السطو واحدة من الممارسات الإجرامية الغير مقبولة بطبيعة الحال، لكن هذا النشاط بالذات يجتذب الاهتمام نظرًا لكون من يقوم بالسطو شخص مغامر وواسع الأفق في الغالب. حتى المجرمون يصنعون لأنفسهم تاريخًا، البعض منهم يحترف الجريمة أو ربما يقبل عليها بلا احترافٍ لأغراضٍ غير معروفةٍ حتى بالنسبة إليه هو نفسه، ويكون مصيره النسيان وفي أسوأ الأحوال السجن وهو ما يستحقه في الواقع، لكن البعض الآخر يقبل على أبواب الجريمة وله عقلٌ شيطانيٌ يزن عقل دولةٍ كاملة، ليس المال أو الانتقام أو أيًا كان ما دفعه لعالم الجريمة هو غرضه الأكبر والأخير وإنما هو مجرد حافزٍ ودفعةٍ قدمتها له الظروف ليدخل ذلك المدخل ويبقى غرضه الأكبر والأخير أن يثبت جدارته فيها، البعض منهم قد يكون ذكيًا جدًا والبعض قد يكون غبيًا جدًا جدًا والبعض قد يكون دمويًا ومتوحشًا لكنهم يجتمعون معًا حين تضاف قائمتهم لأوراق التاريخ فلا تُنسى، ويظل ذكرهم وذكر فعلتهم في الذاكرة والعقول والأذهان، في الواقع بالنسبة للبعض منهم فهذه النهاية تبدو مثاليةً وجميلة، بل هي أجمل مما كان يحلم!
تعرف على أشهر عمليات السطو حول العالم
عمليات السطو
من أشهر الجرائم حول العالم هي جرائم السرقة والسطو فلا يخلو منها يوم أي دولةٍ أو مدينةٍ أو حتى بعض الأحياء في بعض الأحيان، بدايةً من السرقات الصغيرة والحقيرة التي لا تقدر بثمن تصاعدًا مع حجم السرقة وقيمتها المادية وهو ما يتصاعد معه رتبة ودرجة المجرم السارق وصولًا لعمليات السطو التي تكلف الملايين وربما المليارات، لا يخفى على أحدٍ الغرض الأساسي والرئيسي من عمليات السرقة والسطو على البنوك والمنشآت المختلفة وهو الحصول على المال لكن هل كل عمليات السطو والسرقة تهدف للمال فحسب فعلًا؟ وإن كان ذلك فلماذا نجد عملياتٍ من السرقة تكلفت وتكبدت من الجهد والعناء أكثر مما جناه المجرم حقًا، بل إن أحد المجرمين قد يقوم بعملية سطوٍ على أحد المتاجر ليأخذ زجاجة عصيرٍ ويرحل فحسب، أحيانًا تبدو عقول المجرمين أكثر بدائيةً أو تعقيدًا من قدرتنا على الفهم، بل أحيانًا أكثر من قدرتهم هم أنفسهم على الفهم، وهذه قائمةٌ بأشهر عمليات السطو والسرقة حول العالم.
هل استحق المبلغ كل هؤلاء الضحايا؟
مجرمنا الأول يأتي من اليابان تحديدًا عام 1948 واحدٌ من المجرمين الذين لا يمكننا حقًا أن نتفهم دوافعه أو ما كان يدور في رأسه عندما قام بجريمته تلك، ففي أحد الأيام أقدم أحد الأشخاص على بنك تيكوكو عندما كان العاملون بالبنك على وشك إغلاقه والانصراف، فتقدم من أحدهم وهو يطلب بعلياءٍ وكبرياءٍ ومللٍ لقاء المدير على وجه السرعة ومحادثته شخصيًا، وحيث كان المدير في ذلك اليوم لحسن حظه في أجازةٍ مرضية فقد قابله مساعد المدير ليخبره المجرم بكل ثقةٍ أنه أحد مندوبي الصحة أتى للبنك بغرض تحصين العاملين به من مرض الديزنتارية الأميبية والذي كان منتشرًا وقتها، وهو العرض الذي لاقى ترحيبًا كبيرًا من مساعد المدير والموظفين فما كان من مندوب الصحة المزيف إلا أن قام بجمعهم وطلب من كلٍّ منهم أن يحضر كوبًا من الشاي أو العصير أو أي مشروبٍ يتناول الدواء فيه لأن التحصين يؤخذ عبر الفم وليس كبقية التحصينات بالحقن وهو ما تم له، فسكب المجرم السم لهم في أكوابهم وتجرعوا هم السم وفي ثوانٍ معدودة أخذوا يتساقطون أرضًا واحدًا تلو الآخر، يومها راح اثنا عشر شخصًا ضحية تلك العملية بينما دخل أربعةٌ آخرون في غيبوبة وتم نقلهم للمستشفى في حالةٍ حرجة، الجدير بالذكر أن المبلغ الذي قام المجرم بسرقته لم يتجاوز الـ 500 دولار وهو ثمنٌ زهيدٌ لإقامة مذبحةٍ صغيرةٍ كالتي أقامها!
