بكل تأكيد العالم بأكمله يعرف أرييل كاسترو الذي ذاع صيته منذ حوالي خمس سنوات بعدما تم اكتشاف وجود ثلاث فتيات تم حبسهن في قبو المنزل الخاص به، فقد كان أرييل مجرمًا مختلًا وفي نفس الوقت مختطفًا من الطراز الفريد للدرجة التي جعلته ينجح في تنفيذ جريمته ويستمر فيها لعشر سنوات كاملة دون أن يكتشف أي شخص ما يقوم به، وقد مثل ذلك الأمر معجزة كبيرة بالنسبة لكل من حضره، أيضًا مع الوضع في الاعتبار أن أرييل كان يعيش حياة عادية جدًا دون أية شكوك، كذلك مسألة إنجابه من واحدة من تلك الفتيات المختطفات أمر آخر يبعث على الدهشة والريبة في نفس الوقت، على العموم، لا وقت لكل ذلك، ففي السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف بشيء من التفصيل على قصة وحياة أرييل كاسترو وكيف تمكن من تنفيذ تلك المعجزة الخالدة وكيف تم اكتشافها في نهاية المطاف، فهل أنتم مستعدون لبدء تلك المغامرة الممتعة؟ حسنًا لنبدأ.
من هو أرييل كاسترو ؟
بكل تأكيد لا يُمكننا الانغماس بشكل مباشر في حديثنا عن أرييل كاسترو دون أن تعرف أساسًا على ماهيته، فهو أرييل كاسترو من مواليد برتو ريكو سبعينات القرن المنصرم، وقد انتقل أرييل وهو في سن صغير إلى أمريكا وعاش مع والدته بعد انفصالها عن والده، وقد كان أرييل محبًا جدًا لوالده، لذلك لم يكن يطيق الحياة مع والدته خصوصًا وأنها كانت متزوجة من شخص متسلط كان يجد متعته في أذية أرييل، على العموم، كبر الطفل أرييل وسط كل هذه الضغوطات وتمكن من إيجاد فرصة تعليم وفرصة عمل، وعلى عكس ما قد يتوقع البعض فإن أرييل كان اجتماعيًا بدرجة كبيرة، حيث أنه كان يُصادق تقريبًا كل من يراه، وهذا ما أبعد عنه الشبهات في عمليات الاختطاف التي سنتحدث عنها لاحقًا، فمن الطبيعي أنه عند الحديث عن مجرم مختل أن تكون علاقاته محصورة جدًا ومتشعبة في نطاق محدود قريب منه لكن أرييل لم يكن كذلك، بل كان اجتماعيًا من الدرجة الأولى، وربما هذا ما جذب إليه زوجته في بداية المطاف.
بداية السقوط
كانت بداية السقوط الحقيقة بالنسبة لموضوع حديثنا أرييل كاسترو في ذلك الوقت الذي قرر فيه الارتباط والوقوع في الحب ثم بعد ذلك الزواج، فمنذ بداية الحياة الزوجية تغيرت حياة أرييل مئة وثمانين درجة، حيث نشبت الخلافات التي لا يُمكننا طبعًا الحكم فيها والجزم بالمتسبب الرئيسي بها، في النهاية حدثت الخلافات التي سرعان ما تطورت إلى طلاق، وهذا الطلاق لم يأتي أيضًا من خلال التراضي وإنما كانت هناك جلسات محاكم والعديد من الأمور التي جعلت الحياة تبدو جحيم على كاسترو، والحقيقة أن الوقت لم يتأخر كثيرًا حتى يقوم الرجل برد الجحيم على كل الفتيات، وليس فقط زوجته.
بعد الطلاق تغير كل شيء كان يتعلق بحياة أرييل كاسترو ، تغير بالمعنى الحرفي، وطبعًا هذا التغيير كما هو متوقع جاء للأسوأ، فقد أصبح العدو الأول للنساء وبات يقوم بالعديد من المضايقات لهن، تلك المضايقات اللفظية تطورت مع الوقت إلى مضايقات جسدية، لكن ربما الكارثة تلك التي تمثلت في خطف ثلاث من النسوة وحبسهن لفترة امتدت إلى عشر سنوات، وكأن كاسترو قد اعتبر نفسه سجان مخول بالحكم على الناس وتنفيذ العقوبة، وبالتأكيد لن يكون من اللائق أبدًا تناول تلك الحوادث الثلاث بشيء من البساطة، بل يجب علينا المرور بها بالتفصيل لنعرف كيف تمكن أرييل كاسترو من تكوين الإمبراطورية الخاصة بها، والآن دعونا نبدأ سريعًا بالضحية الأولى.
