تسعة مجهول
الهراطقة
الرئيسية » غرائب » الهراطقة والهرطقات التي صدمت الناس خلال القرون الوسطى والحديثة

الهراطقة والهرطقات التي صدمت الناس خلال القرون الوسطى والحديثة

يطلق مصطلح الهراطقة على أولئك الأشخاص الذين يأتون بأفكار تصطدم بشكلٍ قوي مع الأفكار السائدة، وخصوصًا الأفكار الدينية منها، تعرف معنا على أهم الهراطقة هنا.

من هم الهراطقة ؟ في الواقع فإن هذه الكلمة تحمل العديد من الإشارات، وعلى مر قرون تم اتهام العديد من المفكرين ورجال الدين بهذه التهمة ومن ضمنهم بعض البطاركة وحتى البابوات أنفسهم، لكن هل سألت نفسك من يقرر وصم الإنسان بهذه التهمة وكيف ظهرت وكيف تغيرت مع مرور الوقت وما هو تأثير المهرطقين على الفكر؟ في هذا الموضوع الشامل سنقدم لك كل المعلومات اللازمة التي تخص مفهوم الهرطقة في الديانة المسيحية، وكي تقرأ الموضوع بتسلسل منتظم فإننا سنذكر لك أهم الفروق الأساسية في المذاهب المسيحية ثم الأفكار الجديدة التي ظهرت وكيف واجهها رجال الكنيسة، كما أننا سنوضح لك باختصار بعض المصطلحات التي يحوم حولها نقاشات طويلة مثل الغنوصية والزندقة، وبعد ذلك سنتعرض إلى أهم الهراطقة في التاريخ، سواء كانوا مفكرين أم مجرد رجال جمح خيالهم إلى أفكار غير اعتيادية.

أغرب الهراطقة في التاريخ

ما هي الهرطقة؟

يمكن أن يملأ مفهوم الهرطقة وأشهر الهرطقات والمهرطقين والخلافات الجوهرية والفرعية المتعلقة حولهم مجلدات عديدة، فالكلمة والمواضيع المشتملة عليها هي من أكثر الأشياء المعقدة والمختلف عليها في تاريخ الأديان، فأولاً علينا فهم الالتباس الأساسي الذي قد ينطلي عليك وهو المعنى المزدوج للكلمة، فالهرطقة ببساطة تعني البدعة التي ابتدعها شخص ما أو مجموعة معينة ثم أصبحت منتشرة حتى يومنا هذا أو ماتت، وهذا يعني أن البعض سيعتبرونها شيء مخالف للدين وسيعتبرها آخرون ضمن أهم ركائز الإيمان بالنسبة لهم، لكن بشكل مجمل فإن الهرطقة تصف البدع التي انتشرت حول طبيعة السيد المسيح أو التقاليد الجديدة التي تخالف المعتقدات الأساسية لكبرى المذاهب المسيحية وهي الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، مع العلم بأن الكلمة المرادفة للمعنى في الإسلام هي “الزندقة” وهي كلمة فارسية كان معناها الأصلي يشير إلى المؤمنين بالديانة المانوية أو المنانية، لكن تحول الاستخدام فيما بعد للإشارة إلى أي شخص كافر، وهي أيضًا من الكلمات التي يوجد التباس كبير حولها.

ما هي الغنوصية؟

هناك ارتباط وثيق بين الغنوصية والهرطقة، والمعنى الحرفي للغنوصية هو المعرفية أو الرغبة في المعرفة، والاصطلاحي هو الأفكار المسيحية المتأثرة بالديانات الشرقية القديمة مثل الزرادشتية والمجوسية والمانوية وكذلك الأفكار الوثنية، ويعتمد الغنوصيون على عقلهم في التوصل إلى أسرار الدين، أي أنهم يفضلون الحدس على الآثار المنقولة، وهذا ينافي التقاليد الكنسية للمذاهب المعروفة والتي تكون عادةً مُحاطة بأسرار غير قابلة للتفسير، فمذهب التثليث الذي تقوم عليه المسيحية لا يخضع إلى المنطق الرياضي، وهناك أسرار كنسية محرمة على العامة، والأرثوذكسية بالتحديد هي التي تحتوي على هذا الكم الكبير من الأسرار والأشياء الغامضة، ولعل هذا هو السبب الأول لزيادة أعداد الهراطقة فيها. مع العلم أن مصطلح “اللاغنوصية” يشير إلى معنى مختلف تمامًا، وهو اللاأدرية، أي الإيمان التام بأن العقل البشري غير قادر على الوصول إلى حقيقة الإله مهما فعل، أي أنه فرع من اللادينية.

