تسعة مجهول
العربي الماطري
الرئيسية » جريمة » العربي الماطري : الفنان العربي الذي تحول إلى قاتل شهير

العربي الماطري : الفنان العربي الذي تحول إلى قاتل شهير

العربي الماطري فنان تونسي نشط في نهاية القرن العشرين، لكنه بالرغم من شهرته الكبيرة في عالم الغناء قام بارتكاب بعض الجرائم لزيادة شهرته أكثر وأكثر، لكنه جعلته مشهورًا بالجريمة لا بالفن!

عندما نتحدث عن ممثل أو مُطرب أو لاعب كرة قدم، أو أي شخص مشهور عمومًا، فإننا نضع في اعتبارنا بكل تأكيد أننا نتحدث كذلك عن قدوة حقيقية للأطفال والكبار، لكن في حالة العربي الماطري فإن الآية قد انقلبت تمامًا، حيث أن ذلك المُطرب التونسي لم يقتنع يومًا بما يمتلكه من شهرة في عالم الغناء وإحياء الحفلات، ولذلك قاده هوسه وجنونه إلى البحث عن الشهرة بطريقة أخرى لا نحتاج إلى الكثير من الشرح كي نقول بأنها طريقة غير مشروعة بالمرة، وهي طريقة القتل، الأدهى من ذلك أن العربي قد اختار الأطفال ليكونوا وقودًا في نيران جنونه، ثم بعد كل ما مضى كانت النهاية على خِلاف كل التوقعات ولم ينل العربي ذلك القدر الذي يستحقه من العقاب، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على العربي الماطري وشهرته في كلا المجالين، الغناء والقتل، ثم في النهاية سنتطرق إلى النهاية التي حظي بها ذلك الرجل الذي يصفه التاريخ العربي بالمطرب الأكثر جنونًا على الإطلاق.

من هو العربي الماطري؟

بكل أسف تبقى القاعدة قاعدة، والقاعدة هنا تقول إننا إذا أردنا حقًا التعرف على حكاية شخص علينا أولًا التعرف عليه هو شخصيًا، وفي حالتنا هذه نحن مجبرون على التعريف بالعربي الماطري، أو العربي اليعقوبي الماطري إذا أردنا ذكر الاسم الصحيح ثلاثيًا، فهو مواطن تونسي من مواليد العاصمة التونسية تونس، وذلك في منطقة تُسمى الجبل الأحمر، أما تاريخ الولادة المشؤوم فهو عام 1965، وسبحان الله، فترة السبعينات في العالم العربي كله لم تكن على ما يُرام، وقد كان نصيب تونس من هذه الفترة الغريبة ميلاد أحد النقاط السيئة في تاريخها، العربي الماطري، طبعًا هذا إذا ما تغاضينا عن أن البلاد كانت في حالة احتلال وقتها، وكلنا بلا شك نعرف قدر المعاناة التي تعرض لها الثُلاثي العربي الغير محظوظ تونس والجزائر والمغرب، فهذه الثلاثة بالذات عانت أشد المعاناة خلال فترة احتلالها، لكن هذا ليس موضوعنا الآن، فقط نحن نتحدث عن معاناة من نوع آخر، وهي ميلاد العربي الماطري.

طفولة العربي الماطري

كعادة طفولة الأشخاص السيئين في المجتمع، عانى العربي من أسرة فقيرة تتكون من تسعة أشخاص، أب وأم وسبعة أبناء كانوا جميعهم في سن الطلب، طلب التعليم والطعام والدواء، وكل هذه الأشياء بالتأكيد لا يُمكن توفيرها من قِبل كل الآباء، ولهذا كان العربي غير محظوظ في تعليمه في المقام الأول ثم بعد ذلك وضعه الاجتماعي بين أطفاله، ومن هنا بدأ الماطري يكره مرحلة الطفولة، ثم بعد ذلك كره الأطفال أنفسهم، وسنعرف فيما بعد أن تلك المرحلة السيئة لم تُدمر العربي فقط وإنما أطفال أشخاص آخرين لا ذنب لهم على الإطلاق في ولادة طفل غني أو فقير.

السوء الذي مرت به طفولة العربي لم يتوقف عند هذه المرحلة، فهناك أيضًا وفاة والدته، وهي ضربة قاضية يتلقاها الأطفال تعساء الحظ، وذلك لأن الأم بالنسبة لهم هي كل شيء خاصة في هذه المرحلة، عمومًا لم تجري الأمور بالسوء على طول الخط، بل كان هناك وميض نور خاطف ظهر مع بلوغ العربي سن الخامسة عشر، ذلك الوميض كان مُتمثلًا في موهبة ربانية حظي بها الماطري دونًا عن أشقائه وأصدقائه الذين كانوا يفضلون عنه في كل شيء، ألا وهي صوته.

