تشارلي شابلن هو أحد رواد فن السينما في زمنها الصامت، ولكنه تمكن من مواصلة النجاح مع إدخال تقنية الصوت إلى هذه الصناعة، فتمكن تشارلي شابلن بعبقرية فنية فذة من تطويع هذه الإمكانات لخدمة نصوصه الدرامية، وإخراجها للجمهور في أبهى صورها، الأمر الذي ترتب عليه تخليد هذه الأعمال في ذاكرة المشاهد.
تشارلي شابلن .. من هذا ؟
يشتهر تشارلي شابلن بشخصية الصعلوك والتي قدمها من خلال عِدة أفلام، ولكن السؤال هو كيف كان ذلك الشخص المستتر وراء القبعة والشارب القصير؟.. كيف كان تشارلي شابلن الحقيقي وكيف كانت حياته الشخصية؟، أو بصيغة أخرى.. من هذا؟
البداية القاسية :
في السادس عشر من أبريل لعام 1889م ولد تشارلز سبنسر شابلن أو تشارلي شابلن في إنجلترا، والديه سبنسر وهانا شابلين كانا مغنيان بإحدى المسارح المتواضعة بالعاصمة لندن، ولكن قبل بلوغ طفلها سن الثالثة كان قد انفصلا، فعاني الطفل من جراء هذا الانفصال، إذ اتسمت حياته بالتشتت وفقدان الاستقرار والهدوء على الدوام، أما الطامة الكبرى فقد اتسمت في الفقر المدقع الذي عانى منه، والذي اضطره إلى الخروج إلى العمل في سن صغيرة، ولم يكن هناك شئ يبهجه في الحياة سوى الغناء والرقص والفن بشكل عام، فصار الفن هو غايته الوحيدة وأمله في هذه الحياة.
التعليم :
لم ينل تشارلي شابلن في طفولته قسطاً وافياً من التعليم، وذلك ليس لضعف مستويات تحصيله العلمي أو لقلة ذكائه، إنما لقلة موارده المالية، وبسبب الطفولة القاسية التي عانى منها، ففي بداية الأمر تم إيداعه من قبل عشيقة والده بمدرسة أسقف المعبد، وكان إيداعه بتلك المدرسة بمثابة شكل من أشكال الخلاص منه، وبعد سنة أو أكثر قليلاً توفي والده نتيجة إصابته بمرض بالكبد، بعدها انتقل الطفل للعيش مع أمه التي كانت مطربة فقيرة، أصيبت في وقت لاحق بمشاكل في الحنجرة، ففقدت بذلك مصدر رزقها الوحيد وازدادت فقراً على فقرها، فاضطرت إلى إيداع طفلها تشارلي شابلن بأحد الملاجئ المخصصة للفقراء في مقاطعة لامبث بجنوب لندن، وبشكل روتيني قامت إدارة الملجأ بإلحاث الطفل بمدرسة مجانية رديئة المستوى مخصصة للفقراء، تسمى مدرسة هانويل، ولم تكن تلك المدرسة تقدم خدمات تعليمية رديئة المستوى بطبيعة الحال.
نساء في حياة تشارلي شابلن :
يبدو إن كل شئ في حياة تشارلي شابلن كان لابد أن يبدأ بالتعثر والمعاناة، حتى عاطفة الحب بداخله لم تخل من ذلك التعثر المتكرر، فوفقاً لما نشره الناقد السينمائي ديفيد روبنسون الذي قام بتأريخ سيرة تشارلي شابلن ،فإن النجم السينمائي قد كان بحياته أكثر من امرأة قبل أن يتزوج، ولكن الأكثر قرباً إليه والتي يمكن اعتبارها الحب الأول في حياة تشارلي شابلن ،فهي الممثلة هيتي كيلي والتي التقى بها خلال عمل كلاهما بالمسرح، وكان شابلن في عمر التاسعة عشر في ذلك الوقت، ولكن قصتهما معاً لم تدم لأكثر من أسبوع واحد، ولم يخبر تشارلي شابلن أحد بسر موت ذلك الحب بتلك السرعة، كذلك تحدث تشارلي شابلن لعدد من المقربين عن علاقات نسائية أخرى في حياته، ولكنه لم يقم بتسمية صاحباتها.
زوجات تشارلي شابلن :
تعدد العلاقات النسائية في حياة تشارلي شابلن لا تنم عن انفلات أخلاقي، بل تدل على رحلة بحث عن استقرار طالما أضله، والدليل على ذلك هو إنه تزوج من كل امرأة ظن بأنه معها سيحظى بذلك الاستقرار، ولكن الحظ لم يحالفه دوماً فكانت النتيجة أربعة زيجات في حياته:
- ميلدرد هاريس هي أول زوجة في حياة تشارلي شابلن، ولكن تلك الزيجة هي الأخرى لم تدم لفترة طويلة، ولم يبد تشارلي شابلن أبداً ندماً على ذلك، بل كان يقر دوماً بأن زواجه من ميلدرد كان بحثاً عن الاستقرار الذي طالما حُرم منه، أما هي فقد كان الزواج بالنسبة لها مغامرة لم تحسب جيداً، ومن ثم كان فشل العلاقة أمر حتمي ومنطقي لا يستحق الندم.
