يُعد الفنان الأردني محمود السوالقة أشهر من تقمص دوره في تاريخ السينما، حيثُ وصل التقمص به إلى الانغماس في مشهد الوفاة حتى أصبح مشهدًا واقعيًا، ورغم أن المُمثل قد يشعر بذروته حين تلبد به الشخصية التي يقوم بتأديتها ويتأثر به، إلا أن السوالقة تخطى كل ذلك في مشهدٍ واحد، فبينما كان فريق العمل بأكمله يُصفق له بسبب إتقانه لدور الرجل الميت اكتشف زميله في المشهد المُمثل مُنذر ريحانة أنه لا يتحرك أو يتنفس، وأن ما حدث مُنذ لحظاتٍ لم يكن تمثيلًا على الإطلاق، لتظل هذه الواقعة مُعجزة لم تحدث من قبل في تاريخ السينما، وميتة لم ولن تتكرر، ميتة أمام الكاميرات وأمام حشدٍ كبيرٍ من المتفرجين، ميتة للتاريخ.
محمود السوالقة والموت أمام عدسات المصورين
من هو محمود السوالقة؟
محمود ممدوح السوالقة، مُمثل أردني من مواليد عام 1958، بدأ حياته بالتمثيل المسرحي في مسرح الجامعة، ثم اتجاه إلى التمثيل على مسارح العاصمة، ليعرفه الناس بعدها، ويقضي أكثر من نصف حياته المهنية مُتنقلًا على خشبات المسرح، ما بين مسارح الأردن ومسارح الوطن العربي بل ومسارح باريس.
مع بداية القرن الواحد والعشرين اتجه محمود السوالقة إلى الدراما، حيث قام بالمشاركة في عدة مُسلسلات أردنية، أغلبها عن حياة البدو والصحراء، أشهرها رأس غليص وأخوة الدم والذي مات فيه.
كيف مات؟
في الثالث من مايو عام 2014 كان محمود السوالقة يؤدي مشهده الأخير في مُسلسل أخوة الدم، كان المشهد يقول أن والد الفنان مُنذر ريحانة – الشخصية التي يُجسدها السوالقة- سيموت بين يديه بعد أن يُخبره بوصيته الأخيرة، كانت الوصية – حسبما يقول السيناريو- هي أن ينصحه بالعودة إلى كنف إخوته من جديد وعدم التشاجر مرة أخرى، لكن السوالقة قال وصية مُغايرة تماما لما هو متفقٌ عليه، حيث أوصى ولده – والذي يُجسده الفنان مُنذر ريحانه- بدفنه بجوار أبيه، وأوصى أن توزع أمواله بين أولاده بالتساوي، وهنا، كردة فعلٍ طبيعية لما اعتبره الجميع خللًا، أوقف المخرج التصوير، وهنا أيضًا توقف قلب السوالقة عن النبض، أجل، لقد مات.
عمّ الذعر وساد الهلع، كان الأمر أشبه بفاجعة، الذين أدركوها منذ الوهلة الأولى كانوا صفرًا من الحضور، والذين امسكوا رأسهم كناية عن عدم التصديق كانوا الجميع تقريبًا، لكن الحقيقة أخذت تطفو على كل ذلك لتؤكد ما حدث، لقد مات السوالقة بأزمةٍ قلبية حادة، مات وهو يؤدي مشهد الموت، حدثت المعجزة الصغيرة على أكملِ وجه.
انتشر خبر موت السوالقة في العالم بأكمله، انهالت برقيات التعازي من جميع فناني الأردن والعرب والعالم، تصدر الخبر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديو الذي تم التقاطه للحظة الوفاة، وعنونت جميع الصحف الموضوع بعنوانٍ واحد، وفاة محمود السوالقة، اغرب حالة وفاة في الوسط الفني.
شهود عيان
لأن موت السوالقة كان أمام فريق العمل بأكمله، كان شهود العيان كُثر، جميعهم اتفقوا على أمرٍ واحد، بروايةٍ واحدة، ورجحوا أن ما حدث شيء واحد، مُعجزة صغيرة، لم ولن يُشاهدوها من قبل.
حسن أبو شعيرة، مُخرج مُسلسل أخوة الدم الذي مات فيه السوالقة، يُعد أكثر الشهود دقة بسبب حديثه مع السوالقة قبل موته بثوان، وتحديدًا قبل بدء المشهد الذي مات فيه، حيثُ أكد أبو شعيرة أن السوالقة مازحه قبل التصوير قائلًا ” آمل أن لا أموت حقًا”، وكان يقصد بذلك التهكم من انغماسه في مشاهد الوفاة، فقد كان من المفترض أن يؤدي السوالقة بعد انتهاءه من هذا المشهد مشهدًا أخر في مُسلسلٍ أخر، وكان هذا المشهد أيضًا من المشاهد التي كان سيموت فيها السوالقة، أي أنه كان سيموت مرتين في هذا اليوم على سبيل التمثيل، لكن ما حدث أنه قد مات مرة واحدة فقط، وكانت حقيقية.
