جنكيز خان هو عسكري من طراز خاص، فما تمكن حامل هذا اللقب من تحقيقه لم يتمكن منه سواه، فقد أراد جنكيز خان لمجموعة القبائل المغولية أن تصير امبراطورية عظمى، وتمكن بالفعل من تحقيق تلك الغاية، وفي عهده فرضت امبراطوريته سيطرتها على المساحة ما بين بحر قزوين والمحيط الهادئ، وهي مساحة أكبر مرتين من المساحة التي سيطرت عليها الامبراطورية الرومانية، ولكن على الرغم من ذلك يبقى جنكيز خان في ذاكرة التاريخ ضمن المنبوذين، فكل ذلك لم يتحقق إلا بسفك الدماء ونشر الخراب والدمار، فما كانت أقدام جيوشه تطئ أرض أية بلدة، إلا وتتركها خلفها خربة بعد سلب ما بها من ثروات.. هذه هي الصورة التي نعرف عليها جنكيز خان ،وعلى الرغم من إنها صورة حقيقية إلا إنها ناقصة بعض التفاصيل، خاصة تلك المتعلقة بما سبق إقامته لامبراطوريته المهولة.. فلنتعرف عليها.
جنكيز خان .. من هذا ؟
جنكيز خان هو لقب يبث الخوف في أقسى القلوب وأشدها صلابة، فهو اللقب الذي فرض صاحبه وسلالته السيطرة على مساحة شاسعة من العالم لعدة قرون، ولم يستقر حكمهم لتلك البلاد سوى بسفك الدماء ونشر الدمار. فمن يكون صاحب هذا اللقب؟ كيف نشأ؟ وما الذي حققه بحياته فخَلّد به ذكره في التاريخ؟
لقب ” جنكيز خان ” :
يظن البعض أن جنكيز خان هو اسم حاكم المغول الذي غزا بقاع العالم، بينما الحقيقة إن مصطلح ” جنكيز خان ” هو فقط اللقب الذي حمله حاكمهم الأشهر لفترة طويلة من الزمن، حتى التصق به، وحل في كتب المؤرخين محل اسم الأصلي، فقائد المغول وُلد باسم تيموجين وحين تولى القيادة لُقب بـ جنكيز خان ،والتي هي كلمة صينية الأصل تعني “قاهر ملوك العالم”، اختلف مدلول الكلمة باختلاف مُترجميها، لكن في النهاية جميع المسميات تقود إلى معنى واحد، يتوافق تماماً مع غرور جنكيز خان الذي عُرف به، وطموحه في غزو العالم وتنصيب نفسه ملك عليه.
اسمه الحقيقة وسببه :
المفاجآت والمفارقات المتعلقة بما يدعى به قائد المغول لا تقتصر فقط على مدلول لقب ” جنكيز خان “، بل إن اسم “تيموجين” -وهو اسمه الحقيقي-، لم يكن إطلاقه عليه مصادفة كما إنه ليس مجرد اسم، بل إن هناك قصة وراء اختيار ذلك الاسم بالذات، فحين وُلِد جنكيز خان لم يتمكن والده من حضور لحظة ميلاده، وذلك لإنه كان ملتحق بالجيش في حرب ضد حشود التتار، وتمكن الوالد خلال هذه المعركة من قتل قائد الجيش المُعادي وكان يسمى تيموجين أوغي، وحين عاد وعلم إن زوجته قد انجبت له ولداً، أراد الرجل أن يُخلد نصره فأعطى لطفله الوليد اسم تيموجين، فقد كان هذا القائد المُنهزم يشتهر بصلابته وقوته وما كان يوجد جيش يمكنه التصدي لجيوشه، حتى قُضي عليه بيد والد جنكيز خان في تلك المعركة، وأراد من إطلاق اسمه على طفله الإعلان عن ميلاد قائد جديد للعالم، قائد من صلبه وينتمي إلى عشيرته، ولم يتصور أن الاسم سيتحول في يوم ما إلى حقيقة، ويتحول تيموجين الوليد إلى تيموجين السابق ويطمح هو الآخر إلى غزو العالم وفرض السيطرة على ربوعه.
الميلاد والنشأة :
في الفترة ما بين عامي 1155م و1162م وُلِد جنكيز خان باسم تيموجين، وذلك بمنطقة ديلون بولدج والمعروفة في زمننا باسم منعوليا، وتقول بعض المصادر إن عند ولادته كان قابضاً على كتلة دم متجلط، ووفقاً لمعتقدات المغول فإن تلك إشارة إلى أن المولود سيصير قائداً عظيماً، وكان تيموجين ينتمي إلى واحدة العائلات الكريمة ضمن قبيلته، إذ كان والده وأجداده من قادتها العسكريين، فكان من الطبيعي أن يُلحق بمدارس الفروسية منذ صغره، وأن يتعلم منذ نعومة أظافره ركوب الخيل واستخدام مختلف أسلحة ذلك العصر، فقد كان أبوه يعده ليكون قائداً، وكأن القيادة بالنسبة لـ جنكيز خان قدراً أكثر منها اختياراً.
