ماري إنطوانيت بلا جدال هي إحدى الشخصيات المؤثرة في التاريخ الفرنسي، على الرغم من إنها لم تقصد إحداث ذلك التأثير، فقد كانت على الدوام أداة سياسية يستخدمها غيرها، في البداية استغلت ماري أنطوانيت من قبل والدتها ملكة النمسا، ثم فيما بعد وبسبب جهلها بأمور السياسة وكيفية إدارة الدول، كانت أحد أسباب اشتعال الثورة ضد زوجها الفرنسي لويس السادس عشر.
ماري أنطوانيت .. من تكون :
ولدت ماري أنطوانيت فوجدت نفسها منخرطة رغم أنفها في عالم السياسة، بدأت حياتها ابنة لملكة الامبراطورية النمساوية، وأنهتها كزوجة لملك فرنسا، فكيف كانت حياتها ما بين هذا وذاك؟ وما التأثير الذي أحدثته وكيف؟
الميلاد والنسب :
ترجع أصول الملكة ماري أنطوانيت إلى الأمبراطورية النمساوية، وقد ولدت في هامبورج بمدينة فيينا النمساوية، وكان ذلك في الثاني من شهر نوفمبر لعام 1755م، والدتها هي الملكة تيريزا ملكة النمسا ووالدها فرانشيسكو ستيفانوا، وكان للزوجين ستة عشرة ابناً، وماري أنطوانيت هي قبل الأخيرة في ترتيب هؤلاء الابناء، وتتحدث بعض المصادر إلى إن اسمها لم يكن ينطق بذلك الشكل، إنما كانت تدعى في طفولتها ماري أنطوين أو أنطون، ولكن الفرنسيين هم من اسموها لاحقاً بـ(أنطوانيت). وقد أصيبت أنطوانيت في وقت مبكر جداً من عمرها بمرض الجدري، إذ كان عمرها آنذاك لا يتعدى العامين، ولم يكن خوف أمها فقط من أن التأثير الصحي لتلك الإصابة، إنما كانت تخشى أيضاً أن يترك الجدري أثراً على جلدها لا يزول، فيصيب الصغيرة بتشوه دائم، فوفرت لها رعاية صحية فائقة وقد مر الأمر بسلام، وقد تبدو هذه الرواية للبعض بلا جدوى أو دلالة، إلا إن أهميتها تكمن في أن ماري أنطوانيت عُرفت فيما بعد باهتمامها الفائق بجمالها وأناقتها، بل واعتمدت عليهما بشكل رئيسي في إتقان دور الملكة، وجذب الأنظار إليها في قلب البلاط الفرنسي.
التعليم والتربية :
بنات الأسر الحاكمة في زمن ماري أنطوانت ما كانوا يتوجهن للمدارس، بل إنهم كانوا يتلقن تعليمهن في القصور، على أيدي مجموعة من المعلمين المتخصصين بمختلف فروع العلم، ورغم إن الملكة تيريزا قد وفرت لابنتها الخامسة عشر هؤلاء المعلمين، إلا إنها لم توفر لها الرعاية اللازمة كأم، فقد انشغلت عنها بإدارة الأمبراطورية وعهدت بتربيتها إلى الكونتيسة برانديس، والتي حاولت أن تعوض الطفلة عما تفتقر إليه من حنان أموي، فأفرطت في تدليلها، وحرصت على غرس القيم الدينية والأخلاقية في نفس الأرشدوقة الصغيرة، ولكنها في المقابل قلصت من ساعات الدراسة الأكاديمية، كي تتيح لها وقت أكبر للمرح واللهو، والنتيجة إن ماري أنطوانيت شبّت بليدة محدودة الذكاء، حتى إن بعض المصادر تشير إلي أنها قد بلغت الثانية عشر وهي غير متمكنة من الكتابة والقراءة، في حين كانت قريناتها من بنات الأسرة الحاكمة يتقن التحدث بثلاث لغات على الأقل.
زواج سياسي تقليدي :
زواج ماري أنطوانيت وملك فرنسا لويس السادس عشر من أشهر الزيجات في التاريخ، وذلك لإنه لم يكن زواجاً تقليدياً بشتى المقاييس، فالزواج -في هذه الحالة- لم يعقد بين أشخاص بل كان بين دول، فماري ولويس لم يلتقيا ولو لمرة واحدة قبل إتمام زواجهما، إنما آباءهم هم من اتخذوا القرار بتزويجهما، فبعد أن تم الصلح بين الأمبراطوريتين النسماوية والفرنسية، رأى الملوك إن زواج الابناء سيساهم بلا شك في توطيد علاقتهما وتقوية تحالفهما، حتى إن عقد الزواج نفسه كان أشبه بإبرام المعاهدات السياسية، إذ أشرف على كتابته عضوين كل منهما يمثل أحد الأطراف، وهما الدوق كويسل من فرنسا والأمير سترمبرج من النمسا، بل إن الزواج لم يتم إلا بعد خوض العديد من المفاوضات، حاول كل طرف من خلالها أن يكون هو الفائز الأكبر من إتمام هذا الزواج.