- تزوج تشارلي شابلن للمرة الثانية من الممثلة ليليتا مكموراي والمعروفة باسم الشهرة “ليتاجراي”، والتي تعرف عليها للمرة الأولى خلال قيامها بتصوير فيلم “هجوم الذهب”، وبعدها بفترة ليست كبيرة أنجب تشارلي شابلن من ليليتا مكموراي ولدين، ولكن سوء حظه غير المبرر في العلاقات العاطفية نال من هذه العلاقة أيضاً، فرغم الإنجاب ورغم دوام الزواج لأكثر من عامين، انتهى مثل سابقه بانفصال مبهم التفاصيل وغير مبرر.
- الثالثة في حياة النجم الخالد هي الممثلة بوليت جودارد، والتي كانت هي الأخرى تعاني من عذاب الوحدة مثلها مثل تشارلي شابلن ،وكانت هذه نقطة اللقاء بينهما التي انطلقا منها إلى الزواج، وبحسب ما أورده تشارلي شابلن بنفسه في مذكراته، فإن بوليت كانت هذه الأكثر قلباً إليه، ويعتقد إنه لم يحب اي من النساء اللاتي عرفهن مثلما أحبها، ورغم إنها مثل سابقاتها انتهت علاقتها معه بالانفصال، إلا إنه ظل يذكر لحظاته معها حتى بلغ سن الشيخوخة بل وحتى مفارقته للحياة.
- الزوجة الرابعة هي أوجين أونيل ابنة أحد أشهر كتاب المسرح في ذلك الوقت، ويقول تشارلي شابلن عنها إنه كان سعيداً كونه وجد أخيراً زوجة غير ممثلة، فكان يقضي معها هي وابنائه الأربعة وقتاً أطول، وشعر معها أخيراً بالاستقرار الذي عاش عمره كله يبحث عنه، وكانا متفاهمان على الرغم من الفارق العمري الكبير بينهما، إذ إن أوجين كانت شابة في السابعة عشر، بينما تشارلي شابلن حين تزوج منها كان قد تجاوز الخمسين.
إنجازه الفني :
أخلص تشارلي شابلن للفن فأخلص الفن له، فلم يكن فقط نجم شهير في زمنه وبين معاصريه فحسب، بل استطاع تشارلي شبلن أن يحجز لنفسه موقعاً مميزاً في تاريخ السينما، ويعد الإنجاز الأكبر لـ تشارلي شابلن كممثل وكاتب ومنتج، إنه استطاع تقديم أفلام قادرة على مواجهة الزمن، فقد اعتمد على الكوميديا الراقية المحببة إلى النفس المحترمة للعقل، ورغم ما وصلت إليه تقنيات صناعة السينما من تطور، لازال يأخذنا الحنين إلى أفلام تشارلي شابلن ولانزال نشاهدها حتى اليوم، وخاصة تلك الأفلام التي جسد بها شخصية الصعلوك.
جوائز تشارلي شابلن :
عطاء تشارلي شابلن كان لابد أن يقابله تقدير وامتنان، تجسدا في الجوائز التي نالها عن إبداعه الفني، وأبرزها:
- جائزة الأوسكار الشرفية للأعوام 1929م، 1972م
- جائزة الأوسكار في عام 1973م عن فيلم الأضواء.
- جائزة البافتا في عام 1976م.
موت في عيد الميلاد :
وهب تشارلي شابلن حياته لإسعاد الملايين حول العالم، وسخر فنه لتحقيق تلك الغاية السامية، رغم إنه في أول حياته حُرم من ذلك الشعور، ولم ير من الحياة سوى الفجائع المتلاحقة، لكنه لم يغادر الحياة كما جاء إليها، فحين رحل عنا رحل وهو في حالة ابتهاج، ففي عام 1977م وبالتحديد في ليلة عيد الميلاد المجيد، حرص تشارلي شابلن صاحب الـ 88 عاماً آنذاك على جمع أفراد عائلته، وقضى ليلته وسط الابناء والأصدقاء يمازحههم ويلقي عليهم النكات، ثم أوى إلى فراشه لشعوره بإرهاق مفاجئ، لكنه ترك بابه مفتوحاً كي يشعر بأنه بينهم، ويشاركهم حالة الابتهاج بالعيد، وحين أشرقت الشمس توجه الابناء إلى غرفته ليهنئونه بالعيد، ففوجئوا بأنه قد توفي.
جنازة ملكية للصعلوك :
أنحاز تشارلي شابلن طيلة حياته إلى الفقراء والمهمشين بالمجتمع، وكان يعبر عن مشاكلهم والمعاناة التي يتعرضون لها من خلال أفلامه، وبصفة خاصة الأفلام التي كانت من بطولة شخصيته الأشهر الصعلوك، ونتاج ذلك العطاء هو إن العامة قد منحوا الصعلوك جنازة ملكية، جنازة تليق بعظيم مثل تشارلي شابلن ،فبعد إعلان وفاته تم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة، حضرها أكثر من 30 مليون شخص رافعين صوره، كذلك الشخصيات العامة والهامة كان لهم حضور طاغي بجنازة الصعلوك، يكفي القول بأن هناك 20 من رؤساء الدول قدموا خصيصاً لحضور جنازته، وبصفة عامة فقد ساد العالم شعور بالحزن والغم لرحيل راسم البهجة والسعادة تشارلي شابلن
أضف تعليق