الموضوع الأساسي للهرطقات

إذا نظرنا بدقة إلى كافة أفكار الهراطقة في القرون الأولى بعد ميلاد المسيح (مع ملاحظة أن هناك اتجاهات جديدة ظهرت في العصور الوسطى كما سنوضح)، فإننا سنجد أن أغلب الأفكار تتجه في اتجاه واحد وإن كان متشعبًا في بعض الأحيان، وهو الطبيعة اللاهوتية أو الناسوتية للسيد المسيح، فأكبر الهراطقة مثل آريوس ونسطور وبولس السميساطي ولوقيانوس وأبوليناريوس انتقدوا الفكرة التقليدية لمعتقد التثليث، فالمعتقد الأساسي يقول أن الأقانيم الثلاثة هي واحدة في الجوهر لكن كل واحدٍ منها قائم بذاته، وبالطبع لم يقدر أحد على إنكار ألوهية الآب (وإلا لما أصبح مسيحيًا)، لذا فإن النقد اتجه إلى ألوهية الابن أو المسيح، فرفضها البعض وادعى آخرون أنها غير مساوية للآب، بل أن حتى مكدونيوس المهرطق الذي تفرد بنقده لألوهية الروح القدس واعتبره ضمن الملائكة فإننا نجد هذه الفكرة متشعبة من الأفكار الآريوسية الخاصة بنقد ألوهية المسيح، لذا فإنها كانت المشكلة الأساسية التي دار النقاش حولها لقرون طويلة وانعقدت مجامع عديدة بسببها.

الفروق بين المذاهب المسيحية الأساسية

كي ندرك المعنى الشامل للهرطقة فإنه من الواجب علينا أولاً أن نفهم الفروق الأساسية للمذاهب الكبرى، والقصة تبدأ من سنة 451 ميلادية عند انعقاد مجمع خلقدونية، فبعده انشق المسيحيون إلى مذهبين هما الأرثوذكس (التقليديون بترجمة حرفية وهي قريبة من المعنى الاصطلاحي) والكاثوليك، وهما يمثلان الآن العدد الأكبر من المسيحيين حول العالم، ومر أكثر من عشرة قرون ولم يظهر أي مذهب رئيسي جديد حتى ظهرت البروتستانتية.

طبيعة المسيح وآراء الهراطقة

هذا هو الفرق الأبرز وهو الموضوع الأساسي الذي دار حوله النقاش في المجمع، فالأرثوذكس – والمسيحيون بشكل عام قبل المجمع – يؤمنون بأن للسيد المسيح طبيعة واحدة، أي طبيعة لاهوتية-ناسوتية بدون تفرقة أو تجزئة، أي أنه ولد وهو إله وفي نفس الوقت يملك جسدًا بشريًا، أما الكاثوليك – وكذلك البروتستانت – يؤمنون أن له طبيعة ناسوتية وهي الجسد البشري الذي عاش به حتى سن الثلاثين وطبيعة أخرى لاهوتية حلّت عليه فيما بعد. أما الفروق الأخرى، فبالرغم من كونها فرعية إلا أنها مؤثرة جدًا في المعتقدات، وقد تسببت في حروب مات بسببها عشرات الملايين على مدار قرون طويلة، نذكر منها نظرة كل مذهب إلى السيدة مريم العذراء، فالكاثوليك ينظرون إليها باحترام بالغ يزيد عن أي مذهب آخر، لدرجة أن هناك بعض المتطرفين ممن انخرطوا في عبادتها، وهذا ما يُدعى بالعبادة المريمية، ويعتبرونها طاهرة منذ لحظة ميلادها وحتى موتها الدنيوي ولا تحتاج إلى شفاعة وتقدر على الشفع لأي شخص، أما الأرثوذكس فهم متوسطون في تقديرها حيث يعتبرونها حاملة للخطيئة الأولى مثل كافة الناس إلا أنهم يبجلونها باعتبارها أم السيد المسيح ويؤمنون بشفاعاتها، لكن البروتستانت لا يعترفون بأي شيء يخصها سواء كان الشفاعة أو البتولية.

