لا شك أن الاتحاد السوفيتي، والعالم بأكمله، كان يُعج بالمختلين طوال القرن الماضي، وعلى رأس هؤلاء أناتولي سليفكو ، ذلك السفاح الذي برز في النصف الثاني من القرن العشرين وقام بقتل عدد كبير من الأطفال بعد الاعتداء عليهم، كان شرسًا لا يمتلك أي نوع من أنواع الشفقة، وربما هذا ما ميزه من الناحية الإجرامية عن الكثير من السفاحين الذين تخصصوا كذلك في عملية قتل الأطفال، أيضًا كان أناتولي يمتلك شخصيتين وعالمين متنوعين، وكان يعيش في كل عالم بشكل منفصل تمامًا للدرجة التي تجعل من المستحيل تمامًا الشك به، على العموم، نحن الآن سنأخذكم في رحلة إلى عالم ذلك السفاح المثير ونتعرف على وجهيه ولماذا كان يستهدف الأطفال على وجه التحديد وكيف نجح أساسًا في الظفر بهم وتنفيذ خططه الشريرة فيهم؟ كل هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عليها سويًا في السطور القليلة المُقبلة، فهل أنتم مستعدين لذلك؟ حسنًا لنبدأ.
من هو أناتولي سليفكو ؟
في الثامن والعشرين من شهر ديسمبر القابع في عام 2019، وبمدينة أيزبيرباش التي تُعتبر جزء من دولة داغستان، أحد دول الاتحاد السوفيتي العريق سابقًا، ولد أناتولي سليفكو ، والحقيقة أن حياة أناتولي في العشر سنوات الأولى لم تكن تنذر أبدًا بكل هذا الجحيم الذي تعرض له لاحقًا، فقط كان مجرد طفل منعزل وخائف طوال الوقت ولا يُريد تكوين أي صداقات، والبعض يقول إن هذا الأمر قد حدث بسبب كره أناتولي لمسألة وزنه الضئيل وشكله النحيف، وربما أصدقاء أناتولي لم يتغاضوا لحظة واحدة عن استغلال هذا الأمر في مضايقة الفتى والطفل آنذاك أناتولي، ثم بعد فترة ليست بالقليلة اتضح أن أناتولي شاذ، وبالتالي أسهم ذلك في ابتعاد الأصدقاء عنه أكثر، أو دعونا نقول صراحةً أنه قد ابتعد عن معظمهم، فهو الآن يشعر بأنه مختلف اختلافًا سلبيًا، وبالتالي ثمة سبب وجيه لهذا الانزواء الذي اتخذه أناتولي منهاجًا له.
بعد تجاوز أناتولي سن العشرين أصبح أكثر انفتاحًا وإقبالًا على الحياة، حيث بات يعرف السهر ويخرج كثيرًا مع الأصدقاء ولم يعد يتعرض لمثل تلك المضايقات التي كان يتعرض لها في صغره، لكن بقي الشيء الثابت في حياته أنه لا ينجذب الفتيات، شاذ بالمعنى الأدق، حتى تغير ذلك الأمر مع الفتاة اليافعة لودميلا، وهي التي رأت، بمنظور أعمى تمامًا، أن أناتولي شاب يستحق الفرصة ويستحق حبها، ولذلك حاولت التقرب منه وبالفعل أسقطته في حبها وتزوج منها أناتولي وأنجب طفلين جميلين على الرغم من كونه لم ينم معه سوى عشر مرات فقط طوال الحياة الزوجية، وربما كان أناتولي قد أقدم على هذه الحياة التي لا تستهويه ليجعلها أشبه بالستار المُحكم أمام ما سيفعله لاحقًا عندما يبدأ كل شيء.
بداية كل شيء
كيف بدأ كل شيء؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه أغلب من يعرفون قصص السفاحين والقتلة المختلين، فبكل تأكيد لم يولد أناتولي سليفكو سفاحًا، ولم يقتل طفلًا وهو في السادسة من عمره مثلًا، وإنما الوضع ببساطة يتمثل في كون كل شيء يمتلك مرة أولى، والمرة الأولى في حياة أناتولي كانت في تلك الليلة الغابرة التي كان جالسًا فيها مع أصدقائه يتحدثون حول أمور تافه لا قيمة لها مثلهم، كان ذلك قبل أن يُسمع دوي انفجار والكثير من الصرخات، ومثل الجميع ركض أناتولي مع أصدقائه ناحية الصوت لمعرفة ما يجري، والمنظر الذي شاهده الجميع ببساطة عبارة عن حادثة لتصادم شاحنتين نتج عنها بعض الضحايا، كان منظرًا مؤلمًا حسبما يتضح جدًا من الوصف، لكن أناتولي لم يكن ينظر للمشهد من هذه الزاوية على الإطلاق، والسر خلف ذلك طفل صغير في زاوية من الحادثة كان ينزف ويتألم بشدة، هكذا يُمكن أين يراه الجميع بخلاف أناتولي.
