تسعة مجهول
الوحدة 731
الرئيسية » جريمة » الوحدة 731 : جرائم عديدة تشهد على التاريخ الأسود لليابان خلال الحرب

الوحدة 731 : جرائم عديدة تشهد على التاريخ الأسود لليابان خلال الحرب

الوحدة 731 وحدة شهيرة بالجيش الياباني كانت تتواجد خلال الحرب العالمية الثانية وكان شغلها الشاغل إجراء التجارب الحربية على البشر، أو أسرى الحرب على سبيل التحديد، تعرفوا معنا على تاريخ الوحدة 731 اليابانية.

تُعتبر الوحدة 731 أكبر دليل على أن البشر لم يكونوا أبدًا بشرًا كما ينبغي، ولم يكونوا حيوانات كذلك، فالحيوانات في النهاية تعرف الرحمة جيدًا، بل يُمكننا القول أنهم كانوا مخلوقات وحشية، وقد ظهر ذلك بشدة خلال الحرب العالمية الثانية في مناحي كثيرة من الحياة الحربية، ومع كثرة هذه الجرائم دعونا نتحدث عن آلة حرب واحدة كانت تُسمى الوحدة 731، فتلك الوحدة التي تأسست في عام 1932 تم تسليطها من قِبل الجيش الياباني على حياة أسرى الحرب الذين أوقعهم حظهم السيئ في قبضة بشرٍ لا يرحمون حتى البشر مثلهم، فكان مصيرهم الخضوع لأسوأ تجارب بشرية عرفها التاريخ في يومٍ من الأيام، عمومًا، ولكيلا نُطيل في المقدمات كثيرًا، دعونا في السطور القليلة المُقبلة نتعرف سويًا على قصة تلك الوحدة الملعونة وما ارتكبتها من جرائم خلال الحرب، والأهم من ذلك بكل تأكيد التعرف على مصيرها في نهاية المطاف.

الوحدة 731 في سطور

أول شيء في أي شيء هو مقدمته، ومقدمة الوحدة 731 تبدأ بالتعرف عليها عن قرب، فمن المعروف للجميع أن أي جيش يتكون من مجموعة وحدات، كل وحدة تكون لها مهمة محددة وواضحة، قد تكون وحدة حرب أو وحدة طب أو وحدة مهندسين، وقد كانت هذه الوحدة التي نتحدث عنها وحدة طب، وهنا طبعًا يُمكنكم أن تلتقطوا أنفسكم جميعًا وتظنوا أن الأمر هين، فالطب مهنة الملائكة مثلما هو معلوم، لكن هذه المرة نحن نتحدث عن طب من نوع آخر، طب الشياطين الذين تجردوا من كل آدمي موجود بهم ومارسوا أبشع الطرق الممكنة من أجل كتابة تاريخ أسود للطب والأطباء.

تأسست الوحدة 731 في عام 1932، وهو عام كانت الحرب العالمية الثانية تدق الطبول به، حيث رأى الجيش الياباني وقيادته أن وجود مثل هذه الوحدة سوف يُسهل من مهمة الجيش خلال الحرب التي وجدت اليابان نفسها عالقةً بها، لكن يا تُرى، من يكون الشيطان صاحب فكرة تأسيس هذه الوحدة الشيطانية؟

شيرو إيشي شيطان الجحيم

اسمه شيرو إيشي، إمبراطور ياباني، وطبعًا ليس كل من يحمل هذه الرتبة يكون حاكمًا لليابان، وإنما هو شخص رفيع المستوى في دولة اليابان، ولقد كان شيرو طبيبًا، وجميعنا يعرف طبعًا أن مهمة الطبيب هي السهر على راحة المرضى وبذل كل الجهد من أجل إنقاذ حياة واحدة مهما كان صاحبها، لكن شيرو جاء بما خالف كل ذلك تمامًا، فقد اقترح ذلك الشيطان على الإمبراطور الياباني إنشاء تلك الوحدة اقتداءً بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، تلك الدول المُتقدمة التي كانت تمتلك أحدث المعدات والتجهيزات، وقد ظن القائمين على الأمر في البداية أن شيرو يريد تأسيس وحدة طبية لخدمة ضحايا ومصابي الحرب، إلا أنه قد أوضح لهم فيما بعد أنها ستقوم على معاناة أسرى الحرب في الأساس، لكنه ضمن لهم أن يؤتي الأمر أُكله في نهاية المطاف.

