الاسترفاع هي ظاهرة غريبة عجز العلم عن تفسيرها، يقوم الشخص الذي يمارس الاسترفاع بالتخلص من تأثير الجاذبية الأرضية، ويرتفع فوق الهواء أو فوق الماء أو غير ذلك. في عالمنا الغريب هذا وعلى مر العصور ظهرت العديد من الظواهر والأشياء الغريبة وكثيرٌ منها كان البعض يدّعي تفرده بها وقدراته الخارقة دون غيره على القيام بها، كثيرٌ من تلك الظواهر لم يظهر لها تفسيرٌ علميٌ واضحٌ حتى اليوم، أو لنكون أكثر دقةً فإن التفسيرات العلمية والإنكارات من جانب العلماء كذلك منتشرةٌ وموجودةٌ لمن يريدها، إلا أن القضية الحقيقية تكمن في وجود جمهورٍ كبيرٍ لبعضٍ من تلك الظواهر يؤمن بها وبقوتها الخارقة ويرفض رفض العلماء واستنكارهم ومحاولتهم تحويل ما يراه هو شيئًا روحيًا أو غامضًا لنظراتٍ فيزيائيةٍ أو علميةٍ تعكر عليه صفو سعادته بالظاهرة الخارقة، لا يمكن أن تثبت خطأ أحد الطرفين ولا كليهما ولا يمكن أن تنحاز لطرفٍ دون أن تظلم الآخر وكما أنك وجدت حرية الإيمان بشيءٍ فالآخر لديه نفس الحرية، بعض تلك الظواهر كانت أقل من إثارة ضجيجٍ لا حاجة له بينما البعض الآخر كان جديرًا بقيام واحدٍ من تلك الصراعات القوية والشهيرة بين العلم والخوارق، وكانت ظاهرة الاسترفاع واحدةً من تلك الظواهر.
الاسترفاع : واحدة من أكثر الظواهر الروحية غرابة
الاسترفاع
ما هي ظاهرة الاسترفاع أولًا وما المثير فيها بهذا القدر؟ إنك ترى الطائر يملك جناحين يسبح بهما في الهواء فتحسده وتنظر لقدميك المثبتتين بالأرض غير قادرتين على تركها فإن تركت واحدةٌ الأرض لزمك أن تستند على الأخرى، وإن أردت رفع الاثنتين جلست وإن أردت ألا تمس الأرض للحظةٍ قفزت، لكن الجاذبية تعيدك كما تعيد غيرك من الأشياء إلى الأرض ثانيةً كأنها تذكرك ألا مهرب لك منها، مثيرةٌ كانت جاذبية القمر بالنسبة إلينا لأنها أقل من جاذبية الأرض ولا تعادل إلى سدسها فحسب فتعطيك إحساسًا بالطيران المؤقت بين كل قفزةٍ وأخرى، لكن ماذا عن قدرةٍ فريدةٍ وظاهرةٍ غريبة بدأت منذ ما يقارب القرن وربما من قبله تفرض نفسها على واقعنا وتثير التساؤلات والعجب والدهشة والاستنكار والصراعات ما بين مصدقٍ ومنكرٍ بها، ظاهرة الاسترفاع هي ببساطةٍ ظاهرةٌ استطاع فيها البعض استعراض قدرته على الطفو في الهواء بعيدًا عن الأرض بسنتي متراتٍ قليلةٍ أحيانًا، لكن البعض وأمام جمهورٍ غفير كان قادرًا على رفع نفسه مسافة أمتارٍ عديدة ولوقتٍ وصل لعدة ساعات! بل إن البعض تجاوز رفع نفسه عن الأرض محطمًا قوانين الجاذبية وساخرًا من علماء الفيزياء وقوانينهم ليرفع الأشياء والجمادات من حوله بنفس تلك الطريقة الغريبة الغامضة، كانت تلك الظواهر قديمةً ومنتشرةً عبر التاريخ وليست ابتداعًا حديثًا ابتدعه البعض في عصر التكنولوجيا والتطور، بل إن هناك بعض الشخصيات عبر التاريخ اقترن اسمها بتلك الظاهرة الغريبة واشتهروا بها وبقدرتهم على تنفيذها في أي وقتٍ ومكانٍ وأمام أي أحدٍ وبدون تجهيزاتٍ مسبقةٍ ولا إعداداتٍ أمام جمعٍ غفيرٍ من الشهود الذين كان بعضهم من مشاهير التاريخ موثوقي الروايات والأقوال، ومات هؤلاء ومات السر معهم ولم يبدُ أن أحدًا كان قادرًا على كشف سرهم في حياتهم ولا حتى بعد موتهم.
