بن عبد السلام :
أحسن ثري الشام رعاية قطز الصغير رغم إنه عبداً لديه، فلم يهنه أو يقسو عليه، بل -على العكس- اهتم بتعليمه اللغة العربية وأصول كتابتها ونطقها، ولكن أيضاً ذلك الاستقرار الظاهري لم يستمر في حياة سيف الدين قطز لفترة طويلة، إذ توفي الرجل الطيب وكان قطز من ضمن ما ورثه ابنه عنه، وكان ابنه مُتكبر سىء الطباع، فلم يعامله برفق أو إحسان وأهانه وعذبه وفي النهاية باعه لرجل آخر من أثرياء الشام، وكان ذلك الرجل من كبار معاوني الشيخ العز بن عبد السلام، وكان يصحب قطز معه إلى مجالس الشيخ الجليل، الذي أحب قطز وعطف عليه فقربه منه، ولقنه بعضاً مع علوم الدين وحَفظه القرآن الكريم وعلمه الحديث الشريف.
الحرب ضد الصليبين :
حين اندلعت الحروب الصليبية وبلغت حدود دمشق، استأذن سيف الدين قطز سيده في الانضمام إلى الجيش وقتالهم فأذن له، وأبلي قطز بلاءً حسناً في الحرب جذب له الأنظار، وقيل إنه كان يحارب وكأنه وُلِد فارساً، فقد كان يخفي هويته الحقيقية وبالتالي لم يكن يعلم أحداً إنه وُلِد فارساً بالفعل، وبعد فترة عقد الصالح إسماعيل هدنة مع جيوش الصليبين، فهب حاكم مصر الصالح نجم الدين أيوب لمحاربتهم، وحينها طلب سيف الدين قطز من مولاه أن يبيعه إلى السلطان الصالح، حتى يستمر في جهاده في سبيل الله ومحاربته الصليبيين الطامعين في أوطانه، وقد وافق الثري الشامي على ذلك وأهداه بالفعل إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب.
مدرسة المماليك :
كان بيع سيف الدين قطز إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب بوابة عبوره إلى دنيا السياسة، حيث عهد به الصالح إلى أحد قادة الجيش من المماليك المقربين منه، وهو الأمير المملوكي عز الدين أيبك، والذي قام بإلحاق قطز بمدرسة المماليك حيث أكمل بها تعلمه للغة العربية، كما تلقى تدريبات مكثفة على أستخدام مختلف الأسلحة وإتقان فنون القتال، وبفضل تلقيه التدريبات القتالية في وقت مبكر في قصر -خاله- السلطان جلال الدين، كان دوماً سابقاً أقرانه متفوقاً عليهم محط أنظار وإعجاب قادته، فقربه عز الدين أيبك منه، وحين لمس فيه الخصال الطيبة من الصدق والأمانة صار أقرب المماليك إليه على الإطلاق.
سلطنة مصر :
حين اقترب زحف التتار من حدود مصر كان يرأسها السلطان نور الدين المنصور بن أيبك، وكان المنصور صبياً ليس على دراية كافية بطرق إدارة البلاد، وكان من المستحيل أن يقف أمام جحافل التتار، والتي أحدثت أنباء اقترابهم اضطرابات بالغة في البلاد، فقد كان الذعر يسيطر على العامة، وبدأ الأعيان في تصفية أعمالهم والفرار بما يقدرون على حمله من أموال وبضائع، وكان سيف الدين قطز وكبار مصر من القادة والعلماء يدركون هذه الحقيقة، ويدركون طبيعة الخطر الذي يحيق في البلاد، وأثنا مجلس القادة وفي حضور المنصور نفسه، خطب سيف الدين قطز محدثاً الجميع عن ضرورة وجود قائد قادر على إدارة البلاد وإخراجها من محنتها، وضمن الخطاب ذاته أعلن أنقلابه على المنصور ونصب نفسه محله، وقد لقي قرار هذا استحسان وتأييد عدد كبير من قادة المماليك، واصطفوا خلفه بصفته سلطانهم الجديد لمواجهة خطر المغول الوشيك.
عين جالوت :
رفض سيف الدين قطز التفاوض مع قادة التتار أو المغول، وذلك ليس مكابرة وإنما لعلمه إن مفاوضاتهم يقصد بها إملاء الشروط، كما إنه عرف عن قادتهم الخيانة وعدم الوفاء بالعهود، وكون جيشاً جراراً من الأفراد والفرسان، وقرر الخروج لمجابهة جحافلهم خارج الحدود المصرية، وبالفعل اصطدم معهم بأكثر من معركة كبدهم خلالها خسائر فادحة، أبرزها معركتي عكا وغزة، أما المواجهة الثالثة فقد كانت عند سهل عين جالوت، الذي دخله المغول في الثالث من ستبمبر عام 1260م وكان يوافق يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، وكان سيف الدين قطز ومعاونه الظاهر بيبرس متربصين لهم، وفور توغلهم بالطريق هاجمهم جيش المسلمين من كل جانب، ونكلوا بهم وقتلوا أعداداً كبيرة منهم وكانت تلك هي الضربة القاصمة لظهر المغول بحق، فلم تقم لهم قائمة بعدها وانتهى بذلك خطرهم إلى الأبد.
مقتله :
الأمر الثابت الوحيد هو إن سيف الدين قطز قد قتل بعد معركة عين جالوت بحوالي خمسين يوماً فقط، أما أسباب قتله وحقيقة قاتله فهي محل خلاف بين المؤرخين، ولكن أغلبهم قد توافقوا على إن قاتليه هم جماعة المماليك الحربية بقيادة صديقه الظاهر بيبرس، وإن دافعهم هو الثأر لقائدهم فارس الدين أقطاي الذي كان قطز قد قتله في زمن ولاية أيبك، وهناك رواية أخرى تقول بأن هناك من وشى إلى بيبرس بأن قطز يدبر للخلاص منه، فبادر هو بفتله طمعاً في خلافته في منصب السلطنة.
أثره :
سيف الدين قطز من الشخصيات التي خلد التاريخ ذكراها في أنصع صفحاته، فهو البطل المغوار الشجاع الذي صد جحافل المغول البربرية، وقضى على أسطورتهم التي طالما أثارت الفزع ونشرت الخراب، وهو من أهم القادة في التاريخ العربي وأكثرهم شهرة، وذلك وفق ما رواه عنه كبار المؤرخين والعلماء ممن عاصروه أو جاءوا في عصور لاحقة عليه، مثل ابن كثير والإمام الذهبي وابن عماد الحنبلي وغيرهم.
حلوة جداً (Y) 🙂