بعد الإمساك به
كان المجرم ذكيًا وصاحب بديهة واختفى تمامًا من الوجود بعدما انتحل شخصية أحد الأطباء وقام بجريمته تلك وحارت الشرطة في أمره، إلا أن أحد المحققين المتميزين تم إيكال القضية له فكان أكثر ذكاءً من المجرم واستطاع تتبعه والإيقاع به في نهاية المطاف، فالمجرم إنسان والإنسان يخطئ ومهما كان الشخص حذرًا وذكيًا فإنه سيخطئ في النهاية وذلك الخطأ سيوقع به وهو ما حدث، بعد الإمساك بالمجرم تبين أنه أحد الممثلين المغمورين وبرغم تضييق الخناق عليه واعترافه بجرائمه إلا أنه عاد لإنكاره كليًا أمام المحكمة وأحدث الكثير من البلبلة في الوقت الذي كانت البلاد تمر فيه بأزمةٍ ثقافيةٍ وفكرية مع مفاهيمٍ كالحرية وحقوق الإنسان، إلا أن المثير للدهشة والعجب كان اعترافات المجرم فيما بعد وتبين أن تلك لم تكن محاولته الأولى وإنما قام بنفس العملية مع بنكين قبل ذلك البنك ولم ينتج عن ذلك قتلى، وحين اعترف بجريمته قال أنه لم يكن يقصد قتل هؤلاء الأشخاص أبدًا وإنما ارتكب خطأً في كمية السم التي دسها لهم مما أدى لمقتلهم وكان دليله على ذلك أن أحدًا لم يمت في البنكين السابقين، أما عند سؤاله عن سبب تنفيذه لتلك العمليات الإجرامية فكان جوابه أنه كان يجرب مهاراته الفنية والتمثيلية فحسب لأنه على وشك الشروع في كتابة روايةٍ تمثيلية!
حين قرر السرقة.. سرق قطارًا!
حادثة سرقة قطار لندن الشهيرة التي هز دويها أرجاء العالم أجمع وأساساتٍ اقتصادية حين قررت إحدى العصابات الوصول إلى الغنى والثراء الفاحش بأسهل وأصعب الطرق معًا! كانت عصابةً في إنجلترا تتكون من ستة عشر فردًا زعيمهم تشارلز ويلسون وقائدهم جوردون جودني، لكن العقل المدبر والشخص الأهم على الإطلاق والذي يثير العجب كان رونالد بيجز الذي رسم ووضع خطة السرقة الكبرى بأكملها، كانت بعض الأنباء التي من المفترض أن تكون سريةً للغاية قد تناهت لمسامع العصابة بأن قطارًا سيغادر من اسكُتلندا للندن يحمل على متنه بجوار البريد ما يقارب الثلاثة ملايين جنيه استرليني وهي ما كانت تعادل في عام 2000 ثلاثين مليون جنيه! كانت تلك هي الأموال الزائدة عن حاجة البنوك الإسكتلندية وكانت في الطريق لإيداعها بالبنوك المركزية والرئيسية في لندن، بدأ التخطيط للعملية بذكاءٍ ودقة وهو ما جعل عملية نقل أطنانٍ من الأموال التي تتكلف في الوقت العادي قرابة الثلاث ساعات تنكمش لأربعٍ وعشرين دقيقة وهو مدة عملية السطو بأكملها حيث تم تضليل القطار في جوف ظلام الليل بإشاراتٍ ضوئيةٍ كاذبةٍ حتى توقف وعندها قامت العصابة بالسطو على القطار والسيطرة عليه وفصل العربتين الأولى والثانية واللتان حملتا الأموال كلها عن بقية عربات القطار الفارغة من المال، وتم تحريك القطار لأحد الجسور حيث انتظرتهم السيارات التي نُقلت الأموال إليها، وبأقل من نصف ساعة كانت العصابة مع الثلاثة ملايين جنيه في أحد البيوت الريفية النائية القريبة من مكان وقوع الجريمة حيث قرروا اتخاذه مخبأً لهم.
