نجيب محفوظ هو أحد أبرز الاسماء في تاريخ الأدب العربي بل والعالمي، وهو أحد رواد الأدب الواقعي، واسمه بالكامل نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا، وكثيرون يجهلون إن نجيب محفوظ هو اسماً مركباً، أي إن كلا الاسمين يمثلان اسمه هو فقط بينما والده هو عبد العزيز إبراهيم، وقد سمي بهذا الاسم المُركب تيمناً باسم طبيب النساء المعروف نجيب باشا محفوظ، والذي أشرف على عملية ولادته.
نجيب محفوظ .. من هذا ؟
نجيب محفوظ هو اسم لا يمكن إغفاله، ومن المستبعد أن يكون هناك شخص لم يسمع به قبلاً، لكن معرفتك بالاسم لا تعني معرفتك بصاحبه، لذا وجب علينا إطلاق سؤال ” نجيب محفوظ ..من يكون؟”، وما سيرته وكيف كانت مسيرته وما الذي حققه خلالها؟
الميلاد :
في الحادي عشر من ديسمبر لعام 1911م، وتحديداً في حارة درب قرمز بحي الجمالية الذي هو أحد أعرق أحياء مدينة القاهرة، استقبلت أسرة عبد العزيز إبراهيم طفلها الأصغر، والذي كانت ولادته متعسرة جداً وكادت تودي بحياة والدته، إلا إن الطبيب المعروف نجيب باشا محفوظ تدخل وأنقذ الموقف، فقرر والده تسمية طفله حديث الولادة بـ نجيب محفوظ تيمناً باسم الطبيب، وعرفاناً له بالجميل.. وُلِد نجيب محفوظ لأب يعمل موظفاً حكومياً، ووالدته السيدة فاطمة مصطفى قشيشة ربة منزل، وهي ابنة الشيخ مصطفى قشيشة أحد علماء الأزهر الشريف.
النشأة والأسرة :
نجيب محفوظ هو الابن الأصغر لوالديه بعد ستة أخوة، أربعة منهم رجالاً واثنتين من الإناث، وكان الفارق العمري بينه وبين أقرب أخواته إليه حوالي عشر سنوات، مما يعني إنه كان الطفل الوحيد بالمنزل، ولهذا نعم بقدر وفير من التدليل والاهتمام، وعلى عكس أغلب الأدباء والمفكرين، لم تبدأ مسيرتهم واهتمامهم بالعلم والاطلاع من المنزل، أو بإيعاز من أحد الأبوين، فمن المفارقات إن والد نجيب محفوظ لم يقرأ في حياته سوى كتاب واحد فقط، وهو رواية حديث عيسى بن هشام، ودافعه الوحيد لقراءتها هو إن كاتبها محمد إبراهيم الموليحي كان صديقاً شخصياً له، أما والدته فقد كانت ربة منزل تقليدية، يقتصر اهتمامها على رعاية أسرتها وتدبير أمور المنزل، ولا تبد اهتماماً كبيراً بالهوايات مثل القراءة والمطالعة وما إلى ذلك.
التعليم :
في زمن نجيب محفوظ لم يكن يحظ بقدر كاف من التعليم سوى سعداء الحظ، فقد كان التعليم آنذاك يتكلف مبالغاً ضخمة، ولهذا كان التعليم الجامعي يقتصر على ابناء البشوات والأعيان، بينما العامة فإن أغلبهم لا يذهب للمدارس أو يكتفون بمرحلة التعليم الإلزامي فقط، لكن في النهاية كان نجيب محفوظ أحد سعداء الحظ، فقد اهتم والده منذ البداية بإلحاقه بكبرى مدارس القاهرة، وما أبداه طفله النجيب من تفوق ونبوغ دفعه على مواصلة الطريق معه، حتى التحق في عام 1930م بجامعة القاهرة وتخصص في دراسة الفلسفة، وحصل على درجة الماجيستير بذلك التخصص بتقدير مرتفع، دفعه للإقدام على إعداد رسالة ماجيستير تتناول قضايا الفلسفة الإسلامية، إلا إن شغفه بالأدب كان قد بلغ ذروته، فقرر أن يوقف مسيرته العلمية والاكتفاء بما حققه بها، ليبدأ منذ ذلك الحين مسيرته ككاتب وأديب.
زواجه الخفي وحياته الشخصية :
لماذا أخفى نجيب محفوظ خبر زواجه عن أقرب المقربين؟!.. هذا سؤال ضاعت آخر فرصة لمعرفة إجابته بوفاة نجيب محفوظ ،فما من شخص يمكنه تفسير أو تبرير ذلك الفعل، خاصة وإن إخفاء نجيب محفوظ لزواجه دام لمدة عشر سنوات تقريباً، كان يتعلل خلالها برعاية والدته وشقيقته وأولادها، كلما سأله أحدهم عن سر عدم زواجه رغم تجاوزه سن الأربعين.
كان نجيب محفوظ قد توقف بشكل مؤقت عن الكتابة الروائية بعد قيام ثورة يوليو 1952م، واتجه خلال تلك الفترة للعمل في مجال السينما ككاتب للسيناريو، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع دخله، فصار بإمكانه تأسيس منزلاً وإعالة أسرة، وبالفعل تزوج من زوجته الوحيدة عطية الله إبراهيم، وانجب منها ابنتيه أم كلثوم وفاطمة، وقد كان وراء الكشف عن زيجة نجيب محفوظ الغامضة صديقه الشاعر صلاح جاهين.
