الاتجار في البشر واحدة من أكثر أنواع التجارات غير المشروعة رواجًا في عالم اليوم، رغم كونها واحدة من الوسائل غير المشروعة لتحقيق الربح، نستعرض هذه التجارة هنا. عندما نبدأ حديثنا بذكر كلمة الاتجار في البشر فإن البعض قد يستغرب ويستنكر ذلك معتقدين أنها كلمةٌ غير واقعيةٍ ولا حقيقيةٍ في عصر اليوم، فالبعض يعتقد أن أيام الرق والعبودية قد ولت وأن أبناء اليوم ورجال العصر جميعًا أحرار، وأن عالم الحرية والديمقراطية والمساواة قد جاء إلينا بإلغاءٍ تامٍ لتلك الظواهر المؤسفة، لكن هل تلك هي الحقيقة فعلًا؟ هي انتهت العبودية؟ بالطبع نحن لا نرى اليوم أسواقًا يوم السبت أو حتى الثلاثاء نجد الرجل فيها يجر خلفه عشرة رجالٍ أقوياء عراة الجذوع أو فتياتٍ حزينات الملامح منكسات الرؤوس ويعرضهم أمام كل من يروح ويغدو بانتظار من يدفع الثمن الأعلى لعبدٍ أسود قوي البنيان أو لجاريةٍ عذراء طرية العود، يبدو ذلك من أجواء الزمن الماضي وانقرض في عصر اليوم، لكن هل يعني انقراض التجارة بهذا الشكل أنها اختفت فعلًا؟ أم أنها ارتدت ثوبًا أكثر تحضرًا وتخفيًا وتجملًا يجعل الناظر بعين الغافل لا يرى الحقيقة؟
الاتجار في البشر : تعرف عليها اليوم
العبودية قديمًا
العبودية لم تكن قط شيئًا حديث العهد أو جديدًا وإنما هي قديمةٌ قدم الزمن، بل إن آلاف الحضارات القديمة ما قامت إلا على أكتاف العبيد الذي استعبدهم ملاكهم، كانت العبودية كمصطلحٍ تُطلق على عملية امتلاك الأشخاص أيًا كانوا نساء أو أطفال أو رجال، وكان مالكوهم يملكون تمام الحق في التصرف فيهم كيفما شاءوا فيبيعونهم ويشترونهم ويأمرونهم وللعبد حق الطاعة فحسب ولا حق له في النقاش أو الاعتراض، وكان التجار يعرضونهم في سوق الرقيق أو النخاسة فيزايدون في أسعارهم حتى يُباع العبد أو الأمة لسيده الجديد ويقبض سيده القديم ثمنه، وأحيانًا كان يتم المهاداة بالعبيد والجواري للملوك أو ذوي النفوذ والسلطة، أما كيف يأتون بالعبيد في بداية الأمر فالعبودية كانت كثيرًا ما تورث فيولد العبد ابن عبدٍ أو أمةٍ فيورثانه العبودية خلقًا وسلوكًا وواقعًا، وأحيانًا كانت القضايا المادية أو الجنائية تدفع بالأحرار للعبودية كأن يكون لأحدهم دينٌ لا يستطيع سداده فيخير بين العقاب وبين العبودية فإن اختارها يصبح عبدًا لمن كان مدينًا له لبقية حياته ربما، كان أسرى الحرب أكبر وأشهر فرعٍ من الفروع التي تمد الأنظمة والحضارات السابقة بالعبيد والرقيق، فكانت الدول تغير على الدول الأخرى الأكثر ضعفًا والأقفر والأكبر عددًا فتستعمر أراضيهم وتأخذ أهل البلاد سبايا.
