لم يكن توت عنخ آمون الشهير بالطفل الملك يعرف أنه سوف يُصبح بعد موته واحد من أكثر الأشخاص شهرةً في العالم، كما لم يكن يعرف قبل ذلك أنه سيُصبح ملكًا وهو في التاسعة من عمره، ولم يكن يتخيل أنه سيموت قبل أن يُكمل عِقده الثاني،الشيء الوحيد الذي ربما كان توت عنخ آمون يعرفه أنه كان أصغر ملك تولى مقاليد الحكم في مصر.
توت عنخ آمون وقصته الكاملة
من هو؟
ربما تكون حياة الملك الطفل توت عنخ آمون مليئة بالكثير من المُفارقات والغرائب، أولى هذه المُفرقات كانت هوية والديه، والتي ظلت غامضة حتى عام 2005، حين قام الدكتور زاهي حواس ولفيف من العلماء بتحليل الجثث التي تم اكتشافها في المقبرة عام 1922 على يد عالم الآثار البريطاني ” هوارد كارتر”، ومع البحث والتحليل واستخدام الحمض النووي تبين أن توت عنخ آمون هو ابن لكلًا من الملك “إخناتون” والمعروف ب “امنمحتب الرابع” وهو حاكم مصر المنحدر من الأسرة الثامنة عشر وزوجته الثانوية ” كيا”، والذي يُعتقد أنهما أشقاء!
ولد توت عنخ آمون عام 1341 قبل الميلاد، وتولى الحُكم سنة 1334 قبل أن يترُكه عام 1325 في ظروفٍ غامضة والتي كان يُعتقد حتى وقتٍ غريب أنها ترجع إلى قتله على يد مُنافسه على الحكم.
حُكم مصر
كان توت عنخ آمون وقت وفاة والده الملك ” إخناتون” لا يزال طفلًا في التاسعة، إلا أنه كان الذكر الوحيد المُتبقي في الأسرة الثامنة عشر، رغم ذلك اعتلى الطفل الملك حكم مصر، ويرجع ذلك إلى قوة مُساعديه وحاشيته ومُساندة والدته الملكة ” كيا” له، وكان من الممكن أن يستمر في الحكم لأكثر من ذلك خاصةً بعد توطيده للشئون الداخلية وكسب حُب الشعب والقضاء على المنافسين والمُعارضين، إلا أن الموت لم يُمهله لأكثر من تسع سنوات.
هل مات أم قُتل؟
ربما تكون كلمة ” جَدل ” قد عُرفت على ذكر هذه القضية، فمنذ ذاك اليوم الذي قضى فيه الملك توت عنخ آمون لم تجف الأقلام ولم تبح الأصوات حول هذا الأمر، ما زال العلماء والأثريون يتحدثون بشأن أكثر الملوك إثارة للجدل، ما زالوا مُختلفين حول أمرٍ واحد، هل مات أم قُتل؟
من المؤكد لدى الكثيرين أن توت عنخ آمون لو كان قد مات في نفس الظروف لكن بعد ذلك الوقت بعقدٍ أو اثنين ما كان سيُثير كل هذه البلبلة حول موته، لكن ما جعل الجميع يتحدثون لأكثر من خمسة قرون هو السن الذي مات فيه الملك الطفل، وهو الثامنة أو التاسعة عشر، وهذا السن لدى الفراعنة يُعد سنًا غير مُقنع للوفاة على الإطلاق، إضافة إلا الوضع في الاعتبار أن الملك ” إخناتون” والد توت عنخ آمون قد مات بعد أن أكمل عامه المائة!
توت خرج في نزهة على عربته ولم يعد، أو عاد جثة هامدة، لكن لماذا لم يعود على قدميه كما خرج ؟
تُشير كافة السجلات والوثائق إلى أن جدلًا ما لم يُثار عقب موت الملك الطفل، وأن أحدًا من مُعاصرين الملك لم يُفكر أبدًا في أسباب موته، والتبرير المنطقي لذلك الأمر أنهم كانوا على درايةٍ بأسباب الوفاة الحقيقة، إذًا كل ما أثير من جدل بعد ذلك بقرون كان بسبب جهل الناس بأسباب وفاة توت عنخ آمون الحقيقة، هذا هو التبرير المنطقي والوحيد لهذا الأمر الشائك.
