أرفين رومل ليس قائداً تقليدياً خاض حروباً في مختلف أنحاء الأرض، فهو لم يكن من ذلك النوع الذي يجيد تلقي الأوامر ومن ثم تنفيذها، بل إنه كان يبتكر أساليباً حربية يستحدث استراتيجيات لإدارة المعارك، ولهذا فقد لقب أرفين رومل بلقب ثعلب الصحراء، فلم يكن هناك من يمكنه إدارة المعارك البرية أفضل منه.
أرفين رومل .. من هذا ؟
ليست البراعة في إدارة المعارك وحدها هي ما خَلّد ذكر أرفين رومل في التاريخ ، فحياة هذا القائد الألماني كانت حافلة بالأحداث الهامة والاستثنائية، بما في ذلك الظروف التي لقي فيها حتفه، ولنتعرف على هذا علينا استعراض سيرة حياته منذ ميلاده وحتى إجباره على الموت.
الميلاد :
داخل نطاق الأمبراطورية الألمانية وعلى وجه التحديد في ضاحية هايدنهايم الجنوبية، والتي كانت تتبع آنذاك مدينة أولم التي تبعد عنها 28 ميلاً تقريباً، وُلِد أرفين رومل الابن وكان ذلك في الخامس عشر من نوفمبر لعام 1891م، ونشأ في كنف أسرة ميسورة الحال من الناحية المادية، ومن حيث المكانة فقد كانت لها سمعة طيبة وتحظى باحترام الجميع، فوالده هو أرفين رومل الأب والذي كان يعمل مدرساً بالمدارس الألمانية، أما والدته هيلين فون لوتز فقد شغلت منصب رئيس مجلس الحكومة المحلية.. كان الزوجين –أرفين وهيلين- لهما أربعة ابناء أحدهم توفي طفلاً، وكان رومل هو الثاني بين هؤلاء الابناء.
التعليم والتفوق :
كانت عائلة أرفين رومل تولي اهتماماً بالغاً بتعليم أطفالها، وحين بلغ رومل السن القانونية للدراسة تم إلحاقه بإحدى المدارس الألمانية المحلية، وبها تلقى تعليمه الأساسي وأظهر رومل الصغير تفوقاً ملحوظاً، خاصة في المواد ذات التخصصات العلمية، وكان معلموه يراهنون أنفسهم إن تلميذهم النجيب هذا سيكون من أصحاب الشأن بالمستقبل، ولكنهم كانوا يقصدون بقولهم هذا أنه سيكون عالماً أو مخترعاً، ولم يكن في تصورهم البتة إن اسمه سيبرز كقائد عسكري في صفوف الجيش الألماني.
حلم الطفولة :
لم تكن رؤية أرفين رومل لذاته تختلف كثيراً عن نظرة مُعلميه له، الفارق الوحيد بين النظرتين هو إن نظرة رومل كانت أكثر دقة، فقد كان الطفل يعرف وجهته وكان هدفه بالحياة محدداً، فشغفه بالعلوم دفعه للحلم بأن يكون مهندساً للطيران، وقد كان نابغاً في هذا المجال، حتى إنه في عمر الرابعة عشر تقريباً تمكن من ابتكار طائرة شراعية مُبسطة بمعاونة أحد الأصدقاء، وكان بإمكانهم التحليق بتلك الطائرة لمسافات قريبة ولفترات زمنية وجيزة، لكن في النهاية انهارت كل أحلام أرفين رومل أمام حلم أبيه الوحيد، وهو أن يصبح ابنه ضابطاً ضمن قوات الجيش الألماني، وحاول رومل الابن التمسك بحلمه العلمي قدر المستطاع، لكنه في النهاية استسلم لرغبة والده، فتحول مسار حياته بين ليلة وضحاها، وكانت هذه هي خطوته الأولى في مسار حياته الجديدة كرجل عسكري.
التعليم العسكري :
حين بلغ أرفين رومل من العمر الثامنة عشر وبناء على رغبة والده، التحق بفوج الموشاة (فورتمبيرج) الذي يتبع قوات الجيش الألماني، وفي عام 1910م تم إلحاقه بمدرسة كاديت لتلقي العلوم العسكرية، والحصول على دورات تدربية متقدمة في استخدام السلاح وفنون القتال، وكذلك تعلم استراتيجيات الحروب وطرق إدارة المعارك، واستمر تعليمه في هذه المدرسة لمدة عام واحد، ورغم إن مجال التعليم هذا كان مخالفاً لرغبات أرفين رومل وأحلام صباه، إلا إنه أظهر تفوقاً ملحوظاً جذب أنظار قياداته ومُعلميه بالمدرسة، وفي آواخر عام 1911م أنهى رومل تعليمه العسكري، وفي الشهر الأول من -العام التالي- 1912م تم ندبه بمنطقة ينغارتن كضابط بالجيش برتبة ملازم ثان.
