الأشباح من أقدم القضايا والظواهر الخارقة التي عرفها الإنسان وشغلت حيزًا غير هينٍ من كل الثقافات على مر العصور، سواءً كانت حقيقيةً أو واقعيةً أم غير ذلك ففكرة الأشباح هي فكرةٌ راسخةٌ في الثقافة الإنسانية قديمةٌ قدم الإنسان نفسه، حتى أنني لأجرؤ أن أقول أن الأشباح كانت بداية ومدخل الإنسانية لعلم الماورائيات أو الميتافيزيقا، حيث يتعامل العالم كله مع فكرة الأشباح بواقعيةٍ وحتمية كما أنها ليست كغيرها من الأساطير والظواهر ارتبطت بثقافةٍ معينة بدأتها أو بمكانٍ أو عصرٍ محدد وإنما تبدو كأنها بدأت في كل بقاع الأرض جملةً منذ أقدم العصور وحتى اليوم، فلا يبدو أن تقدم الزمن والعصر يعني لتلك الأشباح شيئًا سوى تخليد فكرتها وزيادة عددها وتنوع أماكنها وزيادة المؤمنين بها، مهما ظهر المخالفون لها والكافرون بتلك الفكرة باعتبارها خرافاتٍ أو تفاهاتٍ غير حقيقية تبقى الأشباح جزءًا من التراث الفكري الأساطيري الإنساني والذي تم توريثه عبر الأجيال أبًا عن جد.
الأشباح : تعرف عليهم وعلى أماكنهم
الأشباح
لا مكان محدد لها وإنما هي ملايين ومليارات الأماكن حول العالم التي حامت حولها تلك الظاهرة، يتسم الأشباح بشكلٍ عامٍ بالخفة وأنهم كالأطياف لا تسمعهم يمشون لا ترى حركة أرجلهم ولا حفيف ثيابهم أثناء المشي ولا تعيقهم العوائق المادية أبدًا، يمشون عبر الجدران والأبواب والطاولات والمقاعد، ورغم طيفيتهم فهم قادرون على تحريك الأشياء بإرادتهم كإلقاء الكراسي أو أي شيءٍ ماديٍ تقع أياديهم عليه، في بعض الثقافات فالأشباح شريرة تسبب الأذى وتحمل عداوةً لكل من تراه، وفي بعضها الآخر فهي مسالمة ولا تثير الرعب إلا بظهورها المفاجئ والأصوات التي تقصد إحداثها لكنها لا تهتم ولا تعبأ بالآخرين إنما هي هائمةٌ فحسب، وفي كل الحالات والثقافات تم الاتفاق على سبب وجود الأشباح وهو الطاقة السلبية أو السوداء العنيفة التي تولدت عن ميتاتٍ عنيفة غالبًا ما يكون أصحاب الأشباح هم الذين ماتوها.
أنواع الأشباح
بعضهم متعلقٌ بالمكان فحسب لا يستطيع تركه والبعض الآخر بقي للثأر لأنه قتل ظلمًا مثلًا، وأحيانًا بعض الأشباح تبقى شهودًا على الجريمة التي ارتكبت في حقها، لكن المجمع عليه أن الأشباح لا تغادر أماكنها، هي تتعلق بالأماكن التي تربطها بها حقول الطاقة السلبية القوية ولا تخرج لتتجول في الشوارع إنما تسكن تلك الأماكن فحسب، قد يسكن شبحٌ واحدٌ المكان وقد يتحول المكان إلى مرتعٍ واجتماعٍ لعددٍ كبيرٍ من الأشباح، بعض الأماكن تكون مسكونةً لأنها بنيت فوق المقابر وهي واحدةٌ من الأمثلة على الأماكن التي يسكنها عددٌ كبيرٌ من الأشباح، في بعض الأحيان يدعي البعض أن الشبح يعود ليأخذ بثأره وبعد الأخذ بالثأر يختفي، أو ليخبر بقصته وحقيقته كأن يُقتل أحدهم ويواري القاتل جثته فيظل الشبح قائمًا متواجدًا يحاول التواصل مع الآخرين لإخبارهم الحقيقة وهم فزعون منه بطبيعة الحال حتى يستطيع أحدهم التواصل معه ويجد الجثة ويكشف الحقيقة عندها يختفي الشبح ولا يراه أحدٌ ثانيةً، أي أنهم يحملون مهامًا محددةً يشرعون في تنفيذها وما إن تنتهي المهمة حتى يرحل الشبح بلا أثر.
