تسعة مجهول
جوليا والاس
الرئيسية » جريمة » لغز موت جوليا والاس : جريمة مرعبة لم تُحل حتى اليوم

لغز موت جوليا والاس : جريمة مرعبة لم تُحل حتى اليوم

يمكن تسمية جريمة جوليا والاس “بالجريمة الكاملة”، إذ إنها لم تُحل حتى يومنا هذا منذ وقوعها عام 1931 ويلتف حولها الغموض والجدل، نستعرض معكم أحداث الجريمة.

جوليا والاس هي امرأة بريطانية وجدت مقتولة في بيتها عام 1931. ولم تكن الظروف المحيطة بجريمتها طبيعية أبدًا، إذ يلتف حولها الغموض. ومنذ ذلك الحين وحاول العديد من المحققين فك العقدة وإيجاد القاتل، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، إلا إن أطلق عليها “الجريمة الكاملة”، أي الجريمة بدون قاتل. إن كنت من محبي حل ألغاز الجرائم فأكمل المقال وتابع التفاصيل للوصول إلى حل محتمل.

من هي جوليا والاس؟

جوليا والاس هي امرأة بريطانية متزوجة وربة منزل. كانت تعيش في 29 شارع ولفرتون في ليفربول. اكتشف زوجها وليام جثتها في شتاء ليلة 20 يناير 1931، في الغرفة الأمامية من المنزل في ليفربول. جثة جوليا والاس كانت مغطاة بالدماء، وتظهر علامات الضرب على كامل الجسد، ولا يوجد أي أثار قد تدل على القاتل، أو حتى مسروقات كثيرة لتدل على جريمة سرقة وقتل. وليام هو بائع تأمينات، بعمر 52 عام.

عذر غياب زوج جوليا والاس

بعد أسبوعين من الحادث، ألقت الشرطة القبض على زوج جوليا والاس “وليام”، بتهمة قتل زوجته لعدم وجود حجة غياب حقيقية. في اليوم السابق للحادثة، ذهب وليام إلى نادي الشطرنج كعادته وهناك أخبروه أن رجلًا ترك له رسالة على الهتاف. صاحب الرسالة يدعى “كوالترو” الاسم الذي لم يتعرف عليه وليام أبدًا. فحوى الرسالة بأن على وليام الذهاب إلى عنوان “25 مينلوف الحدائق الشرقية” لأمر هام.

في اليوم التالي وبالفعل ترك وليام زوجته جوليا والاس بالمنزل ليذهب باحثًا عن العنوان. ليكتشف بعد وقت من البحث أنه زائف، وبلا معنى. فيعود إلى زوجته ويكتشف الجثة بالمنزل.

تقرير الطب الشرعي

جون إدوارد ويتلي ماكفال، هو محاضر محنك بالطب الشرعي في جامعة ليفربول. تم استدعائه لفحص جثة جوليا والاس وتقدير زمن الوفاة. ولكن الأجهزة المستخدمة في الطب الشرعي قديمة وغير دقيقة. وقد قدر زمن الوفاة في حوالي الساعة الثامنة مساءً، أي قبل وصول وليام بحوالي 45 دقيقة، وذلك بناء على صلابة الجثة. أداة الجريمة هي أداة حادة، تعمد القاتل على ضرب الأذن اليسرى حتى إن أجزاء من المخ تبعثرت إلى الخارج. ويبدو أن الجثة كانت جالسة على الأرض أمام المدفأة عندما جاء القاتل، فاحترق جزء من معطف تحت الجثة.

