الأساطير الصينية واليابانية غنية في تنوعها وقصصها، وقصة شو فو أسطورة مثالية ومشهورة جدًا في الفلكلور الشعبي. وهي عبارة عن رحلة للبحث عن إكسير الحياة ليمنحه هو والإمبراطور الصيني الخلود مدى الحياة والتغلب على الموت والمرض. فكيف سارت القصة، وكيف انتهت؟ وما هو التأثير الفعلي لشخصية شو فو في الحقيقة؟ نتعرف على التفاصيل من خلال كتاب “اليابان بين الأساطير والحقيقة”، بقلم “Lee Khoon Choy”. وهو أستاذ متخصص في الثقافة اليابانية والصينية.
الإمبراطور تشين شي هوانج
الإمبراطور تشين شي هوانج هو من أهم أباطرة الصين، بل يعتبره البعض مؤسس إمبراطورية الصين بقوتها التي عُرفت بها. وهو صاحب الفضل في بناء أغلب أجزاء سور الصين العظيم. حكم هذا الإمبراطور من عام 259 إلى 210 قبل الميلاد. ولم تكن الصين سوى مجموعة من الولايات المتحاربة قبل أن يتمكن هو من السيطرة على البلاد وتوحيدها. بل من اسمه “تشين”، جاءت التسمية “china” للبلاد. وكان عهده عهد تقدم وازدهار داخلي وخارجي، بسبب الفتوحات التي أجراها بالبلاد المجاورة. وقضى على الفساد ونظم الحدود بين الولايات وجعل لكل منها والي حاكم وجيش. كما وحد المقاييس والموازين والعملة واللغة في كل البلاد. وقد أسمى نفسه “إمبراطور الصين العظيم”.
إلا أنه كان يخشى الأعداء بشكل كبير، وكان يخاف الغدر والموت في كل لحظة. بل إنه قام بأسوأ تصرف في فترة حكمه بسبب الخوف، عندما أحرق جميع الكتب الموجودة بالصين وأحرق العلماء أحياء لاعتقاده بأنهم أصحاب الخرافات. وأرغم البعض الأخر على العمل الشاق. وذلك حتى ينهي كل تعاليم كونفوشيوس الأخلاقية، وأبقى فقط على القليل من كتب الزراعة والصناعة. وكان حاكمًا ديكتاتوريًا بالدرجة الأولى، ولذلك لم تصمد أسرته من بعده، حين اندلعت الثورة. وجمع الضرائب من كافة الشعب، مما جعله ذلك مكروهًا جدًا.
ولك أن تعرف، أنه صاحب أشهر مقبرة صينية ليدفن فيها عند موته. وهي تلك المقبرة التي احتوت على 8 آلاف جندي من الصلصال، ومركبات حربية وخيول، بالحجم الطبيعي. وكان اكتشافها حدث تاريخي ومذهل عام 1974، لتعلن عن عظمة وغنى هذا الإمبراطور الكبير.
علاقة شو فو بالإمبراطور تشين شي هوانج
طالما سعى الإمبراطور إلى إيجاد حل لمشكلة الشيخوخة والموت. فقد أراد الخلود واستمرار مملكته الكبيرة في النمو. ولكنه كان يخشى المؤامرات على حياته وضعف جسده بسبب الشيخوخة. فكان يدعو جميع السحرة بالمملكة لمحاولة إيجاد سر الخلود الأبدي، الأمر الذي كان يصدق في وجوده بشدة. ومن ضمن السحرة المدعوين كان الساحر شو فو. وهو ساحر متخصص في الخلود وإكسير الحياة بشكل كبير، ومن أهم السحرة في هذا المجال.
طبقًا لكلام شو فو، يمكن إيجاد إكسير الحياة في جزر البحر الأصفر. وهو كان يقصد بكلامه اليابان الحالية. وأن هناك خالدون يحرسون إكسير الحياة على هذه الجزر. وإكسير الحياة هنا عبارة عن نبته تجدد شباب من يأكلها، وتمنع عنه الشيخوخة والموت. وعلى الفور في عام 219 قبل الميلاد، قدم الإمبراطور جميع المعاونات التي يحتاج لها شو فو في رحلته للبحث عن إكسير الحياة. وزودته بالمال والمعدات والسفن ليبحر إلى الجزر.
الطلب الأكثر غرابة بين كل الأشياء التي احتاج إليها شو فو في رحلته، كانت 3000 من العذارى، سواء فتيان أو فتيات. وبحسب كلامه فإن نقاوة قلب هؤلاء الشبان ستسمح له بالوصول إلى إكسير الحياة. لأن إكسير الحياة يضع اختبارات ومعوقات أمام من يريد الوصول له، ولن يتخطى هذه العقبات إلا بنقاوة وطهارة القلب.