سقوط العصابة
صحيحٌ أن الثراء في تلك الليلة دق أبوابهم إلا أن المال لا يشتري كل شيءٍ، بل في الواقع لم يجد أي واحدٍ منهم فرصة الهناء والسعادة بالمبلغ الخيالي الذي حصل عليه كنصيبٍ له في عملية السطو، فبينما كانت البداية هي الاعتكاف في ذلك البيت بهدوء وعدم الخروج أو الدخول منه وألا تشعل الأنوار أو تفتح الستائر وعدم إحداث صوت أو ضجة تلفت الأنظار إليهم، بينما كان العالم بالخارج في حالة فوضى عارمة بسبب الجريمة التي انتشر خبرها كالنار في الهشيم وأدت إلى استنفار عشرات الآلاف من رجال الشرطة الذين كرسوا أنفسهم لمهمة إيجاد السارقين والمال المسروق، كان اختيار البيت الريفي جزءًا من الخطة لكونه قريبًا من موقع الجريمة ما يجنبهم الدخول في عمليات مطاردةٍ مع الشرطة وكانوا ينوون البقاء فيه حتى تهدأ الأوضاع، لكن الشرطة قررت البحث في دائرةٍ حول الحادث كان البيت يقع في نطاقها ما دفعهم لمغادرة البيت سريعًا، ورغم الحرص الذي كان يُحرق أعصابهم ببطء لمحاولتهم التستر على أنفسهم وإخفاء آثارهم إلا أن الشرطة نجحت في إيجاد البيت وإيجاد بصماتهم وهو ما كان السبب في سقوط أفراد العصابة وخضوعهم للمحاكمة التي انتهت بالسجن لما وصل لثلاثين عامًا لبعضهم، وكان رونالد بيجز أحد أصحاب الثلاثين عامًا.
المال لا يشتري السعادة
كانت تلك العصابة التي بلا شكٍ نالت من الحسد من بقية العصابات على غنائمها الكبيرة خير دليلٍ على أن المال لا يشتري السعادة أو راحة البال وإنما في بعض الأحيان يكون سببًا في زوالهما، فبعد الهرب من البيت صار كل واحدٍ منهم في طريقه المنفصل يترقب بخوفٍ وحذر من حوله يحاول التخفي بأمواله عن الأنظار وعدم إثارة الشكوك أو الارتياب كما أن كثيرين منهم فقدوا جزءًا غير يسيرٍ من المال كمحاولاتٍ للرشاوي وإسكات الأفواه أو الهرب من البلاد، لكن كان مآلهم جميعًا للسجن، بعضهم استسلم لمصيره وبعضهم كويلسون قرر الهرب وهرب فعلًا وأصبح مطاردًا وتحولت حياته للجحيم وأعيد القبض عليه ثانيةً ثم تم اغتياله من أفراد عصاباتٍ أخرى، وبعضهم كجوردون قضى فترة عقوبته وخرج ليعود للجريمة ثم الحبس ثانيةً، وحتى أحدهم الذي تمكن من الفرار بأمواله والعيش ببذخٍ وترف انقضت عدة سنوات قبل أن يعود للحاجة والتشرد والشحاذة بعد أن أفلس تمامًا وفي نهاية المطاف انتحر، إلا أن العقل المدبر روني بيجز كانت له حكايةٌ أخرى.