أشهر الأماكن المسكونة حول العالم
على مر العصور وفي كل البقاع حول العالم انتشرت تلك الأماكن المسكونة، بعضها أصبح مهجورًا تمامًا والبعض الآخر ما زال آهلًا ومسكونًا حيث تعيش فيه الأشباح بسلامٍ فلا تؤذي ولا تخيف أحدًا وإنما هي تسجل مشاهداتٍ خاطفةٍ من آنٍ لآخر، بعضها أماكن شهيرة ومعروفة عالميًا وبعضها مجرد بيوتٍ أو حتى غرفٍ مجهولةٍ لا يميزها شيءٌ إلا ما حدث فيها في يومٍ من الأيام جعلها مسكونة، لا قوانين محددة في عالم الأشباح ولست تدري حقًا النهاية التي سيصل إليها الأمر، لكننا قادرون على التعرف على قصص البداية.
شبح آن بولين
يُقال أن هذا الشبح هو الشبح المقيم في برج لندن الشهير حيث تسكنه إحدى زوجات الملك هنري الثامن الذي اشتهر بقتل وإعدام زوجاته وعلى وجه التحديد فهي زوجته الثانية، اشتهرت آن بولين بذكائها وكبريائها وغرورها لكن الواقع أن تلك الصفات هي التي أودت برقبتها لسيف الجلاد لينتزع راسها من فوق كتفيها، كان الملك هنري الثامن كغيره من الملوك متلهفًا للولد منتظرًا لليوم الذي سيجيء فيه ولي عهده ليطمئن على ملكه واستمراره خاصةً الخلاف الذي قام بينه وبين الكنيسة الكاثوليكية التي أدى لانفصاله عنها وكانت آن بولين وزواجها سببًا من أسباب ذلك الخلاف، لكن آن بولين لم تنجب الولد الذي تمناه الملك وإنما منحته ولدًا ميتًا لذلك كان من الطبيعي أن يعرض الملك عنها وينشغل بجواريه ما كاد يدفعها إلى الجنون، وما إن تأكدت من خيانته لها حتى دفعها الكبرياء والغرور إلى وضع رأسها برأسه وجعلت منزلتها من منزلته فإن كان يخونها فهي ستخونه وأخذت تخونه في مكانه وفراشه ومع رجاله وحاشيته، ومع الوقت فاح عفن الخيانة وانتشرت الشائعات حتى تأكد الملك بنفسه في إحدى الليالي فأصدر الأمر بإعدامها هي وكل عشاقها معًا.
إعدام آن بولين
كان إعدام آن بولين يومًا من الأيام المشهودة فكانت الجاني الوحيد الذي أهاب جلاده وأرهبه بضحكتها وعدم خوفها كأنها تتحداهم أو كأنها تعدهم بالعودة والانتقام منهم حتى أن الكثير اتهما بأنها ساحرة، كان طلبها قبل إعدامها رأس أحد القساوسة الذين طعنوا فيها وأهانوها على طبقٍ من ذهبٍ فأُتيت به كما شاءت، ويوم إعدامها خرجت في أبهى فساتينها متقلدةً اللؤلؤ كاشفةً عن عنقٍ طويلٍ نحيل داعبت الجلاد بأنها لن تحتاج وقتًا في إعدامها وأن عنقها خلق ليومٍ كهذا، كانت تعتبر نفسها بريئةً وأن زوجها هو المخطئ الأول الذي دفعها إلى ذلك، وبعد ذلك بدأ الحراس يخبرون بمشاهدتهم لشبحٍ يشبه الملكة آن بولين تمامًا تجول في الأرجاء مرتديةً أبهى فساتينها أحيانًا ومقطوعة الرأس أحيانًا أخرى تخيف الحراس حتى الفزع.
