كانت حادثة مقتل كيتي جينوفس بمثابة صدمة للعالم بأكمله، فهي على الأقل جعلته يقف أمام المرأة ويرى وجهه الحقيقي، وأخلاقه التي لم تنتصر لمقتل امرأة في قارعة الطريق، وربما يظن البعض بعد قراءة الموضوع كاملًا أن هذه المرة هي الأولى التي يكون فيها بطل قصتنا ضحية وليس جاني، لكن هذا الأمر في الحقيقة ليس صائبًا، فبطل قصتنا هو المجتمع والناس، الجناة الوحيدون في هذه القضية، لكننا فقط سنتناولهم من خلال قصة حياة كيتي جينوفس، فدعونا نتعرف سويًا في السطور الآتية على الفتاة الذي صدمت بقصتها العالم بأكمله.
كيتي جينوفس ضحية القتل المسكينة
من هي كيتي جينوفس؟
في الليلة السابعة من شهر يوليو القابع في عام 1935 ولدت بطلتنا كيتي جينوفس، وكانت وقت أن ولد تُسمى كاثرين كما أرادت والدتها، لكن والدها أصرّ على اسم كيتي، مُبررًا ذلك بأنه اسم عصري يتناسب كثيرًا مع العام الخامس والثلاثين في القرن العشرين، وبالفعل تمت مناداتها فيما بعد بهذا الاسم حتى عُرفت به.
كانت مدينة نيويورك هي الحاضنة الأولى لكيتي، ففيها نشأت وفيها كان والديها يُديران شركة لتوريد المعاطف، مما نتج عنه تحسن كبير في الحالة المادية لهم، مُقارنة مع باقي الشعب الأمريكي في هذا الوقت، والذي كان شاهدًا على حدث جلل يُعرف باسم الحرب العالمية الثانية.
طفولة كيتي جينوفس
كما أسلفنا، كانت كل الظروف مُهيأة لجعل كيتي تعيش حياة سعيدة، والواقع أنها لم تكن وحدها كذلك، بل كانت أيضًا مسئولة عن إسعاد كل من حولها، فهي كما يعرفها الجميع فتاة مرح تُحب الموسيقى والرقص ولا تكف عن الثرثرة وإلقاء المُزح، حتى عُرفت وسط الناس باسم كيتي المرحلة، وقد كان أقربائها ينتظرون زيارتها بفارغ الصبر حتى يستمعوا منها إلى أحداث النكات، وكان والديها أيضًا يتفاخران بها وسط الناس، أي أن كيتي كانت ببساطة قطعة سعادة تمشي على الأرض، لكن الحياة لا تستطيع الصمت أمام كل هذا العبث من وجهة نظرها، وبكل أسف تدخلت في شئون كيتي.
كيتي من سيء لأسوأ
فجأة، وبلا أي مُقدمات، انقلبت الطاولة على كيتي جينوفس، فمات والديها وصادرت الحكومة الأمريكية شركتهما، والأهم من كل ذلك أنها لم تعد قادرة حتى على سد احتياجاتها من طعام وشراب، فلجأت إلى العمل مُرغمة، وتركت التعليم الذي كانت متفوقة فيه، وأصبحت نادلة ومضيفة وعاملة في مطعم، ببساطة اشتغلت الكثير من المهن المُهينة، حتى استقر بها المطاف في حانة ايفز، وعاشت في شقة مع صديقتها بسبب حجز الضرائب على بيتها، لكن، هل توقفت المصائب عند ذلك الحد؟ بالطبع الإجابة المنطقية في حياةٍ كهذه هي لا، لكن ما لم يكن متوقعًا أبدًا هو شكل الصفعة التالية التي كانت الحياة تُحضّرها لكيتي، والتي شهدت بلا مبالغة نهاية مأسوية مريعة للفتاة المرحة.
بداية المأساة
مساء الثالث عشر من شهر مارس القابع في عام 1964 كانت كيتي جينوفس عائدة إلى البيت الذي تسكن فيه مع صديقتها، كان من المفترض أن تكون ليلة سعيدة بسبب مواكبتها لعيد ميلاد صديقتها، وكانت كيتي تنوي الاحتفال حتى الصباح، لكن، أي احتفال وأي صباح يمكن أن تلحقه كيتي في ظل وجود موسلي.
