كانت الطائرة الماليزية بوينغ حتى وقت قريب حديث العالم بأكمله، بل يمكن القول أنها رفعت حالة الطوارئ إلى درجاتها القصوى في أكثر من اثني عشر دولة، سخرت طائراتها وسُفنها للبحث عن تلك الطائرة التي اختفت فوق المحيط الهندي بعد أقل من ساعة من الإقلاع، وهي تحمل أكثر من مئتين وخمسين شخصًا، من المسافرين وطاقم الطائرة، كانوا جميعًا متوجهين من ماليزيا إلى بكين في الرحلة الثلاثمائة بعد السبعين، اختفت بونيغ، أم تحطمت، أم خُطفت، لا أحد يعلم حتى الآن، لكن الشيء المؤكد، أن تلك الطائرة، جعلت العالم يسأل سؤالًا واحدًا طوال عام كامل، الطائرة الماليزية بوينغ، أين فُقدت ومتى تظهر؟
الطائرة الماليزية والقصة الكاملة ورائها
بداية الرحلة
في صباح الثامن من مارس عام 2014، في الواحدة إلا الثلث تحديدًا، انطلقت الطائرة بوينغ برحلتها 370 من العاصمة الماليزية كوالالمبور، حيث كانت متجهة إلى مدينة بكين عاصمة الصين، وكانت السادسة والنصف هي الوقت الذي تم تحديده لوصول هذه الرحلة، لكن هذا لم يحدث.
فقدان الطائرة
في الثالثة إلا الثلث صباحًا، وبعد نحو ساعتين من الإقلاع، أكد فريق المراقبة التابع لشركة بوينغ للطيران أنه قد تم فقدان الاتصال مع الطائرة التي تحمل رحلتها الرقم 370، وكردة فعلٍ طبيعية، تم نشر الخبر، وإذاعته في الأخبار العاجلة، وبدأت التكهنات بتحطم الطائرة تفرض نفسه، لكن ما لم يكن طبيعيًا أبدًا هو ما حدث بعد ذلك.
عدم فقد الاتصال
رغم أن فريق المراقبة التابع لشركة بوينغ للطيران قد أكد أنه قد تم قطع الاتصال بينه وبين الطائرة بعد ساعتين من الإقلاع إلا أن ذوي بعض الركاب قد أكدوا أن الهواتف المحمولة وحسابات الفيس بوك الخاصة بزويهم بقيت في حالة اتصال لمدة أكثر من ست ساعات، إلا أنهم لم يستطيعوا الرد على اتصالاتهم، وفي حالة صدق هذه الشهادة فإنا احتمالية اختطاف الطائرة تفرض نفسها وبقوة، وما يؤكد ذلك تلك الرسالة التي وصلت من قمرة الطائرة.
الإعلان عن تحطم الطائرة
في الساعات الأولى لليوم التالي لاختفاء الطائرة أكد سلاح البحرية الفيتنامي أنه قد شاهد تحطم الطائرة في خليج تايلاند، ورصد القمر الصناعي الصيني أيضًا تحطم طائرة، وقال أن القطع التي تحطمت من الطائرة كانت بحجم أربعة عشر مترًا، لكن وزير الطيران الماليزي خرج وأكد أن شهادة الصين وفيتنام ليست صحيحة، وأن القطع المحطمة التي شاهدها كلا الطرفين لا تخص الطائرة الماليزية بوينغ.
سرب الطائرات الدولي
مع اختفاء الطائرة الماليزية ووجود بصيص من الأمل في نجاتها، أعلنت اثنا عشر دولة إرسال طائراتها للبحث مع الطيران الماليزي، وكان على رأس تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند، وقد كان لكل من هؤلاء الثلاثة مبرراتهم الخاصة التي دفعتهم إلى مساعدة الطيران الماليزي.
1- الولايات المتحدة الأمريكية، المسئولية الدولية
مع كون الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من الدول العظمى التي تتصدر المشهد القيادي لهذا العالم لم يكن هناك بدٌ من مساندة الطيران الماليزي وتأدية مهمتها القيادية، وقد سخرت الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث طائرات وسفينتين للبحث، واستمرت في ذلك أكثر من عشرة أيام حتى فقدت الأمل.
2- الصين وبصيص من الأمل
كانت الصين صاحبة نصيب الأسد من ركاب هذه الطائرة، حيث كانت الرحلة بحكم توجهها لبكين تعج بالصينيين، والذين تجاوزوا نص أعداد الركاب، وقد خرج رئيس الوزراء الصيني وأكد صراحة أن بلاده ستبذل أقصى جهد ما دام هناك بصيص من الأمل، وأرسل قاربا إنقاذ تابعين للبحرية الصينية، كما أرسلت مروحتين لتمشيط سماء المحيط الهندي.