روني بيجز
حكم عليه بالسجن ثلاثين عامًا إلا أنه لم يقضِ منها سوى عامٍ واحد فر بعده من السجن أولًا ثم من البلاد ثانيًا، كلفته عمليتا هروبه أغلب أمواله أولًا ليستطيع الهروب من سجنه بالرشاوي ثم بعد ذلك كان مضطرًا ليدفع أكثر ويحتمل ألم العمليات التجميلية التي حاول تغيير مظهره فيها بعض الشيء، ثم تكلف مصاريف الأوراق المزورة والهرب من البلاد واللجوء إلى أستراليا واستقدام زوجته وأولاده للعيش معه، كانت أمواله قاربت على النفاد وبعد أن كان واحدًا من الأغنياء الذي لم يذق لحظة متعةٍ واحدةٍ بماله وإنما ضاع كله في محاولاته للهرب من الجريمة التي كسب فيها تلك الأموال، لذلك بدأ بالعمل في أبسط المهن كنجار وعامل نظافة وحداد وأي مهنةٍ حصل عليها تأتيه بلقمة عيشٍ له ولأولاده، لكن الأخبار العالمية انتشرت وصار وجهه معروفًا وطارده ماضيه الذي صار سبب شهرته حتى في أستراليا فما كان منه إلا الهرب ثانيةً للبرازيل حيث تزوج بعد رفض زوجته الأولى أن تتبعه وكانت زوجته الثانية أم ولده الذي أنقذه من السجن حين تم القبض عليه وضاقت به الدنيا بموجب القانون البرازيلي باعتباره ولي أمر طفلٍ برازيليٍّ وراعيه، ازدهرت الحياة بعد ذلك لروني وصار معروفًا ومشهورًا وله محبوه ومعجبوه وصار دخله في تحسنٍ من البرامج التلفزيونية والتمثيل في الأفلام والمسلسلات واللقاءات الصحافية معه فعاش حياته في بذخٍ وترفٍ حتى مات.
الموناليزا
من منا لا يعرف لوحة الموناليزا تحفة الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي والتي ما زالت تحمل بين طبقات ألوانها الكثير من الفن والإبداع والألغاز حتى اليوم، لسنا هنا بصدد عرض النقاشات الفنية التي تجعل الفنانين وغير الفنانين في حالة إعجابٍ وهيامٍ أحيانًا بهذه اللوحة الفريدة وجوانب تميزها وانفرادها عن غيرها من اللوحات، إلا أننا في صدد الحديث عن أحد الأحداث الذي انتشر خبره في العالم كله حين تمت سرقة تلك التحفة الفنية بمنتهى البساطة من مكانها بمتحف اللوفر واختفت لسنتين كاملتين قبل أن تعود لمكانها مرةً أخرى، كان السارق هو أحد العاملين بالمتحف فكان شابًا إيطاليًا عمله يقتصر على ترميم بعض إطارات الصور التي اهترأت أو قاربت على الاهتراء، كان كل ما فعله ببساطة هو أنه أخذ اللوحة من مكانها وقام بتخبئتها تحت معطفه وخرج بها من الباب وعلى وجهه ملامح وأمارات البراءة، اختفت اللوحة لمدة عامين كاملين في بيت بيروجي السارق ولم يستطع أحدٌ أن يتوصل إليه أو إليها، الطريف في الأمر أن الموناليزا المفقودة ظلت محتفظةً بمكانها في المتحف بل إن أعداد الزوار الذين جاؤوا ليشاهدوا مكان الموناليزا الفارغ أكثر من عدد هؤلاء الذين كانوا يأتون لرؤية الموناليزا نفسها، لكن بعد مرور العامين يبدو أن بيروجي قرر الاستفادة من عملية السرقة التي أقدم عليها فتجرأ بإخراجها للنور وباعها لأحد الفنانين الإيطاليين، كان الفنان قادرًا على التعرف على الموناليزا وكونها أصليةً أم مقلدة وعندما اكتشف أنها أصلية قام بإبلاغ السلطات الإيطالية وتم إلقاء القبض على السارق، جرى ترحيل السارق واللوحة المسروقة لفرنسا وكان تفسير بيروجي لفعلته أنه كان يحب فتاةً حبًّا جمًا ومن ثم فقدها وعندما رأى الموناليزا تذكرها وأراد الاحتفاظ بالموناليزا التي تذكره بحبيبته السابقة فسرقها، وانتهت محاكمته بسجنه لعامٍ واحدٍ فحسب.
