أسمهان واحدةٌ من النساء اللاتي قتلتهن السلطة، أميرةٌ أخرى تموت ويُدفن سر الموت معها تحت كلمة “حادث” والتي لا يصدقها أحد لكنها كُتبت كذلك في نهاية صفحة أسمهان في التاريخ وستظل للأبد، لا يبدو أن السر الحقيقي سينكشف شأنها كشأن غيرها مات السر معهم ولم يبقَ لنا سوى التكهنات والاحتمالات والاستنتاجات الممكنة بنسبةٍ ما حسب قائليها ورواتها.
أسمهان : أسرار وغموض حادثة وفاتها
من كانت أسمهان؟
آمال الأطرش أميرة الجبل وأخت المطرب والفنان الموسيقار فريد الأطرش حملت كلا الجنسيتين المصرية والسورية، وتنقلت خلال حياتها التي لم تزد عن الستة وعشرين عامًا بين كلا البلدين لتقضي سنوات هنا وسنواتٍ هناك وتترك أثرها هنا وهناك، ولدت في المياه وماتت فيها فيا للعجب! ولدتها أمها الأميرة علياء على متن سفينةٍ مبحرةٍ بهم إلى سوريا حيث قضت آمال بداية سنين حياتها هناك، ثم انتقلت إلى مصر على أثر الثورة والصراعات السياسية للهرب بأولادها الثلاثة للاحتماء في مصر حيث كبرت آمال وترعرعت.
بداية أسمهان
كانت آمال معروفةً بعذوبة الصوت وجماله وغنائها من صغرها في كل مكانٍ وُجدت فيه وبين صراعٍ من ناحيتين من أخويها فؤاد الذي كان ضد المشوار الغنائي ومتمسكًا بالعادات والتقاليد والذي رأى فسادًا وفجورًا في ذلك الطريق وحاول منعها، وفريد الذي شجعها ووقف خلفها يدعمها ويدفعها للأنوار ويحيي موهبتها ويشجعها حتى النهاية ظهرت موهبة آمال جلية، ثم خرجت للنور يوم سمعها الملحن الكبير داوود حسني تغني في غرفتها في أحد زياراته لأخيها فريد في البيت عندها أراد أن يقابلها ويسمعها أكثر، وعندما أعجبه صوتها وغنائها أخبرها أنها تشبه إحدى تلميذاته صوتًا وجمالًا والتي لم تعِش ليسطع نجمها لذلك سيطلق عليها اسمها.. أسمهان، ومن هنا بدأ نجم أسمهان الفني في السطوع، الغناء في الحفلات والصالات والإذاعة المحلية ولم يتوقف فنها عند الغناء فحسب بل طال السينما أيضًا لينتج لها فيلمان هما أول وآخر أعمالها السينمائية الفنية قبل موتها.
الحادث المزعوم
الرواية التي يتناقلها الجميع وعرفها التاريخ في موت أسمهان كان أنها في إثر فيلمها الثاني استأذنت مخرجه في أجازةٍ ذهبت فيها لرأس البر مع صديقتها ومديرة أعمالها لكنهما لم تصلا قط، حيث انقلبت بهما السيارة في الترعة فماتتا غريقتين وعادت أسمهان للمياه كما خرجت يوم ولدت منها، لم ينجُ سوى السائق الذي اختفى تمامًا بعد الحادث ولم يجد له أحدٌ أثر، “قضاءٌ وقدر” هكذا عقب الكثيرون ومن ضمنهم عائلة أسمهان نفسها على موت ابنتهم الشابة رافضين كل ما يشاع عن المؤامرات والحيل وفكرة كون الحادث مدبر، لم يكن كلهم كذلك وأيضًا لم يقتنع كل من عرفوا أسمهان وتاريخها بأنه مجرد حادث، ومن ثم بدأت أصابع الاتهام في الاتجاه نحو كل من سيكون موت أسمهان والتخلص منها انتقامًا في صالحه، طال الاتهام جهاتٍ كثيرة من بينها وعلى رأسها المخابرات البريطانية، ثم الملك فاروق وزوجها حسن الأطرش وحتى أم كلثوم وأخوها فؤاد الأطرش ونازلي هانم وحتى زوجها الآخر أحمد سالم، بدا أن لأسمهان الكثير من الأعداء الذين يحمل كل واحدٍ منهم سببًا قويًا ووجيهًا لقتلها انتقامًا منها أو غيرةً أو تخلصًا منها.
زوجها حسن الأطرش
يُقال أنه بعد اعتناقها الفن والغناء وفشل محاولات أخيها فؤاد في تنحيتها عن ذلك الطريق بدأ بطلب المساعدة من أهله في الجبل في سوريا لإعانته على انتشال أخته من الوسط الفني الذي رآه طريق الضياع لها، ليجد الأمير حسن هو في ذلك الوقت أمير الجبل وعند تعرفه على أسمهان لإقناعها وإعادتها إلى صوابها وقع في حبها وتقدم لزواجها ليعودا معًا إلى الجبل في سوريا وتصبح أسمهان هي أميرة الجبل وزوجة الأمير، وكان ذلك بداية دخولها للحياة السياسية وتعرفها عليها وعلى التخطيط وصدور القرارات السياسية والقيادية، لكن هذا الزواج لم يكتمل وبعد ست سنوات حدث الطلاق وعادت معه أسمهان إلى مصر لتعود إلى حياة الفن والغناء ثانيةً.