الفروق الأخرى

الروح القدس بالنسبة للكاثوليك والبروتستانت قد انبثق من الآب والابن معًا، أما الأرثوذكس فقد انبثق من الآب فقط، وهم يعتمدون في هذا على الآية 26 من الإصحاح 15 من إنجيل يوحنا، أما بقية الاختلافات فهي شبه بسيطة بين الأرثوذكس والكاثوليك، لكن البروتستانت يختلفون في العديد من الأشياء، فهم يُدعون بالإصلاحيين والمجددين في المسيحية، أي أنهم أرادوا إبعاد كافة التقاليد الكنسية العتيقة، لهذا نجدهم لا يؤمنون بزيت الميرون ولا يعتقدون أن المعمودية من الأسرار الكنسية، ويرفضون تقليد التناول وكذلك شفاعة القديسين كافة (ولهذا نجد كل كنائسهم غير حاملة لأسامي القديسين، بل مجرد كلمات إنسانية خالصة)، ولعل أكثر ما يميزهم هو رفضهم للاعتراف في الكنيسة، فالاعتراف بالنسبة لهم هو اعتراف دنيوي لمن أخطأ له الإنسان، وهذا رد فعل متوقع تجاه صكوك الغفران التي اعتمدتها الكاثوليكية في أوروبا في العصور الوسطى، ولعلها من أكثر الممارسات التي دعت إلى ظهور عدد كبير من الهراطقة في وقت قياسي، إلا أنهم لم يكونوا ذوي تأثير قوي مثل السابقين وهذا سبب عدم ذكرنا لهم، وبالنسبة للأكاديميين المحايدين فإنهم دومًا ما يقولون أن مفاهيم الهرطقة انتقلت من دائرة المفكرين إلى دوائر العوام من الشعب في ذلك الوقت.

ما هي المنطقة التي كثر فيها الهرطقة؟

من بين كافة المناطق المؤمنة بالمسيحية، تفردت منطقة الهلال الخصيب (حوض نهر دجلة والفرات والمناطق الساحلية من الشام) بأنها مهد أشهر الهراطقة ، وهذا في القرون الأولى للمسيحية، أما في القرون المتأخرة فقد أخرجت ألمانيا أكثر الهراطقة وبالتحديد مارتن لوثر (إلا أنه تحول فيما بعد إلى مؤسس البروتستانتية التي يؤمن بها مئات الملايين) الذي اعتبرته الكنيسة الكاثوليكية العدو الأول لها.

آريوس

هو أكبر الهراطقة بلا منازع وصاحب المذهب الآريوسي، وبالرغم من موته في العقد الثالث من القرن الثالث الميلادي إلا أن تأثيره ممتد حتى الآن، ويكتب رجال الدين عنه باستمرار بأسلوب عدواني، فهو الشيطان بالنسبة لهم، وأصله من ليبيا القديمة، إلا أنه عاش في الإسكندرية واشتهر فيها، وفي هذا الوقت كانت هي المدينة الأولى للأرثوذكس، وأهم من أثروا عليه الفيلسوف السكندري أوريجانوس وأفلوطين وكذلك بولس السميساطي الذي يصفه البعض أنه أول الهراطقة . وتتلخص أفكاره في أن أقنوم الآب هو أعلى الأقانيم الثلاثة التي هي الآب والابن والروح القدس، وأن وجود الآب سابق على وجود الابن، لذا فإنه لا يتساوى معه، ولعل الطامة الكبرى هي رفضه لأن يكون الابن هو الكلمة أو اللوجوس، وهذا معتقد ثابت في أغلب المذاهب، وقد اتهمه أعداؤه بأنه تنكر لألوهية الابن بشكل كامل، إلا أن المحايدين يقولون أنه لم يفعل ذلك، بل تنكر لمساواته مع الآب فقط، ولعل التأثير القوي لأفكار آريوس أنها كانت عبارة عن استنتاجات مباشرة وبسيطة من العهد الجديد.

