فيلاد دراكولا أو فيلاد الثالث أمير والاكيا الملقب بالمخزوق لأنه كان يعدم أعدائه بالخوازيق ويشرب دمهم ويتركهم يتعفنون. وهو الملهم لشخصية دراكولا أو مصاص الدماء التي اشتهرت جداً في أفلام الرعب والفانتازيا. ولكن هنا في مقالي لا أتحدث عن كيف كان ملهماً ولن أذكر مدى وحشيته وإنجازاته الدموية خاصة مع جيوش السلطان العثماني محمد الثاني، بل على النقيض سأريك كيف أساء العالم استخدام اسم ذلك الرجل وأنه لم يكن بالبشاعة التي يصورها، ومفاجآت أخرى ستعرفها في سطور هذا المقال إن كنت من محببي “الفامبير”.
فيلاد دراكولا والقصة الحقيقية له
لم يكن لفيلاد دراكولا دخل في إلهام كاتب الشخصية
منذ أكثر من خمسين عام ومن بعد موت برام ستوكر، كاتب ومبتكر الشخصية الأساسية “دراكولا” أشهر مصاصي الدماء، تم الربط بين اسم فيلاد دراكولا أمير والاكيا المخزوق مع اسم الشخصية الخيالية، وقيل إن فيلاد ألهم برام بالفكرة خاصة فيما يخص شرب الدماء. ولكن لم يوافق على هذا الادعاء ابن برام ستوكر “إيرفينغ” قائلاً إن الفكرة جاءت لأبيه في المنام وهو لم يعرف فيلاد دراكولا الحقيقي على الإطلاق. مع إن العالم كله شكك في نفي ابنه للأمر إلا إن الحقيقة أثبتت نفسها مع ظهور مذكرات برام ستوكر ذاته الضائعة وتم عرضها في متحف روزينباخ بفيلادلفيا، والتي تؤكد أن برام لم يكن على علم بقصة فيلاد الرجل الدموي بالكامل وأنه لربما سمع الاسم من أحد الأصدقاء ليس إلا فأعجبه واستخدمه في روايته المشهورة. والأبحاث الأحدث تشير إلى إن برام لم يكن يريد استخدام اسم دراكولا بالأول ولكنه بعد ذلك وجد الاسم في ترجمة للغة قديمة برومانيا والذي يعني “الشيطان” بلغتهم ففكر في استخدامه. إذاً لم يكن فيلاد دراكولا هو الملهم وهذا أول ادعاء ظالم.
فيلاد دراكولا يشرب دماء أعدائه
ادعى العديد من الباحثين أن فيلاد دراكولا كان يشرب دماء أعدائه من رجال ونساء وأطفال بعد أن يضعهم على الخازوق، وهو عمود مدبب ومسنن يتم وضع الشخص فوقه حتى يخترق السن فتحة الشرج مروراً بالبطن والأمعاء حتى يموت الشخص معذباً بطريقة بطيئة جداً ومؤلمة للغاية. وبسبب قلة المصادر التاريخية التي تتحدث عن فيلاد مباشرة فهذا الأمر لا يمكن تأكيده. لأن المصدر الأساسي لتلك الفكرة هي مأخوذة من قصيدة رومانية ألقاها أحد الشعراء أمام الإمبراطور الروماني فريدريك الثالث تعود إلى عام 1463 أي بزمن شيخوخة فيلاد دراكولا. وبعد ترجمة القصيدة للمرة الأولى لاحظ العلماء ذكر الشاعر لفكرة شرب فيلاد لدماء أعدائه كنوع من الترهيب لذلك الرجل وقسوته الأسطورية. ولكن حين تمت ترجمتها مرة أخرى جاء المعنى بطريقة مختلفة، وهذه المرة بقول الشاعر أنه كان يغسل يداه في الدماء، قد ترى أن الأمر مازال فيه نوع من القسوة والتقزز، ولكن حتى تعلم، تلك الجملة كانت مجرد جملة بلاغية تتحدث عن كثرة الدماء المسفوكة على يد هذا الرجل وإنها قد استخدمت مع العديد من الشخصيات العنيفة على مدار التاريخ وليس مع فيلاد دراكولا فقط. لا يستطيع أحد إنكار مدى قسوة ودموية هذا الأمير ولكن لا يستطيع أحد إثبات شربه للدماء كما تدعي عليه بعض الكتابات.