للغباء نصيب
ليس كل اللصوص أذكياء أو أصحاب أفكارٍ براقة وتفكيرٍ متسلسل منظم، فالبعض منهم قد يثير عجبك بغبائه كهذا اللص سيء الحظ، لا يدري أحدٌ لماذا وغن كان اللص في كامل قواه العقلية عندما أقدم على فعلته تلك لكنه كان سيء الحظ بما فيه الكفاية ليندم عليها بقية عمره، كان ذلك عندما حاول التسلل لبيت بطل الكاراتيه الأول في الولايات المتحدة “غارسيس كريستيان” ولم يكن ذلك سر غبائه الوحيد فبعد نجاحه بالتسلل أخذ يسرق أشياء تافهة لا تستحق أن تدخل من أجلها بيت بطلٍ في الكاراتيه وتعرض عظام جسدك كلها للخطر، لكنه فعل وعند تسلله خارجًا من البيت وجد غارسيس واقفًا أمامه فحاول الهرب إلا أن بطل الكاراتيه أغلق عليه منافذ الهرب وانهال عليه ضربًا حتى سحبه إلى الشارع ليكمل عملية الضرب وتجيء الشرطة فتنقذ اللص المسكين من ضحيته البطل!
سرقة دونبار الشهيرة
أحيانًا تأتي السرقات من الخارج وأحيانًا فإنها تأتي من الداخل، الخونة موجودون في كل مكان والإنسان ضعيف وخاصةً أمام المال، مدبر عملية أكبر سرقة مالية في الولايات المتحدة أي سرقة دونبار كان ضابط شرطة أي من قلب المنظمة الأمنية نفسها، كان المبلغ الذي تم سرقته يقدر بثمانية عشر مليون دولار أمريكي وهو يعد أكبر مبلغ تم سرقته في تاريخ أميركا كلها، بعد التخطيط والتعاون مع عددٍ من أصدقائه تمت عملية السرقة بنجاح وحصلوا على المبلغ وحصل كل واحدٍ منهم على نصيبه، وقد كللوا نجاحهم بعمليات غسيل أموالٍ واسعة النطاق على كل أموالهم التي سرقوها وهو ما كان قادرًا على إبعاد الشبهات عنهم للأبد، إلا أن الجرائم لا تكتمل أبدًا فأحد أفراد العصابة وقع في خطإٍ بسيطٍ عندما قدم عددًا من الفواتير التي ما زالت مرتبطة بسير النقد البنكي لأحد المتعاملين الماليين والذي شك بدوره في الأمر وقام بالتبليغ عنه، مما قاد السلطات الأمريكية إليه فتم القبض عليه وبعد التحقيق معه اعترف على كل رفاقه وتم القبض عليهم واستعادة ما كان معهم من المال، ومن المؤسف أن ما تم استعادته كان أقل من نصف المبلغ المسروق فما يزيد عن عشرة مليون دولار ظل مجهول المكان.
