تُعد حادثة اختفاء الأختين غريمز من أشهر الحوادث التي وقعت خلال القرن العشرين، والتي حيرت العالم لفترة كبيرة تمتد إلى الآن، فليس من الغريب أبدًا أن لا يتم العثور على القاتل في جريمة ما، لكن الغريب بحق هو الملابسات التي حدثت فيها جريمة القتل تلك، والتي أحالت الحادثة من جريمة قتل عادية إلى جريمة تاريخية شغلت مُعظم محققي العالم وقت حدوثها، ولعل أغرب ما يتعلق بتلك الواقعة هو ادعاء أكثر من شخص قيامهم بهذه الجريمة مع رفض الشرطة الأخذ بأقوالهم وتقييد الحادثة ضد مجهول، فمن هما الأختين غريمز، وكيف تعرضتا للقتل على يد أكثر من شخص في آن واحد، هذا بالضبط ما سنعرفه في السطور الآتية.
لغز اختفاء الأختين غريمز
من هن؟
الكبرى باتريسيا والصغرى باربرا، هاتان يكونا أبناء غريمز، وقد كانا وقت أن قُتلا في سن المراهقة، وتحديدًا الثامنة عشر والتاسعة عشر، حيث كانت إحداهن تدرس الفلسفة والأخرى لا تزال في المرحلة الثانوية، وكانت كل واحدة منهن متعلقة بالأخرى تعلقًا شديدًا، فلا تخرج إحداهن إلا بالأخرى، وهو السبب الرئيسي في الحادثة التي حدثت لهما عام 1956 وتسببت في قتلهما، تلك الحادثة التي حدثت في شيكاغو، معقل الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية والملاذ الأول للمجرمين في شتى أنحاء العالم.
ما الذي حدث؟
في ليلة الثامن والعشرين من ديسمبر عام 1956 قرر الأختان غريمز مشاهدة أحد الأفلام لنجمهما المحبوب ايلفس، وذلك في السينما التي لا تبعد عن بيتهما بأكثر من ميلٍ ونصف، خرجا في السادسة وسلكا طريقًا لا يعرفه أحد حتى الآن، لكنه لم يكن الطريق الرئيسي كما أكدت التحقيقات، إلا أنهما قد وصلا إلى السينما بنهاية المطاف، وقد أكد جميع الشهود على ذلك، وأكدوا أيضًا أن باتريسا كان يتبعها صديقها دورثي وكان يجلس خلفهما على أحد المقاعد، وفي استراحة الفيلم، وتحديدًا في التاسعة والنصف، ذهب الأختان إلى خط الفشار واشتروا علبتين منه ثم عادا إلى القاعة مرة أخرى، إلى هنا كان كل شيء طبيعي ولا يدعوا أبدًا للغرابة، لكن ما حدث بعدها كان كذلك.
اختفاء الأختين غريمز
في الحادية عشر والنصف، حيث كانت والدة باتريسا وباربرا تنتظر عودتهما، لم يحضر أحد، بل امتد الغياب حتى الساعة الثانية والنصف من صباح اليوم التالي، وهو الوقت الذي لم تتأخر عنه باتريسا أو باربرا أبدًا، لذلك، وبعد محاولات البحث الحثيثة من قِبل الجميع، تأكدت الأم أن شيئًا ما قد حدث لابنتيها، وعلى الفور توجهت إلى قسم الشرطة وأبلغت عن اختفائهما، حيث بدأ البحث عنهما في الخامسة من صباح اليوم التالي للاختفاء، وكان فأل السوء يلوح في الأفق، وشعر الجميع أن الأختين غريمز ليستا بخيرٍ على الإطلاق.
شهادة الشهود
ريثما بدأت الشرطة في التحقيق أعطت قدرًا كبيرًا من التوقع في أن تكون الأختين غريمز قد ذهبتا لمشاهدة حفل ايلفس في المدينة المجاورة، وذلك على اعتبار انهما من أشد المعجبين به، لكن هذا الاحتمال أضعفه ما قالته الأم بأن ابنتيها لا يحملان أية أموال إضافية تكفيهما للذهاب إلى المدينة المجاورة، إضافةً إلى أنهما لم يُقدما أبدًا على مثل هذه الخطوة، لذلك قررت الشرطة استجواب الكثير من الشهود والمشتبه بهم، والذين كانوا لهم إجابات مُتفاوتة ومُحيرّة للغاية.