الاعتقاد الديني :
لا يوجد دليل واحد قاطع على الديانة التي كان يعتنقها جنكيز خان ،وذلك لبعد الحقبة الزمنية التي كان يعيش بها، ولندرة المؤرخين في تلك الحقبة، أي إن أغلب ما ورد إلينا عن جنكيز خان تم تدوينه في عصر تالي للعصر الذي عاش فيه، ولكن يعتقد أغلب المؤرخون إن جنكيز خان وأسرته كانوا يؤمنون بالديانة الشامانية، وهي ظاهرة دينية قديمة انتشرت بأشكال عدة في آسيا الوسطى. والسر في ذلك الاعتقاد يعود لانتشار الديانة بالموقع الذي نشأ به جنكيز خان ،لكن في النهاية لم تكن هي الديانة الوحيدة السائدة بذلك المكان وذلك الزمان، ومن ثم يبقى القول بأن جنكيز خان كان ينتمي إليه هو مجرد احتمال وليس تأكيد.
إنجازه الحقيقي :
قبل أن يؤسس جنكيز خان الامبراطورية ويتربع على عرشها، كان المغول عبارة عن قبائل متفرقة، في الظاهر متحدة وفي الباطن تتناحر على منصب القيادة، ولكن تمكن جنكيز خان من الزحف نحو القمة ببطء بعبقرية سياسية فذة، وبذات العبقرية تمكن من توحيد تلك القبائل تحت لواء واحد، وبذلك كان قد حقق إنجازه الفعلي والحقيقي، ومنذ تلك اللحظة صار كل شئ عليه يسير، فكون جيش جرار غزا به البلاد المجاروة وفرض عليها سيطرته، وبقيت قوته تتعاظم حتى كون الامبراطورية المغولية الكبرى.
موت جنكيز خان :
في عام 1227م كان جنكيز خان قد تجاوز سن السبعين تقريباً، وبإحدى الليالي اشتد عليه المرض وهو في رحلة خارج عاصمته، فاستدعى ابنه تولوي وأخبره بإنه يشعر بإنه سيموت، وأوصاه بأن يُكمل مسيرته ويستمر فيما بدأه هو قبل عشرات السنين، حتى تتسع الامبراطورية المغولية أكثر وأكثر، وبالفعل توفي جنكيز خان بتلك الليلة، وتم إخفاء نبأ موته عن قادة الجيش وكبار معاونيه، حتى عاد الابناء بجثمانه إلى منابع نهر كيرولين عابرين بذلك الأراضي الصينية، وهناك تم نقل جثمان جنكيز خان بين القصور التي كانت مخصصة له، وذلك حتى تتمكن زوجاته من إلقاء نظرة الوداع عليه، وفي النهاية تم حمله إلى واحدة من قمم جبال البرقان، وهناك تم دفنه بواسطة عدد قليل من الجند الموثوق بهم، فلم يكن ابناء جنكيز خان يرغبون في أن يعرف أحد موضع دفنه، وقد تحققت رغبتهم ولم يتم التوصل إلى موقع قبر جنكيز خان بالتحديد حتى يومنا هذا.
ابناء جنكيز خان :
لم يتوصل المؤرخون بدقة إلى اسماء زوجات جانكيز خان ،الأمر الوحيد المؤكد إنه كان له العديد من الزوجات، وإن كل منهن كان لها قصراً مستقلاً، وبطبيعة الحال فقد كان له العديد من الابناء، نعرف منهم من شغلوا المناصب العليا في الامبراطورية كخلفاء له، وهم أوقطاي خان والذي تولى منصب الامبراطور بعد موت جنكيز خان، بجانب من تولوا قيادة الجيش ونصبوا ولاة وهم: بورتة وجوتشي وخولان وجاغطاي وتولوي.
وقد تمكن ابناء جنكيز خان من استكمال الطريق الذي كان أبيهم قد بدأه، وفي عهدهم اتسعت رقعة الامبراطورية المغولية، فكانت تحت سطوتها أراضي البلاد الممتدة ما بين أوكرانيا وحتى كوريا حالياً، كما قاموا بتأسيس العديد من الممالك ببلاد الصين وبلاد فارس، واستمر سلالة جنكيز خان لتلك الممالك عِدة قرون.
أضف تعليق