الفنان مُنذر ريحانة لم يتوقف عن البكاء، لا في الجنازة ولا بعد سماعه للخبر، بدا غير مُقتنعًا بما حدث على الإطلاق، أخذ يهز السوالقة أكثر من مرة ويؤكد له أن المشهد قد انتهى، لكن السوالقة لم يستجب له لأنه كان قد انتهى فعلًا، ليترك وراءه صدمة كبيرة وحزن عميق، ومشهد وفاة آخر في مُسلسلٍ آخر لم يؤديه.
حوادث مُماثلة
يُعد السوالقة حالة فريد لكونه قد مات في أثناء تصوير مشهد الموت، لكن ثمة مُمثلين آخرين باغتهم الموت في أثناء التصوير أيضًا في ظروفٍ مُختلفة، فمنهم من مات في أثناء التصوير ومنهم من مات في استراحة المشاهد، ومنهم من مات وهو في طريقه إلى الاستوديو، وأبرز هذه الحالات:
علا ولي الدين، الكوميديان الذي أبكى الجميع
كان علاء ولي الدين في رحلة تصوير خارجيه لفيلمه عربي تعريفه، وكان في أوج نجاحه بأفلامه الناظر وعبود على الحدود، لكنه فجأة وبلا أي مُقدمات، مات في أثناء التصوير بذبحة صدرية، ليتم إلغاء التصوير ومن ثَم إلغاء الفيلم، وقد قام مُخرج الفيلم بعرض المشاهد التي تم تصويرها في برنامج على القناة الأولى.
محمود المليجي، الشرير الذي مات كالملاك
كان محمود المليجي ملكًا للشاشة الصغيرة وشريرها الأول، ولم يكن أحدًا يتوقع أن يموت المليجي هذه الميتة المُباغتة في أثناء تجسيده واحدة من هذه الأدوار، فأثناء استراحة تصويره أحد المشاهد لفيلمه الأخير أيوب عام 1983 تعرض لأزمةٍ قلبيةٍ حادة، ونتيجة لموته المُباغت اضطر مُخرج العمل إلى تغيير السياق.
صلاح قابيل، الميت المُثير للجدل
بعيدًا عن تسبب موت صلاح قابيل في تغيير أحداث مُسلسل ليالي الحلمية فإنه يُعد كذلك واحدة من الشخصيات التي أثار موتها جدلًا واسعًا، حيث قيل أن قابيل قد تم دفنه بعد إصابته بغيبوبة وليس بعد الوفاة، ويقول عامل القبر أنه عندما جاء إلى مقبرة قابيل بعد فترة قصيرة ليدفن شخص أخر وجد أن الجثة قد تحركت من مكانها، ويُفسر هذا بأن قابيل كان حيًا وحاول الاستغاثة والخروج من القبر، لكن أحدًا ما لم يسمعه، ولذلك مات بعدها من الهول والفزع.
عبد الله غيث، ذئب الجبل
كان الفنان عبد الله غيث يؤدي دورًا رئيسيًا في مسلسل ذئاب الجبل قُبيل وفاته، وكان من المفترض أن تنتهى مشاهده بعد الموت الذي مات فيه بأسبوع، لكنه بموته سبب أزمة حقيقية لصناع العمل، ولم يجدوا بُدًا من تغيير نهاية العمل لتتماشى مع موت غيث، وبالفعل قام المخرج بفعل ذلك وتم استكمال المُسلسل بنهايةٍ جديدة.
أسمهان،علامة تعجب كبيرة
يُعتبر موت أسمهان لغزًا كبيرًا أيضًا، وبعيدًا عن انه حدث في أثناء تأديتها المشاهد الأخيرة في فيلمها الثاني غرام والانتقام، إلا أن المُثير للجدل كان الكيفية التي حدثت بها هذه الوفاة، والتي تؤكد وجود شبهة قتل، تم اتهام الكثيرين فيها ولم يتم إثبات التهمة عن أي مُتهمٍ منهم حتى الآن.
هذا ومن الواضح تفشي الموت المفاجئ في صفوف الفنانين مُنذ زمنٍ كبير، لكن موت السوالقة الذي حدث قبل عامين فقط ما زال هو الحدث الأهم بينهم، فميتة محمود السوالقة في أثناء تأديته مشهد الوفاة ليس فقط أمرًا غريبًا، بل يُعد أيضًا شاهدًا على ميتة فريدة، ميتة لم ولن تتكرر.
أضف تعليق