تسعة مجهول
المرآة
الرئيسية » ظواهر » المرآة : هل يتسبب النظر في المرآة في الإصابة بالمس ؟

المرآة : هل يتسبب النظر في المرآة في الإصابة بالمس ؟

تدور الكثير من الأقاويل عن علاقة المرآة بالمس، لكل أي من هذه الأقاويل صحيح وأيها خاطئ؟ في السطور المقبلة سوف نستكشف ذلك بسهولة.

هل سمعت قصصًا عن إصابة بعض الأشخاص بالمس بعدما طالعوا أنفيهم في المرآة ؟ المجهول دائمًا ما يثير فينا إما خوفًا أو فضولًا، ولكن ينتج عنه غالبًا حكايات تتضارب بين الخيال والواقع، الصدق والكذب.. فلا تستطيع التفريق بينهما، لتبقى تلك ملفات مجهولة، ليس لك أن تفتحها أو تتعمق في البحث عنها، وإلا عليك أن تتحمل عواقب الخوض فيها!

المرآة وعلاقتها بالمس والتلبس

بداية القصة

ربما قد حذرتك والدتك يومًا ما من إطالة النظر في المرآة لأنك قد تصاب بالجنون، أو لأنك لا تعلم ما قد تجلب المرآة ، أو ربما لأن أحدهم يتربص بك خلف هذا الزجاج وأنت لا تدري، ربما قد يجلب النظر فيها قرينك، أو ما يدعي بالجن العاشق، أو غيرها من الأمور، فوقْعُ تلك الكلمات في نفوسنا ستصيبنا بالفزع حتمًا وإن لم نكن نؤمن بأيٍّ منها، ولكن أنى لك أن توقف خيالك عن التحليق بعيدًا؟! فالخوف حقيقة تلازم الإنسان طوال حياته، لذا فإنك غالبًا ما ستقع أسيرًا لهذه الأشياء، ربما سينتابك الفضول لتختبرها، أو ربما ستكره النظر في المرآة إلى الأبد!

قصص مرعبة

انتشرت الكثير من القصص حول هذا الأمر.. كما أن الكثير من الكتاب والمؤلفين قد اعتمدوا على المرآة في قصصهم المرعبة، وأفلامهم الأشد رعبًا.. فهي تعتبر مادة خصبة لهذا الأمر، ولا يخفى علينا الفيلم الأجنبي الشهير “المرايا” الذي صدر في أغسطس لعام 2007م في الولايات المتحدة، لمؤلفه “كيم سيونغ هو” الذي تحكي قصته عن رجل يدعى “كارسون” الذي كان يعمل كحارس ليلي لمستشفى أمراض عقلية قديمة جدًا، والذي تبدأ رحلته مع المرايا هناك، ربما إن شاهدته سينتابك الخوف إن مررت إلى جانب مرآة ما، ربما إن صادفت سطحًا زجاجيًا على الأغلب، ولكن تبقى قصة هذا الفيلم ضربًا من الخيال؛ فالأمر ليس كفيروسٍ ما قد يصيب المرايا ويسبب المشكلات والرعب، ما يخبرونك به في الواقع أمرًا آخر، عندما يكون الحال حديثًا عن تلك الأمور من المس أو الجنون، أو العالم الآخر بلهجة لا علاقة لها بالمزاح، فإنه لا يحتمل العبث أو المزاح!