تأثير الأفكار الآريوسية

بسبب تلك الأفكار قامت حرب فكرية كبيرة بين آريوس من جهة والكنيسة السكندرية من جهة، وقد دعا أسقف الإسكندرية إلى عقد مجمع مسكوني خاص للتشاور في عقاب آريوس ونزع لقب “الشمّاس” منه، وبالفعل تم عقد مجمع نيقية الذي يعتبر أشهر المجامع الكنسية بعد مجمع خلقدونية، وذلك في سنة 325، وحضره أكثر من ثلاثمائة أسقف، وحدثت نقاشات حادة بين الأطراف المؤيدة لآريوس والتي كانت تتمثل في بضعة أفراد وبين المعارضة، وانتهى المجمع بالحكم عليه بالنفي إلى دير في إسبانيا، والجدير بالذكر وجود خصومة شخصية بين آريوس والبابا بطرس بطريرك الكرازة المرقسية، حيث حلم البابا برؤيا للسيد المسيح وهو ممزق الثياب، وعندما سأله عن الفاعل قال أنه آريوس، لذا آمن البابا أنه مهما تحول آريوس عن أفكاره فإنه سيظل إنسان شرير في داخله ويحمل الهرطقة طوال حياته، لدرجة أنه قد يتحول إلى تهديد للكنيسة بأكملها، وبالفعل قد حدث هذا، حيث تبع آريوس قطاع كبير من العامة خاصةً في مدينة الإسكندرية، ولعله أكثر الهراطقة تأثيرًا بالتوازي مع نسطور بطريرك القسطنطينية.

ميستر إيكهارت

ولد في شهر ما من سنة 1260، وهو عالم ديني وفيلسوف ومتصوف ولد في مدينة جوتا التي كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية وقتذاك وهي الآن جزء من ألمانيا، وهو من أكثر علماء الدين المسيحي تأثيرًا في العصور الوسطى، فقد أحيا فكر الفيلسوف الإغريقي أفلاطون وربط بين نظرية المثل واللاهوت المسيحي، فقال أن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى الإله عبر حواسه المادية لأن الإله أسمى من ذلك، وأنه لا يتحرك ولا يتصرف بنفس الطريقة الشائعة، بل هو يقوم بتدبير الأحداث وفق ناموس كوني منظم لا يستطيع أحد الوصول إليه، وهذا يتعارض بالطبع مع الأفكار المسيحية الشائعة وقتذاك، وبالتحديد هيمنة الكنيسة التي أرادت أن تكون الخط الواصل بين الشعب والمسيح، وقد تلقى إيكهارت تعليمه في مدارس الدومنيكان (وقد أثر على فكر الدومينيكان في القرن الرابع عشر وأدخل الحس الصوفي إليهم) في باريس وستراسبورج وكولوني، وبعد تخرجه بدأ القساوسة يصفون كتاباته بأنها إنسانية، لكن خوفهم الأكبر كان اقترابه من عامة الشعب وتوعيتهم بتلك الأفكار، ولذلك اعتبرته الكنيسة ضمن الهراطقة وألحقت به تهم الانضمام إلى جماعة دينية تدعى “البيجهاردس” تقول أن من وصلوا إلى الكمال غير قادرين على ارتكاب الخطيئة، وأيضًا جماعة “أصدقاء الله”.

الحكم على ميستر إيكهارت

في وقته لم تكن محاكم التفتيش قد ظهرت بعد، لذا تم استدعاءه بواسطة هنري فيرنبرج رئيس أساقفة الفرانسيسكان في كولونيا، وقد اعتبره فيرنبرج عدوًا شخصيًا له وللكنيسة، لذا فإن إيكهارت طالب بأن يتم الحكم عليه بواسطة البابا نفسه، فاضطر إلى المشي حوالي 800 كيلومتر (500 ميل) إلى أفينون، وهناك مات في السجن في سنة 1327 (قبل أن يتم الحكم عليه)، ولا يخبرنا التاريخ عن أية معلومات إضافية عن موته، إلا أن ما نعرفه أن البابا جون الثاني والعشرين وضع قائمة تحرم 28 مقالة كتبها إيكهارت ووصفه أنه من الهراطقة ، والمفارقة الساخرة أن البابا جون نفسه تم الحُكم عليه بتهمة الهرطقة في أواخر حياته، ومن الجدير بالذكر أن إيكهارت أثر على حركة الإصلاح البروتستانتية وهو من أهم الشخصيات الملهمة لمارتن لوثر، لكن تأثيره الأكبر ظهر في القرن التاسع عشر، وله العديد من التلاميذ نذكر منهم جون تاولر وهنري سوزو.

