نور الشريف هو جزء أصيل من تاريخ الفن والثقافة، هو شخص حباه المولى بموهبة صعبة التكرار وقد أحسن استغلالها وأجاد تطويعها، فصنع تاريخ حافل بالأعمال السينمائية والتلفزيونية المميزة، والتي أغلبها تشكل علامات في تاريخ الفن المصري والعربي، وأهم ما يميز إنتاج نور الشريف هو تنوعه، فقد جسد شخصيات مختلفة وقدم أنواع درامية متباينة، منها الكوميدي ومنها التراجيدي، كما برع في تجسيد الشخصيات التاريخية، مستعيناً في ذلك بإجادته للغة العربية وقدرته على إخراج الألفاظ بالشكل السليم، واختصاراً فإن نور الشريف أسطورة فنية عربية من الصعب تكرارها.
نور الشريف .. من هذا :
استحق نور الشريف بجدارة أن يدرج بقائمة أهم 50 ممثلاً في تاريخ السينما المصرية، وفي نظر الكثيرين هو أهمهم على الإطلاق. فكيف كانت مسيرته الفنية وما التأثير الذي أحدثه؟ وكيف صار أحد أهم الشخصيات المؤثرة في تاريخ الفن العربي؟
الميلاد واليُتم :
نور الشريف من مواليد حي السيدة زينب بالقاهرة، وأصوله تعود إلى مركز مغاغا بمحافظة المنيا بصعيد مصر، اسمه الحقيقي محمد جابر محمد عبد الله، وقد عانى من اليُتم في وقت مبكر جداً من طفولته، وقد تأثر بذلك تأثراً شديداً، حتى إنه في شبابه أجل فكرة الزواج أكثر من مرة، خشية أن يتوفي في عمر صغير كما حدث مع والده، فيذيق أطفاله معاناة فقدان الأب التي ذاقها هو في طفولته.
الموهبة المُبكرة :
برزت موهبة نور الشريف التمثيلية منذ طفولته، وكان أول اختبار لها على خشبة المسرح المدرسي، فقد كان دائم المشاركة بالأنشطة الفنية طوال سنوات دراسته، وموهبته الفريدة كانت سبباً في شهرته وسط زملائه ومدرسيه، ومنهم من نصحوه بعدم إهمال تلك الموهبة والعمل على تنميتها، وخلال فترة دراسته الثانوية ازداد شغفه وتعلقه بفن التمثيل، وصار حلمه الأول هو أن يحترفه ويصبح مهنته، وبناء على ذلك تقدم بأوراقه إلى معهد الفنون المسرحية فور إتمامه لدراسته الثانوية، والذي تخرج منه عام 1967م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وجاء في المرتبة الأولى متوفقاً على جميع خريجي هذا العام.
الشريف لاعباً :
التمثيل لم يكن الهواية الوحيدة التي يحبها نور الشريف أو يجيدها، فقد كان يمتلك موهبة فريدة أيضاً في كرة القدم، وقد اتخذ عدة خطوات نحو عالم الاحتراف، ولعب ضمن صفوف ناشئ نادي الزمالك، ولكن حين تعارض استمراره في عالم كرة القدم مع عمله في الفن، غلب حب التمثيل في قلبه حب الرياضة، فلم يعد يمارس الكرة إلا كهاو فقط، وعرف طيلة حياته بانتمائه لنادي الزمالك وعشقه الشديد له، وقد استفاد من مهاراته الكروية في وقت لاحق، حين قدم شخصية اللاعب شحاتة أبو كف بفيلم غريب في بيتي.
مسيرته الفنية :
تم اكتشاف نور الشريف على يد المخرج المصري سعد أردش، والذي قدمه لأول مرة على خشبة المسرح من خلال دور صغير بمسرحية الشوارع الخلفية، ثم تعاون مع المخرج كمال عيد في مسرحية روميو وجوليت، وقد شاهده عادل إمام -والذي كان آنذاك ممثلاً شاباً- وهو يؤدي بروفات المسرحية، ثم سمع إن المخرج حسن الإمام يبحث عن ممثل شاب ليجسد شخصية كمال في فيلم قصر الشوق، فرشح له الشاب الذي يعمل بمسرحية روميو وجوليت، وحين شاهده حسن الإمام أُعجب بموهبته وتمكنه من أدواته كممثل، فمنحه الدور بالفعل، ليقدم الشريف بذلك أول أعماله السينمائية، والتي نال عنها شهادة تقدير كأفضل نجم صاعد عن هذا العام، ومنذ ذلك الحين انطلق سهم الشريف في سماء الفن، وتوالت أدواره وتدرجت في أهميتها ومساحتها، إلى أن صار بطلاً مطلقاً للعديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، والتي أغلبها تعتبر علامات في تاريخ الفن العربي، ومن أشهرها أفلام: ضربة شمس، العار، جري الوحوش، زمن حاتم زهران، المطارد، عمارة يعقوبيان، كتيبة الإعدام، سواق الأتوبيس، ومن أعماله الدرامية الخالدة: لن أعيش في جلباب أبي، الرجل الآخر، الدالي، خامس الخلفاء، الأمير المجهول.
