تسعة مجهول
فيكتور لوستيج
الرئيسية » غرائب » فيكتور لوستيج : النصاب الفرنسي الذي حاول بيع برج إيفل

فيكتور لوستيج : النصاب الفرنسي الذي حاول بيع برج إيفل

فيكتور لوستيج اسم تردد كثيرًا في عالم الجريمة، لكنها جريمة من نوع آخر بخلاف القتل والاغتصاب، فقد كان فيكتور بارعًا في عمليات النصب والاحتيال، حيث جمع ثروة.

عندما تُذكر كلمات مثل النصب والاحتيال والخداع فإن ذكر فيكتور لوستيج يُصبح أمرًا لازمًا، لأنه وببساطة يُعد الأب الروحي لهذه الأمور، والحقيقة أنه قد طغى واستوحش في هذا الأمر حتى وصل به الحد إلى الزعم بأنه قادر على بيع برج إيفل، الغريب أن الناس قد صدقوه في هذا الادعاء وغيره الكثير من عمليات الاحتيال حتى كوّن ثروة كبيرة تُقدر بملايين الدولارات، لكن ذلك الأمر لم يدم للأبد بالتأكيد، إذ سقط فيكتور شر سقوط وقضى مدة في السجن قبل أن يموت متأثرًا بمرضه عام 1947، أي في عمر السابعة والخمسين، عمومًا، دعونا في السطور الآتية نتعرف سويًا على القصة الكاملة للمحتال التاريخي فيكتور لوستيج، أين وُلد وكيف تدرج في عمليات النصب، والأهم من كل ذلك، كيف جاء سقوطه؟

من هو فيكتور لوستيج؟

أول شيء يُريد الجميع معرفته عن فيكتور لوستيج بعد اسمه هو المكان الذي وُلد فيه ذلك المُحتال وتمكن من احتوائه أمد من الدهر، والحقيقة أن ذلك المكان يحمل اسمين، فقديمًا كان وطن فيكتور يُدعى بوهيميا، أما الآن فهو يُعرف باسم جمهورية التشيك، وعمومًا مهما اختلفت الأسماء فإن المكان يبقى واحدًا، أما الزمان فهو بداية العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1890 ميلاديًا.

إذا ما استعرضنا الأجواء المُحيطة بذلك المُحتال فسنجد أنها لا تنم أبدًا عن وجود بذرة نصاب صغير بها، ففيكتور كان الابن الأوحد للرجل الأهم بقرية هوستيني الموجودة في التشيك والتي وُلد بها فيكتور، حيث كان يشغل منصب عمدة القرية، وهو منصب لا يحتاج بالتأكيد التحدث عن صلاحيته وسلطاته، لكن فيكتور ترك كل ذلك الاستقرار الاجتماعي وقرر منذ طفولته أن يُمارس النصب والكذب والتضليل على الآخرين، ومن هنا بدأت قصة فيكتور لوستيج المُحتال.

قصة فيكتور لوستيج

قصة المحتال فيكتور لوستيج بدأت في سن السابعة عشر، ففي ذلك السن أدرك فيكتور أن المدرسة ليست المكان الذي يصلح لأن يتواجد به، وأن التعليم كذلك ليس الشيء الذي يُعول عليه، لذلك بدأ يرتاد منذ سن الصغير النوادي وملاهي الخمور، كما تمرّس على لعبة المقامرة والبوكر، أما عمليات النصب الصغيرة فقد كانت التسلية التي يقضي بها أوقات فراغه، والتي أصبحت طويلة بعد أن ترك التعليم والمدرسة وعمل بأحد النوادي، كل هذه الفوضى ووالده عمدة القرية لا يشعر بشيء ولا يلتفت لابنه الوحيد من الأساس، وبسبب ذلك الإهمال يبدأ الفشل والضياع دائمًا.

استغلال الرحلات السياحية

استطاع فيكتور لوستيج الولوج إلى طاقم رحلات سياحية كانت تنطلق من أوروبا إلى أمريكا، ومن خلال هذه الرحلات تمكن فيكتور من ارتكاب أكثر من جريمة نصب بحق ركاب السفينة، والذين كان أغلبهم من الأثرياء السُذج، حيث كانوا يعتقدون أن فيكتور مُرشد سياحي لهم، وبهذا المنطق كانوا يُصدقون أن اللوحات والقطع الحجرية التي كان يبيعها لهم قطع أثرية حقيقية، وأنهم فعلًا قد تمكنوا من اقتناء كنز ثمين، لكن الحقيقة أن فيكتور كان يسرق أموالهم بطريقة شرعية فقط لا أكثر، تلك الطريقة التي لم تتوقف إلا مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث ألغت الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوقت الرحلات التي كانت طاقة قدر بالنسبة لفيكتور، ذلك النصاب الذي كان يمتلك كل عوامل التفوق في الاحتيال.

