إحسان عبد القدوس هو اسم كفلت أعماله الأدبية له الخلود، فرغم إنه توفي في الحادي عشر من يناير لعام 1990م، إلا إن رواياته لا زالت تحقق نسبة مبيعات مرتفعة حتى يومنا هذا، ولا تزال الجماهير تذكر الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي أخذت عنها، ومن أشهرها لن أعيش في جلباب أبي ويا عزيزي كلنا لصوص ولا أنام وغيرها، ولكن ليست الروايات الأدبية وحدها هي ما صنعت اسم إحسان عبد القدوس ،وجعلته أحد أعمدة الثقافة العربية، فللرجل تاريخ نضالي حافل، فهو حامل لواء الحرية صاحب الآراء المعارضة اللاذعة الشجاعة، وقد دفع ثمن نضاله باهظاً بدءاً بالمنع وانتهاءً بالاعتقال، وكل هذا لم يثنه يوماً عن مواقفه.
إحسان عبد القدوس .. من هذا :
إحسان عبد القدوس لم يكن فقط صحفياً وأديباً تقليدياً، بل كان نموذجاً مثالياً للكاتب والمفكر، صاحب الآراء والمواقف المدافع عن مبادئه والمتمسك بها.. فما سيرته؟ وما إنجازاته؟ وعن ماذا كان يدافع وكيف؟!
الميلاد وتكوين الشخصية :
في الأول من يناير لعام 1919م وُلِد الأديب إحسان عبد القدوس لواحدة من الأسر المصرية العريقة والمثقفة، فوالدته هي السيدة روز اليوسف الكاتبة الصحفية، ووالده هو الممثل والمؤلف محمد عبد القدوس، أما جده لوالده فهو الشيخ رضوان أحد علماء وأعلام الأزهر الشريف، وعشا إحسان طفولة مشتتة ما بين منزل والدته ومنزل جده، وكان لذلك بالغ الأثر في تكوين شخصيته، فقد كان يتنقل بين بيئتين مختلفتين في كل شىء تقريباً، فبيت جده عرف عنه الانضباط الأخلاقي والالتزام الديني، ويقال إن الشيخ رضوان كان متشدداً في كل ما يتعلق بتعاليم الدين، أما والدته فقد كانت نموذج للمرأة المثقفة العاملة الداعية للتحرر والمساواة، ورغم إن هذا التخبط أصاب إحسان عبد القدوس في البداية بما يشبه الصدمة، إلا إنه كان له فيما بعد عظيم الأثر في تكوين شخصيته، إذ شب معتدلاً فلا هو متشدد لحد التعصب ولا هو متحرر بإفراط، بجانب إنه كان يحضر مجالس جده ووالدته، فكان يستمع لما يدار بها من نقاشات اجتماعية وسياسية، وهذا كله ساهم في تنمية وعيه ومداركه، وجعله يتفكر في أمور وأشياء تفوق عمره بسنوات.
التعليم وعمله بالمحاماة :
تلقى إحسان عبد القدوس تعليمه الأول في مدرسة خليل آغا بالقاهرة، ثم التحق بمدرسة فؤاد الأول وحصل منها على الشهادة الثانوية، وخلال تلك الفترة كان يريد إحسان أن يصبح محامياً، وبالفعل التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة وتخرج فيها، وبالفعل عمل لفترة من حياته بمهنة المحاماة، ولكنه لم يستمر بها طويلاً ويصف إحسان نفسه بـ(المحامي الفاشل)، وكان خلال تلك الفترة يمارس التدوين والكتابة الأدبية كهواية، وبعدما تيقن من فشله كمحامي قرر أن يحول هوايته إلى مهنة، فاتجه منذ ذلك الحين إلى العمل بمهنة الصحافة.
مسيرته الصحفية :
كون والدة إحسان عبد القدوس واحدة من أعمدة الصحافة المصرية جعل بداياته في هذه المهنة –على عكس المتوقع- بالغة الصعوبة، فقد كان يشاع عنه إنه التحق بالعمل بالصحافة عن طريق الوساطة، وكان يشار إليه بـ(ابن روز)، وكان ذلك يؤلم إحسان كثيراً، ولكنه قبل التحدي وبالفعل خلال سنوات قليلة أثبت استقلاليته وجدارته بالعمل بالمجال الصحفي، وحين بلغ سن الثامنة والعشرين كان يرأس تحرير مجلة روز اليوسف التي أسستها والدته، وبعد فترة وجيزة تنازل عن منصبه لأحمد بهاء الدين وتولى رئاسة تحرير أخبار اليوم.