حين يؤسر الحر
وفي بعض الأحيان كان الرق والاستعباد إذلالًا للخصوم فكانت الدول المتخاصمة والمتنافسة تدخل حربًا فما إن تنهزم إحداهما حتى يُأخذ أهلها عبيدًا لدى الدولة المنتصرة، والتاريخ يمتلئ بكثيرٍ من الملوك والملكات انتحروا عقب خسارتهم الحرب خوفًا من الرق والأسر وأشهرهم كانت كليوباترا السابعة التي هددها أوكتافيوس بالأسر وأنها سيجعلها تسير جاريةً حافية القدمين أمام الرومانيين أجمعين فاختارت السم والموت على المذلة، برغم ذلك فإن الكثير من الأسرى والجواري كان لهم مستقبلٌ واعدٌ بسبب أنهم لم يولدوا عبيدًا وإنما ولدوا أحرارًا وتعلموا وعاشوا حياة الحرية فكان الأسر مجرد مرحلةٍ انتقاليةٍ في حياتهم سعوا بعدها للوصول للمجد والسلطة وأشهر هؤلاء كانوا جواري كشجرة الدر أو هويام التي أسقطت الدولة العثمانية كلها بمكرها.
العبودية وطريق العالم للتخلص منها رسميًا
كانت الكثير من دول العالم وحضاراتها القديمة تقوم على العبودية كما أسلفنا مثل الحضارة الرومانية التي قبل أن أغلب الرومانيين في عزها وقوتها كانوا عبيدًا وجواري، وكذلك الحضارة الفرعونية وحضارات شبه الجزيرة العربية وحتى مع تقدم الزمن كان هناك حركاتٌ ضخمةٌ للاستعباد مثل التي قام بها الأوروبيون باستعباد السود والأفارقة وتهجيرهم من بلادهم للقارة الجديدة للعمل فيها بالسخرة وتوفير عددٍ كبيرٍ من الأيدي العاملة التي لم تكن تكلفهم شيئًا، في البداية جاء الإسلام في شبه الجزيرة العربية ليلغي الرق والعبودية بشكلٍ مباشر لكن في ذلك الوقت كانت العبودية نظامًا اقتصاديًا واجتماعيًا مترسخًا في المجتمعات المختلفة، وكان إلغاؤه أو تحريمه دفعةً واحدةً بمثابة الحكم على بعض التجار والأغنياء منهم خاصةً بالإفلاس دفعةً واحدةً وهو ما كان ليضر الإسلام لا لينشره، فجعل تحرير العبيد والرقيق تقربًا لله ووضع له الشروط وأعطى للعبيد الحق في أن يعتقوا رقابهم من أسيادهم، بعد ذلك وبعد التقدم والتطور وبعد ما فعله الرجل الأبيض بعبيد القارة السوداء بدأت حركاتٌ كبيرةٌ في جميع أنحاء العالم تدعو إلى إلغاء العبودية وتجارة الرقيق واستعباد الناس وتعالت الأصوات تقر ذلك القرار وتشجعه وأعلنت الكثير من الدول فعلًا فرض العقوبات على تجار البشر وتحريم تلك التجارة، إلا أنه برغم ذلك ما زالت بعض الدول حتى اليوم لم تحرم تجارة البشر ولا تفرض العقوبة على من يمارسها.
الاتجار في البشر اليوم
كان الاتجار في البشر قديمًا يقوم على المال وكان اسم العبد أو الأمة رائجًا ومنتشرًا يمس الناس ويقر بعبوديتهم ولم يكن أحدٌ ممن وُصفوا بذلك اللقب يستطيع التخلص منه أو إنكاره، فكان الناس كالسلع تُباع وتُشترى، أم اليوم فبات الرق والاستعباد ينبع من الابتزاز أو الحاجة أو الفقر أو الاستدراج، فتجارة البشر تنقسم إلى جزء المتاجر بهم وجزء التجار، إلى بلادٍ معطيةٍ للعبيد وبلادٍ مستقبلةٍ ومشتريةٍ لهم، وكانت الأوضاع المعيشية والحالة الاقتصادية هي العامل الأول المساهم في انتشار تلك التجارة أو حتى وجودها من الأساس، وخاصةً أنه تمت ملاحظة أن الدول المعطية هي الدول الفقيرة التي يكثر بها عدد السكان وينهار اقتصادها وينخفض مستوى المعيشة إلى درجاتٍ لا آدمية، فلا يكون الحل سوى اللجوء لتلك الطرق الملتوية وبيع النفس لشراء لقمة العيش، يُطلق لفظ الاتجار في البشر بشكلٍ عام على الاستعانة بالأعداد البشرية للقيام بأعمالٍ قسريةٍ أو غير مشروعةٍ بسلطة القوة أو الابتزاز أو الإجبار ولا يحصل العالم على أجره أو حقه في الحياة والاختيارات، وإنما يكون مجرد عبدٍ لسيده ومالكه ينفذ له ما أراد.