بيتر فالدو وكوريل جانسينس

ولد بيتر فالدو في 1140 ميلادية وتوفى في 1205، ويعرف بأسماء أخرى مثل فالديس وبيير فاوديس ودي فاو، وهو من أشهر الهراطقة في القرون الوسطى على الإطلاق، فقد قاد ثورة ضد البابوات والأساقفة مع وجود نزعة صوفية في أفكاره، وانضم إلى بعض المجموعات الصغيرة الأخرى التي كانت تعارض هيمنة الكنيسة، ولكن هذا النوع من الهرطقة لم يعتمد على التفكير الديني الفلسفي، بل على الأفكار الاجتماعية الثورية، فقد رفض دعوة رجال الدين الكبار إلى الحروب (وبالتحديد الحروب الصليبية)، والفكرة الأهم هي دعوته إلى إلغاء الرتب والدرجات في الكنيسة، وقد نجح بالفعل في إيجاد متبعين له من العامة والمفكرين، ولعل الفكرة الدينية الوحيدة في معتقادته هي رفض العهد الجديد والاعتماد على أسفار التوراة في تفسير الأمور الدنيوية. أما جانسينس فهو أسقف هولندي كاثوليكي، لكنه كان من أكثر الأساقفة تأثيرًا في تاريخ المسيحية فيما يتعلق بالبدع والهرطقات، وقد حاول أن يضيف إلى مذهبه الجديد كافة الأفكار التي يمكن أن تدعم رأيه حول الحرية البشرية ومشكلة الإرادة والجبرية، وهي قريبة إلى حد كبير من مذهب الكالفينية، وكلا المذهبين يعتبرا من الهرطقات البيّنة بالنسبة للفرق الأخرى.

ويليام الأوكامي

ويليام الأوكامي هو من أكبر المفكرين في القرون الوسطى، حيث يضعه بعض المؤرخين في مصاف ابن رشد وتوماس الأكويني، لكنه أيضًا من أشهر الهراطقة الذين هاجمتهم الكنيسة بشدة، وهو إنجليزي الجنسية ودرس اللاهوت المسيحي في جامعة أوكسفورد إلا أنه لم يكمل الدراسة، ومع ذلك فقد نشر عدد كبير من المؤلفات الهامة، وأهمها “شفرة أوكام”، وهي مقالة في علم المنطق تخلص إلى أنه في حالة وجود نظريتين متنافستين تصلان إلى نفس النتائج، فإن النظرية الأبسط هي الأفضل دومًا، وبالرغم من أن كتاباته كانت مثل كتابات علماء اللاهوت الآخرين، إلا أنه كان عقلانيًا ورافضًا لسلطة الكنيسة خاصةً في أواخر حياته، فرفض امتلاك الكنيسة والبابا لأية أراضي أو ممتلكات خاصة، وبسبب هذا تم استدعاءه في سنة 1323 في اجتماع للفرانسيسكان في مدينة بريستول لنقاش أفكاره، وبعد هذا ذهب بعض الكارهين إلى محكمة البابا في أفينون واتهموا ويليام الأوكامي أنه من الهراطقة ، لذا تم استدعاءه إلى المقر البابوي في السنة التالية ليدافع عن التهم الموجهة إليه، وبالرغم من أنه لم يتم إلقاء القبض عليه أو الحكم عليه رسميًا، إلا أنه ظل معلقًا في صراع قوي بين البابا جون الثاني والعشرين ورفاقه الفرانسيسكان. والاختلاف الرئيسي بينهم هو أن الفرانسيسكان اعتقدوا أن السيد المسيح وتلاميذه لم يمتلكوا أي شيء في المملكة الدنيوية، وكانت حياتهم متواضعة تمامًا، وقد رفض البابا تلك الآراء، فقال الفرانسيسكان أنهم في حاجة إلى حكم ليحكم بينهم، واختاروا رفيقهم ويليام ليكون الحكم، وبطبيعة الحال قال أن آراء البابا خاطئة، لكنه تمادى في الوصف وقال أن آراءه عبارة عن هرطقة، والبابا نفسه من الهراطقة .