المشهد الذي جاء في ذهن أناتولي سليفكو خلف ما يرى عليه الطفل الآن جعله يعيش حالة انتشاء من الدرجة الأولى، فقد خُيل له أنه يخنق هذا الطفل بكلتا يديه ويستلذ بصراخه وألمه، يستلذ جدًا، وعلى الرغم من أن الأجواء كانت صاخبة حوله بسبب الحادثة إلا أنها قد بدت أجواء رومانسية تمامًا بالنسبة لهذا المخبول، وكانت هذه الحادثة هي القشة التي كسرت ظهر البعير، إذ أنه منذ هذه الليلة قد أدرك بأن المتعة التي طالما بحث عنها من قبل ستكون موجودة في شيء يراه أمامه كل يوم تقريبًا، الأطفال، لكن كيف سيحصل عليهم يا تُرى؟
فرصة ذهبية
عندما كان أناتولي سليفكو في طريقه لفقدان كل آماله في تحقيق ما يحلم به واتته الفرصة الذهبية عام 1963، وذلك من خلال تعينه قائد الطلائع الشبابية، فالبعض قد يعتقد أن ما تم ذكره الآن بالفعل يجعله شخص ساذج لا يمتلك أية مؤهلات، وهذا أمر غير صحيح في الحقيقة، إذ أنه على الرغم من كل شيء كان رياضيًا بارعًا وله خبرة بالخرائط وبعض الأمور الخاصة بالغابات والاستكشاف، أيضًا كان يُجيد الرسم وبعض المهارات الأخرى التي جعلت تعينه قائدًا لفتيان الطلائع بالنادي أمر في غاية السهولة، والآن، هل لا زلتم تذكرون ذلك الطفل الصغير من الحادثة؟ ذلك الذي حرك كل شيء غريب وشاذ ومنح النشوة للمخبول أناتولي، هل تعلمون أي زي كان يرتدي هذا الطفل؟ ببساطة شديدة كان يرتدي زي الطلائع الذي تعين أناتولي للتو قائدًا لفريق الفتيان به، وهو أمر جعل قلب أناتولي يرقص فرحًا.
استغل أناتولي سليفكو الفرصة أفضل استغلال ممكن، ففي أول فترة له أراد أولًا كسب ثقة الأطفال، وذلك بالتقرب منهم وتقديم الهداية لهم وإظهار الوجه الطيب الودود، كان مُقنعًا، ليس للأطفال فقط، وإنما جميع من حوله كان بمقدورهم لمس ذلك الإقناع، وحتى لو كان البعض يعرف بمسألة الشذوذ هذه ففي النهاية كان الأمر يمثل للجميع مجرد ميل لا دخل للرجل فيه، أيضًا كانت فكرة إقحام الأطفال في نزواته المجنونة تلك فكرة شبه مستحيلة، وقد مهدت كل هذه الأجواء الفرصة أمام أناتولي وجعلت الوضع سامحًا بإسقاط أول ضحية له، الطفل نيكولاي دوبري.
الضحية الأولى
في الثاني من شهر يونيو القابع في عام 1964 كان مكتوبًا للطفل المسكين نيكولاي دوبري الموت بأبشع طريقة ممكنة على يد أبشع سفاح في العصر الحديث، إذ أنه في أحد الأيام رأى أناتولي نيكولاي وهو لا يرتدي ملابس الطلائع فسأله بخبث عن سبب ذلك، أخبره الطفل أنه فقير وليس بمقدوره شراء الزي وأنه قد هرب من بيت والديه بسبب ذلك، وهنا وجد السفاح المختل أناتولي سليفكو الفرصة سانحة حتى يفعل ما يشاء بالطفل، لكنه بدأ باستمالته من خلال شراء ملابس الطلائع له والحلوى، ثم في أحد الأيام نجح في إقناعه بأن جسمه يحتاج إلى مزيد من التمارين الخاصة وأنه بمقدوره الذهاب به إلى الغابة ومنحه تلك التمارين، وبالفعل انصاع الطفل الصغير لنصيحة الذئب وذهب معه إلى الغابة، وهناك أقنعه بحاجته إلى الجلوس على الكرسي من أجل الالتقاط الصور التذكارية أولًا، أشعل أناتولي كاميرا التسجيل ثم بدأ الجحيم.