مازالت تجارة البشر في ازدهار
من الغريب أن نجد ذلك اليوم رغم ما أقرته واعترفت به كل الدول من تحريمٍ لتلك الجريمة ورغم اعتبارها ثالث أكبر وأخطر جريمةٍ في العالم بعد تجارة المخدرات والسلاح بل إن بعض الإحصائيات تخبر أن التجارة بالبشر ستتعدى وتتجاوز تجارة السلاح عما قريب! ورغم أن الأمم المتحدة جعلت يومًا عالميًا لتلك المناسبة لمكافحة الاتجار بالبشر ومحاولة توعية الناس وتنبيههم قبل أن تزل أقدامهم في ذلك الطريق ومحاولة مساعدتهم إن زلوا فعلًا، إلا أن كل ذلك لا يبدو أنه يقلل بأي شكلٍ من الأشكال من تلك التجارة المتزايدة في كل أنحاء العالم بشكلٍ متسارعٍ ومرعب، بدون أن تؤثر كل تلك القرارات والجهود الدولية في مساعدة الملايين الذين يتعرضون للعبودية صباح مساء، بل إن المرعب أن بعض أشكال العبودية نتعامل معهم يوميًا ونراهم بغير نشعر بهم وبالظلم والقهر الذين يتعرضون له، بل إن العالم المتكاسل يبدو كأنه يدعو لاستعباد الضعفاء وغير القادرين أكثر فأكثر مع الوقت كمن نراهم حولنا من بعض عمال البناء أو الخدم في بيوتنا بدون أن نتوقف لحظةً واحدةً لنفكر في حياة هؤلاء الأشخاص الذين يعملون تحت إمرتنا بما قد يبدو بطواعيتهم لكنهم في الحقيقة كانوا عبيد الفقر الذي باع واشترى منهم ولم يكتفِ.
أنواع الاتجار في البشر
تختلف أنواع التجارة بالبشر وتتشعب لعدة فروع، أولها هو التجارة بغرض العمل القسري والسخرة وغالبًا ما يقع الرجال والأطفال أو الصغار ضحية هذا النوع من الأعمال، فيستغلون حالتهم المادية والاجتماعية وضيقهم وحاجتهم لسلبهم من بيوتهم وأحيانًا من أوطانهم وتسخيرهم للأعمال القاسية التي لا يسمن عائدها ولا يغني من جوع هذا بالطبع إن كان هناك عائد، فأحيانًا يكون العائد الذي يعود على هؤلاء المساكين هو توفير كسرة خبزٍ تقيم عوده لعمل اليوم الشاق وأحيانًا يكون الابتزاز والتهديد هما سر العمل الذي يقوم به فلا يستطيع الاعتراض لأنه كلما حاول يعود مالكه لابتزازه بما استخدمه لجره لهذا المستنقع من البداية، النوع الآخر من الاتجار في البشر سره الجنس وغالبًا ما يقع النساء والفتيات والأطفال ضحيته فبيوت الدعارة تلك ما قامت إلا على أكتاف هؤلاء المستضعفين وخاصةً أن دخول نوعٍ كهذا من الاستعباد يكون أسهل بكثيرٍ من الخروج منه بل إن الخروج منه أحيانًا يصبح مستحيلًا لأنه يقضي على صاحبه تمامًا.