مسيرته كأديب :
بدأ نجيب محفوظ مسيرته الأدبية فور تخرجه من الجامعة، أي في بدايات عقد الثلاثينات تقريباً، وقد بدأ مسيرته بنشر مجموعات من القصص القصيرة ضمن أعداد مجلة الرسالة، ولكن أول رواية تنشر له فقد كانت خلال عام 1939م وحملت عنوان عبث الأقدار، ثم تلتها روايتي كفاح طيبة ورادويس، ثم بدأ بعد ذلك في إصدار روايته المنتمية إلى الأدب الواقعي الذي أمتاز به، وأبرز أبرزها روايات السراب وبداية ونهاية وزقاق المدق بجانب ثلاثيته الشهيرة.
محاولة الاغتيال :
أثارت رواية أولاد حارتنا جدلاً واسعاً، حين تم نشرها للمرة الأولى عام 1950م في صورة حلقات مسلسلة بجريدة الأهرام، حتى إنه تم وقف نشرها بعد اعتراض بعض الجهات الدينية، ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، ففي عام 1995م تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، قام بها شابين ينتميان لإحدى الجماعات المتطرفة دينياً ادعاءً بإنه كافر ويستحق القتل، ولكن الله تعالى قد قدر له النجاة من فعلتهما، وحين عقب على الحادثة أكد على إنه غير حاقد على الشابين بل إنه يشفق عليهما، إذ أنهما ضحية جهلهما وضحية أصحاب الرؤى المتشددة الذين عبثوا بعقولهم، وبثوا بها تلك الأفكار المتطرفة التي لا علاقة لها بمبادئ وأحكام الدين الإسلامي.
نجيب محفوظ والسينما :
علاقة نجيب محفوظ بالسينما هي علاقة وطيدة، بل إن هذه العلاقة تعد من أبرز الإنجازات التي حققها خلال مشواره، فهو ليس فقط كاتب سيناريو بارع، بل إنه أكثر أديب عربي حوّلت نصوصه الأدبية إلى أفلام سينمائية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فيلم الطريق الذي لعب بطولته رشدي أباظة وتحية كاريوكا، واللص والكلاب لكمال الشناوي وشكري سرحان، بجانب الثلاثية التي قدمها للسينما المخرج حسن الإمام من بطولة يحيي شاهين، والقاهرة الجديدة التي نقلت للسينما بعنوان القاهرة 30 بطولة شادية وحمدي أحمد.
الجوائز :
إن كانت الجوائز تشبه دوماً بالهدف الذي يتم اقتناصه، فإن التشبيه الأمثل هنا لـ نجيب محفوظ هو إنه صياد ماهر، إذ أنه تمكن خلال مسيرته الأدبية من حصد العديد من الجوائز، ومن أهم الجوائز التي نالها نجيب محفوظ عن رواياته ما يلي :
- فازت رواية رادوبيس بجائزة قوت القلوب الدمرداشية عام 1944م.
- فازت رواية كفاح طيبة بجائزة وزارة المعارف عام 1944م.
- فاز نجيب محفوظ بجائزة الدولة التقديرية للآداب عن مجمل أعماله عام 1968م.
- نال وسام الجمهورية من الطبقة الأولى لمكانته الأدبية عام 1972م.
- فاز بجائزة كفافيس في عام 2004م.
- وتبقى جائزة نوبل هي الأبرز ضمن جوائز نجيب محفوظ جميعها، وقد حصل عليها في عام 1988م عن مجمل أعماله.
جائزة نجيب محفوظ :
قام قسم النشر بالجامعة الأمريكية القاهرية بإنشاء جائزة باسم نجيب محفوظ ،تمنح قيمة الجائزة وقدرها 1000 دولار أمريكي للرواية الفائزة بجانب ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، وتتم إقامة حفل توزيع الجوائز بالحادي عشر من ديسمبر كل عام، وهو اليوم الذي يوافق ميلاد الأديب العالمي نجيب محفوظ، وفي دورتها الأولى فاز بها الأديبين إبراهيم عبد المجيد ولطيفة الزيات مناصفة، وذلك في العام الذي أنشأت به أي 1996م، وآخر من حصل عليها هو حمور زيادة عن رواية شوق الدراويش في 2014م.
وفاته :
أصيب نجيب محفوظ بمشكلات صحية بالجهاز التنفسي والكلى، على إثرها تم نقله إلى مستشفى الشرطة التابعة لمحافظة الجيزة، وقضي بها عشرين يوماً تقريباً، تدهورت خلالهم حالته الصحية وأصيب بقرحة نازفة، توفي على إثرها في 30 من شهر أغسطس لعام 2006م، وتم تشييع جثمانه في جنازة شعبية من مسجد الحسن بحي الجمالية الذي وُلد به، وقد تولى إمامة صلاة الجنازة شيخ الأزهر آنذاك محمد سيد طنطاوي، ثم تم الانتقال بالجثمان إلى مسجد آل رشدان بمدينة نصر، حيث تم تشييع الجثمان مرة أخرى في جنازة عسكرية رسمية، تقديراً من الدولة لإسهامات الفقيد في الحقل الثقافي، ثم تم نقل الجثمان إلى مثواه الأخير بمدافن البساتين بالقاهرة.
أضف تعليق