مهنة الصحافة مهنة قديمة جدًا، ومنذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا مر الكثير من الصحفيين، لكننا بالطبع لا نذكر أسمائهم جميعًا، وأغلبهم لم يُحقق أي شيء يُذكر، بيد أن الصحفي الأمريكي إدوارد سامسون ، والذي هو بطل موضوعنا اليوم، قد قام بشيء يُذكر، وسيُذكر للأبد لغرابته الشديدة التي جعلت العقول في حالة حيرة أشد، فالأمر ببساطة أن ذلك الصحفي، الذي كان مغمورًا قبل حدوث المعجزة معه، قد رأى ذات يوم حُلمًا لجزيرة يتم تدميرها، مجرد حلم عادي جدًا، لكنه بحساسية الصحفي الشديدة دون هذا الحلم ليتم نشره بعد ذلك بطريقةٍ غريبة، لكن الأغرب من كل ذلك هو ما حدث في بلاد العم سام وقلب العالم كله رأسًا على عقِب، عمومًا، دعونا لا نستعجل الأحداث ونترك السطور القادمة لتُعرفنا على سامسون وحلمه الغريب وما الذي قاده إليه ذلك الحلم، فهل أنتم مستعدون لسماع قصة صاحب أغرب حلمٍ في التاريخ؟
من هو إدوارد سامسون ؟
المعطيات تبقى مُعطيات دائمًا وتقودنا إلى المطلوب غالبًا، وما دمنا نتحدث عن قصة لها أبطال فلابد لنا أولًا من التعرف على بطل هذه القصة، وبطل قصتنا التي نتحدث عنها صحفي أمريكي مولود في فرنسا يُدعى إدوارد سامسون، مجرد صحفي بسيط يعمل في جريدة من جرائد أمريكا الصغرى نهاية القرن التاسع عشر، لكن قبل ذلك، وفي منتصف نفس القرن، وُلد إدوارد سامسون لأب وأم بسيطين نهاية الثورة الفرنسية، تلك الثورة التي أظهرت على السطح نابليون الذي غير خريطة العالم بأكمله قبل أن يأتي فرنسي آخر، وهو سامسون، ويُقرر تغييرها من خلال حلم بسيط لم يكن يُتوقع أنه سيكون كالعاصفة التي تجتث كل شيء في طريقه، حتى المنطق تمكنت منه أيضًا تلك الليلة التي حلم فيها سامسون.
أكمل إدوارد تعليمه بصورة طبيعية ثم التحق بوظيفة بأحد الجرائد كصحفي، وللغرابة الشديدة، لم يدرس سامسون الصحافة، وإنما كانت مجرد هواية بالنسبة له، خاصةً وأنه كان يُجيد كتابة القصص الصحفية القادرة على جذب القراء في الأيام التي لا تتواجد فيها أحداث ساخنة على الساحة، ثم جاءت أحد ليالي 1883 لتحمل أحد قصص سامسون الصحفية، لكن تلك القصة كان لها قصة مُختلفة عن أي قصة نُشرت من قبل، قصة حُلم عجيب.
حُلم سامسون العجيب
من المعروف طبعًا أن الصحفي وليد اللحظة، بمعنى أنه ما دام لا يمتلك خبرًا صحفيًا قويًا في لحظة من اللحظات فلا وجود لعمل يُمكن القيام به، هذا الوقت الفارغ يُمكن أن يُصبح ببساطة وقت راحة عادي، تمامًا كما أنه من الممكن جدًا أن يُمارس العمل الصحفي في منتصف الليل، لا وقت محدد للصحافة، وهذا ما كان يُدركه الصحفي الشاب سامسون، ولذلك كان يحرص دائمًا على النوم داخل الجريدة، وفي يوم من الأيام نام على أريكته المعتادة ليدخل بعدها في نوبة النوم التي قادته إلى كابوسٍ حقيقي، وطبعًا كلنا نعرف أن الكوابيس هي ما يحدث خلال النوم ويكون سببًا في ذعرنا وخوفنا، لكن الكابوس الذي غاص به سامسون كان مختلفًا بعض الشيء.