فكرة شيرو كانت تستهدف الطب البيولوجي وتجاربه، حيث كانت الأخبار تترامى عن امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية وحدة تختص بهذه التجارب، لذلك أراد شيرو المتغطرس أن يذكره التاريخ كأحد هؤلاء الذين تزعموا الحرب العالمية الثانية ولو حتى عن طريق الطب، لكن، مع كل هذه المقدمات، ما المآسي التي أوجدتها الوحدة 731 يا تُرى؟

مآسي الوحدة 731

بالتأكيد عندما نتحدث عن مآسي ومجازر لأي شيء فإن الناس يكونون في حاجة أولًا إلى سماع بعضًا من هذه المآسي حتى يحكموا فعلًا إذا كان الأمر يستحق كل هذا التهويل أما أنه مجرد حدث حرب عادي، ولهذا دعونا نبدأ باستعراض بعض هذه المآسي كي نتأكد فعلًا من وحشيتها، ولتكن البداية مثلًا مع التشريح حيًا.

التشريح حيًا، فعل شيطاني خسيس

من أهم طرق التعذيب التي كانت الوحدة 731 تستخدمها من أجل إلحاق المعاناة بأسرى الحرب أسلوب التشريح حيًا، وهو أسلوب يتم على أكثر من مرحلة، ففي البداية يتم انتقاء السجناء بطريقةٍ ما تعتمد أكثر على الأقدمية في السجن، بعد ذلك يقوم متخصصون بتسريب الأمراض إلى هؤلاء الأسرى، وذلك مثل الطاعون والجدري والكثير غيره من الأوبئة التي اشتكى العالم منها طويلًا، وأخيرًا تأتي مرحلة التشريح حيًا، أو السلخ كما يُطلق عليها البعض، وفي هذه المرحلة يتم تقطيع الأسير وإخراج أعضاءه البشرية أمامه، وذلك فقط من أجل ملاحظة التأثير الموجود جراء تنفيذ هذا الأمر، تخيلوا أن بشر مثلنا كانوا يفعلون هذه الأمور ببشر مثلهم أيضًا!

اختبار التجميد والصهر، اختبار معاناة الأجساد

كذلك من ضمن الطرق التي كان يتم من خلالها تعذيب المُنتمين لوحدة الجحيم 731 تلك الطريقة التي كانت تقوم على التعريض لأكبر درجة تجميد وصهر ممكنة، ويتم ذلك من خلال جلب شخص ووضعه في أكبر درجة برودة ثم الجلوس بتلذذ لرؤية الآثار التي ستتضح عليه، وكذلك الحال بالنسبة للشمس ودرجة حرارتها، ولكيلا تعتقدوا أن الاختبار بسيطًا بعض الشيء، كان هؤلاء الملاعين لا يتركون الذين تُجرى عليهم التجربة إلا وهم ميتين، سواء كان ذلك من شدة التجمد أو من الذوبان، هكذا فقط كانت تنجح التجربة من وجهة نظرهم المجنونة.

اختبار الأسلحة والقنابل، اختبارات الفئران

من المعروف طبعًا أن استخدام القنابل في بداية ظهورها كان استخدام تجريبي، بمعنى أنك تُلقي بالقنبلة ولا تعرف كم شخصًا ستقتل وما هو المدى الذي ستؤثر به، ولهذا فإن الوحدة 731 رأت أن تحل ذلك اللغط من خلال تجربة الأمر على الأسرى لديهم، حيث كان يتم إلقاء قنبلة على بعض الأشخاص من مسافة معينة ثم بعد ذلك يتم حصر ضحايا هذه القنبلة، ثم بعد ذلك يتم تغيير المسافة وزيادة الأشخاص أو تقليلهم حسبما تبغي التجربة، وطبعًا ذلك النوع من التجارب أسقط الآلاف من القتلى، لكن هل توقفت وحدة الجحيم هذه عن ممارستها المجنونة!

الاختبار البيولوجي، أصعب أنواع الاختبارات

أصعب أنواع الاختبارات على الإطلاق ذلك الاختبار البيولوجي الذي كان الوحدة 731 تقوم به كمهمة أساسية تم تأسيس الوحدة من أجلها في الأصل، وذلك الاختبار كان يقوم على زرع الجراثيم في الأشخاص وجمعهم في مكان واحد مع آخرين غير مُصابين ورؤية الزمن الذي يستغرقه الجرثوم من أجل الانتشار والعدوى، كان اختبارًا قاسيًا بحق، وكان مثله مثل كل الاختبارات السابقة، يقوم في الأصل على معاناة الناس، فحتى لو كانوا أسرى، فإن هذه الطرق لم تكن أبدًا طرق تعذيب بقدر ما هي طُرق للإعلان عن موت الرحمة والإنسانية في قلوب هؤلاء المجانين.