المجنون موسلي
قبل أن نعرف ما حدث لضحيتنا كيتي جينوفس يجب علينا أولًا التعرف على شخص لا يقل أهمية في ذات القصة، وهو موسلي، القاتل المجنون، والذي لم يعرف أحد حالته بالضبط حتى الآن، فقد كان في الصباح كأي شخص، مجرد أب له زوجة وعمل وأبناء، يقوم برعايتهم ويعمل بجد حتى يجعلهم بأفضل حال، أما في المساء، وكتغيرٍ غير مفهوم على الإطلاق، يُصبح قاتل مُتسلسل، ينسل من تحت الغطاء الذي يشاركه مع زوجته ويخرج للشارع باحثًا عن ضحية مجهولة لقتلها لسبب مجهول، ومن سوء حظ كيتي أنها صادفته في مساء الثالث عشر من شهر فبراير.
وقوع الجريمة
كما أسلفنا، كانت كيتي جينوفس تقترب من البيت بينما انقض عليها موسلي المجنون، وكردة فعل طبيعي حاولت كيتي المقاومة في البداية، إلا أن القوة التي يمتاز بها موسلي جعلته يتغلب على كيتي ويُعطيها طعنه خفيفة إلى حدٍ ما، ويدل على ذلك أن كيتي تمكنت من الوقوف بعدها والركض باتجاه البيت مستغلةً هرب موسلي من صوت أقدام أحد المارة، لكن، للغرابة، لم يلتفت أحد للفتاة التي تنزف، ولا حتى الرجل الذي اكتفى بالنظر من النافذة وتحذير موسلي شفهيًا بعدم الاقتراب من كيتي، وبالطبع لم يلقى ذلك أي رد، بل جعل موسلي المجنون يعاود المحاولة من جديد.
الإصرار على القتل
كان موسلي مُصرًا بغرابة على قتل كيتي جينوفس، وبكل آسف لم تستطع المسكينة المتابعة بطعنتها التي تلقتها فسقطت بعد الزحف أمتار قليل، مما جعل موسلي يلحق بها ويُشبعها طعنًا من جديد حتى فارقت الحياة، ثم بدأ بعد ذلك اللهو بجسدها وتطبيق ما يُمكن تسميته بالاغتصاب، ليتركها بعد نصف ساعة جُثة شبه مشوهة، والغريب، أن كل ذلك حدث تحت أنظار بعض المشاهدين من النوافذ، والذين لم يتحركوا إلا بعد هرب موسلي، حيث قاموا بنقل جثة كيتي إلى المشرحة، ومن ثم وصلت صديقتها وتعرفت على جثتها برغم التشوهات.
سقوط موسلي
لم يستطع موسلي الإفلات بجريمته أكثر من ستة أيام، بعدها تم الإمساك به والحكم عليه بالإعدام حتى الموت، ثم بعد ذلك تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد، لكنه وللغرابة رفض الحكم، هذا بالرغم أصلًا من اعترافه بقتل كيتي جينوفس وعشرة نساء أخريات، جميعهم أيضًا كان يتم العثور على جثثهم مشوهة في قارعة الطريق.
هروب موسلي
لم يمضي على حكم المؤبد الذي تم الحكم به على موسلي في قضية قتل كيتي جينوفس سوى سنة واحده، بعد قام موسلي بالهروب من السجن في عربة الإسعاف عن طريق مساعدة أحد الأصدقاء، بل وقام في طريقه بقتل رجل وزوجته رفضا مساعدته والتستر عليه، لكن، ما هي إلا أيامٍ قليلة حتى تم الإمساك به، ليُحكم عليه بالإعدام مرة أخرى ويخفف الحكم إلى المؤبد مرة ثانية بحجة أنه يُعاني من مشاكل عقلية، وفي تلك الفترة التزم موسلي وبدأ بالدراسة حتى حصل على ماجستير الحقوق، وطالب أكثر من مرة بتخفيف الحكم أو الإفراج المشروط عنه، لكن طلبه ظل مُتجاهلًا حتى مات عام 2016 عن عمر يُناهز 81 عام.
كلنا مُذنبون
بخلاف موسلي، ركزت الصحافة على قضية كيتي جينوفس من زاوية أخرى وقامت بتكييل الاتهامات للمجتمع المتمثل في الشهود الذي شاهدوا الجريمة بأكملها ولم يقوموا بأي ردة فعل ضدها، حيث أثبت المعمل الجنائي أن الطعنة الأولى لم تقتل كيتي وكان من الممكن جدًا إنقاذها، لولا سيل الطعنات التي تلقته في المرة الثانية عند لاحقها موسلي، حيث قيل أن كيتي قد تعرضت للطعن في المرة الثانية ثلاثة عشر مرة، كل ذلك أمام أنظار بعض الشهود والمتفرجين، لذلك تم اعتبار حادثة مقتل كيتي جينوفس وصمة عار في جبين المجتمع، لم يستطع الزمن محوها منه حتى الآن.
أضف تعليق