حياته الخاصة :
حياة نور الشريف الخاصة رغماً عنه كان دوماً يسلط عليها الضوء، ليس فقط لنجوميته إنما لإنه أيضاً تزوج من نجمة سينمائية، هي الفنانة بوسي، والتي جمعتهما قصة حب هي الأشهر في تاريخ الوسط الفني العربي، وكللت بالزواج في عام 1967م الذي دام حتى وفاة الشريف 2015م، وتخللتها فترة من الانفصال الذي لم يُوضح أي منهما أسبابه، وأنجبا ابنتين هما سارة ومي نور الشريف.
جوائز وتكريمات :
ما بلغه نور الشريف من مكانة لم يبلغه سوى عدد قليل من فناني ونجوم العرب، ومشواره الفني حافل بالعديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية المميزة، التي أثرى بها الحياة الفنية والثقافية في مصر، وبناء على هذا كله كان من الطبيعي أن يُكرم، ويحصل على العديد من الجوائز عما قدمه، ومن أبرز جوائزه ما يلي:
- نال أربعة جوائز عن أدائه المتميز بفيلم يا رب توبة.
- نال جائزتين عن فيلمه الشيطان يعظ.
- ثلاث جوائز عن أدائه بفيلم قطعة على نار، منهما جائزة مقدمة من جمعية كتاب ونقاد السينما وأخرى من جمعية الفيلم المصري.
- نال جائزة أفضل ممثل بمهرجان القاهرة السينمائي عن دوره بفيلم ليلة ساخنة.
- نال جائزة أفضل ممثل عن فيلم سواق الأتوبيس بفاعليات مهرجان نيودلهي السينمائي.
- تم تكريمه عن مجمل أعماله في افتتاح مهرجان دبي السينمائي بدورته الحادية عشر عام 2014م.
- نال العديد من الجوائز كأفضل ممثل عن آخر أفلامه بتوقيت القاهرة، منها جائزة مهرجان القاهرة ومهرجان المركز الكاثوليكي.
- تم تكريم نور الشريف بعد وفاته من قبل إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي دورة عام 2015م.
نور القضية الفلسطينية :
كان نور الشريف دوماً مهموماً بقضايا وطنه العربي، وعلى رأس تلك القضايا –بطبيعة الحال- القضية الفلسطينية، والتي فرضت نفسها على العديد من أعماله الدرامية، أشهرها فيلم ناجي العلي والمسلسل التلفزيوني ماتخافوش، وبالطبع مسرحية لن تسقط القدس التي سلط من خلالها الضوء على آليات تزييف الوعي العربي، ولإضعاف المجتمعات العربية وبالتالي ضمان استقرار أوضاعها بالأراضي المحتلة، وعلاوة على هذا وذاك فقد كان دائم الحديث عنها في اللقاءات التلفزيونية، وبعد وفاة النجم نور الشريف تم تكريمه من قبل الفلسطينيين، إذ منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) اسم الشريف وسام الثقافة والعلوم والفنون، وتسلم الوسام زوجة الراحل الفنانة بوسي وابنته مي نور الشريف
أثره وإنجازه :
نور الشريف لا ينتمي إلى مدرسة فنية بقدر ما يعد هو مدرسة في ذاته، فقد كان يتعامل مع الفن باعتباره سلعة ثقافية في المقام الأول، وفي نظره الدراما هي الوسيلة الأكثر قدرة على نشر الثقافة والارتقاء بالوعي، وقد طبق الراحل الشريف نظريته هذه في مختلف أعماله التي قدمها، فكانت النسبة الكبيرة منها تحمل رسائل وتؤرخ لوقائع وتسلط الضوء على أهم القضايا الاجتماعية والسياسية، كما ساهم في نقل العديد من الأعمال الأدبية إلى الشاشات.
صانع النجوم :
الشهرة والمجد وعالم الأضواء لم تله نور الشريف عن دوره، فبعد ما حققه من نجاح في عالم الفن وصار نجماً من نجوم الصف الأول، رأى إن الواجب يحتم عليه مد يد العون لجيل الشباب، وتقديم جيل من المبدعين يحملون الراية خلفاً لجيله، وبينما غالبية النجوم يرددون تلك العبارات كشعارات فقط، إلا إن نور كان قوله وفعله سواء، وبالفعل كان يحرص في كل عمل جديد أن يمنح الفرصة لمجموعة من الشباب بمختلف الفروع الفنية، والعديد منهم صاروا اليوم من مشاهير الفن العربي، على رأسهم أحمد السقا الذي قدمه في دور صغير بفيلم ليلة ساخنة، وأحمد داود بمسلسل عرفة البحر، بجانب مجموعة الشباب الذين اشتهروا باسم ابناء الدالي، وهم حسن الرداد وعمرو يوسف وأحمد صفوت وأيتن عامر ومي نور الشريف، والذين صاروا نجوماً بالفعل مع عرض الجزء الثالث من نفس المسلسل.
الوفاة :
عاني نور الشريف خلال سنواته الأخيرة مع المرض، الأمر الذي أبعده عن الموسم الرمضاني لثلاث سنوات متتالية، وفي الحادي عشر من أغسطس تناقلت وسائل الإعلام نبأ وفاته، والذي اغتم له الملايين من محبيه بأرجاء الوطن العربي، وتم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة، حضرها عدد لا يحصى من نجوم الفن والمجتمع، كما تم نعيه من قبل العديد من المؤسسات والجهات والدول.
أضف تعليق