تُعد قصة “لايورونا” واحدة من أقدم وأكثر الأساطير انتشارًا في العالم، حيث بدأت وانتشرت في المكسيك، أو أمريكا الشمالية عامة، وذلك منذ مئات العقود، وقد كان الآباء والأمهات والأجداد يقصونها لأبنائهم مراتٍ عدة بسبب ما فيها من عبرٍ ودروس، حيث تدور تلك الأسطورة في فلك الأم وتضحياتها من أجل أبنائها، وربما يكون هذا السبب الرئيسي والداعي لانتشارها، لكن الجاذب في تلك القصة هو وجود الكثير من الأدلة التي تُثبت حدوثها بالفعل، فقد تحدث الكثير على وجود جذور لها في الواقع وأنها ليست مجرد قصة مُصطنعة، فدعونا نتعرف معًا على لايورونا، المرآة الباكية وقصتها كاملة.
لايورونا وقصتها من الألف إلى الياء
من هي لايورونا؟
في البداية يجب معرفة أن لا يورونا ليس اسم بطلة تلك الأسطورة التي نتحدث عنها، وإنما هو مجرد وصف عادي لتلك البطلة، فهذه الكلمة ترجمتها بالمكسيكية تعني المرأة الباكية، وهو الوصف الذي عُرفت به ماريا، البطلة الحقيقية لهذه الأسطورة.
من هي ماريا؟
ماريا هي لايورونا، ولايورونا هي ماريا، كلاهما نفس الشخص الذي وُلد قبل عدة قرون في إحدى قُرى المكسيك الفقيرة. كانت ماريا فتاة جميلة، وربما يكون هذا هو السبب الذي جعل أغلب جيرانها وأبناء قريتها يقعون في حبها ويُلاحقونها، إلا أنها كانت تتمنع عنهم جميعًا وترى أن الشخص الذي تتمناها حبيبًا لها ليس بينهم، إلا أن جاء أحد الطلاب المُقيمين بقريةٍ أخرى ويدعى لانشيرو ليدرس بمدرسة ماريا ويتغير الأمر برمته.
ماريا والحب
شعرت ماريا بانجذابٍ شديد هذا الشاب ولم تلبث إلا أن وقعت في حبه، لكنه كانت تمتلك من الكبرياء ما جعلها تُخفي ذلك، بل وتتمنع عن هذا الشاب الذي وقع في حبها كذلك، لكنه كان يظن أن ماريا لا تبادله ذلك الحب، لذلك قرر إقناعها بما يملكه من موهبةٍ في العزف، وكان هذا مُدخلًا جيدًا لماريا، حيث استطاعت من خلاله إيجاد فرصة للتخلي عن كبرياءها ومبادلة هذا الشخص الحب علنيًا، وبالفعل لم يأخذ الأمر الكثير من الوقت حتى تزوجت ماريا من ذلك الشاب، وإلى هنا انتهى الجزء الجيد من تلك القصة التقليدية، لكن الجزء المتبقي لم يكن تقليديًا بالمرة، ولم جيدًا كذلك، لقد كان فيما بعد أسطورة.
بداية المشاكل
بعد زواج ماريا بلانشيرو بدأت المشكلات تلوح في الأفق، وخاصة بعد إنجاب الأطفال، حيث ادعى لانشيرو أنه قد وجد عمل بإحدى الدول المجاورة وأنه يتعين عليه ترك البيت والعيش في تلك القرية التي يتواجد بها العمل، وبالفعل سافر لانشيرو وترك ماريا والأطفال. في الإجازات والمناسبات كان لانشيرو يعود لرؤية ماريا وأطفاله، ومن مرة إلى أخرى بدأ شغف لانشيرو لماريا يقل، حيث لم يعد مهتمًا بوجودها كما كان في السابق، وكانت الأولوية في كافة الزيارات لأطفاله وأمه، أما ماريا فكانت وكأنها غير موجودة بالنسبة له.
بداية الشك
كان لانشيرو من طريقة مُعاملته لماريا مُثيرًا للشك، حتى أن ماريا قد أجزمت على أن الأمر يتعلق بامرأة أخرى، وبالفعل قامت ماريا بتتبع لانشيرو والتقصي عنه، حتى وجدت أن قد تزوج من ابنة رئيس العمل الذي يعمل به في القرية المجاورة، وقد كانت الفتاة أجمل من ماريا وأصغر منها سنًا، لذلك لم يستطع لانشيرو مقاومة الأمر، وكذلك لم تستطع ماريا اختلاق أية خلافات بسبب أطفالها، فرضيت وكتمت ولم تفصح للانشيرو بمعرفتها بالأمر، إلى أن جاء اليوم الذي حول من قصة ماريا العادية عن الخدر والخيانة إلى أسطورة خالدة مازال الناس يتناقلونها حتى الآن، لقد التقت ماريا وأطفالها بزوجة زوجها الثانية وجها لوجه.
