رأيت هذا من قبل لكني لا أتذكر متى. عبارة تتكرر عند الكثير من الأشخاص. ولا شك أنك أيضا مررت بحالة مماثلة. حيث ينتابك إحساس قوي بأنك رأيت ما يحدث أمامك من قبل وتعرف كل التفاصيل. لكنك تعجز عن تذكر متى حصل ذلك بالضبط وكيف وأين. كما أنك تكون متأكدا من أنه من المستحيل أن تكون عشت تلك اللحظة من قبل. تسمى هذه الظاهرة ديجا فو. وقد أثارت اهتمام العلماء والأشخاص العادين كثيرا. وفتحت الباب أمام الكثير من التأويلات والتفسيرات. ورغم ذلك لم يصل أحد إلى تقديم جواب شافي لحل غموض هذه الظاهرة. فما هي الديجا فو وما هي كافة المحاولات التي قُدمت لتفسيرها.
تعرف على ظاهرة رأيت هذا من قبل
تعريف الديجا فو
يُعرف الديجا فو أو رأيت هذا من قبل بأنه ذاك الشعور القوي الذي ينتاب الفرد بأنه سبق له أن عاش اللحظة الراهنة بكل تفاصيلها. وفي الغالب يصاحب هذا الشعور إحساس بالغرابة والرهبة نتيجة عدم فهمه لكيفية تذكره لحَدَثٍ حصل للتو. قد تكون حاضرا في فصل دراسي ثم يقوم أحد زملاءك من مكانه فتجد أن عقلك قد قام ببناء سيناريو كامل للأحداث التالية حتى قبل وقوعها. تحدث معظم مواقف الديجا فو في لحظات قصيرة جدا. ربما لا تتجاوز الثانية أو بضع ثواني مع استثناءات معدودة. ورغم قصر المدة التي تحصل فيها فإن إحساس الغرابة يستمر مع المرء لوقت أطول. وفي كثير من الأحيان، رغم أن الفرد يكون متأكدا أنه عايش ذلك الموقف من قبل ويتوقع ما سيحصل بعدها ويكون توقعه صحيحا، لكنه لا يمكنه الجزم مما إذا كان توقع الحدث قبل وقوعه أم بعدها وذلك بسبب قصر المدة الزمنية التي نتحدث عنها. الديجا فو عبارة فرنسية تعني سبق رؤيته. ويقسمها علماء النفس إلى ثلاثة أنواع. Déjà vecu وتعني سبق مشاهدته. Déjà senti وتعني تم الشعور به من قبل. Déjà visité وتعني سبق زيارته.
رأيت هذا من قبل فهل من تفسير؟
كأي ظاهرة غريبة تحتاج للتفسير فقد حصلت ظاهرة ديجا فو على اهتمام واسع من العلماء والمهتمين بالباراسيكولوجي. وقد قدموا جميعا نظرياتهم لتفسيرها. وهكذا تعددت الرؤى والفرضيات حتى بين أبناء العلم الواحد.
تفسيرات من الناحية الباراسيكولوجية
يقدم المهتمون بالعلوم الروحانية والظواهر الغامضة تفسيرات في محاولة لفهم ظاهرة الديجا فو. نتناول منها ثلاث فرضيات.
تناسخ الأرواح
تؤمن العديد من الديانات والثقافات بتناسخ الأرواح. ويقصدون بذلك أن الإنسان بعد أن يموت يعود إلى الحياة في جسد آخر وتُمسح كل أحداث حياته الماضية من ذاكرته. لكن يحدث أحيانا أن يتمكن الشخص من تذكر بعض تفاصيل حياته السابقة فيخلط بين الذكريات التي تخص حياته السابقة وتلك التي تخص حياته الحالية. في هذه الحالات يصبح احتمال أن يتعرض الشخص للنوع الثالث من الظاهرة أكبر. خصوصا إذا كانت حياته الجديدة في منطقة قريبة من حياته السابقة. فيمكن أن يزور أحد تلك الأماكن التي اعتاد زيارتها في حياته السابقة فينتابه شعور قوي أنه يعرف هذا المكان. ويمكن أن يبدأ بسرد تفاصيله وخريطته كما لو كان يعيش هناك منذ مدة طويلة مع أنها قد تكون زيارته الأولى.