رحلة شو فو الأولى
بعد رحلة طويلة استمرت لسنوات، عاد شو فو خالي الوفاض بالطبع. ولم يجد إكسير الحياة للإمبراطور. فبرر فعلته تلك بأن وحوش البحر منعته من الوصول إلى الإكسير. فأمره الإمبراطور بالعودة مرة أخرى، هذه المرة يتبعه جيش من الرماة والقادرين على حمل الأسلحة.
رحلة شو فو الثانية
تبعًا لأوامر الإمبراطور الديكتاتور، اضطر شو فو للعودة مرة إلى رحلته البحرية إلى اليابان. هذه المرة لم يعد إلى الصين مجددًا، ولم يعد أيضًا كل من كان معه. ثم مات الإمبراطور بعد سنوات قليلة من هروب شو فو إلى اليابان.
تاريخيًا، يضع الخبراء الكثير من الافتراضيات والنظريات لعدم عودة شو فو مرة أخرى. أهمها خوفه من بطش الإمبراطور بعد عدم تمكنه من إيجاد إكسير الحياة كما ادعى. أما الأساطير اليابانية فتروي لنا قصص مختلفة تمامًا، عن استمرار شو فو في العيش باليابان ليصبح شخصية مهمة فيها. أو أنه وجد إكسير الحياة بالفعل وفضل أن يبقيه لنفسه، وعاش لآلاف السنين في اليابان متخفيًا. المهم أنه يتمتع بشعبية وتقدير كبير بين اليابانيين إلى اليوم.
أسباب اعتقاد اليابانيين في حقيقة وجود شو فو
بالنسبة للعديد من اليابانيين الحاليين، شو فو هو شخصية حقيقية وقصته حدثت بالفعل وليست مجرد أسطورة. هذا لا يؤكد حقيقة وجود إكسير الحياة، بل فقط هم يؤكدون حقيقة وجود شو فو ورحلته للبحث عن إكسير الحياة. وإليك بعض الأسباب التي تُثبت حقيقة وجوده.
الدليل الأول
في قرية تسمى “kinryo” في اليابان، توجد لوحة من القرن السابع عشر الميلادي توضح وصول شو فو ومن معه إلى أرض اليابان. تحديدًا في تلك القرية الصغيرة. وتعد هذه اللوحة من أهم كنوز القرية، وموجودة في معبدها القديم. ويعتقد أهل القرية أن شو فو عاش في اليابان بعد رحلته الثانية. ووقع في حب فتاة يابانية، وعاش هناك ليساعد أهل القرية بعلمه الغزير. ويوجد مهرجان يُقام على شرفه في موسم الجفاف من كل عام.
الدليل الثاني
على مقربة من تلك القرية، توجد آثار قديمة لسور عظيم بلغ طوله 1.5 متر، ويمتد حوالي 20 ميل. يعتقد كتاب الكتاب، أنه يرجع لشو فو. فقد تم بناءه في نفس السنة تقريبًا التي جاء فيها شو فو إلى اليابان. كما إن إعداد السور وهندسته قريبة جدًا من الأجزاء القديمة لسور الصين العظيم. أي لابد من شخص قد أتى بهذا العلم والمعرفة في البناء من الصين إلى اليابان، ليبني مثل هذا السور. وقُيل إن الهدف من السور كان لحماية شو فو ومن معه من بطش الإمبراطور، ومحاولة قتل شو فو.
الدليل الثالث
بالقرب من مدينة يابانية تدعى “Shingu”، وهي مدينة مطلة على البحر، يوجد شاهد قبر من الحجر يشهد بالحروف الصينية عن حقيقة قدوم شو فو بحرًا إلى اليابان. كما توجد على أراضي هذه المدينة، نبتة محلية مشهورة عند السكان المحليين، تحتوي على مواد فعالة للشفاء من الأمراض التي تصيب الكلى. وهي بسبب قدرتها الشفائية تستطيع أن تزيد من صحة وعمر الفرد المصاب بمرض في الكلية. وهي نفسها التي كان يعتقد شو فو أنها إكسير الحياة الأبدية، وقادرة على شفاء الجميع من الشيخوخة. وسبب اعتقاده الأكبر، كان بسبب العمر المديد الذي يتمتع به شعب اليابان إلى الآن. لذلك فوصفه لهم بالخالدين يعتبر نوع من الحقيقة. وفي ال28 من نوفمبر في كل عام، يتم التجمع حول هذا الحجر للاحتفال بقدوم شو فو. كما يوجد بجانب القبر، قبور أخرى يُعتقد بأنها تعود إلى أبناءه وأحفاده.