الماطري وموهبة الغناء

عامةً عندما يسوء حظ شخص ما فإنه يبقى سيئًا على طول الخط، فلا يكون هناك أمل في أي شيء وتبدأ الحياة في أخذ اللون الأسود فقط، لكن في حالة العربي الماطري فلا يُمكننا إنكار تعرضه لبعض الحظ في مرحلة من المراحل، حيث اكتشف من قبيل المصادفة أنه يمتلك حنجرة ذهبية وصوت عذب، وهنا كان بإمكانه أخيرًا التباهي أمام أصدقائه بوجود شيء لا يمتلكونه، حيث كان بإمكانه إسماعهم الأغاني الشهيرة للمطربين الذين يُحبونهم بصوت لا يختلف كثيرًا عنهم، ومن هنا كان باب الاحترام يُفتح له، فلأول مرة أصبح الماطري جاذب للأصدقاء وليس مُنفر منه كما هو الحال سابقًا.

صوت الماطري الذهبي بدأ ينتشر في أرجاء العاصمة على الرغم من صِغر سن صاحبه، فقد أصبح يُغني في الحفلات والأفراح وأعياد الميلاد وكل مكان آخر بها من مناسبة من المناسبات السعيدة، وعندما كان الماطري في سن السابعة عشر كان بمقدوره أن يمشي في شوارع العاصمة ويرى الناس وهم يُشيرون بأصابعهم تجاهه ويتهامسون بمرور المطرب الشهير أمامهم، لكن، هل نسيتم ما حدث في طفولته؟ هل تعتقدون أن الأمور ستمضي بسلام هكذا دون أي تأثير على الفتى!

بداية المراهقة وجرائمها

عادةً ما تبدأ مرحلة المراهقة لدى الشباب في سن السادسة عشر، وقد بدأها العربي الماطري كما ذكرنا بالغناء وبعض الشهرة داخل العاصمة، لكن الطفولة التي كانت لا تزال مُسيطرة عليه لم تترك الحياة تمر هكذا مرور الكرام، بل بدأت التراكمات النفسية السابقة تُلاحقه بكل ما تمتلكه من قوة، والبداية كانت في عمر السابعة عشر عندما تم إلقاء القبض عليه بتهمة السرقة والإضرار بممتلكات الغير، ولأنه كان لا يزال قاصرًا لم يحصل على حكم سوى بستة أشهر فقط قضاها وخرج سريعًا ليُقبض عليها بعدها مرة أخرى بعد سبعة أشهر والتهمة هذه المرة كانت استخدام المواد المُخدرة.

شهور قليلة، وتحديدًا في عمر التاسعة عشر، تم القبض على الماطري مجددًا لقيامه بفعل فاضح في الطريق العام وأيضًا الاعتداء على ممتلكات الغير أثناء قبوعه في حالة سُكر من الدرجة الأولى، ولأنه كذلك لم يكن قد تجاوز بعد سن العشرين تم الإفراج عنه بعد عدة أشهر، لكن الحادثة الأخيرة في سن المراهقة كانت غير بسيطة هذه المرة، فقد تم إلقاء القبض عليه وهو يعتدي على طفل حتى الموت دون وجود أي سبب للاعتداء، وهنا كان لابد من وجود عقوبة شديدة بعض الشيء، وقد كانت هذه العقوبة هي السجن لست سنوات دفعة واحدة.

من السجن إلى المجد

دخل العربي الماطري السجن لست سنوات كما تقتضي العقوبة، وأثناء فترة سجنه هذه ارتكب بعض المخالفات التي جعلته يحظى بمدة سجن إضافية ليخرج في النهاية بعد أكثر من عشر أعوام، وتحديدًا في سن الحادية والثلاثين، ومع أنه من المفترض أن يخرج الرجل من السجن وهو مُحطم تمامًا إلا أن الصوت الرائع الذي كان يمتلكه الماطري لم يأخذه إلى الضياع كما هو متوقع، وإنما ارتقى الرجل بصوته وعاد مرة أخرى إلى الحفلات الشعبية والمناسبات، وفي خلال أشهر قليلة أخذت الأمور في التطور حتى بدأ المنتجون يعرضون على العربي تسجيل الأشرطة الغنائية، ببساطة، لقد أصبح مطرب تونس الأول مع حلول العام الأخير من القرن العشرين، وقد كان بإمكانك أن ترى مستقبل مُشرق لهذا الرجل وتاريخ عظيم يدون لها في السجلات التونسية، لكن ما حدث كان خلافًا لكل هذا، لقد عادت ذكريات المراهقة مُجددًا.

