عندما نقرأ عن انتحار الأطفال فإننا نشعر حتمًا بالفزع، ففكرة انتحار طفل في سن صغيرة لها العديد من الدلالات المؤسفة والغريبة، أولها أن هناك تراكم شديد من الأذى في ذهن الطفل، فكل الأطفال يتعرضون إلى مضايقات وأحداث مؤذية، لكن يكفيهم الذهاب إلى نزهة أو اللعب بألعابهم أو الخروج مع أصدقائهم لنسيان كل مشاكل الدنيا، أما من قاموا بالانتحار فلديهم سجل طويل من الأذى الذي لم يساعدهم أي شخص على تجاوزه، وهناك العديد من الدلالات والحيثيات الأخرى المتعلقة بتلك الحالات، وفي الموضوع التالي نصطحبك مع أشهر تلك القصص والتي اخترناها بتنوع بين الأعمار وظروف الانتحار والظروف المجتمعية والنفسية والجسدية للأطفال لنحاول في النهاية استنتاج الأسباب الرئيسية لمثل تلك الحوادث مع نظرة سريعة إلى انتحار الأطفال في مجتمعاتنا العربية.
ريان هاليجان – 13 سنة
في ليلة السابع من أكتوبر من سنة 2003، تغيرت حياة كل من جون هاليجان وزوجته كيلي للأبد بعدما اكتشفا أن ابنهما ريان البالغ من العمر ثلاث عشر سنة قد قام بعملية انتحار عبر الشنق، وبسبب الصدمة البالغة التي تعرضا إليها فقد دأبا على البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه الحادثة البشعة، فقد بدا الطفل أمام أهله كأي طفل عادي، بل أنه كان ضحوكًا في أغلب الأوقات وكان يمارس أنشطته بكل سلاسة، ولم يعرف عنه أنه واجه مشاكل ذهنية أو أن دائرة علاقاته الاجتماعية كانت تحتوي على إرهاب، وبعد تقصي كامل وجدوا أن المشكلة كانت في المدرسة، ولم تكن مشكلة واضحة قبل أن تحدث الحادثة، فمنذ السنة الخامسة في المرحلة الابتدائية وحتى السابعة في موطن العائلة في الولايات المتحدة، تعرض ريان إلى ترهيب مباشر من زملاءه، لدرجة أنه شعر بخوف شديد في إحدى المرات ورفض الذهاب إلى المدرسة، وعندما واجه عائلته بالأزمة أرادوا التحدث مع أساتذة ومدير المدرسة، وهي الفكرة التي شعر ريان بذعر شديد منها، حيث ظن أن هذا سيزيد من تصرفات الترهيب، لأنه سيبدو أمامهم كطفل ضعيف غير قادر على التصرف إلا بمساعدة والديه، لذا فإنه طور أسلوب دفاعي وهو العنف، وبدأ بالتعامل مع الأزمة بمفرده في ظل اعتقاد والديه بأن ما حدث هو شيء عادي يحدث لعدد كبير من الأطفال، لكن تصدي الطفل لكل هذه التصرفات بمفرده كان هو السبب الذي أثقل ذهنه بمواقف وتصرفات مؤذية، وبدأ زملاءه بتكوين تحالفات ضده واستغلوا شبكة الإنترنت في إهانته بصورة أكثر تجريحًا، وفي ظل غياب الأسرة عن هذا المشهد شعر الطفل ريان بأن الحل الوحيد هو قتل نفسه في هذه السن الصغيرة.
بيث ويلكينسون – 7 سنين
بيث ويلكينسون كانت فتاة بريطانية في السابعة من عمرها وعانت خلال أغلب سنوات حياتها القصيرة من اضطرابات ذهنية قوية، وفي ذروة النوبات كانت تؤذي نفسها بطرق مختلفة، وفي أكثر من مرة حاولت قتل نفسها إلا أن بعض الأشخاص تمكنوا من إيقافها عن التنفيذ.
في ليلة الثامن عشر من ديسمبر، تلقت إيلين فلانجان وهي أستاذة بيث في المدرسة مكالمة مفزعة من بيث وغير واضحة، في البداية شكرت بيث أستاذتها بلطف بسبب جهودها في تحسين مظهرها الاجتماعي أمام الآخرين، لكن عندما لاحظت الأستاذة أن بيث لا تتحدث من المنزل ووجود صوت رياح واضح، ومع طريقة الحديث والمواضيع التي تحدثت فيها معها، شعرت بأن هناك شيء مؤسف سيحدث، وبدأت تسأل بيث عن المكان الذي تتحدث منه، واعترفت بيث بأنها تقف على جانب جسر هامبر وبدأت تنهار، وبعد محاولات عديدة لتهدئتها أخبرتها بيث بأنه يجب أن تنهي المكالمة لأن هناك رجل شرطة قد اقترب منها، وبالفعل حاول الشرطي أن يسرع ويطلب منها ألا تقتل نفسها، إلا أنها تجاهلته وقفزت من أعلى الجسر، ولم يتم اكتشاف جثتها إلا عن طريق أحد الصيادين في الرابع والعشرين من مايو.