الاسترفاع والطاقة الروحية
كانت الطاقة الروحية هي أولى ما اتجهت إليه الأذهان والأنظار عند ظهور تلك الظاهرة وشيوعها وظهور أصحابها الذين لم يكتفوا بها كقدرةٍ خارقةٍ وحدها، وإنما ادّعوا امتلاكهم للمعجزات والقدرات الخاصة والروحية الخاصة بهم والتي كان الاسترفاع نتيجةً لها أو واحدًا من ضمنها، وعند الحديث عن الطاقات الروحية وما يمكن أن تحدثه من أشياء وظواهر غريبة فلا يمكننا إغفال ذكر اليوجا أو زن قرينتها اليابانية، تلك الممارسات الجسدية الروحية التي تهدف لتقشيف الجسد وتهميشه وإعلاء الروح وجعلها تطفو وتصبح أكثر تحكمًا وتأثيرًا حتى تلغي الجسد، فلم يكن من الغريب أبدًا أن يوجد الاسترفاع من بين ظواهرها التي تحدثها تجليات الروح وتبلورها وسوادها فوق الجسد حيث تعلو قدرات الروح على الطفو على استجابة الجسد للجاذبية وعندها بدلًا من أن يخضع الإنسان لفيزيائية جسده فيتأثر بالجاذبية فهو يخضع لخفة روحه فيطفو في الهواء بعيدًا عن الأرض مثلها، وكمثل اليوجا والزن فكانت الأحاديث الروحية تبدو وكأنها تستفيد من بعض النظريات العلمية كتجاذب وتنافر الشحنات، فبعض الروحيين يعطون اهتمامًا كبيرًا لطاقات الجسد وشحناتها ويعتبرون الأرض ذات شحنةٍ موجبة بينما كل ما عليها هو شحنةٌ سالبة، وبحسب قوانين الفيزياء البسيطة فاختلاف الشحنة يسبب التجاذب بينهما وارتباط الأرض بالجسد، إذًا فإن الإنسان في بعض الممارسات الروحية لو تمكن من التحكم بطاقة جسده وتحويلها من سلبيةٍ لإيجابيةٍ فسيكون قادرًا على التنافر مع شحنة الأرض الموجبة وبالتالي الابتعاد عنها والطفو في الهواء بلا عوائق.