بداية نهاية العربي الماطري

عادةً يكتب الأشخاص المجانين نهايتهم بأيديهم، يكتبونها في الوقت الذي كان من الممكن فيه صناعة المجد أو فعل أي أمر آخر مفيد، وهذا ما حدث بالضبط مع بطل قصتنا المجنون العربي الماطري، فهذا الرجل بعد خروجه من السجن بدأ يعلو نجمه وينتشر في كافة أنحاء تونس الخضراء، أصبح الناس يطلبونه بالاسم وبدأ المنتجون في الركض خلفه من أجل التسجيل لهم، والأهم من كل ذلك أن الناس بدأوا ينسون السوابق التي قام بها خلال مرحلة المراهقة، وكل هذه الأمور لا يُمكن أن يحلم بها أي شخص طبيعي، لكنها حدثت مع الماطري، ومع ذلك رفضها مثلما يرفض المجانين النعم.

في يوم من الأيام دخل الماطري في حالة سكر شديدة، كان غير قادر على التوقف عن الشرب لأكثر من خمس ساعات متواصلة، ومن المعروف أن السكارى يذهبون إلى بيوتهم سريعًا كيلا يحتكوا بأي شخص ويرتكبون أية حماقة، بيد أن العربي كان له رأي آخر، وهو ارتكاب حماقة في هذه الليلة بالذات، وفيمن ارتكب هذه الحماقة يا تُرى؟ في طفل صغير لا حول له ولا قوة، طفل كل ذنبه أنه كان متواجدًا خارج بيته أثناء مرور الماطري السكير.

الجريمة الأخيرة

جريمة العربي الماطري الأخيرة لم تكن بسبب امتناعه بعدها عن ارتكاب الجرائم، وإنما لأنه سقط عقب ارتكابها سقوطه المدوي، والقصة باختصار أنه بعدما انتهى من السكر الشديد خرج من الحانة وهو لا يزال متأثرًا بحالته، ثم ذهب إلى أحد المنازل ووقف أمامها بطريقة عجيبة حتى شاهد طفل صغير يُدعى كريم، وكأي طفل، تمكن الماطري من إيقاع كريم عن طريق قطعة حلوى وأخذه إلى مقبرة سيدي يحي المُخيفة، وهناك فعل كل شيء قد يجول في خاطركم الآن، ثم كانت النهاية بقتل الطفل شر قتل وتركه جثة هامدة داخل المقبرة، الغريب أن الماطري غادر المقبرة متوجهًا إلى الحانة من أجل إكمال حفلة الشرب وكأن شيئًا لم يكن حرفيًا!

تغيب كريم عن بيته، وهنا ذهب والده إلى قسم الشرطة بصورة طبيعية من أجل تسجيل محضر تغيب، ومع البحث وسؤال المتواجدين في المنطقة لحظة التغيب تبين أنهم قد شاهدوا الماطري مع الطفل في هذا التوقيت، وبمراجعة التاريخ الأسود لذلك الرجل كان ثمة شيء مُخيف يلوح في الأفق، وكان لابد من القبض على هذا المجنون من أجل تأكيد هذا الشك.

نهاية غير مُرضية

لم يأخذ السكير المجنون العربي الماطري وقتًا طويلًا حتى يعترف بجريمته، بل إنه قد قاد الشرطة ووالد الضحية إلى المقبرة التي حدث فيها كل شيء، وهناك طبعًا تمكنت الشرطة بالكاد من تخليص الماطري من يد والد كريم، لكن الشرطة قد وعدت الأب بأن ذلك المجنون سوف يحظى بأكبر عقاب مُمكن، وهذا ما تحقق بالفعل في عام 2001 عندما أذيُع للرأي العام خبر الحكم على الماطري بالإعدام، لكن، ما لم يكن مُجهز له أبدًا ما حدث قبل تنفيذ هذه العقوبة بأيام قليلة وقلب الأمور رأسًا على عقِب حرفيًا.

بعد الحكم على الماطري بالإعدام، وقبل تنفيذ الحكم بأيام قليلة، خرج قانون تونسي ينص على إيقاف عقوبات الإعدام في تونس واستبدالها بالسجن مدى الحياة، وطبعًا تسبب هذا الحكم في إثارة غضب عارم في الشارع التونسي، لكن لا يزال الحكم حتى الآن، ونحن نتحدث في عام 2018، لم يُنفذ، ولا يزال الماطري سجينًا بعد كل ما ارتكبه من جرائم!

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

1 تعليق

12 + 7 =