سامانثا كوبريسكي – 6 سنوات
هي واحدة من أصغر حالات انتحار الأطفال المسجلة، ففي سن السادسة فقط أقدمت هذه الفتاة الوديعة ذات العين الزرقاء والشعر الأشقر والضحكة الظريفة على شنق نفسها، وتبدأ القصة عندما تشاجرت سامانثا مع والدتها وأجبرتها أن تذهب إلى غرفتها، وقالت الطفلة وهي في طريقها للغرفة أنها ستقتل نفسها، لكن الأم لم تصدقها وتركتها، ولم يتوقع أي شخص أن تقدم فتاة على مثل هذه الفعلة في هذه السن، إلا أن هناك حوادث غريبة عن انتحار الأطفال من ذوي خمس وأربع وثلاث سنوات، ويخبرنا علماء النفس بأن هذه التصرفات عادةً ما تكون بسبب اضطرابات ذهنية مبكرة والتي عادةً ما يكون الأهل مصدرها أو العامل الأكبر في زيادة حدة المشاكل.
تايلر كليمنتي – 18 سنة
كان تايلر أحد طلاب جامعة روتجرس في ولاية نيو جيرسي الأمريكية، كان ميلاده في ديسمبر 1991 وأنهى حياته بالقفز من جسر جورج واشنطن الشهير في 22 سبتمبر 2010، وبسبب حيثيات حالة الانتحار أصبحت قصته واحدة من أشهر قصص انتحار الأطفال في أمريكا والعالم.
شخصية تايلر كانت مميزة إلى حد كبير، فقد تعلم العزف على آلة الكمان منذ سن صغيرة وأظهر براعة استثنائية فيها وبدأ بالتدريب في أوركسترا، والظروف العائلية بالنسبة له كانت عادية ولم تنطوي على أية حوادث عنف، إلا أن مشاكله بدأت عندما أفصح عن ميوله الجسدية للرجال، فمنذ هذه اللحظة بدأ الطلاب الآخرون بحملات كبيرة من السخرية منه بصورة علنية وفاضحة، إلا أن الحادثة الأشد كان السبب فيها صديقه دهاروم رافي، ففي مرة دخل إلى غرفة تايلر ووضع كاميرا صغيرة في مكان غير واضح بدون علمه، وانتظر فترة حتى يستطيع تسجيل مقاطع مرئية لتايلر وهو في أوضاع غير لائقة مع أكثر من شخص، ثم وضع المقاطع على موقع تويتر وانتشرت بصورة سريعة للغاية، وبسبب هذا شعر تايلر بفزع شديد جراء الفضيحة الكبيرة التي أحاطته وجعلت أسرته وكل أصدقائه ومعارفه وأشخاص لا يعرفهم على دراية تامة بكل شيء، ومر بأزمة نفسية حادة انتهت بانتحاره، وبسبب عدم احترام رافي للخصوصية فقد تم سجنه لمدة شهر واحد، وبعد هذه الحادثة ظهرت نداءات كثيرة من منظمات حقوق الإنسان لضمان ألا تحدث حوادث مؤسفة من هذه النوعية، خاصةً مع تزايد شعبية منصات التواصل الاجتماعي.
حوادث انتحار الأطفال في الدول العربية
حوادث انتحار الأطفال تقع في الدول العربية كما هو واقع في مختلف دول العالم، ولنأخذ كمثال جمهورية مصر العربية؛ نجد أن عدد حالات انتحار الأطفال في سنة 2010 هي 22 حالة (مع العلم بأن الإحصاء الرسمي الأخير لعدد الأطفال في مصر هو 32.5 مليون طفل) والإحصاء التالي بعد ثلاث سنين كان أكثر من الضعف، والنسبة بين الذكور والإناث تكاد تكون متقاربة، لكن الفئة العمرية بين 16-18 سنة هي الأكثر انتشارًا، والسبب الأول هو الأوضاع الاقتصادية المتردية، فالملايين القابعة تحت خط الفقر تجعل هناك طفل من كل خمس أطفال يقعون تحته، وأغلبهم في الريف، حيث أن ثلاثة أرباع حالات الانتحار من ساكني الريف، لكن يتزامن مع هذا السبب العنف الذي يمارسه الأهل، وهو سبب يربطه علماء الاجتماع بالوضع الاقتصادي، خاصةً في حالة وجود أسباب أخرى قد تتسبب في زيادة الضيق مثل الديانة أو الوظيفة أو ما يتعلق بالشرف والقيم المجتمعية، والسبب الثاني هو أمراض نفسية عانى منها الأطفال بصورة ملحوظة، ويتزامن معه الترهيب الذي يتعرض إليه الطفل في بيئات معينة مثل المدرسة أو الشارع، ومع كل تلك الأسباب نجد أن المجتمع هو سبب مباشر في إخراج تصرفات متطرفة من الأطفال مثل التفكير في طريقة بشعة لقتل النفس كالشنق.
أضف تعليق