الكابوس بدأ بصورة مُخادعة تُشبه قليلًا الحلم، فقد رأى إدوارد نفسه في جزيرة جميلة خُيل له في الحلم أن اسمها برالاب، وفي هذه الجزيرة كانت الأمور تسير كما هي الحقيقة تمامًا، فالناس يأكلون ويشربون والأطفال منهم يلهون ويلعبون دون أي مصائب، دون وجود أي شيء يُنذر بحلول المصائب من الأساس، وفجأة انقلب الحلم إلى كابوسٍ بكل ما تعنيه كلمة الكابوس من معانٍ، فما الذي حدث يا تُرى؟
ما الذي حدث ببرالاب؟
بدايةً لا يعرف إدوارد سامسون برالاب أصلًا، فهي مجرد جزيرة مجهولة شاهدها خلال النوم، وفيها تحدث المقدمات التي ذكرناها والتي تُشير إلى وجود حياة طبيعية، ثم بعد ذلك، وبصورة مفاجئة، تبدأ الجزيرة في الانهيار نتيجة لعدة عوامل أهمها البركان الذي اندلع من الأرض دون مُقدمات، وكذلك الزلزال الذي ضرب البيوت وقلّبها رأسًا على عقب، ولكي تكتمل الصورة المُروعة، كان ثمة فيضان يغمر الأرض ويُحولها إلى بحرٍ يرتفع عن الأرض بأكثر من مترين، ببساطة، لقد تدمر كل شيء، كل مظاهر الحياة تم محوها من فوق هذه الجزيرة الغريبة وكأن أبواب الجحيم قد فُتحت عليها، وهنا كان الوقت قد انتهي بالنسبة لتعيس الحظ سامسون، والذي استيقظ من نومه مذعورًا مما رأى بكل تأكيد.
ما بعد الكابوس
استيقظ إدوارد سامسون مفزوعًا من الكابوس، من المُدهش بالنسبة له أن يكون ما يراه في نومه شيء خيالي، لكن هل هو خيالي فعلًا، أم أنه حقًا ثمة جزيرة بهذا الاسم؟ وحتى لو كانت موجودة، فما الذي جعله يرى هلاكها في نومه، عمومًا، كعادة سامسون، دون ما راءه في نومه بينما كانت الأحداث لا تزال ساخنة في رأسه، بعد ذلك ترك الورقة على مكتبه وانصرف لعملٍ عاجل مُقررًا العودة بعد ذلك للبحث في الأمر جيدًا، كان سيبحث عن الجزيرة ويبحث في أخبارها وهل فعلًا حدث شاهده في نومه أم أن الأمر كله مجرد كابوس عابر، عمومًا، قبل أن يرحل سامسون ارتكب خطأ فادح أصبح فيما بعد سببًا كبيرًا في شهرته وتخليده في سجلات التاريخ، لقد ترك ما كتبه بالورقة على المكتب.
غادر سامسون، وبعدها بساعات جاء رئيس التحرير، والذي كان يمتلك فضولًا زائدًا عن الحد دفعه للبحث على المكتب حتى وجود ورقة مطوية بشكل حديث، وعندما فتحها وجد خبر تدمير الجزيرة، وهنا ظن الرجل على الفور أن الصحفي النشيط إدوارد سامسون قد تمكن من الحصول على خبر جديد هام كعادته، فأرسله سريعًا إلى المطبعة أملًا في الحصول على السبق الذي تطمح به أي صحيفة مهما كانت قيمتها، ومن هنا انفجر كل شيء حرفيًا!
انفجار ما بعض الخبر
انتشر الخبر كالهشيم، ففي هذا التوقيت كان العالم مشغول بأخبار بعضه، الجميع يُريد أن يعرف ما الذي حدث في إنجلترا وما الذي تم في فرنسا وإلى أي شيء جديد توصلت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، كل الأخبار ذات قيمة، فما بالكم بخبر عن جزيرة غريبة تم تدميرها بالكامل في غضبة كبيرة من الطبيعة، وبالتأكيد كان الخبر يحظى بلحن حزين وحسرة شديدة على ما حصل في هذا المكان، الجميع فكر في الحزن قبل التفكير قبل التفكير في تفاصيل الحادثة نفسها، وبلا شك لن ينتبه إلى هذه التفاصيل إلا صحيفة أخرى مُنافسة، وهذا ما حدث بالفعل.
بعد ساعات قليلة من صدمة الخبر بدأت الصحف الأخرى تتعجب من حصول صحيفةٍ ما على هذا الخبر الحصري بينما لم تأتي أي صحيفة أخرى أخبار مماثلة أو حتى قريبة، فحتى لو كان الخبر حصري فإنه بعد وقت صغير من المفترض أن يصل للجميع على حدٍ سواء، لكن الحقيقة أن الصحف الأخرى سرعان ما توصلت إلى عدم صحة الموضوع برمته وأنه لا توجد جزيرة قد تم تدميرها من الأساس، إذًا، إدوارد سامسون وصحيفته يكذبان!