وسام الفارس الصليبي :
وسام الفارس الصليبي أو الصليب الحديدي هو أحد أرفع الأوسمة الألمانية العسكرية، ولم يكن هناك شرف عسكري أكبر من الحصول على هذا الوسام في ظل نظام الرايخ الثالث العسكري، أو الفترة التي حُكمت فيها دولة ألمانيا من قبل الحزب النازي، إذ إن ذلك الوسام هو اعتراف من القياد بإظهار صاحبه لشجاعة منقطعة النظير في المعارك الحربية، وقد كان أرفين رومل واحد ممن نالوا هذا الوسام الشرفي، اعترافاً بما أظهره من شجاعة في ميادين القتال خلال الحرب العالمية الأولى، إذ خاض معارك في فرنسا وإيطاليا ورومانيا وتعرض للإصابة حوالي ثلاث مرات.
تأثيره العسكري :
تأثير أرفين رومل أو إنجازه لا يكمن فقط في عدد الانتصارات الحربية التي حققها، إنما يتمثل فيما أحدثه من تأثير في أساليب الفكر العسكري، فقد ظل محتفظ في داخله بروح هذا المبتكر الصغير، ولكنه فقط سخر أفكاره ووجهه إلى التفكير العسكري، فتمكن بذلك من التوصل إلى أنماط جديدة من الخطط الحربية، ضم جميعها في كتاب بعنوان هجوم المشاة في 1937م، وكان ذلك الكتاب من أسباب ترقيته في العام التالي مباشرة إلى رتبة رئيس ضباط مدرسة وينر نيوستادت العسكرية، وهو ما يثبت استحقاقه للقب ثعلب الصحراء.
زواجه من لوسي مولين :
كانت حياة أرفين رومل الشخصية مغايرة شكلاً وموضوعاً لحياته المهنية، فتلك الثانية كانت صاخبة على الدوام بدوي القنابل وأصوات الرصاص، أما الأولى فقد كانت هادئة ومستقرة وبنسبة كبيرة سعيدة، ويدين رومل بالفضل في ذلك إلى زوجته لوسي مولين، والتي ألتقى بها في فترة شبابه، عقب تخرجه من المدرسة الحربية بسنوات قليلة، ونشأت بينهما قصة حب ولم تدم فترة طويلة حتى أتخذا قرارهما بالزواج، وأعلانا ذلك في السابع والعشرون من أكتوبر لعام 1916م، وأقيم حفل زفافهما بمقاطعة دانزيج في بولندا حيث كان يعمل رومل بذلك الوقت، ورُزِق الزوجان في ديسمبر عام 1928 بابنهما مانفريد رومل.
علاقاته النسائية وابنته الأخرى :
كان لـ أرفين رومل قبل زواجه علاقة بسيدة تدعى والبورجا ستيمر، وتشير بعض المصادر إلى أن علاقتهما لم تدم بسبب عائلة رومل، التي ضغطت عليه حتى يتخلى عن ستيمر ويعود لخطيبة لوسي مولين، وقد انصاع أرفين رومل للضغط العائلي وقطع صلته بالسيدة ستيمر، ولكن بعد سنوات اكتشف إنه حين رحل كانت والبورجا تحمل جنيناً منه، هو ابنته جيرترود التي منحتها أمها لقب عائلتها، فسميت بذلك جيرترود ستيمر، والتي ولدت في عام 1913م وهو العام نفسه الذي أنهى رومل خلاله علاقته بوالبورجا.
التخطيط لاغتيال هتلر :
رغم أن أرفين رومل لفترة من حياته كان مقرباً من القائد النازي أدولف هتلر، حتى إنه شغل لفترة من الوقت منصب قيادة قوة حراسته الشخصية، إلا إن قناعاته تغيرت بعد سنوات، ولم يعد يرى إن سياسات هتلر وأساليبه ستعود على ألمانيا بالنفع، ولم يتوقف الأمر عند حد انتقاد سياسات قائده، بل إنه كان أحد أفراد الجيش الذين خططوا لاغتيال هتلر داخل مقر القيادة في بروسيا الشرقية، وكان ذلك في العشرين من يوليو لعام 1944م، ولكن لسوء حظهم قد فشلت تلك المحاولة ونجا هتلر بأعجوبة من الموت.
الاعتقال :
فور معرفة هتلر بضلوع أرفين رومل في محاولة اغتياله، أصدر أمراً بإعادته إلى ألمانيا ومن ثم قام بإلقاء القبض عليه، وللعديد من الأسباب السياسية لم ير هتلر إن من الملائم إعلان نبأ خيانة رومل، فمنحه خياراً ما بين تقديمه لمحاكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى، أو إنه ينتحر فتقام له جنازة رسمية ويحتفظ بذلك بشرفه العسكري، فاختار أرفين رومل الانتحار وتناول حبة سيانيد سامة، ثم أشيع إنه قد توفي نتيجة تعرضه لأزمة قلبية، وشُيع جثمانه إلى مقاطعة هيرلتجن الألمانية ودُفن بها، ولم يكشف هذا السر إلا بعد انكسار ألمانيا النازية في الحرب وموت أدولف هتلر.
أضف تعليق