الإنسان يُستعبد قطعةً واحدةً أو عدة قطع
تجارة الأعضاء البشرية إحدى الأبواب الجشعة المفتوحة على مصراعيها للتجارة بالبشر فبعد أن كان التجارة بهم قطعةً واحدةً صارت التجارة قطعًا صغيرةً متناثرة، يقبل البعض على ذلك الباب فيبيعون أعضاءهم الثمينة بأبخس الأثمان ولأحرج الأسباب وأضيقها ولأنهم لم يجدوا بجعبتهم ما يستطيعون تقديمه أمام ما يتعرضون له سوى أجسادهم التعبة، وأحيانًا أخرى كانت المنظمات الأكثر إجرامًا تعمد إلى خطف الأطفال والتائهين والمشردين والضائعين وقتلهم والتجارة بأعضائهم بثمنٍ غالٍ لم يبذلوا لاستحقاقه سوى جهد القتل فحسب، وسائل الاستعباد كثيرةٌ وعديدة فالبعض منها يلجأ إلى استعباد الأيتام تحت اسم التبني، فتحمل الأوراق الرسمية كلمة التبني بينما الحقيقة والواقع هي أنه يتم استغلال هؤلاء الأطفال وتشغيلهم وبيعهم واسترقاقهم بدون رقابةٍ ولا أحدٍ يوقفهم عند حدهم.
أسباب انتشار الاتجار في البشر
ما كانت لتلك التجارة القاسية أن تنتشر وتزدهر بهذه الطريقة لا لو كان لها أسبابٌ داعيةٌ وقسرية، خاصةً أننا ما عدنا في عصر شراء العبيد وبيعهم من الأسواق، وإنما الظروف المعينة التي يسقطون تحت رحمتها هي التي تدفع بهم لأن الحقيقة الواقعية تخبرنا بأن الإنسان ولد حرًا ولا يمكن أن نجد من قد يكون سعيدًا بهذا الوضع وبكونه عبدًا يفعل ما يؤمر به، خاصةً أن أغلب تلك الأعمال التي يجبرون عليها لا يمكن لإنسان حر القرار والإرادة أن يعملها وكان ذلك واحدًا من أسباب انتشار تلك التجارة، فحاجة المروجين لتلك الأعمال والمحتاجين لأيدي عاملة للقيام بها واحدًا من أسباب اتجاههم للتجارة في البشر للحصول على أيديهم العاملة التي لا تكلفهم شيئًا، خاصةً أن الدراسات والإحصاءات في بعض السنين أثبتت أن الربح الخام الصافي من الاتجار بالبشر وصل إلى مئات المليارات عبر العالم كله وهو ما جعلها تجارةً رائجةً ومربحةً ويكون السبب انتشارها، شيءٌ آخر يتسبب في انتشارها هو حال الدول ومصائرها ومستوى معيشتها، فبعض الدول الفقيرة التي لا تتحمل نفقة أفرادها ولا معيشتها تجبر أفرادها على الهجرة منها والاتجار بهم للتخفيف من كثافتها السكانية وتقليل الاستهلاك الذي تتعرض له، أما الدول المتاجٍرة التي تشتري فبجانب حاجتها للأيدي العاملة وبجانب كونها تجارةً مربحةً فالسبب الأكبر هو غياب الرقابة والعقاب رغم كل الكلام والقرارات التي تصدر إلا أن التنفيذ العملي لها غائبٌ عن أرض الواقع، فليس الأفراد وحدهم المتورطون في تلك التجارات وإنما دولٌ بأكملها تعود عليهم تجارة البشر بالربح وتساهم في رفع الدخل الاقتصادي لها، ما يجعل السلطات والحكومات متهاونةً مع تلك الجرائم وتسعى للتغاضي عنها وعدم القبض على أيدي المسئولين عنها طالما يعملون في الخفاء أو بأقل تقدير يعملون بدون التسبب في الفوضى والمشاكل مع منظمات حقوق الإنسان وعامة الناس.