الدليل الرابع
في المعابد اليابانية القديمة، كانت توجد غرفة تسمى “Chi”. الغرض من تلك الغرفة هو الاغتسال قبل الدخول للمعبد والصلاة. وعند سؤال أيًا من المقيمين على حماية المعابد التاريخية، سيعرفون تمامًا وظيفة هذه الغرفة، ولكنهم لا يعرفون أصل الكلمة. لأنها في الأصل كلمة صينية، جاءت من القاموس الصيني القديم، تزامنًا مع الزمن الذي جاء فيه شو فو إلى اليابان. ولأنه أصبح شخصية مهمة، فقد تمكن من إدخال الكثير من المصطلحات الهامة إلى كل مجالات الحياة اليومية اليابانية.
النهاية الحقيقة لقصة شو فو
من وجهة النظر اليابانية، رحلة شو فو الثانية ما هي إلا بداية القصة الحقيقة على الأراضي اليابانية. فقد استمر شو فو ومن معه بالعيش على الأراضي اليابانية، بل وأسسوا لأنفسهم قوة اقتصادية وعسكرية محكمة. خاصة لأن الشعب الياباني كان يعيش في العصور الحجرية مقارنة بمعرفة وحضارة الشعب الصيني آنذاك. في كتاب بقلم “ويي تينج سين” بعنوان “شو فو واليابان” عام 1970. طرح الكاتب نظرية مهمة جدًا يعتمدها الكثير من علماء التاريخ الآن، رغم رفضها التام في بادئ الأمر.
النظرية تقول بأن شو فو هو في الحقيقة الإمبراطور الأول في اليابان. ففي الميثولوجيا اليابانية هناك شخصية أسطورية تدعى “Jimmu tenno”، وهو من أبناء الآلهة. جاء إلى اليابان ليعمل على توحيدها وبناء الإمبراطورية الأولى التي عرفتها اليابان. ثم أصبح هو أول إمبراطور ومؤسس ما نعرفه اليوم بدولة اليابان. ودليل الكتاب بأن شو فو هو في الواقع هذا الإمبراطور الأسطوري، يأتي في سياق امتلاك شو فو معرفة كبيرة بالأسلحة والزراعة والبناء، لم تكن موجودة باليابان. ولابد أنها قدمت من حضارة قريبة مثل الصين. كما أن تاريخ مجيئه إلى اليابان يوافق تاريخ قدوم شو فو في رحلته الثانية. ومن الصعب أن يكون الأمر مجرد صدفة. القوة التي امتلاكها هذا الأسطوري لبناء الإمبراطورية جاءت عن معرفة وقوة عسكرية، وهو بالضبط ما كان يمتلكه شو فو.
تاريخيًا، قام العديد من أباطرة الصين بإرسال بعثات إلى الإمبراطورية اليابانية. وأغلب البعثات القديمة كانت تسجل في مخطوطاتها، أن عادات اليابانيين وثقافاتهم وملابسهم قريبة جدًا من الصينيين. فقبل أن تكون اليابان عادتها الخاصة، كانت شبيه جدًا بالصين. وهذا دليل أخر على إن مؤسس اليابان لابد أن يكون في الأصل صيني. وإلى اليوم يحمل 30% من اليابانيين دماء صينية من الناحية الجينية.
بقيت العلاقات اليابانية والصينية حاضرة وبقوة طيلة فترة السلام التي عاشوها، قبل مجيء المغول واحتلالهم للصين. ومنذ تلك اللحظة فقط بدأت اليابان في الخوف من الصين ومحاولة تجنبها. وعندها انفصلت الحاضرتين وانتهى هذا المزيج المختلط الذي كونه شو فو.
ختام
العديد من علماء الآثار يصدقون في حقيقة شخصية شو فو، وأنه لم يكن مجرد ساحر مجنون أسطوري. بل وتقام العديد من الأبحاث في دراسة حياة هذا الشخص وتأثيره على اليابان في بداية تأسيسها. وأنه هو حلقة الوصل بين الثقافة اليابانية والصينية. بل وإنه مؤسس اليابان الحقيقي وإمبراطورها الأول، واسم Jimmu tenno كان لمجرد الحماية من الإمبراطور تشين شي هوانج. أو بسبب تناقل الأخبار شفاهية في الميثولوجيا اليابانية القديمة. فهل هو مجرد أسطورة، أم تخفي الأسطورة حقيقة تاريخية في غاية الأهمية!
الكاتب: أيمن سليمان
أضف تعليق