الاسترفاع والدين
وذكرنا للجانب الروحي الذي ارتبط به الاسترفاع يجعلنا نتجه إلى الجانب الدين وهو أحد الجوانب الروحية إلا أنه اتخذ طابع المعجزات والرسائل الإلهية وطريقةً للتعبير عن درجة التدين أو الاقتراب من الله وغيرها من هذه المعتقدات على تلك الشاكلة، كان بجانب اليوجا وزن شقيقتهم وجارتهم البوذية والتي اشتهر عن بوذا أنه كان يسير على الماء عندما يدعو الناس للدخول في البوذية والإيمان به وبها، ومن جانبٍ آخر تمكنت ظاهرة الاسترفاع من جانبٍ دينيٍّ كبيرٍ في الديانة المسيحية ونال الرهبان جزءًا غير يسيرٍ من تلك القصص والروايات، فكثيرٌ من الرهبان عبر التاريخ ورد عنهم القدرة على الطفو والطيران والاسترفاع خاصةً أثناء لحظات العبادة الروحية الخالصة التي ينفصل فيها الراهب تمامًا عما حوله تاركًا جسده ينفصل عن جاذبية الأرض، الهندوسية كديانةٍ أخرى كان أكثر ما اشتهرت به هو الاسترفاع وأن القدرة على القيام به هي درجةٍ من درجات الترقي لدى الكهنة عندهم، كانت اليهودية دين موسى الذي جاء لفرعون وأرض السحرة أي الأرض التي ادعى الناس فيها إحياء الموتى وتحويل العصي لثعابين والطفو في الهواء والمشي على الماء، فقيل أن الاسترفاع ورد لديهم ونال جزءًا من ديانة اليهود اليوم، حتى الإسلام لم يسلم من هذه الظاهرة في اعتقاد الصوفية الذين يرون قمة الانفصال عن العالم وملذاته وشهواته والترفع عن الدنيا واتصال القلب والروح مع الله ستصل بك إلى حالةٍ ستعلو وتطفو فيها فوق الأرض ولو عدة سنتي متراتٍ فحسب.
الاسترفاع والسحر
ظاهرةٌ محيرةٌ ومثيرةٌ كهذه نالت نصيبها من كل جانبٍ من جوانب الحياة وجذبت انتباه كل فصيلٍ من فصائل المجتمع وكانت بالضجة العارمة تلك والانتشار الغريب بين المجتمعات وعلى مر العصور، كان من الطبيعي أن تجد لها جمهورًا ضخمًا متباينًا من كل المعتقدات ليخرجوا لها بجميع التفسيرات، وكما التفسيرات السابقة فالسحر والشعوذة كان لهما نصيبٌ غير هينٍ أبدًا من تلك الضجة، إن لم تكن مؤمنًا بالقدرات الروحية وغيرها من الجوانب والتفسيرات السابقة وتسمع عن شخصٍ يدّعي القدرة على الطفو في الهواء أو ربما ترى بنفسك تلك القدرة وأنت من المؤمنين بالسحر والشياطين وبالقدرات الهائلة التي قد تحدثها أشياءٌ شريرةٌ شيطانيةٌ كهذه إذًا فإن تفسيرك الطبيعي لها سيكون بهذه الطريقة، رأى البعض أن تلك القدرات ما هي إلا من أعمال السحر والشعوذة أو بالاتفاق مع الجان والشياطين أو حتى الكائنات الشريرة المجهولة التي لا يمكننا أن نراها لكنها موجودة وهؤلاء السحرة على قدرةٍ عاليةٍ على التواصل معهم، وكثيرون اتجهوا بأنظارهم لهذه الظاهرة بنظرةٍ مغايرةٍ ومضادةٍ تمامًا للروحانيين، فعندما رأى الروحانيون القادرين على الاسترفاع أشخاصًا مباركين وأصحاب كرامات كان المؤمنون بالسحر يرونهم ممسوسين أو ملبوسين يحتاجون للتخليص من هذا المس والسحر والتحرر منه، وأن الاسترفاع ماهو إلا علامةٌ ودلالةٌ على قوة شرٍ خالصٍ تشعّ منهم.