الضحية الأولى
كانت أولى جرائم أرييل كاسترو في عام 2002، وكانت الضحية هي ميشيل نايت، فتاة يافعة مرت بتجربة زواج بائسة انتهت بالطلاق وخسارة حضانة الطفل، وفي ذلك اليوم الذي قرر أرييل فيه اختطاف ميشيل كانت عائدة من جلسة محاكمة وكانت على استعداد تام للركوب مع أي شخص، وكان ذلك الشخص هو أرييل كاسترو الذي أخذها في سيارته ثم قام بتخديرها والاعتداء عليها وفي النهاية حبسها في قبو منزله، وقد كانت ميشيل تظن أن ذلك الشخص سيقتلها أو ربما سيُعذبها حتى الموت، لكن ما حدث أنه بعد فترة من التعذيب تركها في الغرفة وبدأ يُقدم لها طعامًا، وبعد مرور حوالي سنة من الحبس والتعذيب بدأت ميشيل تتعايش مع الوضع وقامت بتربية كلب، لكن كاسترو لاحقًا قتل ذلك الكلب وعاشت ميشيل بقية السنوات العشر وحيدة، وخلال هذه الفترة كانت الضحية الثانية قد وصلت.
الضحية الثانية
بعد أشهر قليلة من اختطاف أرييل كاسترو لضحيته الأولى قرر الرجل زيادة ضحاياه وكأنه قد شعر بالملل من ميشيل، ولذلك قام باختطاف أماندا بيري، وقد كانت أماندا فتاة صغيرة جدًا لا تزال في السابعة عشر من عمرها، وقد كانت هي الأخرى وحيدة في الشارع بعد أن تواصلت مع شقيقتها وأخبرتها أنها في طريقها إليه، لكنها لم تذهب أبدًا، بل اختطفها كاسترو الذي كان يعرفها مسبقًا، وبنفس الطريقة السابقة قام بتعذيبها والاعتداء عليها وحبسها في غرفة منعزلة، لكن هذه المرة أحب أرييل كاسترو أماندا، وربما هذا ما جعله يسمح لها بالإنجاب، وبالفعل أنجبت أماندا جودي، والغريب أن جودي الصغيرة لأنها نشأت في هذا الوضع فلم تكن تشعر أبدًا بأن شيء غير طبيعي يحدث حولها، فقد كانت تُنادي أرييل بابا وكانت عندما تذهب معه إلى والدته تناديها جدتي، لكن أيضًا قبل حدوث كل ذلك كان أرييل كاسترو يمتلك ضحيته الثالثة.
الضحية الثالثة
كان عام 2004، وتحديدًا بدايته، قد شهد الضحية الثالثة للمختل أرييل كاسترو ، وهي الفتاة اليافعة جينا دي جيسس، وبالطبع أنتم لا تريدون أن تعرفوا ما حدث مع هذه الفتاة لأنه نفس ما حدث مع الضحايا السابقة، فالأمر يبدأ أولًا بالاختطاف، ثم بعد ذلك يتطور إلى اعتداء، ثم لا يكون هناك حل بخلاف التعايش، والغريب أنه في كل مرة كان أرييل يستند إلى إعلان وفاة الفتاة التي اختطفها أو هربها من منزلها أو أي شيء آخر من هذا القبيل يؤدي في النهاية إلى توقف البحث عن الفتاة، وبالتالي لا تكون هناك أي ضغوطات عليه أو عمليات بحث تهدده، وربما لهذا السبب كان يترك الباب مفتوحًا في الكثير من المرات لكي يترك للفتيات فرصة الهرب، ثم يُحبط هذه المحاولات في اللحظات الأخيرة لكي يُحطم تمامًا أملهم في الهرب.
