تُعتبر مذبحة نانجنغ التي حدثت في الصين قبل أكثر من ثمانية عقود، أحد أشهر المذابح في التاريخ، والتي قيل عنها في الكثير من الكتب أنها تأريخ جديد للمذابح، لأنها بالرغم من حدوثها في العصر الحديث إلا أنها قد جمعت كل الوحشية التي استُخدمت منذ فجر التاريخ حتى الآن، بما في ذلك القتل والاغتصاب وأكل اللحوم البشرية، والغريب أيضًا أنه لم يتم اعتبارها ضمن جرائم الحرب إلا بعد أكثر من ثلاثين عام على حدوثها، فما هي مذبحة نانجنغ، ومن الذي قام بها، ولماذا تُعد نقطة سوداء في تاريخ الحروب بشكلٍ عام، كل هذا وأكثر نتعرف عليه في السطور التالية.
مذبحة نانجنغ والمذبحة الأكثر دومية في التاريخ الحديث
ما قبل المذبحة
حدثت مذبحة نانجنغ في الصين، وقام بها اليابانيين، لكن الصين واليابان قبل الحرب كانت حالتهم مُختلفة تمامًا، فالصين في هذا الوقت كانت تمتلك الكثير من الموارد والإمكانيات، لكن لم يكن لديها العديد الوفير من السكان مثلما هو موجودٌ الآن، أما اليابان فكانت على النقيض تمامًا، حيث كانت أعداد سكانها كبيرة للغاية مُقارنة مع مواردها الغذائية، لذلك كانت بحاجة دائمًا إلى الاستزادة لسد هذا العجز، فلم تجد بالطبع سوى جارتها الضعيفة الصين، والتي لم تكن تعرف بعد بالحروب، فقد كان أهلها طيبين بالفطرة، أما اليابان فكانت مُنغمسة في الحرب العالمية وتملك جيش امبراطوري ضخم.
الاجتياح الياباني
بدأ الاجتياح الياباني للصين في عام 1935، وقد كانت الحجة وقتها هي حماية الرعايا اليابانيين في منشوريا، والتي كانت تعيش فترات مُضطربة وحالات انقسام، بعدها بعامين ظهرت النوايا الحقيقية للجيش الياباني وبدأت الصين في السقوط مدينة تلو الأخرة، ولم تستطع العاصمة الصينية بكين الصمود لأكثر من شهر.
ترك الصينيون كل الخلافات والانقسامات وقرروا التوحد أمام وحشية هذا المحتل الياباني، إلا أن الإعصار كان أشد بكثير مما كانوا يتخيلوا، فلم يذر أخضر أو يابس ولم تستطع أسلحة الصين القديمة الصمود أمام أحدث الأسلحة التي كانت تستخدمها اليابان، لتسقط الصين في قبضة اليابانيين وتبدأ بعدها أشهر مذبحة في التاريخ.
مذبحة نانجنغ
مائة ألف جندي استعدوا للتضحية تحت قيادة تشاي كي، وأقسموا على أن لا يضع أي جندي ياباني قدمه في نانجنغ، إلا أن كل ذلك الزخم والاستعداد لم يستمر لأكثر من أسبوعين، حيث تهاوت المدينة بعدها أمام عنفوان الجندي الياباني وأسلحته المدمرة، بل وهرب القادة والجنود تاركين المدينة بلا حماية، ليقوم المستعمر الياباني باغتصابها بكل ما تعنيه الكلمة من معان.
أصبحت المدينة بلا حماية، وأصبح المستعمر الياباني قادرًا على فعل أي شيء دون رقيب أو متربص، فبدأ أولا بذبح كل الرجال الموجودين في المدينة، حتى أنه قد قيل أن مسابقات الذبح كانت رائجة في هذا الوقت، وكان الجندي الياباني يذبح مئة شخص يوميًا حتى كادت المدينة تفرغ تمامًا من رجالها.
مذبحة نانجنغ لم تكن بالقتل فقط، وإنما كان لاغتصاب النساء نصيبًا كبيرًا أيضًا، وقد ضرب الجندي الياباني أية في القتل والانتهاك والاغتصاب، حتى يقال أنه لم تبقى أي في مدينة نانجنغ هذا الوقت إلا وتعرضت للاغتصاب، وبالطبع كل من كانت ترفض ذلك يتم قتلها وتشويهها، حتى أن بعض النساء كن يقدمن على الانتحار هربًا من الجحيم، أما المستعمر الياباني فقد وجد حل نفاذ النساء في إقامة معسكرات مخصصة لنساء المتعة، وهذا كنوع من تحفيز الجندي الياباني وإقدامه أكثر على الحرب، ببساطة، لقد حول الجيش الياباني مدينة نانجنغ إلى جحيمٍ لا يُطاق.