ماذا حل بزوج جوليا والاس؟

عندما قبضت عليه الشرطة بتهمة القتل، كان دافعهم هو الشك بأنه من ترك الرسالة الهاتفية لنفسه. خاصة وإن الهاتف الذي اتصل به هذا الشخص الغريب، كان من هاتف عمومي قريب من نادي الشطرنج الذي يذهب إليه وليام. رغم عدم قوة الأدلة الموجهة نحوه، تم الحكم على وليام بالموت بتهمة قتل جوليا والاس. ثم رفع وليام قضيته إلى محكمة الاستئناف الجنائي، والتي قليلًا ما تلغي الحكم الأصلي لهيئة المحلفين في القضاء البريطاني. رغم ذلك، قررت المحكمة ببراءة وليام من التهمة، وتم إطلاق سراحه. فأثارت القضية الرأي العام بشدة، بين مؤيد ومعارض لقرار المحكمة. وإلى هذا اليوم لم يتم توجيه التهمة رسميًا نحو شخص أخر رغم المحاولات العديد من الشرطة والمحققين والصحفيين.

الغموض الذي يلف قضية جوليا والاس

أكثر من اهتموا بقضية جوليا والاس هو كاتب الغموض ريموند تشاندلر. وبحسب رأيه فإن قضية جوليا والاس فاقت كل التوقعات والاحتمالات الواردة. إذ يقول بأن ليس لويليام أو غيره الفرصة الكاملة لتحقيق تلك الجريمة بهذا الشكل المثالي. والتفاصيل التي أثارت ريموند نوضحها في النقط التالية.