بعد خنق طويل وضرب وحشي وتجريد تام من الملابس فقد نيكولاي الوعي، ثم زاد أناتولي الجرعة فهشم حنجرته وقضى عليه تمامًا، ومع الوقت بدأ يُمارس أفعاله الشاذة على جثة الصبي قبل أن يشرع في تقطيع أطرافه وإشعال النيران في جثته والاستمتاع بفكرة الشواء البشري هذه مع استرجاع مشهد الطفل الصغير من الحادثة، ثم بعد ذلك حفر حفرة صغيرة وألقى فيها بالطفل ثم رحل فرحًا بغلته الثمينة من الصور والمقاطع التي أخذها، كان يعتقد أن الفرصة لن تتاح له سوى مرة واحدة سيرتكب فيها جريمة واحدة، وبالتالي احتفظ بكل ما يُمكن الاحتفاظ به من هذه المرة.
الجرائم تتوالى
شعر أناتولي سليفكو بلذة القتل وأصبح مستعدًا لفعل أي شيء من أجل الظفر مجددًا بهذه اللذة، لذلك قام في عام 1966 بافتتاح نادي صغير خاص به وأعده لتعليم الأطفال الفنون القتالية، وطبعًا كان هذا فقط الهدف الظاهري من النادي، أما الهدف الباطني فقد كان استغلال هؤلاء الأطفال في الهوس المجنون الذي يمتلكه، فعلى سبيل المثال كان يأخذهم إلى الغابة ويقوم بتجريدهم من الملابس ثم يصورهم في مواضع مختلفة ويوقظهم ليخبرهم بأنهم قد فقدوا الوعي فجأة، كان في البداية يجد المتعة في مجرد المشاهدة، لكن مع الوقت بدا جليًا أن هذا الوضع لم يعد كافيًا.
في فترة من الفترات تيقن أناتولي بأن الاكتفاء بالتقاط الصور وتصوير مجموعة من الفيديوهات أمر لم يعد كافيًا بالمرة ولا يُعطيه أية متعة، وبالتالي فإن عليه تطوير النشاط أكثر، ولهذا عاد مرة أخرى إلى القتل والخنق ودفن الجثث، والحقيقة أنه كان يمتلك ذخيرة كبيرة من الأطفال الذين كانوا يحضرون في مكان التدريب الخاص به، لكن ربما جنون وسذاجة أناتولي هي التي جعلته يسقط في نهاية المطاف، إذ أن هذا المخبول لم يعد يشعر بأن الأطفال تقل أعدادهم بشكل هيستيري مريب!
سقوط أناتولي سليفكو
في ديسمبر القابع في عام 1985ن وبعد سنوات طويلة من القتل والتعذيب للأطفال الأبرياء، كان السقوط المدوي بانتظار أناتولي سليفكو ، ففي ذلك التوقيت جاءت إحدى المحققات للبحث في أسباب اختفاء الأطفال الذين يترددون على النادي، لم يكن ثمة أحد يشك في أناتولي، لكن بما أن هذا المكان هو الذي تحدث به تجمعات الأطفال فبكل تأكيد ثمة رابط بينه وبين الجرائم، وبالصدفة البحتة عثرت المحققة على مكان قديم ما أن دخلته حتى وجدت أشرطة الفيديو والأدوات التي كان يستخدمها أناتولي في القتل، أيضًا تم العثور على بعض الملابس والأحذية الخاصة بالأطفال، ببساطة، نحن الآن أمام جريمة كاملة لا تحتاج أية مناوشات، فذلك الرجل أناتولي هو سفاح الأطفال الذي يبحث عنه الجميع.
نهاية أناتولي سليفكو
بدأ التحقيق مع أناتولي سليفكو في نهاية عام 1985 وبداية عام 1986، ففي ذلك التوقيت اعترف أناتولي بكافة جرائمه كما تم أخذه إلى الأماكن التي دفن بها جثث الأطفال ليُعيد محاكاة جرائمه، وفي يونيو من نفس العام جاء الحكم المتوقع من الجميع، وهو الإعدام طبعًا، لكن المحكمة قد انتظرت ثلاث سنوات كاملة حتى تُنفذ ذلك الحكم من خلال إطلاق رصاصة في رأس أناتولي بمكان مُظلم، ولو كان الأمر بيد عائلات الضحايا لأطلقوا عليه الرصاص ألف مرة.
أضف تعليق