الإسقاط النجمي
ويسمى أيضا الخروج من الجسد. وهو قد يكون واعيا أو لا واعيا. حيث يقوم الشخص وهو في حالة بين النوم واليقظة بالخروج من جسده. وما يخرج هنا ليس روحه أو نفسه. بل ما يسمى في الباراسيكولوجي بالجسم الأثيري. يسافر هذا الجسم الأثيري في عوالم متعددة. وتختلط الأحداث التي يعيشها كجسد أثيري مع الأحداث التي يعيشها كفرد عادي. فتنتاب المرء تصورات أنه رأى هذه الأحداث من قبل لكنه لا يستطيع تذكر أنه رآها وهو منفصل عن جسده. ويعتبر النوم خروجا من الجسد. و الأحلام هي أحد تلك العوالم التي يزورها الإنسان بجسده الأثيري. ولذلك يحدث أن يحلم المرء برؤيا أو شخص ميت. وحينها يكون قد دخل أحد تلك العوالم حيث يوجد الموتى. أو يحلم بحدث مستقبلي، وحين يستيقظ ويعيش ذاك الحدث فعليا يظن أنه حدث سابقا.
استبصار أو قدرات خارقة
رغم أن العديد من الناس يرفضون الاعتراف بذلك إلا أنه فعلا يتمتع بعض الأشخاص بقدرات خارقة تجعلهم يتفوقون على الإنسان العادي. فتصبح إحدى حواسهم أقوى أو يمتلكون ميزة إضافية كقراءة الأفكار مثلا. وهذا يمكن أن يقدم تفسيرا لبعض حالات الديجا فو. حيث يكون الفرد قادرا على التنبؤ بما سيقوله صديقه من خلال قراءة أفكاره. أو يرى ما بداخل بناية ما قبل أن يدخلها. وحينها يظن أنه سبق أن زار المكان فعليا في الماضي.
تجربة ما قبل الولادة
يقول البعض أن الإنسان قبل أن يولد يرى شريط حياته كاملا. يحدث ذلك وهو لا يزال جنيناٌ في رحم أمه. وحين يولد ينسى كل أحداث حياته ليعيشها فعليا. لكن يحدث أحيانا أن يتمكن من تذكر لقطة ما فيصاب بالحيرة ويقول لقد رأيت هذا من قبل .
تفسيرات علمية
قام العلماء بإجراء العديد من التجارب والدراسات لفهم كيفية حصول ظاهرة رأيت هذا من قبل . ورغم أنهم لم يصلوا لقول نهائي في الموضوع إلا أنهم قدموا مجموعة من الفرضيات. بعضها تم دحضها بسرعة فيما لا زالت أخرى يتم تداولها بشكل أكبر لتفسير إحساس الديجا فو.
سباق العيون
تقول الفرضية الأولى أن إحدى العينين تقوم بتسجيل الحدث وإرسال الرسالة العصبية إلى الدماغ قبل الأولى ببضع أجزاء من الثانية. وعندما تقوم العين الثانية بإرسال رسالتها يفاجأ الدماغ بأنه يعرف هذه المعلومة من قبل فيصاب حينها بما يسمى بالديجا فو. لكن هذه الفرضية تبدو قاصرة وغير كافية لتفسير جميع أنواع الديجافو. فالديجا فو لا يقتصر على الصور فقط بل تتجاوزها إلى الأصوات والروائح والأحاسيس. كما أن الشخص الأعور يعيش هذه الحالة رغم اعتماده على عين واحدة. وتعد هذه الفرضية أضعف الفرضيات في محاولة تفسير الديجا فو.
فرضية فصي الدماغ
يتكون الدماغ من جزأين أو فصين وعند استقباله لأي معلومة جديدة فإن الفصين معا يستقبلانها في نفس الجزء من الثانية. لكن اختلافا بسيطا في توقيت استقبال المعلومة قد يسبب في خلط واضح في عدد مرات وقوع الحدث. بالإضافة أن الدماغ يتكون من مناطق كثيرة حيث كل منطقة مسؤولة عن وظيفة معينة. فذاك الجزء من الدماغ المسؤول عن استقبال الصورة يختلف عن الجزء المسؤول عن تحليل الصورة لتحديد هل هي صورة جديدة أم قديمة. أحيانا قد تصل الصورة إلى مركز الذاكرة قبل تحليلها في cognitive center وحين تصل في النهاية إلى cognitive center يظن الدماغ أنه رآها من قبل.
مرض الصرع
يختبر المصابون بصرع الفص الصدغي حالة رأيت هذا من قبل قبل حدوث نوبة صرع. يحدث ذلك بسبب قيام الدماغ بإرسال إشارات كهربائية عشوائية للخلايا المحيطة به. ما يؤدي إلى حدوث نوبة صرع تبدأ في الفص الصدغي الأساسي المسؤول على عملية إحداث واسترجاع الذكريات. وهذا يعني أن الظاهرة لها علاقة بالفص الصدغي من الدماغ. ويعني أيضا أن الأشخاص غير المصابين بالصرع والذي يعيشون حالة ديجا فو يمكن أن يكونوا أصيبوا بنوبة صرع خفيفة في الفص الصدغي دون أن تتطور إلى نوبة كاملة.