بداية أسطورة لايورونا
أثناء مرور ماريا بجوار النهر شاهدت لانشيرو يركب عربة مع زوجته ويتبادلان الضحك سويًا، وهنا على الدم في رأسها وقررت الابتعاد عنه حتى يمر لأنه كانت لا تطيق رؤيته مع زوجته الثانية، إلا أن لانشيرو رأها ونزل من العربة ثم توجه إليها هي والأطفال، لكن ما فعلها كان أشد إثارة لماريا، حيث أنه تجاهلها تمامًا كأنها غير موجودة، وذهب لتقبيل الأطفال ومعانقتهم وسط بسمةٍ سمجة من زوجته الثانية، بعدما انتهى لانشيرو رحل دون أن ينبث بكلمة واحدة لماريا، رحل بعد أن أشعل شرارة الغضب بداخلها.
انفجار ماريا
بعد أن رحل لانشيرو شعرت ماريا بالغضب يجتاحها، ولم تجد أمامها سوى الأطفال كي تُنفث غضبها فيهم، فحملتهم وألقتهم من فوق النهر وهي تضحك بطريقةٍ هيستيرية، معتقدةً بذلك أنها تنتقم من لانشيرو وتحرق قلبه، لكن في حقيقة الأمر كانت قد فقدت عقلها من الغضب لا أكثر. بعدما هدأت ماريا وشعرت بجرمها صرخت وألقت بنفسها في النهر وأخذت تبحث عن طفليها اللذان لم يكن لهما أي وجود، لكنها مع ذلك أخذت تبحث لساعات طويلة حتى اختفى النهار وحلّ الليل، وعلى ما يبدو أن النهر كان قويا وجرفهما بعيدًا، وعلى ما يبدو أن أمرًا آخر خطير كان قد حدث، لقد تركت ماريا نفسها حتى الموت.
بداية أسطورة لايورونا
في صباح اليوم التالي، وأثناء مرور أحد الأشخاص، رأي جثة لامرأة جميلة تطفو على ضفة النهار، ولم تكن هذه الجثة سوى جثة ماريا، لكن عندما حاولوا أخذ الجثة لدفنها لم يتمكنوا من ذلك فقد كانت تختفي كلما اقترب منها أحد. الأشد من ذلك أن صوت ماريا كان يُسمع في أرجاء المدينة كل مساء وكانت الأطفال تختفي من بيوتهم بشكل ملحوظ، وكل من كان ينظر إلى النهر في المساء يرى شبح ماريا يسبح فيه، ولم يكن هناك سوى سؤالٌ واحد يتردد باستمرار، ما الذي حدث؟
ما الذي حدث؟
يُقال إنه كعقاب لماريا لم تصعد روحها للسماء كما هو المعتاد، بل بقيت في الأرض لتتعذب جراء إقدامها على قتل أطفالها، وقد كانت تصعد إلى الأرض كل مساء وتأخذ الأطفال ثم تلقي بهم في النهر ثم تُلقي بنفسها بعدها، مُعتقدة بذلك أن روحها قد تصعد معهم، لكن ذلك لم يحدث. أهالي المكسيك أطلقوا على هذه المرأة اسم لايورونا، أي المرأة الباكية، لأنها كانت لا تتوقف عن البكاء طوال الليل، بل إنها كانت تجول البيوت وتبكي بجوارها.
أساطير حول لايورونا
انتشرت الكثير من الأساطير حول لايورونا، بعضها بالطبع غير معقول بالمرة ولا يُمكن تصديقه، منها مثلًا أن لايورونا كانت تتجول بجوار البيوت ليلًا وتبكي بجوارها، وكل من يسمعها يموت بعد فترة قصيرة من الوقت.
قيل أيضًا أن لايورونا سوف تظل خالدة على حالتها هذه إلى الأبد لتتعذب على ما فعلته، وأن وجودها بات مألوفًا ومُسلَّما به لدي المكسيكيين، وذلك بسبب ما تتناقله الأجداد من قصص حول هذا الأمر، فقد مهدوا لها وجعلوها جزءًا من عقلية طفلهم. الغريب فيما يتعلق بقصة لايورونا أن أحدًا ما في المكسيك لم يقل أبدًا أن تلك القصة مجرد أسطورة لا أساس لها من الصحة، بل هناك إجماع غريب على أن هذه القصة حقيقية مئة بالمئة، بل إنهم يُعارضون ويتصدون لك من يشكك بها وكأنها قد أصبحت جزءًا من تراثهم، فلا يوجد أحد في المكسيك لم يسمع عن لايورونا، تلك المرأة الباكية.
شكرًا لكم
رااائع قصة رائعة ومقال أروع