عوامل التفوق بالنصب

كان فيكتور لوستيج يمتلك العديد من العوامل التي تجعله نصابًا بامتياز، تلك العوامل التي أهمها بالتأكيد المظهر الأنيق الذي كان يتمتع إضافةً إلى الوسامة الفطرية، فقد كان يبدو كأحد أفراد الطبقة العليا بكل تأكيد، ولم يكن أحد يجرؤ حتى على الشك به، والحقيقة أن ذلك الأمر لم يكن خاطئًا، فكما ذكرنا من قبل، كان فيكتور الابن الأوحد للرجل الأهم في القرية التي وُلد بها، حيث كان عمدته، وكان من المتوقع أن يسير فيكتور على دربه، لكنه سلك طريق النصب، والذي ساعده به أيضًا الذكاء الفطري الذي تمتع به وقدرته على التخطيط وابتكار طرق حديثة للنصب.

من ضمن العوامل التي كانت سببًا في تفوق فيكتور أيضًا ملكته في التحدث بأكثر من لغة، وهو أمر جعله يبدو للناس مُثقف واع لا يُمكن التشكيك به، ومن الناحية الغير قانونية كان فيكتور يمتلك جوازات سفر بأكثر من خمسين اسم مختلفين، وهو ما جعله قادرًا على الولوج بأي بلد في أي وقت، إضافةً إلى الكثير من العوامل الأخرى التي جعلته باقتدار النصاب الأهم والأشهر في التاريخ. ولنبدأ معًا في استعراض أبرز عمليات الاحتيال لذلك الرجل.

الكونت فيكتور لوستيج

كما ذكرنا، مع نهاية الحرب العالمية الأولى وإلغاء الرحلات السياحية لم يجد فيكتور سبيلًا لاستكمال طريق النصب سوى من خلال المكوث في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عُرف هناك باسم الكونت فيكتور، والحقيقة أن الذكاء الفطري الذي كان يتمتع به ذلك الكونت جعله يفلت في كل مرة من قبضة العدالة، الأدهى من ذلك أنه لم يكن يترك أي دليل خلفه صالح للاقتفاء، وهو ما أدى إلى استمرار هذه النوعية من العمليات لمدة طويلة، أُرهق خلالها كل من تعامل مع فيكتور النصاب، والآن دعونا نبدأ معًا باستعراض أبرز عمليات الاحتيال لذلك الرجل.

أذكى عمليات النصب

خلال الفترة التي قضاها فيكتور لوستيج في الولايات المتحدة الأمريكية تمكن ذلك المحتال من القيام بأكثر من عملية نصب واحتيال، منها ما هو مُعتمد على قدرة فيكتور على استخدام ذكاؤه الفطري في خداع الناس، ومنها ما هو راجع إلى غباء الآخرين وطمعهم، والحقيقة أن من أكبر عمليات النصب الذكية التي قام بها فيكتور قبل سقوطه عملية ماكينة نسخ العملة، والتي جنى فيكتور بسببها أكثر من نصف مليون دولار.

ماكينة نسخ العملة

تعتبر عملية الماكينة السحرية من أكبر عمليات النصب التي قام بها فيكتور لوستيج، هذا إذ لم تكن الأكبر على الاطلاق، فخلال هذه العملية استطاع فيكتور إقناع الناس بأنه يمتلك صندوق يُمكنه نسخ العملة، بمعنى أدق، إذا كنت تُريد عدد لا نهائي من عملة الدولار فكل ما عليك هو أن تضع دولار واحد داخل الماكينة ثم تنتظر مئات الدولارات وهي تتدفق من داخل الماكينة، مع العلم أن الدولارات التي ستخرج حقيقية مئة بالمئة.

بالفعل تهافت الناس على صندوق فيكتور الصغير ورأوا بأعينهم الدولارات وهي تتدفق منه فقرروا شراءه على الفور بالمبلغ الذي يطلبه فيكتور، والذي كان وقتها ثلاثون ألف دولار، وبالطبع إذا كنت أمام جهاز أو ماكينة تُخرج لك ملايين الدولارات فلن تتوانى عن دفع ثلاثين ألف دولار، لكن ما لا يعرفه هؤلاء واكتشفوه فيما بعد، أن ذلك الجهاز لم يكن سوى عملية نصب ذكية من عمليات النصاب المحترف فيكتور لوستيج.