لإنهاء هذا الجدل قام العلماء بتحليل جثة توت عنخ آمون في عام 2010، وباستخدام أشعة أكس تم اكتشاف ما يُشبه آثار جلطة دموية تحت رأسه، وتم تبرير ذلك من البعض بأنه نتيجة لضربة حادة تعرض لها الملك وأدت إلى وفاته، وهُنا بدأت أصابع الاتهام تُرفع في وجه نائبه الذي تولى الحكم من بعده مجددًا، بل رجح ذلك حذف سجلات الملك الطفل ومحاولة التعتيم عليه تاريخيًا وكأنه لم يتولى يومًا ما حُكم مصر.
لكن المنعرج الأخير الذي أخذته الأحداث كان ما قاله الدكتور زاهي حواس، والذي أكد أن سبب الوفاة لا يُبرر بهذه الطريقة على الإطلاق، وأن تلك الجلطة الدموية التي قيل أنها موجودة أسفل رأسه حقيقية، لكنها حدثت بعد موته أو عند التحنيط تحديدًا، وبرهن على ذلك بوجوده أثر تلك الضربة في وجود أغلب جثامين الفراعنة التي تم تحنيطها وتحويلها إلى مومياء، وهذا لا يعني بالطبع أن كل الفراعنة قد ماتوا بنفس الطريقة التي مات بها “توت عنخ آمون”، بل يدل على أنهم قد تعرضوا للتحنيط بنفس الطريقة التي تعرض لها، لكن أحدًا لم يقف عند هذا الأمر كثيرًا فيما يتعلق بباقي الفراعنة مثلما وقف العالم عنده بالنسبة للطفل الملك، ويرجع كل هذا إلى وقت الوفاة، والذي كان قبل أن يُكمل الملك عقده الثاني.
هذا ومن الطبيعي أن تظهر الكثير من الأقاويل بعد أن تأكد عدم تعرض توت عنخ آمون للاغتيال، منها إصابته بمرض ما، ومنها تعثر عربته بحجر أدى إلى إلى انقلابها وسقوط الطفل الملك على رأسه، ومنها ومنها، لكن الأهم، والذي كان يشغل العالم بأكمله، هو معرفة إجابة هذا السؤال الأزلي، هل مات توت أم قُتل؟ والآن يُمكن القول بإجابة واحدة فقط، ” لقد مات “.
فتح باب التحقيق من جديد!
ربما يكون كل ما مضى يحمل الكثير من الدهشة، إلا أن الدهشة كلها تكمن فيما حدث بعد ذلك، حيثُ أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية ضابطًا من المباحث الفيديرالية يُطالب بفتح تحقيقًا مُوسعًا في الأمر، ببساطة، أراد هذا الضابط أن يعرف بعد كل هذه القرون من الجاني، بل أراد مُعاقبته!
أثار الأمر بالطبع سُخرية الكثيرين، كما أثار حفيظة البعض والذين شككوا في نية هذه التحقيقات ورجحوا أنها جاءت بغرض تشويه سمعة المصريين القُدماء والقول بإرساء مبدأ الاغتيالات لديهم مُنذ القدم، والواقع أنه إذا ما تمكن هذا الضابط من إثبات ذلك فستُصبح هذه الحادثة هي أول حادثة اغتيال في التاريخ، وهو أمر رغم أسبقيته وتفرّد مصر به إلا أنه كفيل بتشويه سُمعة المصريين بأكملهم.
العثور على المقبرة
في عام 1922 تمكن العالم الأثري البريطاني ” هيوارد كارتر” من اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون في منطقة وادي الملوك، وقد تم العثور على المومياء في حالة جيدة، تحتفظ بأجهزتها الداخلية والكبد والأمعاء، وعلى الرغم من كثرة لصوص الآثار على مدار التاريخ إلا أن المقبرة وجدت على حالتها تقريبًا، مما يعني أن أحدًا ما لم يدخلها قبل كارتر، وهو أمر غريب يُضاف إلى سجلات توت عنخ آمون المملوءة بالدهشة.
تصميم مقبرة توت عنخ آمون يُعد دليلًا على تفرد ملوك الأسرة الثامنة عشر، وقد وجدت في المقبرة مئات الأرطال من الذهب الخالص على شكل أواني ومُعدات، كما كانت الجدران مطلية بمشاهد لتوت عنخ آمون في حياته، وبعض وصاياه وأقواله وانتصاراته، وتم نقل كل هذه الكنوز والآثار إلى المتحف المصري لحظها من اللصوص ولتظل شاهدة على عظمة القدماء المصريين، ولتظل كذلك تُثير سؤالًا في ذهن كل من يراها، هذا الملك الطفل، هل مات أم قُتل ؟
أضف تعليق