3- الهند وصلة القرابة
كان الشك في وقوع الطائرة الماليزية بالقرب من الحدود الهندية سببًا في مشاركة الهند بعملية السرب الدولي، حيث أرسلت ثلاث بوارج وثلاثة طائرات للمساعدة في البحث، وقد قامت الهند بتولي مهمة تمشيط جزر اندمان ونيكوبار وشرق جزر الهند بأكمله، ولم تسفر عملية البحث هذه عن أي شيء أيضًا.
حقيقة الاختفاء
مع زالت التكهنات التي صاحبت سقوط الطائرة موضع شك، خاصة وأن أغلبها قد صدر عن جهات غير رسمية، لكن ثمة احتمالات قد لا تخرج عنها الحقيقة، أهمها:
1- خطف الطائرة، الاحتمال الأكبر
إن ما يجعل خطف الطائرة الاحتمال الأكبر هو عدم العثور على الأجزاء المتحطمة أو أي أثر للطائرة، كذلك اكتشاف سرقة ثلاث جوازات سفر من ركاب أصليين وانتحال شخصياتهم من آخرين والسفر بدلًا منهم، وتأكيد ذوي الضحايا أنهم كانوا على اتصالٍ بذويهم حتى ست ساعات من عملية الاختفاء، وأن هواتفهم وبريدهم كانوا مفتوحين لوقت طويل، وليس مجرد الساعتين التي أعلنت عنهم شركة الطيران الماليزية، وإن كان هذا الاحتمال قد يتم رده دفعة واحدة بعدم اتصال أيًا من الخاطفين للمساومة، أو إعلان أي جهة أو منظمة مسئوليتها عن الحادث، وهذا ما يتنافى مع الخطوات المُتعارفة من الخاطفين، بل ويتنافى مع العقل أيضًا.
2- تنفيذ عملية انتحارية، احتمال مصحوب بدليل
بعد إقلاع الطائرة الماليزية بدقائق وصلت رسالة من قمرة الطائرة إلى فريق المتابعة، قيل في بداية الأمر أن تلك الرسالة كانت تقول تصبحون على خير لفريق المتابعة، ولا يستجلب هذا الأمر أبدًا الشكوك، لكن إذا أضيفت جملة “أيتها الطائرة 360” خلف جملة تصبحين على خير يُصبح الأمر مختلفًا تمامًا، وهذا ما حدث.
في بيان مقتضب ألقته وزارة الطيران المدني بعد الحادثة بأيام أكدت فيه أن الجملة الصحيحة التي تلقتها فرقة المتابعة من قمرة الطائرة المختفية هي تصبحين على خير أيتها الطائرة 360، وبعدها انقطع الاتصال، وانقطع الأمل الأخير في بقاء أفراد الطائرة على قيد الحياة، لآن كلمات زهاري أحمد شاه قائد الطائرة تعني أنه كان يُخبر الركاب بأنه مقدمٌ على عمليةٍ انتحارية، ويبدو أن المعطيات تؤكد أن هذا ما حدث فعلًا.
3- سقوط الطائرة، الاحتمال الراجح
الاحتمال الأرجح والبديهي، والذي لا يفتح مجالًا للشك أو التخوين، هو سقوط الطائرة إثر عطل فني طبيعي، أدى إلى خلل في جهاز التحكم ومن ثم سقوطها وتحطمها، وأن كل ما أُثير نتج عن عدم العثور على هذا الحطام، وفتح كثير من الأبواب لعددٍ غفيرٍ من التكهنات ليس لها أساسًا من الصحة، ورغم أن سقوط الطائرة إثر عطل فني يُعد وصمة عارٍ في الطيران المدني الماليزي، إلا أن الحكومة الماليزية خرجت لتؤكد ذلك وتأسف عليه بعد أكثر من عامٍ على حدوثه.
القول الفصل
القول الفصل في حادثة الطائرة الماليزية هو قول الحكومة الماليزية، والتي خرجت في منتصف عام 2015 تقول على لسان رئيس وزرائها نجيب رزاق أنه تم العثور على حطام الطائرة بالقرب من جزيرة رينيون القريبة من مدغشقر والتابعة لفرنسا، وأن هذا القول الفصل جاء بعد أن قام فريق من الخبراء الدوليين بدراسة وتحليل الحطام الذي تم العثور عليه، وثبت فعلًا أنه ينتمي إلى الطائرة الماليزية 370.
بعد يومين خرجت شركة بونيغ وأكدت أنه قد تم إبلاغ أسر الركاب بأنه – وبكل أسف- لم يبقى أي شخص ممن كانوا في الطائرة على قيد الحياة، لينتهي بذلك رسميًا لغز الطائرة الماليزية، التي ظل العالم طوال عامٍ كاملٍ يسأل، أين فقدت ومتى تظهر؟
أضف تعليق