مصير الوحدة 731

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان الكل يتوقع أن أول ما سيبدأ العالم في الالتفات له ومحاسبته تلك الوحدة الشيطانية، وأن جميع من عملوا بها سوف يلقون عقوبة الإعدام بلا أي شك، لكن الحقيقة أن الأمر جاء على خلاف التوقعات تمامًا، صحيح أن الوحدة تم حلها بيد أن الشيطان الذين كانوا يتولون مهمة الإشراف عليها لم يُصابوا بأي أذى، بل إن البعض منهم قد لقى تكريمًا، وهذا بالطبع ما لم تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية مع كل الدول التي هُزمت في الحرب، ففي ألمانيا مثلًا تم إعدام كل الذين شاركوا مع هتلر في الحرب كما تم إعدام قادة الجيش النازي ومطاردة كل من يوجد شك فقط في كونهم مشاركين في الحرب، ووحدة مثل هذه عذبت الكثير من الأسرى بما فيهم أسرى أمريكا نفسها كان يُتوقع أن يكون عقابهم أليم، وأن يُخلدوا كمجرمين حرب نالوا عقابهم، لكن أمرًا ما جعل الوضع يسير على نحوٍ لم يكن متوقعًا.

لماذا لم يُعاقب شياطين الوحدة 731؟

خرجت التكهنات بالطبع بعد تلك المهزلة المُتمثلة في عفو الولايات المتحدة الأمريكية عن الوحدة 731 بما في ذلك مؤسسها ورئيسها شيرو إيشي، والذي عاش بالمناسبة لأكثر من سبعين عام دون أن يتعرض لقلم معاتبة واحد، بل يُقال إنه تقلد بعض المناصب الهامة وتم تكريمه، وكذلك أحد مساعديه الذي خرج من الوحدة ليتولى مسئولية أحد المستشفيات بدلًا من الخروج منها إلى السجن مباشرةً، والحقيقة أن أغلب الأسباب التي فسرت ذلك الأمر كانت تدور حول عقد قيادات هذه الوحدة صفقة مع أمريكا، تلك الصفقة تتضمن تركهم دون ملاحقة في مقابل تسليمهم النتائج والدراسات التي خرجوا بها من التجارب المقامة على الأسرى والمساجين خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وأيضًا هناك من يقول أن الصفقة تضمنت عدم كشفهم لبعض التجارب والانتهاكات البشرية التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى أدق، كان الصمت مُقابلًا للصمت، هكذا كانت الصفقة، وهكذا ضاعت حقوق ضحايا الوحدة 731.

الخروج عن الصمت

كل ما ذكرناه قبل قليل عن مآسي الوحدة 731 لم يكن ليُعرف بالمناسبة لو لم يخرج البعض عن صمتهم، فمن المعروف طبعًا أن الولايات المتحدة الأمريكية باعت حرية هؤلاء ونجاتهم من الموت مقابل الحصول على هذه الأبحاث والنتائج، وأيضًا اشترت صمتهم من أجل ضمان عدم تعريض تلك الصفقة للإحراج، وألا تظهر أمريكا في صورة سيئة، لكن، قبل سنوات قليلة، وتحديدًا في عام 2014، بدأ بعض المُشاركين في هذا الجحيم يخرجون عن صمتهم ويتكلمون أخيرًا عما حدث في ذلك الجزء الأسود من التاريخ، وعلى ما يبدو فإن السر خلف ذلك هو ما قالوه لحظة تحدثهم من أنهم يُريدون إراحة ضمائرهم، لكن بالتأكيد لن ترتاح الضمائر لمجرد اعتراف، لن ترتاح بعد كل ما شاهدته وصمتت عليه طويلًا.

مزارع ياباني يتجاوز الثمانين عام فاجئ العالم، وحتى أسرته كذلك، بأنه كان يعمل كسائق لأحد الأطباء الكبار في هذه الوحدة وكان في بعض الأحيان يُشارك بنفسه في حفلات التعذيب التي تُقام للمساكين المساجين، وقد كانت زوجته تظن أنه مجرد جندي عادي في الجيش، المهم أن ذلك المزارع يقول فيما معناه أنه بالرغم من مرور أكثر من ستين عام على ما حدث فإنه لا يزال حتى الآن يسمع في أذنه صرخة ذلك الرجل الذي قام بتشريحه وهو على قيد الحياة فقط من أجل تجربة سخيفة لاختبار قدرة التحمل لدى البشر، كما يقول المزارع أن المهنة الأصعب بالنسبة له وللبقية هي التخلص من جثث هؤلاء الضحايا، فقط لأنها كانت كثيرة ومُقززة!

ختامًا، وصل البشر عمومًا في هذه المرحلة من التاريخ، مرحلة الحروب العالمية، إلى أقصى درجة يُمكن تخيلها من الجنون والقسوة، لكن ما حدث في الوحدة 731 لا يزال الأبرز والأكثر وحشية على الإطلاق.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

أربعة × خمسة =