شبح دنتي بورتيوس هو أحد القصص المرعبة والمخيفة التي هامت بلاد إنجلترا وإسكتلندا وإيرلندا في القرن السابع عشر. وهو دليل على مدى الجهل الذي عم البلاد في هذا الزمن. فلم تكن قصة شبح دنتي بورتيوس هي القصة الوحيدة المنتشرة بين عامة الشعب والأغنياء، بل هناك مجموعة كبيرة من قصص الأشباح المرعبة تابعة لهذا العصر. وقد قام كتاب ومؤرخين كثر بالتحدث عن مدى اعتيادية انتشار قصص الأشباح في القرن السابع عشر. كما قام كُتاب آخرون مثل العالم ريتشارد بوفيت والفيلسوف هنري مور، بكتابة مجموعة كبيرة من القصص المرعبة المنتشرة في هذا العصر وحده وجمعها في كتاب كبير، ليروي لنا قصص مثل شبح دنتي بورتيوس المرعبة.
بداية القصة
تبدأ القصة في أواخر القرن السابع عشر مع السير ألكسندر جاردين، وهو يمتلك برج في جنوب غرب إسكتلندا في قرية صغيرة تدعى “Annan” في دومفريشاير. وهذا البرج يدعى “برج سبيدلين”. ظن السير ألكسندر أن طحان يدعى دنتي بورتيوس، يقوم بحرق الممتلكات العامة عمدًا. ونحن لا نعرف ما إذا كان هذا الظن في محله أو إنه ظالم. فاستدعى السير ألكسندر هذا الطحان وألقى به في السجن في برجه العالي. إلى حين التحقيق في القضية واكتشاف الأمر.
موت دنتي بورتيوس
لسوء الحظ، اضطر السير ألكسندر لترتيب سفرية سريعة إلى مدينة ادنبره عاصمة إسكتلندا، بعدما تم استدعائه في أمر هام. وفي خلال انشغاله بالسفرية والترتيب لها في أخر لحظة، نسي تمامًا سجينه الطحان دنتي بورتيوس. وكان قد أخذ مفتاح الزنزانة معه. عندما عبر السير إلى الجهة الشرقية من البلاد، تذكر أخيرًا أمر سجينه الذي مر عليه أيام كثيرة في الزنزانة. وأمر واحد من أتباعه بأخذ المفتاح والرجوع لتحرير السجين. ولكن عندما وصل التابع إلى البرج وجد دنتي قد فارق الحياة، من شدة الجوع.
شبح دنتي بورتيوس
بعد موته بأيام قليلة وعودة السير ألكسندر من السفرية، بدأ شبح دنتي بورتيوس في مطاردة ألكسندر وعائلته. فكان الشبح لا يهدأ ليلًا أو نهارًا. ويجول أنحاء البرج وخارجه أحيانًا، يصرخ من شدة الجوع ويرعب كل المتواجدين، ويهز الأبواب والنوافذ.
طارد الأرواح
من شدة الرعب والخوف على عائلته، استدعى السير ألكسندر مجموعة كبيرة من أمهر طاردي الأرواح الشريرة في البلاد. وهم من القساوسة والكهنة التابعين للكنيسة، المؤهلين للتصرف مع مثل هذه المواقف. وبعد جهود كبيرة وطقوس كثيرة، استطاعوا في الأخير إلى حبس شبح دنتي بورتيوس مرة أخرة داخل الزنزانة التي مات فيها. ولكنهم لم يتمكنوا من طرده تمامًا. وظل يؤرق السير ألكسندر وعائلته في كل ليلة. حينما كان يصرخ بصوت عالي قائلًا: “أخرجوني، أخرجوني من هنا، إنني أموت جوعًا، أخرجوني من الحبس”.
كما أنه كان يهز أبواب الزنزانة بعنف شديد، لتسبب صوت مرعب مع هدوء الليل. وكان يطير مثل الحمام ويصطدم بكل قوته مع أبواب الزنزانة. كما أنه تمكن من قطع أغصان الشجر العالية القريبة من نافذة الزنزانة الضيقة.