أخطاء في الذاكرة
أحد الفرضيات التي قدمت لتفسير الديجا فو تتعلق بما يمكن تسميته بخطأ في الذاكرة يؤدي إلى الاعتقاد أن الموقف الذي يحصل الآن كان قد حصل من قبل موقف مثله. نحن نعلم أن الإنسان يتوفر على نوعين من الذاكرة. قصيرة المدى تتعلق بالأحداث الراهنة وعادة ما ينساها المرء بعد فترة قصيرة. حين تكرار الأحداث التي تخزّن في الذاكرة القصيرة المدى لفترة طويلة تتحول إلى ذاكرة طويلة المدى . الذاكرة طويلة المدى تتعلق بالأحداث التي حصلت منذ وقت طويل أو المعلومات التي يستعملها المرء باستمرار. لكن أحيانا يحصل خطأ يجعل الدماغ يعالج المعلومات بشكل خاطئ فيقوم بتخزين الأحداث الجديدة في الذاكرة طويلة المدى فيسبب هذا إحساس خاطئ بأنك سبق أن عشت تلك اللحظة من قبل. هناك خطأ آخر يحصل فيما يتعلق بالذاكرة يمكن أن يسبب بالديجا فو. ذلك أن العلماء لاحظوا أن هناك شبها في محفزات الديجا فو وتلك التي تحفز بعض الذكريات. وهو ما يعني أن حدثا جديدا يحصل الآن يسبب لك مشاعر تتعلق بحدث سابق فيحفز الذكريات السابقة للظهور فيختلط لديك الحدث الماضي والحدث الجديد.
تأثيرات جانبية للأدوية
معروف أن كل دواء نتناوله إلا وتكون له أعراض جانبية متفاوتة الخطورة. وبعض هذه الأدوية تعتبر سببا مباشرا في حدوث الديجا فو. حيث أظهرت دراسات أجريت على رجل، كان اختبر الديجافو بعد تناوله لأدوية خاصة بإنفلونزا الخنازير، أن المعدلات العالية للدوبامين تؤثر على بعض الخلايا في الفص الصدغي وتسبب حدوث الديجا فو.
التحليل النفسي
علماء النفس يعتبرون أن حدوث ظاهرة الديجا فو يأتي كنتيجة طبيعية لرغبة لدى الفرد في تكرار تجربة ماضية. وقد يشير إلى وجود اضطرابات نفسية.
أشخاص تحدث معهم ظاهرة رأيت هذا من قبل أكثر من غيرهم
تقريبا يمر كل شخص من موقف مشابه حيث يشعر أنه سبق أن عاش حدثا معينا قبل حصوله. لكن بعض الأشخاص معرضون أكثر من غيرهم ليختبروا هذا الشعور. الشباب بين سن 15 و25 سنة هم أكثر من يمرون بالتجربة. في المقابل لا يمكن الجزم بحصول الظاهرة مع الأطفال أقل من عشر سنوات وذلك بسبب عدم قدرتهم على الفصل بين الذكريات الجديدة وتلك القديمة. بعد سن الخامسة والعشرين تبدأ عدد حالات الديجافو بالتناقص بشكل تدريجي. وربما هي لا تنقص بقدر ما تصبح أقل إثارة للاهتمام.
جامي فو أو لم يسبق رؤيته أبدا
لعله من الغريب كيف أن ظاهرة، تجعلك تظن أن حدثا قد حصل من قبل مع أنه لم يسبق أبدا أن حصل، تقابلها ظاهرة أخرى عكسية تماما. جامي فو، وهي أيضا عبارة فرنسية تعني لم يسبق رؤيته أبدا. وهو الشعور بالغرابة إزاء موقف يحصل باستمرار. يمكن مثلا أن تجلس على المائدة مع أهلك تتناولون الطعام ثم فجأة ينتابك ذاك الإحساس الغريب بأنك لا تعرف هؤلاء الشخص ولم يسبق أن رأيتهم. وقد يخص هذا الإحساس مكانا فتنظر لمكان عملك على أنك تراه لأول مرة رغم أنك أمضيت سنوات عديدة هناك. يمكنك أن تختبر هذا الشعور إذا قمت بترديد كلمة مألوفة لفترة طويلة. إذا ستشعر في لحظة ما بغرابة الكلمة وكأنك تسمعها لأول مرة.
أخيرا
إن ظاهرة الديجا فو، أو وهم سبق الرؤية، تحدث مع كل فرد منا على الأقل مرة واحدة في حياته. ورغم كل المحاولات التي قدمها العلماء لتفسيرها فإنها تبقى غير كافية. وينضاف لغز الديجافو إلى العديد من الظواهر الغامضة التي فشل العلم الحالي في تقديم تفسيرات مقنعة لها. ولعلها بشكل ما تؤكد وجود قوى أخرى أكبر من أن يحيط بها العلم مثل الروح.
أضف تعليق