سميرة موسى هو اسم محفور في ذاكرة التاريخ بحروف من نور، ومن سواها يستحق أن يخلد التاريخ ذكراه!.. فدكتورة سميرة موسى هي واحدة من أذكى العقول التي عاشت على سطح هذا الكوكب، علاوة على ما كانت تتمتع به من حس وطني وقومي، دفعها إلى تسخير عبقريتها هذه لخدمة أوطانها العربية، بل والأدهى من ذلك إنها قد دفعت حياتها ثمناً لذلك، ولقيت نحبها وهي تحاول أن تمنح الوطن العربي القوة، التي يمكنها أن ترتقي به وتضعه في مصاف الدول المتقدمة والقوى العظمى في العالم.
سميرة موسى .. من هي؟
نعرف جميعنا الحادث الأليم الذي راحت ضحيته سميرة موسى ،وكذلك نعرف من هم الشياطين الذين توجه إليهم أصابع الاتهام، لكن في كل الأحوال فإن تلك هي نهاية القصة فقط.. فكيف كانت من البداية؟
الميلاد وتأثير الأسرة :
كان القدر يدفع سميرة موسى دفعاً لتكون شخصية عظيمة، فهو فقط لم يضع في طريقها الشخصيات الصالحة لتكون مثل أعلى، وقدوة لتحتذي بها في حياتها المهنية والشخصية، بل إن الأمر قد بدأ قبل ذلك بكثير، وبالتحديد قد بدأ في يوم الثالث من مارس 1917م، أي اليوم الذي شهد ميلاد سميرة موسى صاحبة العقلية الفذة، وكان ذلك في محافظة الغربية بمصر وتحديداً بقرية سنبو الكبرى التابعة إدارياً لمركز زفتى.
والد سميرة موسى كان أحد الأعيان بمركز زفتى، وكانت الاجتماعات لا تنقطع من منزلهم في أي يوم، ففي كل ليلة يأتي كبار القرية وأعيانها، ليجتمعون ويتسامرون في صحن منزل الوالد، والذي كان بمثابة نسخة من مصغرة من بيت الأمة -بيت سعد زغلول- بالقاهرة، وكانت السياسة بطبيعة الحال تفرض نفسها على أحاديثهم ومناقشاتهم، والتي كانت سميرة موسى الصغيرة تنصت إليها دوماً باهتمام، وساهم ذلك في توسيع أفقها وجعلها تعتاد على أن تكون اهتماماتها تفوق اهتمامات من هم في مثل عمرها.
تعليمها الأول :
تأثير والد سميرة موسى في شخصيتها لم يتوقف عند ذلك الحد فحسب، فهي لم تستفد فقط من اجتماعاته بمعشر المثقفين والمشتغلين بالسياسة، ولم ترث منه فقط خصال المثابرة والطموح وتحدي الواقع، بل إن فضله الوالد الأكبر على طفلته سمير موسى ، تمثل في حرصه على تلقينها العلم منذ طفولتها، على الرغم من إن تعليم الفتيات في مثل ذلك الوقت لم يكن من الأمور الشائعة، بل إنه لم يكن من الأمور المحببة حتى، خاصة لدى أهل الريف، وفي مرحلة طفولتها المبكرة تعليمت سميرة موسى القراءة والكتابة، بجانب حفظها لجزء لا بأس به من القرآن الكريم مقارنة بسنها، وكانت تمتاز بامتلاكها ذاكرة قوية تمكنها من حفظ المواد المقروءة بمجرد مطالعتها.
التعليم في القاهرة :
كان والد سميرة موسى يؤمن بأن قدرات طفلته، والمواهب التي حباها الله -عز وجل- بها، تفوق المناهج البسيطة التي يُدرسها المشايخ في الكتاتيب، ولهذا قرر الانتقال معها إلى القاهرة لتحصل على فرصة التعليم الأكاديمي، وبالفعل قام الأب بما خطط له وأقام بحي الحسين بالقاهرة، وهناك قام بافتتاح فندقاً شعبياً صغيراً ليستثمر به أمواله، وألحق ابنته سميرة موسى بمدرسة الابتدائية مُسماه قصر الشوق، وحين بلغت سن الالتحاق بمرحلة التعليم الثانوي، كانت رائدة تحرير المرأة السيدة سميرة موسى قد أسست مدرستها “بنات الأشراف”، فقام الوالد بإلحاق ابنته بها لتكمل تعليمها تحت إشراف ورعاية هذه السيدة العظيمة.
النبوغ المبكر :
العبقرية هي صفة أصيلة بالإنسان ولا تأتي في لحظة أو من قبيل المصادفة، ومن ثم فإن عبقرية سميرة موسى قد كانت واضحة جلية منذ نعومة أظافرها، وقد شهد كل من قام بالتدريس لـ سميرة موسى بمراحل الدراسة المختلفة، وتمكنت من إحراز المركز الأول خلال مختلف سنوات دراستها، وكانت دوماً محل إعجاب ومحط اهتمام مُعلميها، وكان لـ سميرة موسى موقف لا ينسى مع الرائدة نبوية موسى، ناظرة مدرسة بنات الأشراف الثانوية، إذ إنها كانت راغبة في إنشاء معمل بالمدرسة ولكن الموارد المالية لم تكن لتعينها على ذلك، وكانت وزارة المعارف آنذاك تتبع نظاماً، يؤدي إلى تقديم معونة مالية إلى المدرسة التي يتخرج منها الأول على المملكة المصرية بالكامل، وحين حازت سميرة موسى على هذا المركز، تم تكريمها من قبل ناظرة المدرسة نبوية موسى التي تمكنت من تطوير مدرستها، واستغلال المعونة المالية التي لاقتها بفضل تفوق طالبتها النابغة في تطوير المعمل.