الحكم على ويليام الأوكامي

بعد هذا التوتر الكبير هرب الأوكامي فورًا من المدينة في السادس والعشرين من سنة 1328، ولجأ إلى كنيسة الإمبراطورية الرومانية ليحتمي بها، فقد كانت في ذلك الوقت في منتصف نزاع شائك مع البابا جون، ولكن بسبب مع فعله مع البابا وخروجه من المدينة المقدسة بدون إذن فقد تم الحكم عليه رسميًا بالنفي، وظل لآخر يوم في حياته في حماية الإمبراطورية الرومانية، وقد توفى في سنة 1347، مع العلم بأنه ولد في 1285 في قرية أوكام في سري الإنجليزية وتوفى في ميونيخ التابعة لبافاريا التي تعتبر الآن جزء حيوي من ألمانيا، وإذا نظرنا إلى كتاباته سنجد أنها شملت العديد من المجالات الفكرية مثل علم المعرفة والميتافيزيقيا واللاهوت والمنطق والأنطولوجيا والسياسة. وفي القرون التالية أصبح له تأثير بالغ يماثل تأثير ابن رشد في الفلسفة الإسلامية، ويتم الاحتفال به في يوم العاشر من أبريل من كل سنة في كنيسة إنجلترا.

بييترو الأبواني

بييترو الأبواني (أو بييترو دابانواي) هو فيلسوف إيطالي وطبيب وكاتب ومنجم وخيميائي اكتسب اسمه من القرية الصغيرة التي ولد فيها والتابعة لمدينة بادوفا، وفي نهاية حياته اتهم بأنه محضر أرواح، نسبت إليه بعض الأعمال التي يرجح أنه لم يكتبها، وفي بداية حياته درس اللغة اليونانية القديمة، وفي سنة 1300 أقام في اليونان لفترة، ثم رحل إلى باريس وهناك حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة والطب، والمميز في تلك الفترة أنه أقام علاقات صداقة مع رجال ذوي نفوذ قوي في البلاد، وبالرغم من ذلك إلا أنهم لم يساعدوه كثيرًا لأنه وقف في وجه أقوى السلطات في ذلك الوقت وهي سلطة الكنيسة الكاثوليكية والبابا نفسه، ثم أقام لبقية حياته في مدينة بادوا الإيطالية، وبسبب ثروته التي تزايدت مع الوقت وانخراطه في علم التنجيم، فقد انتشرت شائعات بأنه يمارس السحر الأسود، وقيل أن أي مال يدفعه في المشاريع التي يشارك فيها لابد وأن يعود له مرة أخرى بطريقة ما.

الحكم على بييترو الأبواني

بسبب الشائعات التي حامت حوله، وجهت إلى الأبواني تهم السحر واعتبروه من الهراطقة الكبار، وتم استدعاءه مرتان للمثول أمام المحكمة، والتهمة المحددة له كانت رفض وجود تأثير الأرواح والشياطين، وقد مات أثناء انتظاره في السجن لتنفيذ الحكم وهو حرقه حيًا وذلك في سنة 1315 (وبعض المصادر تذكر أنها السنة التالية)، ولكن أصدقائه من ذوي النفوذ استطاعوا تهريب جثته من السجن كي لا يتم حرقها، لذا فقد اضطرت المحكمة إلى حرق ظله، وهو تقليد شائع في العصور الوسطى، وبدأ في مقاطعة ساكسونيا الألمانية، وعرف باسم قانون ساكسونيا، وهو يقضي بأنه في حالة قيام أي شخص بجرم فظيع فإنه يتم قطع رقبته، أما إذا كان الشخص تابعًا لطبقة النبلاء فقد كانوا يأتون به في وقت تكون فيه الشمس حاضرة ويأتي السياف ليقطع رقبة ظله في محاكمة هزلية، وهذا ما حدث لبييترو الأبواني حيث حرق ظله، ولكن بعد 40 سنة قامت السلطات بنبش قبره واستخراج جثته ثم حرقها، واعتبرت كتبه ضمن الكتب المحرمة، وامتازت كتابات بييترو بالتجديد وبشكل خاص في الأفكار الفلسفية والطبية للعلماء العرب مثل ابن رشد وابن سينا وغيرهما، وتتكون أعماله من مئات المخطوطات التي ظهرت فيما بعد في القرون التالية وحصلت على الاهتمام الأكبر في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وقد حاول بييترو أن يمحي التناقضات العديدة التي نجدها في كتابات أرسطو في الفلسفة الطبيعية وبين الآراء التجريبية التي كتبها العلماء العرب.