مُعاملة اليابانيين للأسرى
كان الأسرى الصينيون يظنون أنهم قد نجوا من الموت المحقق، وأن الأسر مجرد عذاب مؤقت سيذهب بعد الإفراج عنهم، إلا أن كل ذلك كان مجرد أوهام وأحلام واهية، فقد تفنن المستعمر الياباني بعد مذبحة نانجنغ في تعذيب أسراه، والذين كان أغلبهم من جيش المئة ألف الذي هرب، حيث نُفذت بحقهم مذبحة كبيرة في الثامن عشر من ديسمبر عام 1937.
كان الجيش الياباني قد تمكن من إلقاء القبض على أكثر من 57 ألف أسير، قام بفتح النار عليهم لأكثر من ساعة حتى سقط أكثرهم، أما البقية فقد تم إجبارهم على الجري نحو منطقة مليئة بالألغام، لتتناثر جثثهم بعدها إلى أشلاء صغيرة، ويموت الأسرى بأكملهم قبل بزوغ فجر اليوم التالي.
نهاية المذبحة
بعد أكثر من عام على الدمار واجتثاث الأخضر واليابس من المدينة أعلن الجيش الياباني أنه يستعد لمغادرة نانجنغ وأن الذين شردوا من بيوتهم يُمكنهم العودة الآن، وبالفعل غادر الجيش الياباني إلا أن الصينيين حينما عادوا لم يجدوا مدينتهم التي تركوها قبل عام، فقد تم حرق كل القرى وقتل كل الحيوانات، لتبقى المدينة خاوية عروشها وخير دليل على أبشع جريمة إبادة في التاريخ الحديث إذ لم يكن التاريخ بأكمله، حتى أن مراسل أجنبي شهير مر على المدينة بعد الاجتياح وعلق قائلًا أنه لم يرى في حياته وحشية كهذه، وقال أيضًا أن كومة الجثث الواحدة كان طولها يتجاوز الستة أقدام.
أقسى من المذبحة
قد يعتقد البعض أنه لا شيء قد يحدث أقسى من هذه المذبحة الوحشية، لكن هذا ليس صحيحًا بالمرة، فالجنود اليابانيين كان لديهم أقسى من ذلك بكثير، ووصل الأمر إلى أكل لحوم الأسرى والمُصابين.
مرت فترة عصيبة أثناء الاحتلال الياباني للصين، أدت إلى انقطاع المعونات والمؤن عن الجيش الياباني، تزامنًا مع فناء القُرى الصينية من خيراتها، أو بمعنى أدق، قيام الجيش الياباني بالتهامها، فلم يكن هناك بدٌ من الاتجاه إلى مصدرٍ آخر للحصول منه على اللحوم، وكانت أجساد الأسرى الصينيين أول ما تم التفكير به.
أقدم اليابانيون بوحشيةٍ مُخيفة على أكل جثث المعتقلين، فقد كانوا يقطعون الأعضاء التي تصلح للأكل ويأخذونها ثم يلقون بباقي الجسد في البئر، ويُقسم أحد الناجين أن رفاقه المساجين كانوا يموتون من الخوف لمجرد التفكير بالأمر، أما الجنود اليابانيين فكانوا يتنافسون فيما بينهم على ذلك الأمر المُفزع.
أفلام مذبحة نانجنغ
لم تمر مذبحة نانجنغ مرور الكرام على السينما العالمية، فبأية حال، لا أحد يُمكنه أنه يصل بمخيلته إلى هذه الدرجة من الوحشية التي وصل إليها المُستعمر الياباني، وقد كانت كل الأفلام التي تم إنتاجها تدور حول شيء واحد، وهو اجتياح اليابان الغير إنساني بالمرة للصين.
“زهور الحرب”، أحد أهم هذه الأفلام، والذي تم إنتاجه في الصين عام 2012، وهو يحكي قصة مواطن أمريكي يذهب إلى الصين بالخطأ في وقت الحرب، وعندما يشهد على هذه المذبحة يُكرر المكوث والوقوف بجانب الصينيين، حتى يلقى حتفه في نهاية الفيلم، كدليل على أن العالم كله قد تأذى بسبب هذه الحرب.
وبالطبع لا يُمكن أن نغفل في النهاية موقف الشعب الياباني من المجازر التي قام بها جيشه، حيث قيل أن المظاهرات الرافضة لهذا الاجتياح لم تتوقف طوال فترة الحرب، بل أنهم قد حملوا الإمبراطور مسئولية القنبلة النووية التي أُلقيت على هيروشيما ودمرتها بأكملها، وقالوا صراحةً أنها جاءت كعقابٍ سريع على ما قام به جيشهم من مذابح في الصين، وتحديدًا مذبحة نانجنغ الدامية.
أضف تعليق