اكتشاف الخدعة

بعد ساعات من شراء الصندوق العجيب الذي يُخرج الأموال اكتشف المُشترون أنهم أمام عملية نصب حقيقية، فما كان يخرجه الصندوق، بعد أن أخرج مخزونه من الأموال الحقيقية، مجرد حِفنة من الأوراق البيضاء الممسوحة، أي أن فيكتور لوستيج قد باع لهم الوهم في أجمل صورة له، ليس هذا فقط، بل أنه قد هرب دون حتى أن يجعلهم قادرون على الإبلاغ عنه ومُلاحقته، فمن الأحمق الذي سيذهب إلى قسم الشرطة ويقول إنه قد تعرض للخداع أثناء شراءه لماكينة استخراج أموال مزورة، لكن، هل اكتفى ذلك النصاب المُحترف بهذه العملية المجنونة؟ أم أنه قد ضرب مرة أخرى دون رحمة.

أكبر محتال في العالم

بعد كل ما مضى لم يكن فيكتور لوستيج جديرًا بعد بلقب أكبر محتال بالعالم، وإنما فقط كان مجرد نصاب ذكي قادر على خداع الآخرين بسهولة، لكن العالمية في النصب جاءت بعد أن قام ذلك المجنون بأكبر عملية نصب في التاريخ، والتي لا يُمكن أن يُقدم عليها أو يُصدقها شخص طبيعي، إنها عملية بيع برج إيفل الشهيرة، تلك العملية التي قدمت للعالم مُحتال من طراز فريد لا يمتلك مؤهلات النصب فحسب، بل يمتلك كذلك ثبات انفعالي وجرأة غير مسبوقين.

بيع برج إيفل

قصة بيع برج إيفل قد تبدو للبعض قصة خيالية لا يُمكن حدوثها أبدًا على أرض الواقع، لكنها في الحقيقة حدثت، وليس هذا غريبًا إذا كنا نتحدث عن رجل بذكاء وجنون فيكتور لوستيج، فبعض الحرب وتدمير باريس كان برج إيفل شبه مُدمرًا ويحتاج الكثير من الإصلاحات، وفي أحد الأيام قرأ فيكتور في الجريدة بعض الأخبار بهذا الصدد، وهنا لمعت في رأسه فكرة بيع برج إيفل، لكن كيف؟ هذه ما لم يكن صعبًا أبدًا على رجل بدهاء فيكتور.

اجتمع فيكتور مع سبعة أشخاص من أولئك الذين يعرفون بالثراء والعمل بالمعمار، وخلال الاجتماع بدأ يُقنعهم بأن يعمل لصالح الحكومة وتحديدًا في وزارة التليغراف، وأنهم قد قرروا في سرية شديدة بيع ذلك البرج بسبب حاجته إلى الكثير من أعمال الترميم، الغريب أن أغلب التجار قد تحمسوا لذلك الأمر، والأغرب أنهم أحدهم اشترى البرج بالفعل ووقع مع فيكتور على العقود بعد أن منحه آلاف الدولارات، لتكون بذلك أحد أشهر وأكبر عمليات النصب في التاريخ.

سقوط النصاب الشهير

استمرت عمليات النصب من قِبل فيكتور لوستيج دون أي تغيير، فبعد أن باع برج إيفل للمرة الأولى بالطريقة التي ذكرناها عاد ليُكرر الأمر من جديد وبعملية تتمتع بنفس الخطوات التي قامت عليها العملية الأولى، ثم بعد ذلك قام بعملية تزوير في العملات الورقية كان من شأنها زعزعة الاقتصاد الأمريكي، مما أدى إلى جعله على رأس قائمة المطلوبين، لكنه كان يتمكن من النجاة في كل مرة، حتى جاء الوقت الذي سقط فيه على يد عشيقته السابقة، والتي اشتاطت غضبًا عندما رأته مع امرأة أخرى فأبلغت عليه وتم القبض على أخطر نصاب في العالم عام 1947.

نهاية فيكتور لوستيج

القبض على فيكتور لوستيج لم يكن أبدًا السطر الأخير في قصته، فقد استطاع الهرب بعدها بأيام قليلة، قبل أن يتم القبض عليه مرة أخرى والحكم عليه بالسجن مدى الحياة، والحقيقة أنه بالرغم من شكوى فيكتور الطبية وادعاءه المرض إلا أن أحدًا ما لم يلتفت إليه بسبب سجله الإجرامي المليء بالكذب والمراوغات، لكن على ما يبدو أن فيكتور كان صادقًا هذه المرة، إذ تتطور المرض سريعًا وأودى بحياته بالمشفى في نهاية العام 1947، ليُكتب بذلك الفصل الأخير في حياة أشهر نصاب بالتاريخ.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية − 4 =