تسعة مجهول
جيسي بومروي
الرئيسية » جريمة » جيسي بومروي : طفل صغير في السن لكنه من طراز السفاحين

جيسي بومروي : طفل صغير في السن لكنه من طراز السفاحين

هل هو أمر غريب أن يكون طفلاً ما سفاحًا؟ جيسي بومروي يكشف أن هذا الأمر قابل للتحقق فعلاً، إليكم قصة جيسي بومروي الطفل السفاح الأغرب في تاريخ القتلة.

يُعتبر جيسي بومروي أكبر دليل على أن القتل يُمكن أن يكون فطرةً في الإنسان وليس مجرد عادة أو حاجة أو هوية، فعندما نسمع عن شخص يقتل شخص آخر فإننا بالطبع لا نتعجب، فقد أصبحت مثل هذه الأخبار شبه يومية وأساسية في الحياة، لكن الغريب في قصة جيسي بومروي، وما جعل قضيته تُزلزل العالم منتصف القرن التاسع عشر، هو سنه الذي بدأ فيه ارتكاب جرائمه، وهو سن الثانية عشر، ذاك السن الذي يكون الحديث فيه عن أمورٍ كالحب مثلًا حديثًا غير لائقًا على الإطلاق، لكن جيسي بومروي كان يُزهق الأرواح في هذا السن، ولذلك كان طفلًا من طرازٍ خاص.

قصة جيسي بومروي الطفل السفاح من الألف إلى الياء

من هو جيسي بومروي؟

وُلد جيسي بومروي في عام 1859 بمدينة بوسطن الأمريكية، لا يعرف أحد حتى الآن بوالده، لكن والدته كانت روث آن، وهي ربة منزل كانت تقوم بالخدمة في البيوت لتربية جيسي وشقيقه الذي كان يكبره بعامين، لكن لم تمضي سوى سبع سنوات ومات شقيق جيسي في ظروف غامضة، لتترك روث آن العمل وتدخل في حالة صدمة دائمة على موت ابنها الأكبر، وربما تكون رغبت جيسي في القتل قد ولدت في يومٍ كهذا.

جيسي بومروي والتعليم

كان جيسي بومروي يكره التعليم والمدرسة، لكنه رغم ذلك كان لا يتغيب عنها، حيث كان يذهب لرؤية الفتيات هناك ومضايقة المعلمات والتحرش بهم في أغلب الأحيان، وبالطبع كان يتم معاقبته أكثر من مرة واستدعاء ولي أمره، لكن أحدًا ما لم يأتي أبدًا رغم كثرة الشكاوى، ليتم فصل جيسي من المدرسة نهائيًا ويُصبح بعدها رفيقًا للطريق طوال الوقت، كان ذلك في الثانية عشر من عمره، ويمكن القول إن هذا الوقت هو الذي عرف فيه جيسي بومروي طريق الجريمة.

الطريق إلى الجريمة

فور استقرار جيسي بومروي في الشارع بدأت الجريمة تسري في دمه، حيث كان يقتاد الأطفال-خاصةً المتعلمين-إلى مناطق مجهولة ويقوم بالتعدي عليهم بأدوات ثقيلة وجلدهم على ظهورهم وكسر ضلوعهم، وقد أثار هذا الأمر فوضي ليست بالكبيرة في بداية عام 1871 وحتى نهاية العام 1872.

عندما انتقل جيسي بومروي مع والدته إلى المنطقة الشمالية ببوسطن لم تهدأ حدة هجماته بل ارتفعت، لكن هذه المرة لم تكن الشرط متسامحة على الإطلاق، فتم القبض على بومروي متلبسًا.

جيسي بومروي في السجن

فور القبض على جيسي بومروي تم تحويله إلى المحكمة، وهناك أعطاه القاضي حكمًا بالمكوث في الإصلاحية حتى سن الثامنة عشر، وقد تناقلت الصحف هذا الخبر بكثرة وأصبح بومروي حديث الشارع الأمريكي بأكمله، لكن، ولأسبابٍ مجهولة إلى الآن، تم الإفراج عن بومروي بعد أقل من عامين، وتحديدًا فبراير 1874، حيث كان بومروي لا يزال في الخامسة عشر.

السفاح جيسي بومروي

تطور الأمر للأسوأ بعد خروج بومروي من السجن، حيث لم تعد جرائمه تقتصر على التعذيب والضرب فقط، بل تجاوزت كل الحدود التي يمكن لطفل أن يتعداها، لقد بلغ الأمر القتل. في شهر مارس من عام 1874، أي في الشهر التالي لخروج بومروي من الجن، اختفت فتاة تُسمى كاتي كوران، وقد كانت لا تزال في العاشرة، ولم تنجح محاولات الشرطة في البحث عنها، ثم بعدها بفترة قصيرة تم العثور على جثة مشوهة لطفل لا يتجاوز الأربع سنوات، وبالطبع لم تفكر شرطة بوسطن سوى في بومروي، حيث تم إلقاء القبض عليه وتفتيش بيته، وبالفعل تم العثور على جثة كاتي كوران في مخزن الخياطة الخاص بوالدته، حيث كان يخبأ الجثة بشكل مهمل وكأنها ستختفي وحدها مثلًا، ببساطة، لقد كان طفلًا في تفكيره، لكن المحكمة لم تهتم لذلك أبدًا.