ألماس أنتويرب
إن كان للمال كل هذا البريق والبهاء الذي يجعل الناس يسقطون في غرامه ويضحون بحياتهم وعمرهم كله في بعض الأحيان لأجل الحصول عليه فكيف هو الحال مع الألماس؟! إن كان المال يغري مرةً فالألماس يغري مليار مرة، وحتى في عالم السرقة فالمجرمون طبقات فلنجعل طبقة المجرمين سارقي الألماس كطبقة اللوردات والنبلاء في مجتمعاتنا، لصٌ ذو ذكاءٍ كبريق الألماس وذوقٍ عالٍ وراقٍ، قرر لصنا الحالي سرقة أكبر مركزٍ بلجيكيٍّ لتجارة الألماس، لم يكن القرار الجريء هو الأكثر إعجابًا في الأمر بل ذكاء اللص وخفته ومهارته جعلته جديرًا بأن يكون بطل ما سُمي بسرقة القرن، الألماس الذي كان هدف السرقة كان محاطًا بكل أنواع الإعدادات والإنذارات الأمنية عالية التقنية والتي هي بحاجةٍ لجيشٍ كاملٍ من الخبراء للعبور منها، لكن الأمر هنا لم يتطلب إلا مجرمًا واحدًا بارعًا للعبور من كل أنظمة وتقنيات الحماية وكاميرات المراقبة ومجسات أشعة تحت الحمراء ورادارات حرارية وكواشف مغناطيسية ليصل إلى خزانة الألماس التي تتيح مليون احتمالٍ لفتحها فيستطيع فتحها ويسرق ما يقارب المائة مليون دولار أمريكي من الألماس! إن هذا اللص أحد ظواهر ما وراء الطبيعة حقًا ورغم فداحة جرمه إلا أن عبقريته ومجهوده يستحقان مبلغًا كهذا حقًا، لكن كعادة النهاية تم القبض عليه وإدانته بالجرم رغم أنه رفض الاعتراف بارتكابه وأنكر السرقة تمامًا، إلا أن الأمر المؤسف فعلًا أنه لم يتم العثور على الألماس المفقود حتى اليوم.
وإلى العراق
من العالم الغربي بسرقاته ومجرميه إلى قلب العالم العربي حيث واحدةٌ من أفدح وأكبر عمليات السرقة التي تبخرت فيها ثلاثمائة مليون دولار أمريكي من بنك دار السلام بالعراق، وعلى عكس السرقات السابقة هنا تختلف النهاية، عاد العاملون بالبنك صباحًا ليجدوا الأبواب الأمامية مفتوحةً على مصراعيها والمال قد اختفى، وبحسب الإحصائيات فالمبلغ المفقود كان يقارب الثلاثمائة دولار أمريكي وكان الحراس الثلاثة الملزمين بحراسة البنك ليلًا قد اختفوا، وهو ما جعلهم على رأس قائمة الشبهات، إلا أن اختلاف النهاية هنا يرجع لأن المجرمين لم يتم العثور عليهم حتى الآن لا هم ولا المال الذي قاموا بسرقته، فكأنهم تبخروا مع المال في الهواء ولم يتبقَ لهم أثر.
الحياة قاسية
ذكرنا أن السرقة أحيانًا قد تتم لأجل المال أو غالبًا فهي لأجل المال، لكن بعض عمليات السرقة الأخرى قد تدهشك دوافعها وهذه إحدى القصص، كان فيرون يملك عملًا لما يقارب العقدين من الزمن صحيحٌ أنه عملٌ بسيط إلا أنه كفل له الحياة، لكن بعد تسريحه من عمله صار يبحث عن عملٍ آخر أو أي مدخل رزقٍ له يساعده خاصةً بعدما بدأت صحته في التدهور وصار بحاجةٍ إلى العناية والرعاية الطبية وهو ما كان يفوق قدراته المالية الضئيلة، بينما لم تكفل له أيٌ من أعماله البسيطة التي كان يقوم بها تأمينًا صحيًا يغطي نفقات الطبيب، عندها لم يجد فيرون أمامه إلا طريقًا واحدًا ولك أن تحزر ما هو ذلك الطريق استنادًا على نوع القائمة التي تقرأها الآن، سرقة أحد البنوك كان هو حله الوحيد أليس كذلك؟ في الوقاع تخمينك غير صحيحٍ بنسبة 100% فهدف فيرون لم يكن قط سرقة المصرف وقضاء البقية الباقية من حياته يهرب بالمبلغ الذي سرقه وإنما كان هدفه أن يتم القبض عليه بتهمة السرقة وإيداعه السجن حيث سمع أن السجناء يحصلون على رعايتهم الطبية!!! وهو ما حدث فعلًا عندما دخل فيرون أحد المصارف وسرق دولارًا واحدًا ثم أخبر الموظف بأنه سيجلس بهدوءٍ بانتظار الشرطة التي أتت للقبض عليه فعلًا بتهمة السرقة!