ولكن هل بالفعل تعتقد أن النظر في المرآة يصيب الإنسان بالمس؟

أعتقد أننا لا نملك سوى أن نقوم بسرد ما يصل إلينا من الأحداث، لأن حتمية تلك الأمور ستظل أخبارًا تذكر، وليست علمًا أو حقائق، هي أشياء مختلف عليها، فهي أشبه بالخيال.. هي غيبيات، والمس أمرٌ لا ننكره في ذاته، فإن السحر والحسد وغيرها أمورٌ قد نراها في حالات أمامنا، وهي موجودة في الأديان السماوية، ولكن تبقى حقيقتها أو كيفيتها أمر مجهول، لا يتعدّ حدود الاجتهاد، فأنت ربما لن تصدق من يحدث له شيئًا كهذا، سيأتي في ذهنك أنه ربما قد أصيب بالجنون، أو أنه يتخيل، أو يكذب.. ولكننا نتفق جميعًا أن إطالة النظر في المرآة ليس سلوكًا محمودًا، كما أن ما يصاحب تلك العادة من نظر المرء إلى نفسه متغزلًا في جمالها، أو الوقوف عاريًا أمامها ليس أمرًا أيضًا يُحمد عليه، وهو ما يثبته أنك في الإسلام عليك أن تذكر الله حين تخلع ملابسك، وربما قد سمعت عن خرافات وحكايات عن الجن العاشق الذي قد يمس من يتغزل في نفسه، أو يسير في بيته عاريًا، فيقع في حبه هذا الجن، خاصةً عند النساء.. وتلك الأمور التي تحدث للبنت إن عشقها جن ما، والروايات التي اتخذت من هذا الأمر منبعًا خصبًا، وتلك التي تتحدث عن عدم النظر في المرآة ليلًا لأنها قد تجلب القرين، أو عدم إطالة النظر في المرآة بعد المغرب وغيرها، ولكن أيًا كان سيحتم علينا فقط الحذر من هذا الأمر، فإنه وإن لم يكن سيؤذيك حقًا إلا أنه ربما يُصيبك فعلًا بالجنون.. فقد تقع في عشق نفسك، هذا الذي ربما يتطور ليصيبك بخلل أو اضطرابٍ نفسي! ربما سمعت يومًا عن النرجسية (حب الذات)، أو البارانويا (جنون العظمة)؟

ماهي النرجسية؟

النرجسية وتعني حب النفس، وهي اضطراب في الشخصية، حيث ترى صاحبها يمتاز بالغرور والتعالي، وعشق الذات، ومحاولة جذب الاهتمام على حساب الآخرين، وهذا المصطلح قد نسب إلى أسطورة يونانية الأصل، مأخوذة من زهرة النرجس، تحكي فيها أن شخصًا ما يدعي “نارسيس” المعروف باسم “نرجس” كان آية في الجمال، وعشق نفسه عشقًا شديدًا، حتى مات نتيجة نظره إلى انعكاس صورته في الماء، وكان أول ظهور لهذا المصطلح في الأدب السيكولوجي على يد “أليس” 1898م، وكان في بدايته دليلًا على الميل إلى الانفعالات الجنسية، ثم تغير فيما بعد ليشير إلى حب الذات.