القصر العتيق
أحد قصور برلين القديمة العتيقة كان يسمى القصر العتيق وفي ذلك القصر يوجد تمثالٌ اسمه “العذراء من حديد” وهو تمثالٌ حديديٌ وتحفةٌ فنيةٌ لفتاةٍ جميلةٍ ممشوقة القوام لكن الغرابة الوحيدة فيه هو أن المسامير تبرز من كل شبرٍ فيه وكان في سالف الزمن يستخدم كأداةٍ تعذيبيةٍ يحتضن فيها الضحية التمثال حتى الموت وباسم العدالة الغير منصفة وأهواء الحكام مات الألوف في أحضان العذراء الحديدية وكانت جثثهم توارى في كهفٍ تحت التمثال، يُحكى عدة قصصٍ عن تلك العذراء فتارةً يُقال أنها كانت إحدى فتيات ضواحي برلين أحبها أحد النبلاء ورآها في إحدى الليالي فسار خلفها حتى وجدها تقابل عدة رجالٍ تبادلهم القبلات، عندها جن جنونه وثارت أشجانه فصنع ذلك التمثال دلالةً على خيانة الحب وتقلب عليه حتى مات تاركًا إياه أداةً للتعذيب الفتاك من بعده.
قصةٌ أخرى
وتارةً يُقال أنها كانت أرملة لها طفلان يتيمان أحبها أحد النبلاء واعدًا إياها بالزواج لكنه لم يرغب بطفليها فقتلتهما ولكنه لم يتزوجها بعد ذلك، عندها طار عقلها وصارت تمشي في الشوارع ترثي نفسها وتنادي طفليها علهما يرجعان وقد شهد حدادٌ تلك الواقعة فصنع ذلك التمثال دلالةً على اللعب بمشاعر النساء وقلوبهم، بعد ذلك شهد الجنود والحراس والملوك الذين سكنوا ذلك القصر شبح العذراء الحديدية في ثوبٍ أبيض يظهر لهم كل حينٍ، وأغلب من ظهر لهم ذلك الشبح ماتوا إما فورًا وإما بعدها بأيام، بعضهم مات له عزيزٌ كالقيصر فلهلم الثاني وبعضهم لم يحدث له شيءٌ كنابليون الذي نقل التمثال لغرفة نومه واعترف برؤية العذراء.
بيت كمبريدج
واحدٌ من البيوت العادية ليس قديمًا جدًا وليس مميزًا بأي شكلٍ من الأشكال ولا حتى يقع في منطقةٍ نائيةٍ مهجورة وإنما هو في قلب المدينة بين البيوت، لكن أساطيره تسبقه ورعبه يحل في قلب كل من يقترب منه حتى أن الناس صارت تصدح بالتحذير والترهيب لكل من تسول له نفسه الاقتراب من البيت أو استطلاعه أو التعرف عليه، صار مهجورًا ولم يعد يسكنه أحدٌ بعد الآن، وقصة هذا البيت ترجع لما يقارب عام 1730م حيث تكونت جماعةٌ أطلقوا على أنفسهم اسم جمعية “السبعة الدائمين أحياء أو ميتين” أو في أقصى لحظات غضبهم وجنونهم وعزوفهم عن الكلام كان يتم تحويل الاسم لجمعية “الأدباء الصامتين حتى الموت” ومن اسم الجمعية يظهر أن عدد أفرادها سبعةٌ لا يزيدون وللعجب فإنهم لا ينقصون، فالموت لا يحل عضوية الميت منهم ومن مات يظل عضوًا للأبد.