التضحية بسامسون المسكين
بعد انتشار كذب الصحيفة في نشرها لخبر الجزيرة المُدمرة انقلبت الحالة من الحزن على هذه الكارثة إلى استياء تام من الصحيفة وبشكلٍ خاص ذلك الصحفي الذي نشر الخبر، وطبعًا حارب إدوارد من أجل إقناع الجميع بأن ما كتبه كان مجرد حلم تم تدوينه بغرض عدم النشر، لكن أحدًا ما لم يستمع له، وكقانونٍ في هذه الغابة، يتم التضحية طبعًا بالضعيف، وهو الصحفي، وليس رئيس التحرير الفضولي الذي أخذ الخبر ونشره دون مراجعة، وهكذا تم إقصاء سامسون من العمل الصحفي وعدم قبوله في أي جريدةٍ أخرى، فقد أصبح معروفًا بالصحفي صاحب أكبر كذبة في تاريخ الصحافة، الصحفي الذي ينشر أحلامه كأخبارٍ صحفية، لكن، وكمعجزةٍ صغيرة، بعد أسابع قليل أصبحت كل صحف العالم تتمنى مجرد مرور إدوارد سامسون من جانب سورها، فقد أصبح أشهر صحفي في العالم بلا مُنازع، لكن لماذا؟
الحقيقة تصل من كراكاتاو
لم يمر سوى أسبوعين من فصل إدوارد سامسون من عمله حتى حدثت المعجزة التي نتحدث عنها، وهي مجيء سفينة مُحطمة بعض الشيء من أحد الرحلات البحرية وهي تحمل على ظهرها بعض البحارة الذين كانوا مُنهكين وكأنهم كانوا في حربٍ كُبرى، لكن، ما لم يكن يتوقعه أحد، تلك الرواية التي قصها هؤلاء البحارة حول سبب إنهاكهم هذا، حيث قالوا إنهم للتو عادين من جزيرة في المحيط الهادئ تُدعى كراكاتاو، وأنهم كانوا في هذه الجزيرة بصورة طبيعية يوصلون إليها المُعدات ويُمارسون التجارة فيها كما يفعلون دائمًا، لكنهم تفاجأوا بأن بركانًا قد اندلع وزلازلًا قد حل وأشياء كثيرة أخرى حدثت دون أي مُقدمات، ببساطة، لقد قالوا بالضبط ما حدث في حلم إدوارد سامسون!
أثار الأمر جنون الجميع، ومع انتشار الخبر أعادت الصحيفة نشر خبرها الجديد وقالت إنها تتشرف بانفرادها بهذا الخبر دون أن تعرف به أي صحيفة أخرى، أما إدوارد فقد أخذت الصحف تتصارع عليه وتُقدم له إغراءات مادية كبرى من أجل قبول الانضمام إليهم، لكنه فضل العودة إلى جريدته القديمة التي نشرت اعتذارًا له وكرمته على أنه صحفي العام، لكن السؤال الآن، كيف عرف سامسون بما حدث وما حكاية كراكاتاو هذه واختلافها عن الاسم الذي حلم به سامسون!
لغز اسم الجزيرة
قلنا من قبل أن الجزيرة التي حلم بها سامسون ورأى أن كل هذه الأهوال قد وقعت بها هي جزيرة برالاب، وهي جزيرة ليس لها وجود في الحقيقة، أي أنها جزيرة خيالية لا يُمكن الوصول إليها، بينما الجزيرة التي وقعت فيها الأحداث هي كراكاتاو كما أكد البحارة العائدين من هناك، والحقيقة أن الإجابة نفسها تحتوي على معجزة أخرى أثارت جنونًا أكبر، فقد اتضح بالبحث أن الاسم القديم الذي كانت جزيرة كراكاتاو تُعرف به في الماضي هو برالاب، أي أن سامسون لم يُخطئ في الحلم، وإنما نقله بأدق التفاصيل الممكنة، بما في ذلك الاسم القديم الذي ربما لا يعرفه أبناء القرية أنفسهم.
فيما يتعلق بسبب رؤية سامسون لهذا الحلم فالحقيقة أنه ليست هناك إجابة لهذا السؤال، ولا يُمكن لأي شخص مهما كان أن يمنحك إجابة صادقة وحقيقية، فلا أحد يستطيع حقًا اختيار ما سيحلم به قبل النوم، وما حدث مع سامسون غير مُفسر، حتى الأولياء الذين يرون أحلام تتحقق فيما بعد لا يستطيعون كذلك تفسير هذا الأمر، إنها بلا شك مُعجزة.
أضف تعليق