  • أولًا، تصرفات وليام الهائجة عندما ركب الترام ليبحث عن عنوان لا يعرف مكانه، جعل من الصعب نسيانه بسبب توتره وغرابة تصرفاته. فأخذ يصر على محصل التذاكر في الترام أن ينبه إلى مكان نزوله. وأعاد تكرار طلبه وأكد بشكل غريب على إنه ليس من هذا المكان، وغريب عن المنطقة. ولم يكتفي بذلك، فقد طلب من المارين في الشارع أن يدلوه على الطريق، حتى إنه أوقف “رجل شرطة” ليحكي له قصته والعنوان الذي يرغب بالوصول إليه.
  • ثانيًا، ألم يفكر وليام للحظة أن العنوان مزيف بسبب الطريقة العجيبة التي تُركت الرسالة بها؟ ما هو الدافع الحقيقي الذي جعله يذهب ليبحث عن هذا العنوان الغير موجود، ويصدق صاحب الرسالة المجهول؟ بالإضافة إلى أن ليفربول تعج بالعديد من الحدائق في الشمال والجنوب والغرب، أما الشرق فإن العنوان يصبح غامض وأقرب إلى مزحة سخيفة.
  • ثالثًا، يذهب وليام إلى نادي الشطرنج في مواعيد غير منتظمة، فكيف عرف المتصل الغريب بمكان وموعد ذهاب وليام إلى النادي ليترك له رسالة في يوم 19 يناير بالتحديد. تلقى المكالمة الكابتن صموئيل بيتي، صاحب المقهى في النادي، وكان سبب المقابلة المزعومة هو الحديث عن أعمال التأمين التي تخص هذا المدعي كوالترو. وقد طلب بالتحديد أن تكون المقابلة في اليوم التالي الساعة السابعة والنصف. في هذا الوقت كان الكساد الاقتصادي يعم إنجلترا، فاعتقد وليام أنها فرصة عمل جيدة رغم عدم تلقيه لمثل هذه الفرص في نادي الشطرنج أبدًا.
  • رابعًا، عندما عاد وليام إلى زوجته جوليا والاس كانت الساعة 8:45 مساء، بعد رحلة خائبة نحو عنوان مجهول. وبحسب ما رواه جيرانه جون وفلورنسا جونستون، فقد بدا عليه القلق والاضطراب. حتى إنه ذهب إليهم ليخبرهم أن الباب الأمامي والخلفي للمنزل، مغلقين وليس هناك من يفتحه من الداخل. ثم سألهم، إذا ما سمعوا ضوضاء قادمة بالمنزل خلال اليوم. لماذا قد يسألهم هذا السؤال!
  • خامسًا، طلب وليام من جيرانه أن يأتوا معه إلى المنزل حتى يساعدوه في الدخول. واتجهوا إلى الباب الخلفي، والغريب أن الباب فُتح هذه المرة. فوقف الجيران خارجًا، بينما دخل وليام متسللًا وحذرًا يبحث عن زوجته. بعد عدة دقائق، خرج وقال لهم: شخصًا ما قتل جوليا والاس.
  • سادسًا، رأى جون وفلورنسا المظهر المرعب لجثة جوليا والاس. كانت ملقاة على الأرض غارقة في الدماء أمام المدفأة عند الغرفة الأمامية من المنزل. ورذاذ الدماء منتشرة على الحائط. القاتل ضربها بعنف حتى الموت. فقال وليام بنظرة شاحبة وكأنه يرى شبح: “لقد أنهوا حياتها، أنظروا إلى دماغها المبعثرة”.
  • سابعًا، لاحظ وليام أن خزانة المطبخ مفتوح، والذي كان يضع فيه مدخراته. وقد سُرق منها أربعة جنيهات إسترليني. النظرة الأولى تدل على إنها جريمة سرقة تحولت إلى جريمة قتل بشعة. ولكن شيئًا لم يُسرق عدا الأربعة جنيهات. رغم أن حقيبة جوليا والاس كانت موضوعة على منضدة المطبخ على مقربة من الخزانة، ولم يُسرق منها أي شيء. كما إن بشاعة الجريمة وطريقة تنفيذها لا تبررها أبدًا محاولة السرقة.
  • ثامنًا، ذهب جون سريعًا لينادي الشرطة، ولك أن تعلم أن شرطة ليفربول في هذا الوقت لم تكن مثالية لأنها فقدت الكثير من رجال الشرطة، والباقين غير مؤهلين للقيام بهذا النوع من التحقيقات الجنائية. أول من وصلوا إلى مسرح جريمة جوليا والاس، هما الضابط بيسي فريد ويليامز والرقيب برسلين. قدم الضابط ملحوظتين، الأولى أنه اشبته بأن القاتل مر على غرفة النوم وعبث بها قليلًا. الثانية هو وجود معطف محترق جزئيًا تحت جثة جوليا والاس. أكانت الضحية ترتديه قبل الموت، أم أنه ينتمي إلى القاتل!
  • تاسعًا، الدماء المنتشرة على الحائط وفي الغرفة التي تحتوي على جثة جوليا والاس، تؤكد أن المجرم هو الأخر تلطخ بالدماء. ولكن التقارير أظهرت أن مياه المنزل والمصارف لم تحتوي على أثار دماء. مما يعني أن القاتل أو القتلة، خرج من المنزل والدماء تغطيه. فلماذا لم يلاحظه أي شخص! كما أنهم لم يجدوا أي أثر لسلاح الجريمة. عوضًا عن ذلك، اختفاء قضيب حديدي وأخر معدني، بحسب شهادة منظفة المنزل.

أدلة وليام المحتملة على قتل جوليا والاس

وجود الدافع. لم يكن زواج وليام وجوليا والاس أبدًا زواج جيد من الطرفين. وصديق العائلة أقر بأن زواجهما يخلوا من المشاعر. فيوجد احتمال بأنه قرر التخلص أخيرًا من تلك الزوجة.

حجة الغياب الغير منطقية. إذا نظرت إلى حجة غياب وليام ستجدها غير منطقية وبها الكثير من الصدف المريبة. بالإضافة إلى تصرفاته الغريبة للتأكيد على أن الآخرين يشاهدونه بعيدًا عن المنزل.

بعد فرضية السارق. في وقت سابق اشتهر سارق بذات الشارع الذي تسكن فيه جوليا والاس، ولكن الفرق بين جرائم السرقة واقتحام المنزل السابقة وبين جريمة قتل جوليا كبير جدًا. ولماذا لم يأخذ السارق معه أي شيء أخر قيم بالمنزل سوى الأربعة جنيهات!