اللقاء
كان هؤلاء السبعة يلتقون في يومٍ محددٍ من كل عامٍ في ذلك البيت فيسكرون ويمجنون ويأكلون ويغنون ويرقصون ويتكلمون فلا يسلم من ألسنتهم لا غالٍ ولا مقدس، بل يكاد يكون الغرض الرئيسي من لقائهم السنوي هو سب الأديان والمقدسات والتعرض لها ولعنها حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل ثم يستأنفون اللقاء على مدار أسبوعٍ كامل، وكان لهم ما يشبه تسجيلًا كتابيًا لجلساتهم حيث يكتبون كل ما يحدث ويُقال خلال الجلسة بمنتهى الدقة وفي النهاية يوقع السبعة بأيديهم، وقد وُجدت تلك التسجيلات على يد من حاولوا اكتشاف ذلك اللغز، ثم في واحدٍ من تلك التسجيلات يظهر أول عضوٍ ميت وهو رئيس الجمعية حيث يروي خلال الجلسة للستة الباقين كيفية موته في باريس قبل دقائق من عقد الاجتماع في كمبريدج وأنه رغم ذلك حضر الاجتماع لأن القوانين واضحة فهي جمعية للأحياء والأموات وقائمةٌ للأبد، وبعد ذلك يتذيل التسجيل بالسعة توقيعات! وفي الفترة بعد ذلك بدأ يتساقط الأعضاء أمواتًا ويحضرون الجلسات ويوقعون في نهايتها بخطوطهم الحقيقية حتى لم يتبقَ منهم على قيد الحياة سوى واحدٌ فقط، عزم على ألا يعود لكنه بغير إرادةٍ منه في موعد اللقاء السنوي قادته قدماه للبيت عازمًا على الشرب والرقص والغناء وتحطيم البيت وحرق السجلات كلها لكنه في نهاية الجلسة يعلن أنه أصبح عضوًا سابعًا ميتًا ويتذيل التسجيل بالسبعة توقيعاتٍ للمرة الأخيرة، ويُقال أن في نفس يوم الاجتماع كل عامٍ كان يُسمع الصخب والغناء والضوضاء من داخل ذلك البيت دون أن يكون به أحد.
العروس البريطانية
أحد النبلاء الصغار أحب ابنة أحد النبلاء قصةٌ معروفة لكن الأب يرفض الحب والزواج ويفرق بين الحبيبين، يكبر النبيل ويوجد لنفسه موقعًا وتكبر الفتاة وتوجد لنفسها عشاقًا وعشاقًا وكان شعارها رجلٌ كل ليلة، هي دوروثي والبول ابنة عضو مجلس العموم البريطاني وما إن عرف العشيق القديم بذلك حتى تزوجها ثم حبسها خلف الجدران وحدها مرسلًا العيون والجواسيس يأتونه بعدد أنفاسها كل يوم، ثم في النهاية تموت موتةً غامضة لا أحد يدري إن قتلها زوجها أم انتحرت هي في سجنها لتُوارى الجريمة ويرفض أهلها العزاء فيها، كان الملك جورج الرابع في أحد زياراته للقصر المشؤوم هو أول من رأى العروس في فستان زفافها الأخضر على فراشه بجواره وهو نائم، وبعدها بدأ الجميع يراها على سلالم وأروقة القصر تتهادى بفستانها الأخضر وتظهر للحراس بين الحين والآخر، حتى ظهرت يومًا في حفلة رأس السنة في القصر وأخافت كل المدعوين، ويُقال أنه تم تصويرها في عام 1936 فلم ترصد الكاميرا العروس الخضراء وحدها وإنما رصدت فتياتٍ أخرياتٍ يتبعنها أينما ذهبت ويتنقلن في أرجاء القصر.
غرفة البلوط
أحد البيوت القديمة في ريف إنجلترا يتكون من سبعة عشر غرفة إحداها غرفة البلوط المنشودة، كان الممثل الإنجليزي تشارلز كين هو أول من بدأ الحديث عما شاهده عندما كان ذاهبًا هو وزوجته للمكوث بضعة أيامٍ عند أختها في ذلك البيت الريفي العتيق، وفي الليلة الأولى وبينما كان نائمًا في غرفة البلوط وجد فتاةً في العشرين من عمرها بفستانٍ فضيٍ رقيق تقف أمامه قرب النافذة جاءت من سراب واختفت في السراب، وكذلك حدث في الليلة الثانية وأصابه الفزع وغادروا البيت بعد أن كشف ببعض مكنوناته لصاحبته، والتي أخذت خادمتين ليبيتا معها في تلك الغرفة ظهر لها شبح الفتاة ثم اعترفت الخادمات برؤية شبح الفتاة مرارًا وسماع أصوات خطواتٍ بلا أصحابٍ لها ولما تكررت الرؤى وصار المكوث في البيت مستحيلًا هجروه بعد أن روى لهم أحد العجائز قصته، قال أن البيت سكنته أسرةٌ قديمًا كان لها ابنٌ مجنون يصر على قتل أخته فما كان منهم إلا أن حبسوها في غرفة البلوط لحمايتها، لكنها وصل إليها في أحد الأيام وقتلها تحت النافذة ومنذ ذلك الحين وشبحها يسكن البيت.