حياته الشخصية :
لم يكن إحسان عبد القدوس يتكلم كثيراً عن حياته الشخصية، ولكن كشفت عنها الستار الكاتبة الدكتورة لوتس عبد الكريم، والتي كانت من المقربات إلى عائلة أديبنا الكبير، وكشفت العديد من الأسرار المتعلقة بحياته بعيداً عن الأضواء والمعارك من خلال كتابها المتناول لسيرته الذاتيه، وروت عن إحسان عبد القدوس إنه لم يكن راغباً في الارتباط بسيدة عاملة، أو بمعنى أدق عاشقة للعمل، فقد كان يريد إنسانة المساحة الأكبر بحياتها تكون مفرغة له وللابناء، وفي ذات الوقت كان شرطاً أساسياً بالنسبة له أن تكون محبة له ومتقبلة لعيوبه، أي تكون محبة لإحسان الإنسان وليس الكاتب البارز، وكان سبب اختياره لامرأة غير عامة هو إنه كان يبحث عن الاستقرار، الذي افتقده في طفولته بسبب اهتمام والدته المبالغ فيه بعملها، حتى إن حياتها العائلية كانت ثانوية بالنسبة لها، أما حياتها العملية فقد كانت هي الأساس. وجد إحسان ضالته في السيدة لواحظ المهيلي أو (لولا) كما اعتاد أن يناديها، فتزوج منها وأحسن عشرتها وكان محباً لها حتى إنه كان يصفها دائماً بالمُلهمة، ورُزِق الزوجان -إحسان ولولا- بولدين هما محمد وأحمد.
مناضل من أجل الحرية :
كان إحسان عبد القدوس مناضلاً بشهادة كل من عاصروه، ويشهد على ذلك كل من اطلع على كتاباته وهو عالم بالحال السائد بالبلاد زمن كتابتها، ويكفي القول بإنه كان أول من أثار قضية الأسلحة الفاسدة في عام 1948م من خلال كتاباته في روز اليوسف، وأشار بإصبع الاتهام إلى عدد من الأمراء وكبار ضباط الجيش، وحتى بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وتولي تنظيم الضباط الأحرار زمام الأمور، استمر عبد القدوس في نضاله ومناداته بضرورة إقامة حياة ديمقراطية دستورية، وقد تعرض إحسان عبد القدوس للعديد من الضغوط خلال حياته، لكنه لم يتنازل يوماً ولم ينخفض صوته ولم يقبل المساومة على مبادئه وما يؤمن به.
الانتماء السياسي :
كان إحسان عبد القدوس نموذجاً للأديب أو المفكر كما يجب أن يكون، فقد كان حريصاً طوال حياته على أن يكون ملكاً للقارئ فقط، دون أن يحسب نفسه على أي حزب أو فصيل سياسي بعينه، وقد أشيع لفترة إنه شيوعياً بسبب إفساحه المجال أمام المركسيين للتعبير عن أنفسهم عبر صحيفته، وفي زمن آخر أشيع عنه النقيض فقيل بأنه عضواً بجماعة الإخوان المسلمين، وكان إحسان يقول دوماً بإنه لا ينتمي إلا لوطنه، ومصلحة الوطن والشعب هما دافعه الوحيد لتأييد هذا أو معارضة ذاك.
التحرر الأدبي :
كان إحسان عبد القدوس من أوائل الأدباء العرب عامة والمصريين خاصة ممن دعوا إلى تحرر النصوص الأدبية من قيود الأعراف والتقاليد والمفاهيم، فكان من أوائل من تناول قصص الحب البعيدة كل البُعد عن الحب العذري، وإن التجارب التي سبقته قدمت ذلك النوع من الغزل على استحياء، ولكن تجدر بنا الإشارة هنا إلى إن إحسان عبد القدوس لم يقع في فخ الابتذال، فقد كان يقدم نصوصاً أدبية مُحكمة وبديعة، ولم يكن يضيف إليها إلا ما يخدم السياق الدرامي ويساهم في دفع وتيرة الأحداث ويوضح للقارئ طبيعة الشخصيات وعلاقتهم.
ترجمة كتاباته :
إحسان عبد القدوس هو أحد سفراء الثقافة العربية، فقد تمت ترجمة العديد من كتاباته إلى عدد كبير من اللغات الأجنبية، ولم يقتصر الأمر فقط على اللغات الشائعة في العالم الغربي وهم الإنجليزية والفرنسية، بل إن كتابات عبد القدوس قد ترجمت حتى للغات المحلية، ومنها اللغة الصينية، ويعد إحسان عبد القدوس هو أكثر كاتب عربي نقلت كتاباته إلى تلك اللغة ونُشرت بالمناطق الناطقة بها.
الجوائز والتكريمات :
أثرى إحسان عبد القدوس الحياة الثقافية المصرية والعربية بالعديد من الأعمال، والتي أغلبها يعد من أيقونات الأدب المصري وأعماله البارزة، وكاتب بهذا القدر لم يكن من الممكن أن تغفله الجوائز والتكريمات فنال منها العديد، ومن أهم التكريمات والجوائز في مشوار عبد القدوس الأدبي ما يلي:
- فازت روايته دمي ودموعي وابتسامي بالجائزة الأولى عام 1973م.
- فاز جائزة أفضل قصة وسيناريو عن فيلمه الرصاصة لا تزال في جيبي.
- نال إحسان عبد القدوس جائزة الدولة التقديرية للآداب في عام 1989م.
- منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.
- منحه الرئيس المخلوع حسني مبارك وسام الجمهورية.
أضف تعليق