شيسكو الأسكوالي

ولد شيسكو الأسكوالي (أو شيسكو داسكوالي) في سنة 1257 وتوفى في السادس والعشرين من 1327، واسمه الأصلي هو فرانشيسكو ديجلي ستبايلي، وشيسكو هو الاختصار اللاتيني لفرانشيسكو، وهو عالم موسوعي ساهم بالشكل الأكبر في الطب والشعر، وقد ولد في مدينة أسكولي بيتشينو التابعة لإقليم ماركي في وسط البلد، وهي من أكثر المدن الإيطالية التي اشتهرت بالتوترات الاقتصادية والسياسية، وقد حظي الأسكوالي في فترة ما من حياته بشرف خدمة بابا كنيسة الفاتيكان، وأصبح صديقًا للشاعر الشهير دانتي (لكنهما تحولا إلى عدوين لدودين بعد ذلك)، ومع مرور الأيام ظهرت الهرطقات في أفكاره، وأولها أفكاره عن أعمال الشياطين التي خالفت التقاليد الثابتة وقتذاك، وتعرض بسببها إلى غرامة قدرها 70 كرونة وطُلب منه التوسل والصلاة من أجل العفو، وكي يهرب الأسكوالي من هذه العقوبة فقد سافر إلى فلورنسا في سنة 1324، لكنها كانت حركة غير موفقة، حيث وجد هناك أعداء سابقين له (وجدد أيضًا بسبب أفكاره الغريبة)، وهناك أوقعوا به واتهموه بأنه من الهراطقة ، وبالفعل تمت محاكمته في 1327 وتم حرقه وهو في عمر السبعين.

فيلجارد الرافيني

لم يكن من المفكرين، بل كان مجرد عالم يملك شهرة محدودة جدًا بين مواطنيه، إلا أن أفكاره كانت استثنائية، فقد كان مهووسًا بالشعراء الرومان الكلاسيكيين، وفي وقت ما من سنة 970 شهد الرؤيا التي غيرت حياته، حيث حلم بأرواح أكبر الشعراء مثل فيرجيل وغيره، ومدحه الشعراء أجمعين واعتبروه من المختارين وقالوا أنه سيكون مشهورًا مثلهم، وبعد الحلم تغير فيلجارد وأصبح يتحدث بترهات غريبة، فمثلاً قال أن قصائد الشعراء كلها نصوص مقدسة ويجب الإيمان بها كما الكتاب المقدس، ويتوجب على كافة الناس دراستها، مع ملاحظة أن هؤلاء الشعراء كانوا وثنيين، وبسبب هذا اعتبرته الكنيسة من الهراطقة وتم الحكم عليه بالإعدام عن طريق أسقف المدينة، لكن على ما يبدو فإنه قد أثر في مجموعة غير قليلة من الناس وذاع صيتهم في مدينة ساردينيا.

إيون الإيتولي

نتحدث هنا عن شخص غير عادي من الهراطقة ، فهو ليس بمفكر أو عالم دين، بل محارب متوحش. بدأت قصة إيون بعد فترة غير طويلة من المجاعة التي حدثت في سنة 1145 والتي ضربت مدينة بريتاني الواقعة في الشمال الغربي لفرنسا والتي كانت مملكة مستقلة وقتذاك، حيث أعلن إيون نفسه ابنًا للإله وكوّن كنيسته الخاصة، بل لدرجة أنه عيّن أساقفة له في ثلاث مراتب هي “الحكمة، الحُكم، المعرفة”. وادعى أن الرب يملك ثلث العالم فقط والباقي يملكه هو، وما يميزه أنه استطاع جمع عدد غفير من التابعين (ولعل هذا يعود إلى ظروف المجاعة القاسية) وحولهم إلى جيش وحشي يتهجم على الأديرة والكنائس في المملكة. لكن بعد ثلاث سنين فقط تم القبض عليه وتعريضه إلى الجوع حتى الموت وكذلك تابعيه الذين رفضوا الارتداد عن معتقداتهم الجديدة.

علي سعيد

كاتب ومترجم مصري. أحب الكتابة في المواضيع المتعلقة بالسينما، وفروع أخرى من الفنون والآداب.

أضف تعليق

ثلاثة × خمسة =