الخادم
في عهد الملك جورج الثاني دخل كبير الياوران في أحد الاجتماعات ليسلم رسالةً عاجلةً لأحد رجال الملك الذي ما لبث أن أفصح للملك عن تعرض قصره في ريف إنجلترا للسطو والسرقة واختفت كل الأشياء الثمينة فيه واستأذنه في إجازةٍ يعود فيها ليصلح ما حدث فأذن له، وعندما عاد الرجل لبيته قابله كبير خدمه بالحكاية أنهم استأجروا شابًا نحيلًا فقيرًا في الفترة الأخيرة للعمل معهم في القصر وعندما استيقظ كبير الخدم ليلًا على أصواتٍ غريبة وجد الشاب النحيل واثنين آخرين يسرقان الأشياء الثمينة وعندها أمسكوا بكبير الخدم وأوثقوه حتى وجده الخادمان في الصباح، وقال بأن الشاب اختفى تمامًا ولم يجد له أحدٌ أثر، ومرت شهور وفي إحدى إجازاته في بيته الريفي لاحظ كيف يغلق كبير الخدم البيت فلا يترك فرصةً للهواء كي يتسلل وعند النوم ظهر للرجل شبح شابٍ نحيلٍ أفزع الرجل لكنه أشار له أن يتبعه فتبعه وهو يسير خارجًا من القصر وحتى الحديقة ليشير على شجرةٍ بعينها ويختفي، عندما حفر الخدم أسفل الشجرة ظهرت جثة الشاب ومعها ظهرت الحقيقة وأن كبير الخدم هو السارق وتمت إثبات تهمته وإعدامه ومن بعدها لم يظهر شبح الخادم ثانيةً.
اللواء روبي
ومن إنجلترا إلى استكلندا وما أدراك ما استكلندا حين نتحدث عن الأساطير والأشباح والقصور المسكونة، قصةٌ لرجلٍ مجنونٍ عاش في قصره في استكلندا، كان اللواء روبي قد قضى وقتًا كبيرًا في الهند وتأثر بها وأحبها وتعلم طقوس الهنود الشعائرية ودياناتهم واليوجا وغيرها من تلك الأشياء التي دعاه ارتباطه وحبه لها لينقلها معه إلى قصره في استكلندا الذي ورثه من جده العجوز بعد موته، كان شخصًا خشن التعامل يكره الناس ويتجنبهم فلم يكن يزور أحدًا ولا أحدٌ يزوره لكن برغم ذلك دارت الشائعات بأنه يُسمع وهو يتكلم وليس حديثًا مع النفس أو مع شخصٍ بل كان الناس يسمعونه يحادث أشخاصًا عدةً من وراء الجدران وهم واثقون من أن أحدًا لا يزوره، ولعه بالكلاب كان وجهًا آخر من وجوه غرابته واختلافه فكان يعشقها ويكتب عنها طوال الوقت ويقدسها ويقربها أكثر من البشر، وكان في غرفة نومه سريران ضخمان أحدهما تنام عليه كلابه والآخر له هو وكلبه الأسود الكبير المفضل عنده، وكانت وصيته أن تذهب كل أملاكه وثروته لكلبه الأسود بعد موته فقط.
موته
مات اللواء روبي ولم تُنفذ وصيته واختفت بشكلٍ غامض حيث أخفاها أحد ورثته عن البقية، وفي جنازته كانت كلابه تنوح وتنبح ثم قُتلت كلها فسكتت وتقاسم الورثة الثروة وقرروا السكن في قصره، لكن لم تهنأ لهم عينٌ بالسكن فيه حيث بدأت أصوات نباحٍ ولهاثٍ تتعالى فيه ليلًا وتُسمع من وراء الأبواب المغلقة أصوات كلابٍ تتزاحم عليها تكاد تحطمها وحين تُفتح الأبواب لا يجدون أحد، كما عُهدت في الطرقات أن تسمع أصوات نقرات أقدام اللواء روبي المميزة فقد كان أعرج في مشيته، ولم يقدروا على الاستمرار فهجروا البيت وجاء من بعدهم أناسٌ عاشوا في البيت ليهجروه بعدها بفترةٍ قصيرة، وقد سمع أحد اللوردات عن ذلك البيت وما يحدث فيه فأراد أن يتأكد بنفسه فجلب معه كلابًا ونام في غرفة اللواء روبي وفي الصباح استيقظوا ليجدوا الكلاب كلها ميتة واللواء روبي مغشيٌ عليه وبيده الكتاب الذي كان يقرأه وقد مسحت صفحاته كلها ولم يكن فيها من كلمات إلا تلك المشابهة لوصية اللواء الروبي المختفية!
