كانت حادثة سقوط طائرة مصر للطيران 990 هي أخر حوادث الطيران في القرن العشرين، لكنها جاءت كواحدة من أهم هذه الحوادث وأكثرها إثارة للجدل، خاصةً مع وجود أدلة قوية على أن هناك شبهة إسقاط كانت مُبيتة لهذه الطائرة بمن فيها، والذي كانوا أكثر من ثلاثة علماء في الذرة، وسبعة علماء في النفط، إضافةً إلى وفد عسكري كامل، كان يحصل على التدريبات النهائية في الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن تلك الطائرة كانت صيدًا ثمينًا ومُغريًا، وهذا بالضبط ما دفع البعض إلا الاعتقاد بعدم سقوط الطائرة بل إسقاطها، لذلك كلما ذكرت رحلة طائرة مصر للطيران 990 ذُكرت خلفها شكوك كثيرة، وأثار ذكرها جدلًا كبيرًا.
طائرة مصر للطيران 990 : القصة الكاملة ورائها
طائرة الحادث
كانت الطائرة التي وقعت بها الحادثة وهي طائرة مصر للطيران 990 تابعة للشركة المصرية للطيران، وكانت أمريكية الصنع من طراز بوينج بي 300، وكانت هذه الطائرة لا تلتزم بخط مُعين ومُكرر مثل باقي الطائرات، بل كانت تُغير رحالتها من يومٍ إلى أخر، حتى أنها كانت قبل أسبوعٍ واحد من الحادث في زيورخ.
بداية الرحلة
في تمام الثامنة من صباح الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 1990 أقلعت طائرة مصر للطيران 990 من لوس أنجلوس متجهةً إلى القاهرة، وكانت الطائرة حسب الوقت المحدد لها ستصل في الثانية ظهرًا، وكانت تحمل 217 راكبًا، من بينهم طاقم الطائرة الذي كان مصريًا بأكمله وبوجود جميل البطوطي الذي ظل محلًا للجدل سنوات عدة، في نهاية الأمر، أقلعت الرحلة في الوقت المحدد، لكنها لم تصل في الوقت المحدد، لم تصل من الأساس.
السقوط
بعد ساعةٍ واحدة من تحليق طائرة مصر للطيران 990 أذاع فريق المتابعة والإذاعة الأمريكية أن الطائرة قد فُقدت، وبعدها بست ساعات أُذيع خبر سقوطها، وبعد التأكد من ذلك بدت الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها تملك ردًا قد أعدته مسبقًا، حيثُ قالت صراحةً ومنذ اللحظة الأولى أن سبب سقوط الطائرة هو إقدام مُساعد الطيار جميل البطوطي على الانتحار، المضحك أنها أكدت على أنها تمتلك دليلًا على اتهامها، وبسؤالها عنه أجابت ” كان يُردد توكلتُ على الله”.
جميل البطوطي
قبل إقلاع رحلة طائرة مصر للطيران 990 كان جميل البطوطي قد أكمل 15 ساعة من الطيران المدني، كما أنه قد قضى أكثر من عشرين عامًا في مجال الطيران، حيثُ كان طيارًا عسكريًا قبل أن يُصبح طيارًا مدنيًا، كما أنه قد أشرف على تدريب طلبة كلية الطيران، وإضافة إلى كل ما مضى كان دمس الخلق ومُلتزمًا دينيًا إلى أبعد حد، أي أن التفكير في فكرة كالانتحار، بل وتنفيذها مع كل هذا القدر من الضحايا أمر يتنافى تمامًا مع أخلاق البطوطي، هذه هي الحقيقة، وهذا ما حاربت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إثبات نقيضه.
تقرير الولايات المتحدة الأمريكية
حسب رواية المتحدة الأمريكية فقد طلب قائد الطائرة من مساعده جمال البطوطي أخذ مكانه حتى يذهب إلى الحمام، وفور خروج قائد الطائرة من القمرة أخذ جميل البطوطي في الانحدار بالطائرة وهو يُردد جملة توكلت على الله، حتى انقطع الاتصال بين الطائرة وفريق المتابعة في الثانية إلا عشرة دقائق، وكانت وقتها على ارتفاع 16000 قدم من الأرض، وهو ما يُعد في عُرف الطيران أمر أشبه بالهبوط الاضطراري.