حارس الأمن مثلًا، وهو المسئول عن تأمن الجزء الشمالي الغربي للمدينة، قال إنه قد شاهدت الفتاتين بالقرب من لورانس في تمام الحادية عشر، ولورانس هذا منتزه يقع بالقرب من السينما، في حين أن الكثير من الأشخاص قالوا أنهم شاهدوا الأختين غريمز في محطة جادة ارتشر للقطارات، وهو الذي يتحرك في الحادية عشر نحو للشرق.
شهاد أخرى من بعد الفتيان المراهقين الذي كانوا يتجولون ليلًا في السيارة، حيث قالوا إنهم قد شاهدوا الأختين غريمز بالفعل، وتحديدًا في الحادية عشر والنصف بشارع 35، وقد أكدوا أيضًا أن الفتاتين كانتا سعيدتان للغاية بل ويغرقان في الضحك، وشارع 35 للعلم هو شارع يبعد بيت الفتاتين بأمتارٍ قليلة، أي أنهما كانا قريبين للغاية من بيتهما في تمام الحادية عشر والنصف، وهو أمر مُربك للغاية كما قال ضابط التحقيقات المُكلف بالقضية وقتها.
التأكد من الجريمة
في الثُلث الأخير من يناير القابع في عام 1957 تم اكتشاف جثث الأختين غريمز، وكان قد مر أكثر من 26 يومًا على اختفاء الأختين غريمز ، وقد حدث ذلك عندما كان أحد الأشخاص ذاهبًا إلى الكنيسة، فقد رأي ما يُشبه الدميتين بجوار سكة القطار، فقرر الذهاب إليهما للتأكد فاكتشف أنهما جثتين للأختين غريمز.
كانت الجثث منزوعة الملابس، وعلى ما يبدو أنهما قد قُذفا من سيارة أو شيء ما كان ينطلق بهما، وقد حددت ساعة الوفاة ببعد الخروج من السينما بخمس ساعات، أما المحقق الرئيسي في القضية فقد أكد أنهما قد قُتلا في السابع من يناير، وأن الثلوج قد تكفلت بإخفاء جثثهما.
الطب الجنائي أيضًا أكد على أن إحدى الفتيات قد تعرضت للضرب وخُدشت من جانب الصدر، أما الأُخرى فقد حدث معها، على ما يبدو من حالتها، نشاط جنسي، لكنه ليس اغتصاب أو تحرش، ويقول البعض أن الفتاتان قد توفيا نتيجة الاغتصاب والبرودة، لكن هذا الأمر لم يتم تأكيده.
من الجاني؟
ماكس فليق كان أول الذين اتهامهم من قِبل الشرطة، وقد كان يبلغ من العمر في هذا الوقت سبعة عشر عامًا فقط، لكنه كان معروفًا بانحرافه وسلوكه طريق الجريمة، لذلك لم تتوانى الشرطة عن اتهامه بالجريمة حتى تم الكشف عليه بواسطة جهاز كشف الكذب، والذي أكد على كذبه فيما قاله بخصوص قيامه بقتل الأختين غريمز، لذلك تم إطلاق سراحه.
المتهم الثاني في هذه الجريمة الغامضة كان والتر كرانز، وهو رجل خمسيني ادعى ليلة الخامس عشر من يناير أنه قد حلم بوجود جثة الفتاتين بجوار سكة الحديد القابعة خلف الكنيسة، لذلك عندما وجدت الشرطة الجثتين في المكان الذي قال به استدعته على الفور، لكن تم الإفراج عنه لأنه بدا مُخادعًا.
الشخص الأبرز في هذه القضية كان برادلي جونس، والذي قال أنه قد قتل الأختين غريمز بعد أن أكل معهما النقانق، وذلك لأنه أراد سرقتهما وعندما صرخا خاف أن يفضحانه فقام بقتلهما عن طريق الضرب على رأسهما بآلة حادة، لكن بعد أن تم إجراء التحقيق في أقواله ثبت أن الأختين غريمز لم يأكلا النقانق كما يزعم ولم يُصابا بضربة على الرأس أيضًا، ورغم الاندهاش الشديد مما قاله هذا الشاب ومحاولاته المستميتة لإثبات تهمة القتل عليه، تم الإفراج عنه وإدخاله مصحة نفسية للتأكد من صحة قواه العقلية، وبالفعل تم اكتشاف إصابته باضطرابات نفسية عدة.
في النهاية، ورغم أن حادثة مقتل و اختفاء الأختين غريمز قد شغلت الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية لسنواتٍ طويلة، لم يتم معاقبة أحد، لأنه وببساطة لم يتم اكتشاف القاتل، لتنضم حادثة اختفاء الأختين غريمز إلى قائمة الألغاز التي لم يتم حلها حتى الآن، أو بمعنى أدق، أصبحت لغز حير العالم، وما زال.
أضف تعليق