الممرضة الهندية
اللواء برسفورد كان واحدًا من رجال الجيش البريطاني بعد انتهاء خدمته أقام مع أسرته في أحد البيوت بضواحي لندن ومعهم عددٌ كبيرٌ من الخدم، وقد أقامت تلك الأسرة زمنًا في الهند فرأت وأعجبت بالغرائب والعجائب لتلك البلاد وصدف أن كان لهم خادمٌ هنديٌ صغير مات في أحد الأيام عندما سقطت ثمرة جوز الهند مصادفةً على رأسه فقتلته، لكن حكاية تلك الأسرة مع الهنود لم تكن لتنتهي ففي أحد الأيام أثناء تجول الزوجين بهدوءٍ في الحديقة صرخت الزوجة مشيرةً إلى الفراغ تتساءل عن سبب وجود هذه الممرضة الهندية هنا ثم تصرخ ويغشى عليها كل ذلك أمام حيرة الزوج وعدم فهمه ولأنه لم يكن يرى شيئًا، وتكرر الموقف كل ليلةٍ وتكررت رواية الزوجة وصراخها وقصتها بأن ممرضةً هنديةً تظهر لها فجأةً وهي تنظر لها بغضب وشر ثم تتجه بسرعةٍ نحوها فتعتصر ذراعيها وتختفي، ومرةً نامت الابنة مع الأم فأيقظتا البيت بصراخهما لتروي البنت ما رأته تمامًا كالأم، عندها قرر الأب أخذهما لطبيبٍ روحانيٍّ سمع قصتهما وانفرد بهما وفي تلك الليلة عندما ظهرت لهما الممرضة صرختا فيها تسألانها عما تريد واختفت الممرضة للأبد وكان تفسير الطبيب أنها لا تظهر إلا لمن يهابها لذلك لم تظهر للأب وأنك ما إن تتوقف عن الخوف وتتحداها حتى تختفي. ومن المثير للسخرية في تلك القصة أنه في أحد الأعياد دعت الأسرة عددًا من الناس كان الطبيب الروحاني من ضمنهم وفي الليل تعالى صراخ الابنة فهرع الجميع إليها ليجد الطبيب متنكرًا بزي ممرضةٍ هنديةٍ ميتًا على الأرض بعد أن صدمته الابنة على رأسه بقطعةٍ من الخشب على رأسه فمات، وأغلب الظن أنه كان يحاول اختبار خوفها وقوة احتمالها فراح ضحية ذلك.
شجرة العشاق
شجرةٌ عاديةٌ جدًا وطبيعيةٌ في منطقةٍ من مناطق إنجلترا، لكن قصتها وما حدث تحت أغصانها هي القصة التي لم تكن عادية، القلب وما يريد كان سبب جريمة السير جون في ابنته التي لم تقترف ذنبًا سوى أنها أحبت شابًا من النبلاء لكن الحب والزواج رُفضا لأن السير كان كاثوليكيًا والشاب كان بروستانتيًا وهو لن يسمح بارتباطه بابنته ولا أن تحبه يومًا، ورغم ذلك واتت الشاب الشجاعة فتقدم يسأل السير يد ابنته فرفضه وأهانه وطرده وسجن ابنته في البيت لكن الخدم تعاطفوا معها ومع حبها البريء فساعدوها على التسلل ليلًا للقاء حبيبها تلك الشجرة، وفي إحدى سفريات السير اتفق الحبيبان على السفر والزواج والتقيا عند الشجرة فخرج عليهما أخوها ليغرس السيف لآخره في قلب الحبيب تحت الشجرة وقتل صديقيه اللذين أتيا لمساعدته على الهرب مع عروسه، وسقطت العروس مغشيًا عليها وعندما أفاقت أرسلها أبوها للخارج في رحلة نسيان وعادت منها لا يبدو عليها النسيان وإنما أخذت تزور تلك الشجرة مرارةً وتعانقها وتبكي عندها حتى قتلها أحد الخدم يومًا بأمرٍ من أبيها وكانت سعيدةً أيما السعادة بموتها، ومنذ ذلك الوقت وتلك الشجرة في الليل تتساقط أوراقها كالريش متراقصًا على أنغامٍ غير مسموعةٍ ويخرج من قلبها شابٌ وفتاةٌ يتعانقان ويتجهان نحو الغابة فتعود الشجرة عاديةً كما كانت.