المُحاكمة مرة أخرى

في ديسمبر عام 1874 مثل بومروي أمام المحكمة بتهم القتل العمد، هذا بعدم أقر واعترف بذلك في جلساتٍ خاصة، واستمر كالعادة في أعماله الغريبة ورفض رفضًا تامًا الاستعانة بمحامي، ليتم الحكم عليه بالإعدام في العاشر من ديسمبر عام 1874، وذلك بالشنق حتى الوفاة، والرفض التام لأي محاولات بتخفيف العقوبة، وقد تم اعتبار هذا الحكم في الصحافة الأمريكية حكمًا استثنائيًا لطفلٍ استثنائي.

حاكم الولاية والرفض

كانت قوانين ولاية بوسطن تنص على أن أحكام الإعدام يجب التصديق عليها من قِبل حاكم الولاية شخصيًا، وقد كان حاكم الولاية في هذا الوقت، واسمه وليام غاستون، لم يوافق على هذا القرار ورفضه رفضًا تامًا، مبررًا ذلك بأنه سيجلب الكثير من المشاكل للولاية، فلم يسبق أبدًا أن تم إعدام طفل.

الهيئة القضائية بدورها عرضت الأمر على مجلس الولاية، والذي أقر بإعدام بومروي بأغلبية كاسحة، لكن الحاكم رفض التصديق مرة أخرى وأمر بإعادة التصويت، وقد النتيجة مماثلة للمرة الأولى، لكن ضغوط الحكم جعلت من تخفيف الحكم أمرًا لازمًا، وبالفعل تم تخفيف الحكم ليكون السجن مدى الحياة بدلًا من الإعدام، وقد ثار الرأي العام الأمريكي على هذا القرار بحجة أنه خالي تمامًا من العدل، فكيف لشخص قام بقتل مئات الأشخاص وانتهك الكثير من المحظورات أن يتم معاقبته بهذا الشكل الهزيل، والذي لا يدل أبدًا على نزاهة السلطة الحاكمة، وكل هذا بحجة أنه طفل!

جيسي بومروي في السجن

دخل جيسي بومروي السجن مرة أخرى، وقد كان وقتها في السادسة عشر، لكنه هذه المرة دخله للأيد، ومنفردًا، حيث لم يسمح له بالاختلاط بالسجناء سوى في عام 1917، أي بعد 41 عامًا قضاها وحيدًا في السجن، ويُقال أنه خلال هذه الفترة تعلم الكثير من اللغات، أبرزها الألمانية التي تحدث بها مع طبيب قام بزيارته ذات مرة للتأكد من صحته العقلية، والذي كان متفاجئ بشدة مما وصل إليه بومروي.

درس جيسي بومروي القانون جيدًا أيضًا، حيث كتب العديد من العرائض القانونية وطلبات العفو عنه وإبطال قانونية سجنه بزعم أنه كان لا يزال قاصرًا، لكن كل هذه الأشياء تم رفضها مئات المرات، حتى أنه قد حاول بعدها الهرب أكثر من مرة، وكان يفشل ثم يعود للمحاولة من جديد، حتى أنه قد فقد عينه أثناء إحدى المحاولات.

نهاية جيسي بورموي

بلا أدنى شك يُعد جيسي بومروي الشخص الوحيد في العالم الذي قضى عُمرًا كاملًا في السجن، من الطفولة للشيخوخة، وبالطبع كان تأثير هذا الأمر كبيرًا عليه حيث أصيب بعدة أمراض عصبية ونفسية في آخر أيامه وتم نقله مصحة عقلية تابعة للسجن وبعد أشهرٍ قليلة مات في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1932.

جيسي بومروي، والمصير الذي آل إليه، يؤكدان على أن التربية الصحيحة السوية هي أهم الأشياء بالنسبة للطفل، فبورموي لم يجد الاهتمام الكافي من والده الذي لم يراه أو والدته التي كانت تعمل ولم تكن متفرغة له، كذلك تأثر برحيل شقيقه المفاجئ، ليجد نفسه في نهاية الأمر مُحاطًا بالانحراف والدمار من كل اتجاه.

لذلك يجب على الآباء أن يُعيروا كل اهتمامهم لتربية أطفالهم، وأن لا يجعلوا أيًا من الأولويات تسبق هذا الأمر، حتى لا يكون هناك جيسي بومروي آخر، أو بمعنى أدق، طفل من طرازٍ خاص.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة + عشرين =