الاسترفاع والخداع
ومن كل التفسيرات الروحانية والسحرية والخارقة اتجاهًا للفصيل الذي لا يؤمن بأي شيءٍ خارقٍ أو لا يخضع لقوانين الطبيعة ويشذ عنها بشكلٍ مثيرٍ للحنق والغضب عند البعض منهم، وللسخرية فإن هؤلاء الفصيل عبر الزمن كانوا أكثر فصيلٍ قادرٍ على إثبات صحة رأيه ووجهة نظره وإظهار حيل وخداع الكثير من المخادعين والمدعين، والحقيقة أن إحدى فترات القرن التاسع عشر كانت عامرةً بهؤلاء المخادعين الذين استخدموا الحيل المختلفة الرديئة أحيانًا والذكية أحيانًا أخرى لادعاء القدرة على الاسترفاع والطيران، كثيرون منّا شاهدوا عروض السحرة والسيرك حينما يقوم الساحر أثناء عرضه برفع جسد فتاةٍ نائمةٍ أمامه فيجعله يطفو تمامًا في الهواء بلا أي جهد، ثم يمرر حلقةً كبيرةً من حولها ليثبت أنها غير معلقةٍ بأي شيء، بالطبع تلك الخدعة واحدةٌ من أشهر الخدع في تاريخ عروض السيرك والسحر وتم تفسيرها بشكلٍ علميٍّ تمامًا وأظهرت الأدوات المستخدمة والأسلاك الخفية كغيرها من كل الخدع السحرية الجذابة، لكن البعض كان يعتقد أنه قادرٌ على استخدام تلك الخدع بعيدًا عن المسرح أمام الناس وادعاء القدرات الخارقة وكثيرٌ منهم انكشف وتجاوزت فضيحته شهرته.
لكن من جانبٍ آخر كان بعض الخداع مثيرًا للذهول حقًا فلكي تفسر خدعةً فأنت تثبت ظاهرةً أخرى وتعترف بها تمام الاعتراف وهو ما كشفته كاميرات التصوير في الهند، سحرة الهند الفقراء من أشهر السحرة في البلاد وخدعهم وسحرهم له طابعٌ خاص، لكن هذه الخدعة كانت فريدةً من نوعها أن يجعل الساحر حبلًا يستقيم في الهواء كأن يدًا خفيةً تسحبه من الأعلى وتشده، ثم يجعل أحد غلمانه يسير على الحبل المستقيم في الهواء بشكلٍ لا منطقيٍ حتى يختفي الغلام في السماء ثم يظهر مع الحبل ثانيةً على الأرض، لكن ما أظهرته الحقائق أن تلك الخدعة لا تتم إلا في خيال كل ذلك الجمهور وأن الساحر ببساطة ينومهم مغناطيسيًا فيجعلهم يرون ما يريد!
الاسترفاع والعلم
بعد كل تلك التفسيرات وبعد أن أدلى كل فصيلٍ بدلوه في تفسير تلك الظاهرة كان الأجدر بالعلم وقوانين الفيزياء الغاضبة أن تتخذ موقفًا تحاول فيه استرداد ماء وجهها أمام تلك الظاهرة واستبعاد كل ما هو روحيٌ والمعجزات باعتبارها لا تخضع للعلم والمنطق، وبالطبع مالت لكفة المنطقيين القائلين بأن كل ذلك خدعٌ وذكاءٌ من المنفذ يقنع المشاهدين فيه بما يريد، لكن العلم بنظرياته من ناحيةٍ أخرى كان قادرًا على رفع الأشياء ضد الجاذبية وتعليقها في الهواء كيفما شاء ووقتما شاء باستخدام عدة نظرياتٍ فيزيائية تم على أساسها استغلال الحقائق الكونية الثابتة في رفع الأشياء، كاستغلال شحنات الأشياء وقوات التنافر والتجاذب بينها، وأيضًا باستخدام الموجات وحقول الطاقة والكهرباء وغيرها من النظريات التي تم تنفيذها حقيقيًا وواقعيًا وتم رفع الأشياء عبرها وتعليقها في الهواء بسهولة والعلم لا ينكر ذلك، لكنه يقف صلبًا ثابتًا أمام حقيقة أن الأشياء يمكن رفعها تحت ظروفٍ وتجارب معينةٍ يقوم بها فما إن تختفي تلك الظروف حتى تعود لطبيعتها ثانيةً مستجيبة لجاذبية الأرض، ما يعني إنكارهم قدرة الجسد البشري على الطفو من تلقاء نفسه هكذا فوق الأرض متحديًا الجاذبية بدون تدخل عوامل مساعدة خارجية.
أضف تعليق