قد يكون القاتل مستأجر. اعتقد البعض من المحققين الذين اهتموا بقضية وليام، أنه لم يكن القاتل ولكن مستأجر فقط. وقد نفذ وخطط للعملية قبل وقت بعيد، ولكنه لم يبدع في حجة الغياب البلهاء. وأن هذا القاتل محترف لتلك الدرجة، والأربعة جنيهات أو غيرها هي ثمن العملية. ما قد يثبت تلك الفكرة هي شهادة ليليان هول، التي أفادت أنها رأت وليام في تمام الساعة 8:35 مساءً يتحدث مع رجل غريب في طريق ريتشموند بالقرب من ولفرتون. رغم أن وليام أكد على عدم حديثه مع أي شخص في طريقه إلى المنزل.

دلائل براءة وليام

الدليل الأول والأقوى يكمن في توقيت الجريمة. فعدة شهود أكدوا وجود وليام في الترام في تمام الساعة السابعة مساءً. بينما شهود عيان أقروا أنهم رأوا جوليا والاس حية في السادسة والنصف والسابعة إلا ربع. أي هناك ربع ساعة فقط حتى يتمكن وليام من قتل زوجته بتلك الطريقة البشعة، ثم يغسل نفسه وملابسه، ويركض إلى المحطة لركوب الترام في الموعد. إنه أمر مستحيل حتى على شاب صغير، وليس رجل في الثانية والخمسين من العمر. أيًا من كان قتل جوليا والاس، فهو جعل الجريمة كاملة بدون أي دليل عليه.

الدليل الثاني هو ريتشارد جوردون باري. وهو ممثل شاب ارتبط اسمه بالعديد من الجرائم البشعة بعد موته. بعام 1981 على محطة إذاعة راديو، تم طرح فرضية ريتشارد لأول مرة. إذ تقدم شخص يحكي أنه غسل سيارة ريتشارد في اليوم التالي لموت جوليا والاس. وكانت تحتوي على قفاز مغطي بالدماء وقضيب حديدي. ولأنه كان خائف جدًا لم يتكلم حتى هذه اللحظة على الراديو، بعد انتشار خبر موت ريتشارد. منذ ذلك اليوم، ويعتقد العديد من الكتاب والمحققين بأن ريتشارد هو القاتل الحقيقي. حتى إن وليام نفسه ذكره في إحدى المرات واضعًا فرضية قتل ريتشارد لزوجته.

والفرضية تكتمل حين تعرف أن ريتشارد عمل مع وليام قبل عدة سنوات. وهو يعلم أن وليام يحتفظ بالمال في خزانة المطبخ. سواء كان ريتشارد القاتل من تلقاء نفسه أو بترتيب مسبق مع وليام، فهو الأقرب لارتكاب الجريمة.

خاتمة

قضية جوليا والاس، قضية حيرة العديد من المحققين. وتعتبر قصة مثالية لكتب الجرائم. وقد قضى العديد من الباحثين وقت كبير لدراسة القضية ومحاولة تقديم حلول مختلفة. البعض قال إن جون وفلورنسا الجيران هم أيضًا داخل دائرة الشك، لأن جوليا تعرفهم جيدًا ومن البساطة أن تفتح لهم الباب بحسن نية. فهل لديك أنت أي اقتراحات أخرى؟

الكاتب: أيمن سليمان

ابراهيم جعفر

مبرمج، وكاتب، ومترجم. أعمل في هذه المجالات احترفيًا بشكل مستقل، ولي كتابات كهاوٍ في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، بعضها مازال موجودًا، وبعضها طواه النسيان. قاري نهم وعاشق للسينما، محب للتقنية والبرمجيات، ومستخدم مخضرم لنظام لينكس.

1 تعليق

16 − خمسة =