دراكولا يعيش في ترانسيلفانيا
إقليم ترانسيلفانيا في رومانيا، القلب التاريخي النابض لتلك البلد وهدف الكثير من السياح المحبين لقصص مصاصي الدماء. لأن المولد والمنزل الأصلي لمصاص الدماء الأشهر “دراكولا” هي قلعة بران في ترانسيلفانيا، وعلى مدار الزمن التصق اسم دراكولا بذلك المكان وظهرت الكثير من الأفلام التي تجعلها مقر مختلف أنواع الوحوش والكائنات الغريبة. ولكن ما مدى ارتباط ترانسيلفانيا بفيلاد دراكولا الحقيقي؟ والحقيقية أنه لا يوجد أي ارتباط ولم يولد فيلاد هناك كما ادعى مؤيدي الفكرة. وهذا ما أثبته عالم الآثار “فلورين كورتا” من جامعة فلوريدا بدراسته لزمن ومكان ولادة فيلاد دراكولا، حيث أشار على إن فيلاد من المحتمل أن يكون ولد بمدينة والده سيغيسوارا أو في مدينة تارغوفيسته وليس أبعد من ذلك.
البطل القومي فيلاد دراكولا
مع كل تاريخ فيلاد دراكولا وقسوته وموت أكثر من 10000 شخص على يده وكيف كان يتحدى السلطان العثماني ويتحدى حتى أخيه ويقتل الجيوش العثمانية بالآلاف معلقاً إياهم على الخوازيق، كان من المفترض أن يصبح الشخصية الأكثر كرهاً في رومانيا. ولكنه على النقيض تماماً فهو يعتبر بطلاً قومياً في تاريخ رومانيا وترتكز السياحة هناك على قصص بطولاته وكيف حمى رومانيا من خطر الأتراك العثمانيين، وتنتشر تماثيله ولوحاته في الأماكن المهمة. مفسرين قسوته بأن الغاية تبرر الوسيلة وأنه لم يكن ليحمي بلاده من دون خبرته العسكرية وجبروته، وأن فكرة استخدامه للخوازيق كانت بهدف أن يدخل الرعب إلى قلوب أعدائه ويجعلهم يفرون وهذا ما نجح به بالفعل مع السلطان محمد الثاني. ما أود قوله إن وجهة نظر البشر تختلف من مكان لأخر فالبطل العسكري محبوب داخل بلده ومكروه من باقي العالم تماماً مثل حب بعض الفئات لهتلر حتى الآن ويرون بأنه كان على حق في أفعاله وحروبه. وحتى الآن ترفض رومانيا نشر الرواية أو الأفلام التي تتحدث عن اسم دراكولا بالسوء وتظهره بمظهر المسخ المرعب، احتراماً منها لبطلها.
والجدير بالذكر أن فيلاد دراكولا وأخيه رادو أمضوا فترة كرهائن في السجون العثمانية مما جعلهم يكنون بعض المشاعر المختلفة للعثمانيين، ليتحالف رادو مع العثمانيين ضد أخيه بالأخير ويتحالف فيلاد مع بابا روما “بيوس الثاني” للقضاء على الخطر العثماني الذي يهدد أوروبا. وحين عرف البابا بعد موت فيلاد عن أفعاله العنيفة التي طالت بعضاً من شعبه وليس فقط الأعداء كتب في سيرته الذاتية عن ندمه للتعامل معه بعد ما كان يفتخر به وبذكائه الحربي. كما أن قصة موته ليست واضحة تماماً فالبعض يقول أنه مات في كمين عثماني وآخرون يقولون أنه مات على يد رجاله أنفسهم الذين لم يريدوا أن يعيشوا تحت حكم هذا الطاغية مرة أخرى. ولا يعرف العلماء مكان دفنه بالتحديد حتى الآن والمرجح أن رأيه قد قطعت وأرسلت للسلطان العثماني لتأكيد موته وباقي جسده تم الاحتفاظ به في دير من الأديرة.
عدل فيلاد دراكولا
رغم كل تلك الأقاويل التي تدور حول هذه الشخصية من أفعال مرعبة وظلم لشعبه إلا أن ستيفن العظيم من مولدوفيا كان له رأياً أخر، وهو حليف لفيلاد دراكولا، وكتب أنه كان حاكم عنيف ولكنه عادل، حيث كان رحيم على الأوفياء له وشرير فقط على من يخونه. ولم يغتصب الأراضي كما يزعمون عنه ولم ينفذ إعدام الخوازيق إلا لمن استحق ذلك والموت في كل الأحوال بشع رغم اختلاف طرقه. فحتى القصص أثناء حياته تختلف ويختلف معها إرثه الذي تركه لبلاده ولا أحد يستطيع أن يُجزم بشر وطغيان هذا الأمير.
خلاصة القول عزيزي القارئ بأنه لا يجب أن تصدق كل ما تقرأ ولا يكون التاريخ دائماً منصفاً في وصف شر أو خير بعض الحكام والملوك. ولكنك الآن تعي أن فيلاد دراكولا لم يكن بالسوء الموصوف به ولم يكن بالتأكيد سر إلهام شخصية دراكولا الشهيرة وإنه ادعاء كاذب.
أضف تعليق