الاستدراج
إن العالم الذي قسم الناس لطبقاتٍ كان أكبر سببٍ في إيجاد تلك الجريمة وانتشارها وذياع صيتها فهو يدعو للحرية والمساواة والديمقراطية من جهةٍ ومن الجهة الأخرى تراه يقسم المجتمع لطبقات والدول لدولٍ رائدة ودول العالم الثالث، حين يفرض العالم على الدول أحوالها الاقتصادية المتدنية فتلك الدول تفرض على أفرادها قبول السخرة والاستسلام للعبودية والتجارة بهم لأنها لا تترك لهم خيارًا آخر سوى الموت بأسوأ الأساليب، البطالة كانت واحدةً من تلك الجهات التي تعجز فيها الدول عن تقديم فرصة العمل الشريف لأفرادها فتجعلهم يلجؤون للبحث في الخارج، فنرى الكثير منهم يُستخرج من وطنه وهو غافلٌ عما ينتظره سواءً بالتهجير غير الشرعي أو الكلام المعسول أو الوعود الكاذبة أو الوظائف الوهمية أو الابتزاز أو أيًا كانت الوسيلة، وعندما يصل للمكان الذي يقصده لا يجد ما وُعد به وإنما يجد نفسه متورطًا في شيءٍ أكبر منه ويصبح عاجزًا عن الخروج منه لأنه مهدَّدٌ أو مُبتز وينغمس في ذلك العالم أكثر فأكثر، كذلك قدرة التجار على تهريب الضحايا ومساعدتهم على هجرةٍ غير شرعيةٍ لبلدٍ لن يعترف بهم ولن يعطيهم أية حقوقٍ أو مساعدات لأنهم في الأصل تسللوا لداخله خلسة عجزًا منهم عن دخوله بطريقةٍ شرعية، ما يجعلهم عبيدًا لرؤسائهم حرفيًا.
التجارة في البشر عبر الإنترنت
كعادة التكنولوجيا فهي دومًا سلاحٌ ذو حدين وكلما زادت حدة جهة الفائدة فبالتالي تزيد حدة جهة الضرر، كان الإنترنت من أكبر تسهيلات حياتنا والذي جعل العالم كله في قبضة يدنا وجعل السفر عبر القارات ممكنًا دون أن نبارح أماكننا، كذلك فقد كان من أكبر عوامل ومسهلات رواج التجارة في البشر، فقد وفر على التجار تكلفة تهجير ضحاياهم وكلفة السفر والنقل وصار التواصل ببين البائع والمشتري والضحية منتشرًا بسهولة عبر الإنترنت، كما أصبح تداول السلع المقدمة أسهل وأسهل، واشهر ما يستغل فيه الإنترنت كان الدعارة أو الاستغلال الجنسي والإباحي للأطفال والنساء، فيتم استغلالهم لتنفيذ المواقع الإباحية وتشغيلها ونشرها كما أصبح من الممكن الدعاية والإعلان لفتيات الهوى عبره وبيعهم وشراؤه من خلاله، كما سهل الإنترنت التخفي وصعّب القدرة على الإمساك بالمجرم والجاني الحقيقي والقبض عليه كما أعطى التجار صلاحياتٍ أكبر ومساحاتٍ أوسع للعمل عبر العالم كله، والترويج لسلعهم البشرية للمشترين والمستقبلين من جميع أرجاء العالم، كما سهل انتشار الإنترنت على التجار الوصول لضحاياهم داخل بيوتهم عبر إعلانات الوظائف الكاذبة والوهمية والتواصل مع من يعرفون عنهم الحاجة والفقر أو الظروف التي ستجعلهم يرضخون لعالم الاستعباد، كذلك الترويج لمنظماتهم وجماعاتهم الوهمية التي تتستر أعمالهم التجارية القذرة خلفها مثل الجمعيات الخيرية التي تساعد الطلاب مثلًا أو ملاجئ الأيتام كما ذكرنا، فيتم استدراج الضحايا بغير علمهم حتى يقعوا في الفخ فيطبق عليهم ويجبرون على الخوض في تلك الأعمال قسرًا وجبرًا.
