تسعة مجهول
بحيرة النطرون
الرئيسية » غرائب » بحيرة النطرون : بحيرة الأموات والغموض والسحر

بحيرة النطرون : بحيرة الأموات والغموض والسحر

بحيرة النطرون واحدة من بحيرات مصر الغامضة، توصف بأنها بحيرة الأموات، نتعرف في هذه السطور على بحيرة النطرون والسبب الذي دعا الناس إلى إطلاق هذه الصفات عليها.

بحيرة النطرون لغزٌ آخرٌ من ألغاز العالم وإبداعات الطبيعة التي يقف الإنسان عاجزًا أمامها لا حول له ولا قوة، إلى إفريقيا هذه المرة قارة العجائب من كل ناحية، أكثر قارات العالم عجبًا في بيئتها وبشرها وتاريخها لكنها هذه المرة تقدم لنا عجيبةً من العجائب المدهشة والمحيرة، الجميلة والمرعبة في نفس ذات الوقت تثير فضولك لتعرف سرها وفي نفس الوقت تجعلك راغبًا في الإعراض عن نبش الحقيقة لأنك تخاف أن تجد تحت غطاء اللغز الساحر الجذاب حقيقةً بسيطةً مخيبةً للآمال، أحيانًا تبدو الأشياء أجمل وأروع على ما هي عليه، لكن حقيقةً كهذه لن توقف العلماء ولن تمنعهم عند مقابلة شيءٍ بهذا الجمال الغرابة، بحيرة النطرون . بحيرة الموت الغريبة، بحيرة الموت الجميلة.

كل ما يخص بحيرة النطرون

عن بحيرة النطرون

تقع بحيرة النطرون في قارة إفريقيا تحديدًا شمال تانزانيا مشاركةً معها حدود كينيا، كونها بحيرة فهي بطبيعة الحال بحاجة إلى مصدرٍ جارٍ يغذيها لذلك فهي تستمد مياهها من عدة جهات أولاها نهر إيواسو نغيرو الجنوبي، كما يشاركه كمصدرٍ لمياهها وفي الواقع ذلك المصدر الأهم والذي قد يفسر قليلًا من لغز غرابتها أن ينابيعًا ساخنة مياهها غنيةٌ بالمعادن تصب فيها، تعتبر البحيرة انتهاءً لهذه الامتدادات المائية فلا تصب بعد ذلك في بحرٍ أو نهرٍ أو محيط وإنما تحتفظ بمياهها كما هي، أو على الأقل حتى تتبخر منها تلك المياه! من صفاتها المميزة كذلك كونها شديدة الضحالة فعمق مياهها في أقصاه لا يزيد عن ثلاثة أمتار، تهطل عليها أمطارٌ موسمية وغير موسمية بشكلٍ غير منتظم وهو أمرٌ منطقيٌ جدًا بالنظر إلى صفاتها الخاصة وحالتها المميزة والمختلفة عن البقية، تعتبر تلك البحيرة مزارًا للسياح بل إن بعض الخيام والمخيمات تُقام حولها باعتبارها نقطة تخييم أو مزارًا يمر به السياح خلال بعض رحلاتهم السياحية.

بحيرةٌ تغلي!

حتى هذه اللحظة تبدو البحيرة عاديةً جدًا ولا غرابة فيها البتة، لكن الحقيقة أنك لو اقتربت منها (وهو أمرٌ لا ينصح به أبدًا) ستكتشف أن درجة حرارة هذه البحيرة تصل في بعض الأحيان إلى ستين درجة مئوية! فتخيل كيف هي الحال ببحيرةٌ أوشكت مياهها على أن تصل لدرجة الغليان! وتزداد درجات حرارتها بشكلٍ ملحوظٍ في فصل الصيف أو في الأشهر الحارة من العام، لكن ليست تلك مشكلتها الوحيدة فمن جانبٍ آخر فمقياس الحموضية يظهر نتائج مرعبة حين عرضه على مياه تلك البحيرة، فمن الطبيعي أن تكون المياه متعادلة أي تحقق رقم 7 من مقياسٍ درجاته 14 درجة، لكن بحيرة النطرون في بعض الأحيان تصل إلى العشر درجاتٍ ونصف وهو ما يعني قلويةً تعادل قلوية الأمونيا الصافية القادرة على كي الجلد عند ملامستها! وترجع هذه القلوية المرعبة إلى الينابيع الساخنة الغنية بالمعادن التي تصب فيها ما يجعل مياهها عبارةً عن خليطٍ من المعادن والأملاح وغنيةً بكربونات وبيكربونات الصوديوم وكبريتات الصوديوم وكلوريد الصوديوم ما يجعلها شديدة الملوحة كذلك.