أسمهان والقصر الملكي المصري
كان لأسمهان بعد طلاقها وعودتها لمصر قصةٌ جديدةٌ حصلت فيها على العداوات بالقصر الملكي المصري حيث كانت نازلي أولى أعدائها وكارهيها عندما وقع في غرام أسمهان كلٌ من ابن نازلي وهو الملك فاروق وحبيب نازلي وهو أحمد حسنين ووصل الأمر بينهما للتنافس على قلب أسمهان وحبها، لكن نازلي كانت قد نسجت شباكها جيدًا حول أحمد حسنين وأعادته لطوعها وقامت بطرد أسمهان من مصر للتخلص من حب الملك فاروق لها كذلك، عند ذلك راودها الملك فاروق عن نفسها وأرسل إليها يريدها أن تلجأ له لينعم عليها بلقب الأميرة ويحميها من طرد أمه لها، حينها رفضته بكبرياء وهي ترد إليه مبعوثه ليخبره أنها كانت أميرة قبل أن يصبح هو ملكًا وتخرج من مصر بعد ذلك، قلبان اشتعلا بالحقد والغضب عليها في القصر الملكي المصري ولم يخفَ ذلك على أحد، حتى أن قريبها ممدوح الأطرش بعد وفاتها كان يتوجه بكلامه واستنتاجاته واتهاماته للقصر الملكي في التسبب بمقتلها قائلًا أن لديه إحساسًا بأن قتل أسمهان لم يخرج من حدود القصر الملكي بمصر.
أسمهان والتخابر
التهمة الكبرى الموجهة لأسمهان والتي رجح الجميع مقتلها بسببها كانت تهمة التخابر، بدايةً بالتخابر مع الإنجليز ثم بعد ذلك التخابر مع أعداء الإنجليز من ألمان مما جعل الإنجليز يتخلصون منها باعتبارها جاسوسة وعميلة، لكن الحقيقة أن أسمهان نفسها وعائلتها رفضوا تهمة التخابر والجاسوسية الموجهة إليها وإنما عبروا عما فعلته بتعاونها الأول مع الإنجليز بأنها وطنية كانت تحب بلدها وتريد حريته وهاك القصة، كان كلٌ من سوريا ومصر ولبنان تحت الاستعمار الفرنسي والقوات الألمانية ولا يخفى على أحدٍ في التاريخ العداوة بين الإنجليز والفرنسيين، لذلك كانت أسمهان أحد الأوراق الرابحة للإنجليز عندما اتفقوا وتعاقدوا معها على أن تكون رسولهم ووسيطتهم إلى حكم في الجبل بسوريا لما لها من مكانةٍ وحبٍ في قلب زوجها السابق حسن الأطرش، لتقنعه بالوقوف على الحياد مع قواته حتى يتمكن الإنجليز من تحرير مصر ولبنان وسوريا معًا من تحت القوة الفرنسية والألمانية الباطشة بهم، وكان لهم ما أرادوه فعلًا وظهرت الغلبة للإنجليز ومع غلبتهم ظهر خداعهم ونوايا الحلف الحقيقية عندها اتجهت أصابع الاتهام نحو أسمهان بالخيانة، وأثناء محاولتها استرداد سمعتها وشرفها والتخلص من عار الخيانة الذي التصق بها حاولت التواصل مع السفير الألماني في تركيا عبر أحد الصحفيين الأمريكيين لكن القوات الإنجليزية منعتها من تحقيق مرادها، وبالطبع فإن ضيق الإنجليز منها وكونها عبئًا عليهم وعدوًا محتملًا لهم خاصةً كونها تعرف البعض من أسرارهم جعلهم في بداية قائمة الاتهام التي وُجهت الأصابع إليها فور حادث موتها، وجعلت القصة الأكبر والأكثر ترجيحًا لموتها هو تهمتها بالتخابر.
آخرون في القائمة
ما بين غيرة النساء من القصر الملكي المصري والغيرة الفنية التي جعلت أصابع الاتهام تطال أم كلثوم أيضًا للتخلص من منافسةٍ لها جعلتها تصاب بالغيرة، وما بين طليقٍ منبوذ أو الملك فاروق العاشق المجروح في كبريائه أو حتى أخوها فريد الذي لم يكن راضيًا عن مشوار حياتها بأكملها بدايةً من تمردها عليه بالفن والغناء والسينما وانتهاءً بظهورها أمام العالم متهمةً بالخيانة والتحالف تارةً مع الإنجليز وتارةً مع الألمان يبقى القاتل الحقيقي مجهولًا، ويبقى سر وسبب الموت مدفونًا معها ومع قاتلها للأبد، وإن كانت أسمهان ضحية مؤامرةٍ فعلًا أم مجرد حادث سيرٍ حدث مصادفة!
أضف تعليق