جوني ديب يقدم لنا مجرمًا مميزًا في فيلمه Puplic enemies قدم لنا الممثل جوني ديب واحدًا من أكثر المجرمين تميزًا وذكاءً، ورغم أن حصيلة سرقاته لم تصل للملايين قط وإنما كانت حصيلته عدة مئات الآلاف من الدولارات إلا أنه كان صاحب صبرٍ وكان يجد متعةً وسعادةً في الإعداد لسرقاته المختلفة، كانت البنوك هي هدف جون ديلينجر بالطبع ولكن الأنظمة الأمنية المحكمة التي كانت البنوك تحيط أنفسها به جعل من العسير استخدام القوة وحدها للسرقة وإنما أدرك أنه بحاجةٍ لكثيرٍ من المكر والدهاء لعملياته، فكان يقوم بدراسة البنوك ومواقعها وأماكنها ويتنكر في عدة أزياءٍ وهيئاتٍ ليستطيع الدخول ودراسة موقع البنك ومداخله ومخارجه وأنظمته وأمنه وبعد انتهائه من الدراسة يعود فيرسم الخطة ويستولي مع عصابته على البنك، كانت سرقته الكبرى البنك الوطني المركزي في إنديانا حيث وصلت غنائمه لثمانين ألف دولارٍ في ذلك اليوم، لكنها كانت خامته حيث لاحقته المباحث الفيدرالية ومات في إحدى المواجهات معها.
التكنولوجيا سلاحٌ ذو حدين
دائمًا ما تثبت لنا التكنولوجيا أنها قادرة على خدمتنا وأذيتنا في آنٍ واحد، كان أحد خبراء الكمبيوتر يعمل في بنك الباسيفيك بلوس أنجلوس وكونه خبيرًا في التكنولوجيا جعله أذكى من في المكان والأقدر على التغلب على من حوله فكان له ما كان، قام في غفلةٍ من الآخرين بتحويل ما يقارب العشرة ملايين دولار أمريكي من حساب البنك إلى حسابٍ سويسريٍّ كان قد أنشأه لهذا الغرض، والطريف في الأمر أن عملية السرقة تمت بسلاسةٍ وسهولة حتى أن السرقة لم تُكتشف إلا بعد مرور أسبوعٍ كاملٍ على العملية، كان وقتًا كافيًا للص الذكي أن يهرب فيه ويختفي مع أمواله، لكنهم دائمًا ما يخطئون فقد اشترى اللص بعض المجوهرات ببضعة ملايين ثم عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبيعها فتم كشفه والقبض عليه.
الحب والسرقة
التاريخ عامرٌ بالمجرمين وجرائم القتل والسرقة لكن أشك أنه وجد قصةً أكثر إثارةً من عصفوري الحب المجرمين بوني وكلايد ليخلد قصتهما، كان بوني وكلايد عصفوري حبٍّ مرهفي المشاعر متقدي العاطفة جعلتهما عاطفتهما المشتعلة يكادان يحرقان البلاد بأكملها معهما، مرت قصة حبهما بالعديد من الظروف التي يندر أن تمر بها قصة حبٍّ أخرى لكن لم ينجح في تفرقتهما أي شيءٍ حتى الموت، كان بوني وكلايد من أخطر الخارجين عن القانون ومسببي الشغب وكانا من أشهر سارقي المصارف والبنوك، حتى أن الشعب الأمريكي حتى يومنا هذا يعتبرهما الأشهر في ذلك المجال على الإطلاق، لكن الحقيقة أن جرائمهما وخروجهما عن القانون لم يكن سرقة البنوك فحسب فقد شاع عنهما سطو كل ما استطاعا سطوه وسرقة كل ما تمكنا من سرقته والفرار به، كما كانا متهمين بعدة جرائم قتلٍ أيضًا، انتهت قصة حبهما الناري بغارةٍ شنتها الشرطة عليهما فأسقطتهما جثتين هامدتين لتنتهي حياتهما لكن القصص لا تموت.
التاريخ عامرٌ بالجرائم والمجرمين وقصصهم لا تنتهي وجرائمهم لن تنتهي أبدًا، السرقة لا تعني أحيانًا سرقة بنوكٍ أو مراكز تجارية لكنها قد تتجاوز ذلك في بعض الأحيان لتصبح سرقة أرواحٍ وحرية، المجرمون مهما اختلفوا فلن يختلفوا والتاريخ هو الأبقى والفصل.
أضف تعليق