مخطوطات جيجاس او كتاب الشيطان في المكتبة الوطنية التشيكية مخطوطة عملاقة عجيبة غريبة من عدة نواحي سواء من حيث حجمها الضخم وعدد المواضيع والكتب التي تضمنتها والاكثر غرابة هو من كتبها والمدة التي كتبت فيها كذلك من ساعد في كتابتها حسب زعم بعض الروايات المتناقلة عنها, حتى صنفها البعض بأنها من الاعمال الخارقة للطبيعة , ومما يزيد من غرابتها هو نجاتها من كل الحروب والنكبات والكوارث الطبيعية والامراض التي مرت على تلك المنطقة من العالم ووصولها الى المكتبة التشيكية سليمة, وتعتبر حاليا من اهم المخطوطات على مستوى العالم من حيث المعلومات والشكل الذي قدمت فيه.
المخطوطة التي تعرف بمخطوطات جيجاس وتعني المخطوطات العملاقة ظهرت في اوائل القرن الثالث عشر في ديرالقديس بنديكتين في مقاطعة بوهيميا الواقعة في جمهورية التشيك , وقد اشيعت اسطورة لا يعرف مصدرها بالضبط مفادها ان من كتب المخطوطة هو راهب كان يقيم بالدير , اتهم بعدة خطايا وتكفيرا عنها قرر الرهبان صلبه حيا , وهروبا من العقاب عرض ان يقوم بتأليف كتاب يضع فيه كافة العلوم والمعارف في ذلك العصر في ليلة واحدة فقط , وامام استحالة هذا الامر وافق الرهبان على ذلك ووضعوه امام مهمة مستحيلة بالتأكيد , وهنا استعان بالشيطان عن طريق طقوس كان تعلمها من بعض الكتب , فعقد معه صفقة يقوم الراهب بموجبها بتسليم روحه للشيطان بالاضافة الى ترك مساحة من الكتاب له ليتحدث مباشرة الى البشر وهذا ما تم بالفعل حسب زعم الاسطورة وبذلك ظهرت صورة للشيطان في احدى صفحات المخطوطة ويقال ان هناك بعض الصفحات التي ازيلت منها كانت تحوي تمجيدا للشيطان وبعض طقوس عبادته وبذلك اطلق على هذة المخطوطة كتاب الشيطان برغم ان كافة محتوياتها بإستثناء صورة الشيطان لا تمت بصلة اليه وتتحدث عن علوم ومعارف مفيدة للبشرية في التاريخ والادب وغيرها بالاضافة الى الكتاب المقدس .
السمات العامة للمخطوطة وقائمة محتوياتها
حجم المخطوطة كبير بحيث يبلغ طول صفحتها 89 سم وعرضها 49 سم وتزن 72 كيلوجرام ويقال انها مصنوعة من جلد البقر ولها جلد فاخر مصنوع من جلد الحمار , ويبلغ عدد صفحاتها 310 وهي مقسمة الى خمسة اقسام رئيسة تشتمل على معلومات في الدين المسيحي والتاريخ والمعرفة العامة والطب وتاريخ القديس بينديكت ووصاياه حول كيفية العيش في الدير , ويعتقد ان الكتاب وضع لجمع المعارف التي كانت موجودة في ذلك العصر تحت رعاية الدير لتحسين سمعته بين الناس لكن ليس هناك ما يثبت صحة هذة الفرضية وخاصة ان الجزء المفترض انه كان موضوعا للتمجيد بالدير ورفع شأنه مفقود حاليا .
تبدأ المخطوطة بمتن الكتاب المقدس بالعهد القديم والجديد ويفصل بينهما بعض المؤلفات في الطب لعلماء مختلفين في ذلك الزمان ويلي ذلك سرد لتاريخ اليهود ثم نسخة لأشهر موسوعة معرفية في ذلك الوقت وهي للكاتب إزيدور واخر الاجزاء يحتوي على مؤلفات تاريخية لمقاطعة بوهيميا .