السقوط المدوي
بعد هذه السنوات العشر وذلك التخطيط المُحكم المتميز جاء السقوط في النهاية مدويًا بالنسبة لرجلنا أرييل كاسترو ، أو دعونا نقول وحشنا الكسر، فبالطبع ما تم ذكره الآن من صفات تنطبق فقط على الوحش، ففي يوم من الأيام، وبعد أن هدد كاسترو النسوة الثلاث من الخروج كالعادة ترك الباب مفتوحًا اعتمادًا على الخوف الذي زرعه في قلوبهن، لكن واحدة من الخائفات، وهي أماندا، تجرأت أخيرًا وخرجت من المنزل ثم ذهبت إلى المنزل المقابل في خوف وعرفت نفسها للجيران ثم أجرت مكالمة للطوارئ، وفور أن نطقت الضحية باسمها تعرف عليها الشرطي وتم إرسال مجموعة شرطيين إلى المكان المذكور تمكنوا من تحرير الفتاتين المتبقيتين في منزل كاسترو، حيث أن الخوف قد منعهما من المغادرة مثل الفتاة الأولى، بعد ذلك تم الاستدلال على مكان أرييل بسهولة، والذي لم يكن يتوقع أبدًا أن يوقع به بعد عشر سنوات كاملة، وكانت الخطوة التالية البديهية هي أخذ الفتيات الثلاث المدمرات نفسيًا إلى مرحلة العلاج والتأهيل.
علاج وتأهيل
بكل تأكيد لم تكن الفتيات الثلاث في حالة ملائمة بعد نهاية ذلك الجحيم الذي عشن فيه لفترة طويلة، فقد كانت المعاناة كبيرة جدًا وكان لابد من تعويض ذلك من خلال تأهيل نفسي استمر لفترة لا تقل عن ستة أشهر، أيضًا دعونا لا ننسى الجروح والكسور التي تعرض لها الفتيات أيضًا وأدت في نهاية المطاف إلى عاهات مستديمة مثل فقدان السمع لواحدة منهن وتكسير عظام الوجه لواحدة أخرى، وربما التأهيل الأكبر الذي احتجن إليه هو التأهيل المجتمعي، فتقريبًا كانت الفتيات في حياة جديدة وانفصال تام عن الحياة الحقيقية لمدة عشر سنوات لدرجة أنهن لم يُخبرن بالتطورات الجديدة التي وقعت في العالم دفعة واحدة، وإنما كانت الحاجة إلى وقت طويل للتعايش والتأقلم مع ذلك، وهو نفس الوقت تقريبًا الذي احتاجته محاكمة أرييل.
محاكمة المجرم
أخيرًا وقع أرييل كاسترو وأصبح جاهزًا للمحاكمة، لكن أي محاكمة ننتظرها يا ترى في مثل هذه الحالة؟ فكل شيء مُثبت ومعروف ولم يقم كاسترو أساسًا بإنكاره ولم يحاول حتى القيام بذلك، بدا هادئًا وباردًا لدرجة تجعلك تشك في قواه العقلية، أما المحكمة فلم تُرجعه أصلًا لذلك لكونها كانت شبه متيقنة من عدم وجود أي لمحة من الجنون، وبالفعل جاء الحكم كما كان متوقعًا بالسجن لمدة ألف عام، بمعنى أدق، السجن مدى الحياة، بيد أن أرييل كاسترو لم ينتظر سوى شهرين فقط، حيث أنه قد شنق نفسه وانتحر بعد ذلك تاركًا الحياة التي كتب فيها واحدة من أكثر القصص رعبًا، والتي خلدت بالتأكيد عن طريق كل وسائل التخليد تقريبًا، فقد تم إنشاء فيلم تسجيلي وفيلم سينمائي، ومن المنتظر خروجها في شكل مسلسل درامي قريبًا.
ختامًا عزيزي القارئ، لم يستطع أحد حتى الآن تقييم تلك الحادثة بشكل صحيح والوقوف على السبب المجنون الذي دفع أرييل كاسترو إلى ارتكاب جريمة بتلك البشاعة وبذلك الطراز الفريد بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، وإن كان الجميع يُرجع ذلك إلى بعض المساوئ النفسية التي ظهرت في شكل انتقام بهذه الصورة.
أضف تعليق