طبيعة علاقتها بلويس :
ماري أنطاونيت ولويس السادس عشر كانا متفهمان للدور المطلوب منهما لعبه، ولهذا فإن العديد من المصادر التاريخية تؤكد إن حياتهما الزوجية كانت هادئة ومستقرة، لكن لم يبالغ أي مصدر في وصف إياها بالسعيدة، بل إن استقرار العلاقة كان نابع من تجاهل كل طرف للآخر، وكانا يعلمان إن زيجتهما جزء من لعبة سياسية أكبر منهما، ولهذا تغاضيا عن الشق المتعلق بالعاطفة واكتفيا بالشق الخاص بالمصلحة، وكان لويس لا يرفض طلباً لأنطوانيت طالما إن ذلك الطلب لا يمس السياسة العامة للبلاد، وكأنهما اتفقا بشكل غير رسمي على أن يحصل كل منهما على ما يرضيه، فهي تنغمس في حياة البذخ والترف، وهو ينفرد بالسلطة وإدارة شئون البلاد، وزاد من مكانة ماري أنطوانيت لدى لويس وأفراد البلاط الفرنسي عامة إنجابها ذكراً ليكون ولياً للعهد هو لويس التاسع عشر.
البذخ والثورة :
كانت طبيعة حياة ماري أنطوانيت في فرنسا سبباً مباشراً لاندلاع ثورة الجياع بها، وانقلابهم على ملكهم لويس السادس عشر، وإنها زمن الملكية وإرساء قواعد الجمهورية لأول مرة، وذلك لأن اشتهرت بحياة الترف والبذخ وإقامة الحفلات بالقصر كل ليلة، ولم تلتفت للوضع الاقتصادي للبلاد الآخذ في التدهور، وكانت أخبار تلك الحفلات تصل إلى عامة الناس، وتسببت في تأجيج غضبهم تجاه حاكميهم.
الجهل بالأمور السياسية :
المقولة الأشهر في حياة ماري أنطوانيت هي تلك التي ردت بها على أحد العاملين بالقصر، حين أخبرها بإن الشعب قام بثورة لإنه لا يجد حتى فتات الخبز، فأجابته أنطوانيت بتعجب : إن كانوا لا يجدون الخبز فلماذا لا يأكلون كعكاً؟.. وردت هذه الجملة بأكثر من مرجع تاريخي أشهرهم ما كتبه جان جاك روسو، وسواء صحت المقولة أو لا فإنها تعبر عن حقيقة ماري أنطوانيت ،فالأمر الثابت هو إنها كانت ملكة مغيبة، لا تدري بأي شئ خاص بالقضايا السياسية، حتى إنها فشلت في إن تكون جسوسة لصالح النسما، فقد أرادت منها والدتها أن تتقرب إلى زوجها لويس، كي تؤثر في سياساته الخارجية بما يحقق مصالح النمسا الاستعمارية، ولكن ضيق أفق انطوانيت وعدم استكمالها لتعليمها وقلة وعيها، كل ذلك جعل منها ملكة مغيبة، وإنها حين قالت تلك المقولة الحمقاء لم تكن تتندر بل إنها كانت تعنيها حقاً، فهي كانت بمعزل عما يدور خارج قصرها، ولم تكن تدري بحقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد.
رمز الأناقة :
رغم أن ماري أنطوانيت من الشخصيات الكريهة في التاريخ الفرنسي، إلا إنها اتخذت رمزاً للجمال والأناقة، وذلك لأنها كانت من أكثر نساء عصرها جمالاً وأناقة، حتى إنها صُنفت كأحد أجمل نساء القرن الثامن عشر، فقد كانت أوروبا بالكامل تتحدث عن ذوقها في انتقاء الملابس وتصفيف الشعر، فلم تكن ماري أنطوانيت تتبع صيحات الموضة بل إنها كانت تصنعها.
الإعدام :
بعد أن نجحت الثورة الفرنسية في الإطاحة بنظام لويس السادس عشر، تم احتجازه هو والمقربين منه وأولهم زوجته ماري أنطاونيت وابنهما لويس السادس عشر، ثم تمت محاكمتهما وحُكِم عليهما بالإعدام بالمقصلة، وفي الحادي والعشرين من يناير 1793م تم تنفيذ حكم الإعدام في لويس في ساحة الكونكورد، بينما كان الحكم الصادر بحق أنطاونيت محل جدال، ولكن رأى الناس إنها خائنة لفرنسا، إذ اتهمت بالتجسس على البلاط الفرنسي لصالح -بلدها الأصلي- النمسا، وعليه أيدت غالبية الآراء إعدامها، وفي السادس عشر من أكتوبر لعام 1793م، تم قص شعر ماري أنطوانيت كنوع من الإهانة قبل أن توضع في عربة مكشوفة، وتم الطواف بها بمختلف شوارع باريس، حيث تجمهر الشعب الفرنسي لقذفها بالقاذورات وسبها، قبل أن يتم إعدامها في ساحة الكونكورد بواسطة المقصلة، وكان عمرها آنذاك حوالي ثمانية وثلاثون عاماً.
أضف تعليق