تعد الصفحتين 289 و 290 من المخطوطات هما اكثر الصفحات شهرة وجدلا , حيث تحوي الصفحة 289 صورة لمدينة في السموات حيث تم تصويرها على شكل طبقات ويحدها برجين وهي تشير الى الخلاص والأمل , بينما تحوي الصفحة 290 صورة للشيطان الذي يظهر بمظهر ملوكي في اشارة الى انه امير الظلام , وقد اشتهرت المخطوطات بإسم كتاب الشيطان بسبب هذه الصورة بالاضافة جزء مزعوم قيل انه تم اقتطاعه في وقت ما من المخطوطة ويشير الى مناقب ومزايا الشيطان وهذا امر غير مثبت وهو تكملة للاسطورة التي اشتهرت بها المخطوطة.
اماكن وجود كتاب الشيطان منذ كتابته الى اليوم
تبين من تتبع تاريخ الكتاب انه تم كتابته من قبل رهبان دير صغير في قرية سيدليك عام 1295 ميلادية ثم تم نقله لسبب غير معروف الى دير اخر في قرية قرب مدينة براغ , ويعتقد بعض الباحثين ان المخطوطة وضعت في دير غير معلوم لكنها ظهرت للعلن في دير بنديكيتن في اوائل القرن الثالث عشر وتنقل بين عدة اديرة , ثم استقر به الحال في قصر رودلف الثاني في براغ عام 1594 , حيث استولت عليه القوات السويدية عام 1648 بعد حصار هزيمتها لقوات رودلف واستيلائها على كافة املاكه , وبهذا انتقل من التشيك الى السويد وتحديدا الى ممتلكات الملكة السويدية كريستينا وبقي هناك حتى عام 1877 حيث اودع في مكتبة السويد الوطنية , وفي عام 2007 وبعد مفاوضات صعبة بين البلدين دامت اكثر من 15 سنة انتقل كتاب الشيطان من السويد الى جهورية التشيك واودع في المكتبة الوطنية في مدينة براغ .
استطاع باحثون تابعون للمكتبة الوطنية السويدية من اثبات ان كاتب المخطوطة المعروفة حاليا بكتاب الشيطان هو راهب واحد يدعى هيرمان وانه بالفعل حبس في غرفته , واستغرقه الامر اكثر من 30 سنة لتجميع ذلك الكم الكبير والمهم من المعارف التي سادت في زمنه , ولا يعرف كيف اكتسبت ذلك الاسم الغريب ” كتاب الشيطان ” ولماذا لم تقم الكنيسة التي كانت صارمة تجاه قضايا اقل اهمية من تمجيد الشيطان في كتاب يضم الكتاب المقدس, وهو ما يؤكد ان هناك جزء مفقود بقصد او بغير قصد يوضح لماذا وضعت صورة للشيطان في الكتاب , حيث يعتقد ان الصورة كانت منقولة من تراث شعبي او من معتقدات دينية وكان الهدف منها تبيان كيفية المعالجة من المس الشيطاني وليس تمجيد الشيطان بأي حال من الاحوال.
يجب الحذر عند البحث في اصل كتاب الشيطان من الخلط بين هذه الموسوعة المعرفية والتاريخية المهمة وبين كتاب اخر مشهور بنفس المسمى تقريبا الفه كاتب من قادة عبدة الشياطين في العالم عام 1969 ميلادية يوضح فيه الطقوس والمباديء العامة لهذة العبادة, كما يحذر الاشخاص العاديين من غير اتباع ديانته من تنفيذ هذه الطقوس ليتجنبوا لعنة الشيطان كما يزعم, فمن وضع مخطوطات جيجاس او كتاب الشيطان الذي نتحدث عنه كان يهدف الى توثيق معارف عصره وتقديم خدمة لمن يأتي بعده من اتباع الدين المسيحي وغيرهم من البشر, وقد يكون عمله هذا تكفير عن خطايا ارتكبها بحق الدير او الدين وتم الحكم عليه بنسخ بعض الكتب المهمة , ولعل السبب الرئيس في حفظ هذة المخطوطات هي وقوعها بأيدي اشخاص ذوي شأن من الملوك والامراء والرهبان وكذلك احتاؤها على الانجيل المقدس , وهناك اسطورة اخرى حول سبب حفظ هذة المخطوطات وهي ان الشيطان هو من يحميها حيث تم تناقل بعض القصص عن حوادث غريبة ومأساوية لبعض الاشخاص الذين قرأوا اجزاء من الكتاب وكل تلك القصص يمكن وضعها في نفس السياق القائل ان الشيطان ساعد الراهب هيرمان في كتابة مخطوطات جيجاس .
أضف تعليق