وبالنظر إلى زهرة النرجس، فإن شكلها الخارجي ما هو إلا صورة عن الأسطورة التي ذكرناها، فسوف تراها مائلة قليلًا كأنها حزينة ربما، وكانت الأسطورة تقول بأن “نركسوس” وكان شديد الجمال، شديد التباهي بنفسه، وكان قد خرج يومًا إلى نهر “كفيسوس” وزوجته “ليروبي” وهي حورية بحر، في رحلة صيد مع رفاقه، وعندما شعر بالتعب جلس على ضفاف النهر، ولا يعلم أن هناك من يراقبه، فقد كانت تجلس على الجانب الآخر من النهر فتاة تدعي “إكو” وكانت من المعجبات به، وكانت أقل منه جمالًا، إلا أنها كنت تكن له عشقًا خاصًا، ومن أجله قد أصابها مرض العشق، وأصابها الحزن الشديد، وصارت تذبل شيئًا فشيئًا حتى فارقت الحياة، وتزعم الأسطورة أن الآلهة قد عاقبت هذا الفتى عقابًا شديدًا بأن جعلته يعشق نفسه، فيعشق انعكاس صورته في النهر، ليأخذ ساعات طويلة في النظر إلى تلك الصورة، حتى أصابه خلل نفسي بأن أصبح مريضًا بحب نفسه، ومن ثم أصبح جنونًا مطلقًا، وكان يستمر في التردد على تلك البركة، وقد وصل به الإفراط في حب ذاته إلا أن ألقى بنفسه في البركة ذات يوم حتى يستطيع الإمساك بصورته، إلا أنه قد غرق ومات، ثم ظهرت مكانه زهرة سميت على اسمه “نرجس”، ومنذ ذلك الحين وأصبحت النرجسية تشير إلى عشق الذات، أو افتنان المرء بجسده، أو عبادة نفسه، أو عشقها عفوًا، ولن يخفى علينا وجه الشبه الذي يكمن بين النظر في المرآة طويلًا، وتلك القصة الأسطورية التي بين أيدينا، فربما قد أصابك النظر في المرآة إلى الافتنان بذاتك حتى تصل إلى تلك الدرجة من العشق، ولكن لا يقف الشخص النرجسي على حدود عشق ذاته فقط بل إن الشخصية النرجسية شخصية مريضة، يختلف التعامل معها عن التعامل مع الأشخاص الأسوياء، فستجد الشخص النرجسي مغرورًا، أنانيًا، مُفرطًا في حب ذاته، مهتمًا بالحسد والغيرة، فيرى الجميع يحسدونه أو يغارون منه، لما يرى في نفسه من مثالية، وجمال، وذكاء.. والنرجسية مرضٌ شائع بين الحكام، والرؤساء، والأشخاص ذوي السلطة والنفوذ.. فهذا يقوي فيهم النزعة لحب الذات، وهو الذي قد يتحول إلى جنون عظمة أو “بارانويا”.

ما هي البارانويا؟

هي التي يخيل إلى صاحبها أنه يمتلك استثناءات وملكات خاصة، فهو مميز أو مختلف عن غيره أو يمتلك صفات خارقة، أو أن الآخرين دونه دائمًا، وهي أشياء لا يمتلكها في الواقع، فهو يسرد وقائع خيالية للهروب من الواقع، فهو يعتبر مرض نفسي خطير جدًا، فترى المريض بجنون العظمة يحتقر من حوله، ويعتبر نفسه صاحب نفوذٍ ما، وهو مصطلح تاريخي مشتق من “ميغالومانيا” وهي تعني: وسواس العظمة.

وبالنظر إلى تلك المصطلحات فإن إطالة النظر في المرآة لا ينتج عنه مجرد عشق للذات المفرط، بل ينتج عنه جنونًا أحيانًا كثيرة، فإن نتائج النظر في المرآة لا تنتج فقط مسًا إن اعتمدناه لدينا، ولكن أيضًا جنونًا هذا الذي ربما تعتقد أن صاحبه قد يكون ممسوسًا، وللطب النفسي في هذا الأمر باعٌ طويل.. فحقيقة ما إذا كان المرء مصابًا بخللٍ نفسي أو بالفعل ممسوس يتعارض فيها الطب وتلك العلوم التي تتعلق بالجن وهذه المسائل، فكل منهم يحاول إثبات وجهة نظره، فربما أثبت أنه يمكن للمرء أن يتحدث بأكثر من صوتٍ في آن واحد عن طريق تحريك كل حباله الصوتية إن استطاع، مثل ما حدث في فيلم الرعب الأجنبي “طرد الأرواح من إيميلي روز” حيث تعارض فيه رجل الدين مع الطبيب النفسي، وكانت تلك حجة الطبيب النفسي، في حين أن رجل الدين كان يخبره أنها فقط كانت ممسوسة، في حين يصر الطبيب النفسي أنها تعاني من مرض نفسي.

وإن كان النظر في المرآة ينتج جنونًا أو مسًا فهو ليس بشيء جيد إن كان بطريقةٍ مرضية، لا عجب فإن المغالاة في الشيء لا يجني صاحبها إلا التعاسة.

حازم محرم

طالب بالفرقة الثالثة كلية طب الفم والأسنان، وأتدرب حاليًا ومُنذ عام على العمل كمُترجم حُر وتابع لأكثر من مكان عمل آخر، شغوف بالقراءة والموسيقى.

أضف تعليق

عشرين − 9 =