السيدة المشطورة
وإلى بيتٍ على شاطئ البحر المتوسط في مدينة سانت مرجريتا على شاطئ الريفييرا بإيطاليا، بيتٌ تناقلته الأيدي وتوالى عليه السكان ليهربوا منه ويتركوه حتى اشترته امرأةٌ عجوزٌ مات كل أهلها وأقاربها ومن لها في هذه الحياة وزهدتها، ونزل عندها طبيبان ليقيما عدة أيامٍ قبل أن يستكملا طريقهما وحين جاء اللي بدأ كلٌ منهما يسمع في غرفته أصوات خطواتٍ وطرقاتٍ على الأبواب وانفتحت النوافذ من شدة الهواء الذي هب على المكان ثم ظهر لأحدهما النصف العلوي من سيدةٍ تقترب منه ثم اتجهت للدولاب واختفت بداخله وعندما حاول الطبيب فتح الدولاب وجدها موصدًا بالقفل، ولم ينم أيٌ منهما وعندما حل الصباح رأى كل منهما علامات الأرق والتعب على الآخر ورأتهما السيدة العجوز فعرفت ما ألمّ بهما وبدأت حكايتها تخبرهما أن الشبح هو شبح ابنتها التي تزوجت تاجر خنازيرٍ مجنون، وكانت ابنتها على قدرٍ عالٍ من الجمال فأخذ الناس يتهامسون ويتحدثون عن جمالها وكيف أنها تستحق تاجر مجوهراتٍ لا تاجر خنازيرٍ قذرة، ومع تزايد الهمس زاد غضب الزوج حد الجنون حتى اختفت الابنة في أحد الأيام، ورأى الخدم الزوج يحفر في الحديقة لكن لم يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه وفي أحد الأيام وجدوه ميتًا في الفراش وبجانبه بدايات اعترافٍ مات قبل أن يتمه، وعندما حفروا وجدوا نصف الزوجة ووجدوا النصف الآخر والمنشار في الدولاب وسط ملابسها وحاجياتها.
أشباح البيت الأبيض
من أشهر الأماكن في العالم هو البيت الأبيض حيث يقيم الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية لكن من الواضح أنه لا يقيم وحده، فكثيرٌ من الرؤساء السابقين يشاركونه السكن والإقامة ولا يبدو أن أحدهم ينوي المغادرة، كما أن البيت الأبيض خلال تاريخه كله شهد اعتداءاتٍ ومحاولات اغتيالٍ عنيفة، ويروي سكان البيت الأبيض وزواره أنهم خلال إقامتهم أو زيارتهم لذلك البيت تظهر لهم أشباح بعض الرؤساء السابقين وأحيانًا أشباح زوجات الرؤساء السابقين، بل إن البعض يقول أن الكلاب ترفض دخول بعض غرف البيت وتهرب منها، كما شاع سماع أصوات خطواتٍ وشيوع شعورٍ باردٍ غريبٍ في الليل بأنك لست وحدك، ومن أشهرهم كان شبح الرئيس السابق إبراهيم لينكولن حتى أنه لُقب بشبح البيت الأبيض، وسجل الكثيرون رؤية شبحه متجولًا في الطرقات أو ناظرًا بشرودٍ من النوافذ وبعدها يختفي.