بحيرة الدم

ألا يكفينا غموضًا وترويعًا من حقائق هذه البحيرة لتخرج لنا حقيقةٌ أخرى مرعبة، إن راقبنا البحيرة في بعض الأحيان شبه النادرة قد نجدها طبيعية لكن في أغلب الأحيان نرى مياهها يغلب عليها اللون الأحمر الدموي، وأحيانٌ أخرى خاصةً في الفصول الحارة تزداد درجة احمرار مياهها كأن ملايين الحيوانات ذُبحت في مياهها الضحلة المرعبة، لكن حقيقة ذلك اللون أقل رعبًا مما تبدو فسببه هو نوعٌ من بكتيريا الهالوفيليك سيانو بكتيريا التي تعيش في درجات الحرارة العالية والأوساط القلوية والمالحة كوسط تلك البحيرة، وعندما تكون تلك البكتيريا نشيطة فهي تنتج صبغةً حمراء تصبغ المياه بذلك اللون الدموي وكلما زادت درجة الحرارة والملوحة كلما زاد نشاط تلك البكتيريا وإنتاجها، كما أن تلك البكتيريا تعيش في نوعٍ من أنواع الحلقات المغلقة فهي تتأثر بالملوحة والقلوية لتزداد نشاطًا وكلما زاد نشاطها زادت نواتجها التي من بينها بعض المواد التي تساهم بدورها في زيادة القلوية والملوحة، مدهش!

الحياة في بحيرة النطرون

بهذه الظروف الصعبة تصبح الحياة في مكانٍ كهذا شبه مستحيلة، لذلك لن تجد في تلك البحيرة أو حولها أي أحياءٍ سوى بعض الفصائل المميزة والخاصة من الحيوانات التي تحتمل درجة الحرارة والقلوية تلك ولا تتسبب لها في أي ضرر، فبالإضافة لتلك البكتيريا المميزة تعيش بعض الطحالب والكائنات الأولية التي تلزم القلوية والحرارة لنموها ونشاطها، وهناك نوعٌ معينٌ من الأسماك لا تضره الحياة في مياهٍ بهذه الصعوبة يُسمى بسمك التيلابيا، أما أكثر حيوانات تلك البحيرة تميزًا هي طيور الفلامنجو المميزة، ومن الجدير بالذكر أن تلك الطيور تبدو حمراء أو وردية الريش نتيجة طول تعاملها ومعاقرتها مياه البحيرة فصُبغ ريشها بصبغة البكتيريا التي تنتشر في المياه كما تشكل الطحالب التي تنمو في هذه البحيرة مصدر غذاء الفلامنجو الرئيسي، كما تعتبر تلك الطيور البحيرة موطنها الأساسي وتتجمع فيها في موسم تزاوجها لتلتقي، وهي الفترة التي تعقب بعض مواسم الجفاف في البحيرة فتتكون فيها جزرٌ صغيرةٌ من اليابسة تتخذها طيور الفلامنجو كأعشاشٍ لها تضع فيها البيض وتنتظره ليفقس!

أسطورة تماثيل بحيرة النطرون

في الوقت الذي كان العلماء يبحثون في أسرار البحيرة بين كتبهم وداخل مختبراتهم كان الناس مشغولين عنهم بتغذية الأسطورة المحيطة بذلك اللغز الخلاب والغامض، كانت تلك البحيرة من ملوحتها وقلويتها كاويةً للجلد والعينين لأي كائنٍ حيٍّ يحاول الاقتراب منها غير تلك المعتادة عليها، ما يتسبب بنسبةٍ كبيرة بموت ذلك الحيوان حين اتصاله بالمياه مباشرةً وأحيانًا كانت بعض تلك الحيوانات تموت لأسبابٍ غير واضحة وتبقى جثثهم في البحيرة، لكن الأكثر رعبًا وغرابة كان تحول الجثث إلى ما يشبه التماثيل الحجرية وحفاظها على شكلها وتفاصيلها الدقيقة في وضعٍ حجريٍّ متصلبٍ مرعب، فكأنها بحسب الأسطورة اقتربت من البحيرة فواجهتها ورأت انعكاس صورها في سطح مياه البحيرة فتحجرت في لحظتها وماتت وصرختها لم تفارق حناجرها! لكن الحقيقة العلمية جاءت تحطم الأسطورة قائلةً أن تلك الحيوانات ماتت لأسبابٍ مختلفة بعضها قد لا يكون له علاقة بالبحيرة، وبعد ذلك سقطت جثثها في المياه التي تحتوي على مجموعاتٍ كبيرة من المعادن بعضها كان يستخدمه القدماء المصريون في تحنيط الجثث بالفعل وهو ما جعل البحيرة تقوم بتحنيط الجثث بشكلٍ طبيعي لتحافظ على هيئتها وجمودها بهذا الشكل.

نيك براندت و بحيرة النطرون

بدأت الأساطير والشائعات تحوم حول تلك البحيرة منذ الأزل، لكن الأسطورة لم تنتشر وتشتهر إلا على يد المصور الفوتوغرافي نيك براندت الذي قابلته تلك البحيرة بجمالها وبهائها وأسرارها فلم يستطع منع نفسه من التقاط الصور لها، لكن أشهر ما التقطه كانت صور الحيوانات الميتة المحنطة حيث وضعها في وضعياتٍ قائمةٍ ومنتصبة كالتماثيل ثم التقط لها الصور بطرقٍ احترافية وبزوايا مميزة جعلت الحياة تدب فيها وتجعلها تبدو ككائناتٍ حيةٍ متحجرة بالفعل! ليبعث بهذه الصور الحياة في تلك الأجساد الميتة وينشر رعب تلك الأسطورة حول العالم، من يرى الصور المذهلة التي التقطها براندت لن يستطيع منع نفسه من الشعور بالرعب الذي بذل المصور كل ما في وسعه ليظهره، اللون الباهت للصور والرمادي للجثث المحنطة بينما تظهر أدق تفاصيلها حتى أطراف الريش متحجرة، ياله من إبداع!

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

إحدى عشر − 1 =