حظيت قصة الطبيب البريطاني هارولد شيبمان بضجة واسعة وخاصةً خلال الربع الأخير من القرن المنصرم، فقد أقدم ذلك الطبيب المجنون على قتل خمسة عشر مريض من مرضاه، هذا حسبما تقول التحقيقات الأولى، قبل أن يُكتشف فيما بعد أن ذلك المجنون قد قام بارتكاب مذبحة لم يقم بها أي سفاح في التاريخ الحديث، فقد ثبت أن عدد ضحاياه الحقيقي يتجاوز المائتين، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كل شيء يتعلق بذلك الطبيب المجنون، بدايةً من طفولته مرورًا بدخوله عالم الطب وارتكابه لجرائمه وانتهاءً بسقوطه وقتله لنفسه في السجن.
من هو هارولد شيبمان؟
وُلد هارولد شيبمان في الرابع عشر من يناير القابع في عام 1946، وذلك في دولة بريطانيا العظمى، وبالتأكيد عندما وُلد ذلك الطبيب السفاح في ذلك العام لم يكن هناك أحد يتوقع أن بديل هتلر يتم تجهيزه بهذه السرعة، مع الوضع في الاعتبار أن هتلر على الأقل كان يمتلك أسبابه للقيام بما قام به من مذابح وجرائم، وذلك على خلاف هارولد، عمومًا، وُلد ذلك الطفل وحيدًا لأب وأم، والحقيقة أن هذان الوالدان سوف يُصبحا سببًا فيما بعد لما سيحل بالعالم والشعب البريطاني خاصةً، فقد ساهما بشكل كبير في تشكيل الطفولة المُعقدة لهارولد.
طفولة هارولد شيبمان
طفولة هارولد شيبمان بالرغم من كونها غير قاسية جسديًا عليه إلا أنها كانت مُهلكة نفسيًا بالنسبة له، فلم يتعرض ذلك الطفل للضرب مثلًا، لكنه رأى بأم عينه والدته وهي تُهين وتضرب والده، والذي كان رمزًا للرجولة بالنسبة له، لذلك كان من الطبيعي أن يخرج هارولد كارهًا لكل النساء، وهو ما اتضح من أعداد ضحاياه التي كان أكثر من ثمانين بالمئة منها من الجنس الناعم المنبوذ بالنسبة له، وعلى الرغم من كل هذه المشاكل التي عانى منها الطفل هارولد إلا أنه لم يتأثر فيما يتعلق بالجانب التعليمي، بدليل أنه قد تفوق وتمكن من الدخول كلية الطب، وقد كان هذا التناقض مثيرًا جدًا للاهتمام من قِبل الأطباء النفسيين الذين حاولوا علاجه بعد القبض عليه.
بداية السفاح هارولد
كما ذكرنا، عانى هارولد شيبمان بعض الشيء في طفولته، لكنه بالرغم من ذلك لم يتأثر من الناحية التعليمية، فقد تدرج وظيفيًا حتى أصبح طبيبًا، والحقيقة أن كونه طبيبًا لم يكن أمرًا جيدًا له وللبشرية بشكل عام، فقد استغل ذلك الأمر في إسقاط أعداد كبيرة من ضحاياه، ببساطة، الطبيب ملاك الرحمة تحول إلى سفاح.
بدأت جرائم هارولد شيبمان في السنة الأولى بعد تخرجه من كلية الطب، ففي ذلك العام، وفي عمله التدريبي بأحد المستشفيات، توفي مريض في نوبته إثر تضاعف شديد في حالته، وبالتأكيد من حدد ذلك التشخيص هو هارولد، والذي كان طبيبًا عاديًا في ذلك الوقت، لذلك لم يتشكك أحد في أن يكون بالأمر أي شيء غير عادي، ولم يكلفوا أنفسهم حتى بالسؤال عن حالة المريض قبل ذلك الوقت، والتي كانت مستقرة وجيدة للغاية، عمومًا، مر الأمر بسلام، وأدرك هارولد أن ما هو مُقدمٌ عليه لن يُكتشف ولن يتوقف تحت أي سببٍ من الأسباب.
انفراط عقد الجرائم
لم يستطع هارولد شيبمان الإمساك بلجام الجرائم، فقد كان يقتل في كل شهر ضحيتين أو ضحية واحدة على الأقل، وقد كان بسبب عقده النفسية يتخير النساء، وخاصةً العجائز، وغالبًا ما كان يستخدم حقن المورفين من أجل تنفيذ مهامه المجنونة تلك، لكن الأمر الغريب في كل هذه الجرائم كان عدم الشك فيه أو حتى التوقف للتفكير بالأمر.