نتائج التجارة في البشر والتهاون مع القائمين عليها
ما لا يمكن الاختلاف عليه هو كون تلك التجارة جريمةً من أكبر الجرائم والدليل على ذلك أن في دساتير كثيرٍ من الدول قد تصل عقوبتها للإعدام حين يتم إثبات تلك التهمة على الجاني بالأدلة الواضحة الصريحة، لكن التهاون في تطبيق القانون وانغماس دولٍ بأكملها في تلك التجارة عبر كبار رجالها وساستها يؤدي إلى زيادتها وشيوعها ورواجها وهو ما يؤدي بالعكس لنتائج سيئة، في البداية فالتهاون في تحقيق العدالة وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه يشجع الكثيرين والقادرين من خارج المجال على الدخول فيه واعتناقه لأنهم يقعون تحت إغراء المال والثروة، كما أن تلك التجارة تأتي على اقتصاد البلد الذي تنتشر فيه بالضرر فزيادة معدلات الدخل والربح في البلاد بشكلٍ ضخمٍ وكبير في وقتٍ قصير وهو ما تكفله تلك التجارة يؤدي إلى اختلالٍ في نظامها الاقتصادي كما يرفع من مستوى المعيشة ويسحق الطبقة الوسطى سحقًا، ويؤدي إلى التضخم وانهيار العملة وعود بالضرر على الأفراد الذين لا ذنب لهم في شيءٍ سوى انتشار الدخل الغير مشروع في بلادهم، ومن ناحيةٍ أخرى فإن الحلقة التي تدور فيها بلاد العالم المُصدرة للضحايا والتي دفعتهم للهجرة لا تنكسر، فتلك الدول تعاني من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة فتضطر للتخلي عن أفرادها، وبالتالي فهي تخسر قوتها العاملة وأبناءها الذين من المفترض بهم أن يساهموا ويساعدوا في بنائها وتطويرها والرفع من مستواها بين الدول، لكنها لا تملك ما تعطيه لهم سوى التخلي عنهم وتهجيرهم فتخسر ويخسرون وتستمر الدائرة.
النتائج على الأفراد
نحن ننظر لتلك الجريمة كقضيةٍ عالمية لكننا نحتاج في منتصف الطريق للتوقف للحظات والنظر إلى أولئك الضحايا بعين الإنسانية، ومحاولة تخيل وتفهم الضرر البالغ الملحق بإنسانيتهم المهدرة على أعتاب العبودية، فالإنسان ولد حرًا وخلق صاحب قراراته ومحدد مصيره فتخيل شخصًا يحرم من كل ذلك وتسحب كل امتيازات الإنسانية منه ليتم استعباده وتشغيله كثورٍ يحرث الحقل بلا ثمن سوى العشب الذي يتناوله، إن سحب الإنسانية من إنسانٍ لهي جريمةٌ بشعةٌ بكل المقاييس تحتاج لمليون منظمة حقوق إنسانٍ توقفها، كما أنها تتسبب في تفرقة الأسرة التي من المفترض بها أن تكون نواة بناء المجتمع، تسحب الأطفال من ذويهم وبدلًا من حصول الطفل على طفولته وحياته وتعليمه فهو يحصل على وظيفةٍ لم يطلبها وعملٍ لا يحصل على أجرٍ في مقابله ليقوم به من صغره وحتى موته، إن القضية هنا لهي قضية تدمير إنسانٍ وسلب حياته منه سلبًا.
التغلب على تلك الجريمة
اليوم تساهم الكثير من الجهات والبلاد والمنظمات في محاولة التغلب على تلك الظاهرة التي بدأت تتشعب وتغرس جذورها في أرض عالمنا بشكلٍ مخيف، يحاولون توعية الغافلين الذين يتم استدراجهم لحتفهم بدون علمهم، كذلك فإن على العالم أن يتخلى عن طبقيته ويستوعب كون الطعام والشراب والملبس والمسكن والتعليم والزواج والوظيفة والحياة الإنسانية حقوقًا لا جدال فيها لكل كائنٍ حي، لا يمكن سلبها منه وبالأخص لا يمكن أن يُوجد إنسانٌ في الدنيا بدون أن تُوجد له تلك الحقوق، فتلك أبسط وأقل حقوق الإنسانية، إن تم كفلها لكل إنسانٍ وأسرة لن يكون هناك محتاجون أو فقراء أو مضطهدون أو ضعفاء أمام الابتزاز والحاجة والفقر ليقبلوا ببيع أنفسهم بلا ثمن، تحتاج الدول إلى إعادة النظر في سياساتها ويحتاج العالم إلى أن يتحول من عالمٍ مستهلكٍ إلى عالمٍ أكثر إنتاجًا، كما أنه يجب أن يتوقف العالم على التشدق بكلمات الحرية والديموقراطية والمساواة بدون تنفيذها وتحويلها من كلماتٍ رمزية إلى أفعالٍ حقيقية تكفل للجميع العيش بنفس المستوى بدون أن يكون هناك طبقةٌ مستعبدة وطبقةٌ ترأس العبيد وتأمرهم.
أضف تعليق