تقول التقارير الأمريكية أيضًا أنه في تمام الثانية إلا تسعة دقائق بدأت الطائرة في الارتفاع مرة أخرى نحو 24000 قدم، ويُفسر التقرير ذلك بأن قائد الطائرة كان قد وصل في هذا الوقت وأخذ في الاشتباك مع البطوطي ومنعه مما هو مُقدمٌ عليه حسب الرواية الأمريكية، لكنها انخفضت مرة أخرى وسقطت في المحيط بعد أقل من دقيقة، وبهذا التقرير الذي لم تعترف به مصر، يكون الحادث عبارة عن عملية انتحار من مساعد الطيار جميل البطوطي.
انتشال الحطام
بعد اختفاء طائرة مصر للطيران 990 من على الراد التابع لفريق المتابعة الأمريكي انطلقت فرق البحث المكونة من الطائرات والسفن للبحث عن الطائرة، وتم العثور على أحد المُحركات وبعض بقايا الحطام، وفي مارس عام 2000 تم العثور على المحرك الثاني وباقي أجزاء الطائرة وفيها أهم جزء في الطائرة وهو الصندوق الأسود.
الضحايا
كان على متن طائرة مصر للطيران 990 حوالي مئتان وسبعة عشر شخصًا، من بينهم أربعة من طاقم الطائرة هم جميل البطوطي وأحمد الحبشي ورؤف محي الدين وعادل أنور وكلهم كانوا من الطيارين العسكريين الذين يملكون مئات الساعات من الطيران، أما الركاب فكانوا من عدة جنسيات مختلفة من ثمانية دول، حيث كان هناك اثنين وعشرين مواطنًا كنديًا بالإضافة إلى مئة أمريكي وتسعة وسبعين شخصًا مصريًا، كان منهم ستة وثلاثين من أفراد الجيش الذين كانوا في بعثة عسكرية في أمريكا، أما باقي الركاب التابعين لباقي الجنسيات فقد كان من بينهم عالمين في الذرة وسبعة علماء في النفط، أي أن الطائرة كان صيدًا ثمينا لمن أراد الصيد.
رد فعل الجانب المصري
رفضت الحكومة المصرية تقرير الولايات المتحدة الأمريكية بشأن سقوط طائرة مصر للطيران 990 جملة وتفصيلًا، وطالبة الولايات المتحدة إعادة التحقيق من جديد بعد استبعاد فكرة انتحار جميل البطوطي الذي أكد الجانب المصري استحالة تورطه في هذا الحادث وإقدامه على الانتحار، خاصة وانه معروف بالتزامه الخلقي والديني، كما طالبتها بعدم الأخذ بالنقاش الذي حدث بينه وبين قائد الطائرة مُخبرة إياها بأن هذه الطريقة هي طريقة تحدث المصريين مع بعضهم البعض، كما أن كلمة توكلت على الله هي كلمة شائعة قبل بدء أي عمل وتعني طلب المباركة من الله، ولا يمكن التصديق أبدًا أنها قد تقال قبل الانتحار، حيثُ يتنافى الأمرين تمامًا.
تقرير جديد مُتزن
بعد خطاب الحكومة المصرية الشديد اللهجة والذي لمحت فيه إلى وجود شبهة افتراء وكذب وتضليل من الحكومة الأمريكية أُعيد التحقيق في الحادثة من جديد، وبالفعل خرج بعدها بشهرٍ واحد تقرير أخر يقول أن سقوط الطائرة جاء بسبب خطأ فني حدث في الدفع العكسي ولم يحدث بسبب انتحار جميل البطوطي، وقبلت مصر بهذا التقرير المنصف والذي جاء للتصدي لمحاولة تدليس الحقائق وتدنيس التاريخ المصري وإلصاق تهمة إسقاط أحد الطائرات به، هذا بالرغم من أن القيادة الأمريكية قد قام بإعدام الصندوق الأسود مباشرة عقب العثور عليه ورفضت رفضًا قاطعًا إعطائه لمصر للتأكد منه، وقد فتح هذا الأمر بابًا كبيرًا للشك.
أصابع الاتهام
مع موقف الولايات المتحدة المتخبط بدأت أصابع الاتهام تُرفع في وجهها، لعدة أسباب، كان أهمها هو رفض تسليم الصندوق الأسود لمصر بالإضافة إلى إخبار طاقم الطائرة قبل الرحلة بساعتين انه قد تم تغيير الطريق المعتاد لوجود بعض السحب إضافة إلى الأمر الأهم والذي فتح مجال الشك على مصرعيه وهو شهادة أحد الطيارين الذين كانوا في رحلة بالقرب من هذه الرحلة أنه قد شاهد بنفسه جسم مشتعل يصطدم بالطائرة، ومن المحتمل أن يكون هذا الجسم صاروخ تم إطلاقه من إحدى القاعدات الأمريكية، إلا أن هذا الأمر لم يتم تأكيده حتى هذه اللحظة.
أضف تعليق