كثرت الجرائم في الجناح الذي كان يُشرف عليه هارولد، وفي غضون سنوات قليلة سُجلت المستشفى التي يعمل بها كأحد أكبر المستشفيات من حيث عدد المرضى المتوفين بها، كل ذلك ولم يتوقف ذلك المجنون أو يُفكر حتى في التوقف ولو قليلًا، كان عقد الجرائم قد انفرط كما أشرنا، ولم يكن ليتوقف إلا بسقوط هارولد، وهذا ما بدأ بالفعل في عام 2000.
بداية السقوط
بداية السقوط للمجنون هارولد شيبمان كانت في عام 2000، وذلك على يد ابنة أحد الضحايا، كانت مُحامية وتُدعى انجيلا وودروف، والحقيقة أن انجيلا لم يخل عليها أبدًا حجة الطبيب المعالج هارولد في موت والدتها.
كانت انجيلا قد غادرت للتو بعد زيارة لوالدتها، كانت قد اطمأنت على صحتها وتيقنت أنها في تحسن، لكن، بعد أقل من ساعة على المغادرة تلقت اتصالًا من المستشفى يقول بأن عليها الحضور لاستلام جثة والدتها، وبالتأكيد لم تشك انجيلا في هذا الوقت بأي شيء، كان حزنها على والدتها يمنعها عن التفكير بأي أمر غير طبيعي، لكن بعد أن انتهت إجراءات الدفن وجلست انجيلا مع نفسها وبدأت تسترجع ما حدث.
سقوط هارولد شيبمان
عندما جلست انجيلا تفكر فيما حدث تذكرت أنها أثناء مغادرتها لمحت الطبيب هارولد شيبمان وهو يدخل على والدتها بحقنة، وعلى الفور ذهبت إلى المستشفى وطلبت قائمة الأدوية التي من المفترض أن تتناولها والدتها لتُفاجئ بأنها لم تكن تتلقى الحقن من الأساس، وبالتأكيد لم تنتظر انجيلا كثيرًا حتى تُحدث جلبة في المستشفى وتُطالب بالتحقيق خلف تلك الحقنة التي أعطها الطبيب لوالدتها، ليُكتشف أنها حقنة مورفين قاتلة، وأن هارولد قد أعطاها لأم انجيلا بغرض القتل، ليسقط الطبيب القاتل ويبدأ التحقيق في حادثة القتل هذه وما سبقها من جرائم قتل غامضة للمرضى لم يكن أحد يشك في وجود شبه جنائية خلفها.
محاكمة هارولد شيبمان
في يناير القابع في عام 2000 تم القبض على هارولد شيبمان وإدانته بتهمة قتل والدة السيدة انجيلا إضافةً إلى خمسة عشر مريضًا غيرها، ثم بعد ذلك ومع التحقيقات ظهرت تهمة جديدة، وهو أنه قد قام بتزوير وصية والدة السيدة انجيلا وكتب ما يربو عن المائتي ألف إسترليني باسمه، وهو ما كان أصلًا سببًا في إثارة الشكوك حوله من البداية.
محاكمة هارولد لم تكن صعبة بالمرة على القضاء، لكنها أخذت تتأخر وتتأخر بسبب ظهور ضحية جديدة كل ليلة واعترافه بقتلها، وعلى ما يبدو أنه كان يتخذ من ذلك الأمر زريعة لتأجيل تنفيذ الحكم، بمعنى أدق، كان يتبع أسلوب المماطلة، لكن إذا ما عرفنا بالنهاية التي آل إليها هارولد شيبمان فسنشك كثيرًا في فكرة المماطلة هذه.
نهاية هارولد شيبمان
تم الحكم على هارولد شيبمان بالإعدام في عام 2004، وفي ليلة تنفيذ الحكم ذهب السجان ليقدم الطعام في زنزانة هارولد كالمعتاد، لكن كان كل شيء قد انتهى وقتها لأن هارولد كان يتدلى من الأعلى وهو مربوط بحبل مُعلق بالسقف، ببساطة شديدة، أقدم هارولد على الانتحار ولم يُنفذ فيه حكم القضاء بالإعدام، هذا بعدما أزهق روح ما يزيد عن مائتين مريض، جميعهم في الأساس كانوا يُصارعون الموت ويعقدون على ذلك الطبيب الآمال من أجل الشفاء.
أضف تعليق