مصحة ويفرلي هيلز
في ولاية كنتاكي بأمريكا تنتشر وتحوم الشائعات حول مصحة ويفرلي هيلز وكانت مستشفى لعلاج المرضى خاصةً أولئك المصابين بالسل وكان وقتها مرضًا فتاكًا يأخذ الأرواح بالآلاف، لكن ذلك هو الرسمي عن المصحة أما الحقيقة فيبدو أنها كانت غير ذلك قليلًا، كان ينتشر ويشيع فيها المعاملة القاسية والمحتقرة والمهينة للمرضى وقلة الاهتمام والعناية وأنها لم تكن تقدم مساعدةً طبيةً حقيقية، بل انتشرت الإشاعات تقول بأن جهةً سريةً تستغل المرضى وضحايا ذلك المرض في تجارب بشرية ولا آدمية أي كانت تتعامل مع أكوام المرضى الفاقدي الأمل في العلاج والحياة كمزرعةٍ تكبر من فئران التجارب، يُقال أن عدد الموتى الذين قدروا في ذلك المصح والذين تم الادعاء بكونهم ماتوا نتيجة السل يقدر بثلاثةٍ وستين ألف شخص! وكان يتم دفن المرضى في نفقٍ أسفل المستشفى.
أشباح المصحة
بعد أن أُغلقت المصحة بدأ الناس يسمعون أصواتًا وصرخاتٍ وأنينًا يتصاعد منها، كما تُفتح النوافذ والأبواب بنفسها دون أن يمسها أحد، ورأى البعض أشباح فتياتٍ أو أطفالٍ يتجولون داخل خراب المصحة، أما في أحد طوابقها فقد انتشرت قصة انتحار إحدى الممرضات في غرفتها بلا سبب وبعد ذلك بعدة سنواتٍ انتحرت ممرضةٌ أخرى في نفس الغرفة، وشاع بعد ذلك ظهور شبح الممرضة للعاملين في المشفى والمرضى يمشي في ذلك الطابق ثم يتجه إلى غرفة الممرضة ويدخلها وعند فتحها يجدون الغرفة خالية.
ملجأ رولينج هيلز
واحدٌ من الملاجئ التي أقامها وفتح أبوابها واحدٌ من المحسنين الأغنياء بغرض الخير لكن يبدو أن الأمر لم يعد كذلك بعد الآن، كان الغرض من ذلك الملجأ هو أن يوفر المأوى أو على أقل تقديرٍ أو يوفر سقفًا يظلل المحتاجين في الليالي الباردة، فتح ذلك الملجأ أبوابه لكل أصناف البشر من الفقراء والمحتاجين والأيتام والأرامل والمسنين والمعاقين والمدمنين والمشردين ومع مرور الزمن تحول أولًا لدارٍ للمسنين وبعد ذلك تم تعديله وتحويله إلى مجموعةٍ من المتاجر، لكن الناس بدؤوا يرون ويشعرون بأشياء غريبة وبطاقةٍ مخيفة، وبدأت الأصوات الهامسة المهمهة تُسمع والأشياء تتحرك من مكانها وتنقل وتسقط، وبعضها يراه الناس يُرفع أو يهز بدون نسيمٍ أو رياح.
منزل وايلي
من المنازل القديمة التي بُنيت فوق المقابر ويبدو أن ذلك كان خطأ مالكيه الوحيد الذي ارتكبوه ليبدأ مسلسل الرعب الذي لا ينتهي بداخله حتى هُجر البيت وصار خرابًا، لكنه في الحقيقة ليس خاويًا وإنما تتجمع الأشباح في أرجائه مثيرةً خوف وفزع كل من مر بالقرب منه، وقال الذين مروا به أن النوافذ كانت تُفتح وتُغلق طوال اليوم من تلقاء نفسها، كما أكد الذين وجدوا في أنفسهم الجرأة ليدخلوه أنه أحيانًا يشيع فيه رائحة دخان التبغ أو العطر المميز الذي كانت تستخدمه إحداهن فيه، ويسجل الكثيرون مشاهدة عدة أشباحٍ بداخله بعضهم لفتياتٍ صغيراتٍ قضينا نحبهن في ذلك البيت وغيرهن من الأشباح التي يبعث وجودها القوي قشعريرةً باردةً لكل من زار ذلك المكان أو اقترب منه.
قصص الأشباح لا تنتهي ولن تنتهي فالتاريخ سجل الملايين من تلك القصص في ثقافات كل الشعوب وسيسجل أكثر وأكثر من ذلك ما استمرت البشرية، إن الأشباح شئنا أم أبينا أنكرنا أم اعتقدنا بها ستظل من أقوى الظواهر والمعتقدات عند شطرٍ ليس بقليلٍ بين البشر وجزءًا لا يتجزأ من تاريخ الحضارات.
أضف تعليق