تأثرها بالدكتور مصطفى مشرفة :
تأثرت سميرة موسى كثيراً بناظرة مدرستها نبوية موسى، ومن ثم صارا يتشاركن ما هو أكثر وأكبر من تشابه اسم العائلة، فتعلمت منها الطموح وتحقيق الأهداف مهما بدت مستحيلة، أما الشخصية صاحبة التأثير الأكبر على الإطلاق في حياة سميرة موسى ،فهو الدكتور العالم المصري مصطفى مشرفة، والذي كان يشغل منصب عميد كلية العلوم في تلك الفترة، والذي جذبت تلميذته نبوية موسى نظره منذ أيامها الأولى بالجامعة، فقد تمكنت نبوية موسى من الحصول على مجموع يمكنها من الالتحاق بكلية الهندسة، لكنها قررت أن تلتحق بكلية العلوم لتدرس ما تحب على الرغم من إنها تأتي في مرتبة أدنى من الهندسة، وذلك أثار دهشة وإعجاب مصطفى مشرفة، وتفوق سميرة موسى خلال السنة الأولى لها بكلية العلوم زاد من إعجابه بها، فصارا بذلك متقاربين فاستفادت سميرة منه على المستوى العلمي، وتأثرت به بنسبة كبيرة على الجانب الشخصي.
اهتمامها بالأسلحة النووية :
البيئة التي نشأت سميرة موسى بها وترعرعت، كانت من العوامل التي دفعتها للاهتمام بالدراسات النووية، فقد تولى تربيتها أب مهموم بقضايا وطنه، وعلى رأسها الخلاص من الاحتلال وامتلاك القوة التي تكفل له القدرة على الدفاع عن أرضه، ثم التقت بأستاذها دكتور مصطفى مشرفة، والذي كان يرى إن الحرية لا تتحقق للأوطان إلا بامتلاك القوة، وتأثرت سميرة موسى بأفكار كلاهما، فسخرت قدراتها وأبحاثها للتوصل إلى أسرار القنبلة الذرية، فكانت رسالة الماجستير الخاصة بها تتمحور حول التواصل الحراري لمختلف الغازات، أما رسالة الدكتوراه فكانت مخصصة لدراسة تأثير الأشعة السينية، وهذا بخلاف بعثتها إلى بريطانيا والتي درست خلالها الإشعاع النووي.
جهودها نحو امتلاك السلاح الذري :
لم تكن الدراسة والأبحاث هي السبيل الوحيد الذي اتبعته سميرة موسى ،بل إنها سعت إلى تحقيق غايتها المتمثلة في امتلاك العرب للسلاح الذري بطرق عدة، فهي من قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية في بادئ الأمر، وكان ذلك فور قيام قادة إسرائيل بإعلان إقامة دولتهم المزعومة، كذلك من خلال المناصب التي تولتها قامت بإرسال البعثات التعليمية للخارج، وذلك لدراسة علوم الذرة والتوصل إلى كيفية تكوين السلاح النووي، وفي وقت لاحق لذلك دعت إلى إقامة مؤتمر الذرة من أجل السلام، وأشرفت على إقامته بكلية العلوم وشارك به عدد كبير من كبار علماء العالم.
إنجازها الأكبر :
الدكتورة سميرة موسى خلال مسيرتها المهنية والعلمية قدمت العديد من الدراسات والأبحاث، وجميعها على درجات متقاربة من الأهمية، لكن إنجازها الأكبر يتمثل في توصلها إلى معادلة تمكنها من تفتيت المعادن الرخيصة، ومن ثم يمكن من خلالها صناعة قنابل تماثل في قوتها القنابل الذرية، والشائع إن اكتشافها تلك المعادلة كان سبباً في قتلها، إذ لم ترغب القوى العظمى في جعل تلك القوة الهائلة في متناول الجميع، وبصفة خاصة دول الجانب الشرقي بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة.
الحادث الأليم :
تلقت دكتورة سميرة موسى في 1952م دعوة لاستكمال ابحاثها بمراكز سان لويس البحثية بأمريكا، وقد أوصلتها أبحاثها إلى نتائج عجز علماء الغرب عن التوصل إليها، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى تقديم عروضاً لها كي تبقى بالولايات المتحدة، إلا إنها رفضت ذلك العرض رفضاً تاماً، وفضلت العودة إلى مصر كي تفيدها بعلمها ونتائج أبحاثها، وبعد أيام قليلة من مقابلة عرضهم بالرفض، وتحديداً في الخامس عشر من شهر أغسطس لذات العام، لقيت الدكتورة سميرة موسى حتفها في حادث سيارة، حين صدمت سيارتها سيارة نقل مسرعة على طريق كاليفورنيا الوعِر.. أين ذهبت تلك السيارة؟، من كان قائدها؟، أين اختفى الدارس الهندي الذي كان برفقة الدكتورة عند وقوع الحادث؟!.. كلها أسئلة لا توجد لها أي إجابات حتى اليوم، وجميعها تؤكد بنسبة كبيرة إن موت حادث سميرة موسى كان مُدبر.
أضف تعليق