حتى تعمل التعويذة التي ألقوها طاردي الأرواح على شبح دنتي بورتيوس، كان على السير ألكسندر الاحتفاظ بإنجيل كبير وأسود وأوراقه سميكة، داخل البرج. فوضعوه داخل حجر مخصص للاحتفاظ بالكتاب، حتى لا يضيع أو يخرج من البرج. وبالتالي يطمئنون أن بعد مرور العديد من السنوات وحتى مع انتقال العائلة إلى منزل جديد على الضفة الشرقية من النهر، لن يتمكن الشبح من الهرب والبحث عنهم للانتقام.
عودة شبح دنتي بورتيوس
رغم انتقال العائلة إلى الضفة الشرقية من النهر وسكنهم في منزل جديد بعد عدة سنوات من الحادثة، وامتلاك السير لقبًا جديدًا وهو “لقب البارون”. لم يتوقف شبح دنتي بورتيوس عن مطاردته. فقد أرسل البارون سهوًا الإنجيل المخصص لحماية العائلة إلى ادنبره ليتم ترميمه. فخرج شبح دنتي بورتيوس من زنزانته وعبر النهر ودخل بيت العائلة الجديد، وأرعب زوجة البارون في فراشها. وأحدث رعبًا واضطرابًا كبيرًا في أرجاء المنزل. فاستدعى البارون فورًا الإنجيل قبل أن يصل إلى ادنبره، وأرجعه في مكانه المخصص في البرج.
مقر الإنجيل بعد تلك الحادثة
بداية انتشار القصة بشكل موسع في أرجاء إسكتلندا وانجلترا، جاءت بعدما روتها سيدة عجوز في عام 1788. والتي قالت حينها أن الإنجيل محفوظ في المنزل الجديد للعائلة، وليس في البرج. وعلى ما يبدو أن الشبح أصبح هادئًا بعد فترة من الزمن، أو أنه اختفى ببساطة. والعائلة ما زالت تحتفظ بالكتاب تخوفًا من شبح دنتي بورتيوس. ولكن السيدة تعتقد بشدة أن الكتاب لابد أن يرجع إلى البرج.
نظرة على حياة الشعب الإنجليزي في القرن السابع عشر
من قصة دنتي بورتيوس وغيرها، نتوصل إلى مدى الجهل الذي عم البلاد في القرن السابع عشر. بسبب تأثير سلطة الكنيسة المتزايدة والتي أدت إلى تلفيق العديد من القصص لتخويف السكان وإرعابهم، وإجبارهم لاحترام سلطة الكنيسة والإيمان ببعض الخرافات لإبقائهم تحت السيطرة. وكان البرلمان والحكومة أو الملك، هم في الأصل من يسيطرون على الكنيسة وقرارتها فعليًا.
كل هذا الجهل والنزاع الديني، بدأ بسبب الملك هنري الثامن من بيت تيودور. والذي رغب بالزواج مرة أخرى من آن بولين، والطلاق من كاثرين من أراغون التي فُرضت عليه وهو صغير. إذ لم تنجب له كاثرين سوى ابنة واحدة. وبالطبع كانت الكنسية في روما تحرم الطلاق والزواج من أخرى. فانشق هنري عن الكنيسة وأعلن نفسه رئيسًا على الكنيسة في إنجلترا. لتبدأ حرب شرسة بين المذهب البروتستانتي المتمثل في كنيسة إنجلترا، والمذهب الكاثوليكي المتمثل في بابا روما وإسبانيا.
تمكن هنري من الزواج من آن بولين، وإنجاب إليزابيث الأولى، وهي الملكة التي عم عهدها استقرار نسبي في البلاد. ولأنها رفضت الزواج والإنجاب، خلفها على العرش ملوك بيت ستيوارت من إسكتلندا، الذين ملكوا على إنجلترا وإسكتلندا وإيرلندا. وكان تشارلز الثاني هو الملك الثالث من هذا البيت بعدما أعدم والده تشارلز الأول خلال الحرب الأهلية الإنجليزية.
ولأن تشارلز الثاني كان يدعو إلى السلام بين المذاهب ورفض الاضطهاد الطائفي الكبير ضد الكاثوليكيين في إنجلترا، كان على خلاف كبير مع البرلمان والكنيسة في إنجلترا. وتمكنت الكنيسة من إخضاع الملك تحت سيطرتها عن طريق جهل الشعب. فكانوا ينشرون قصص مخيفة مثل شبح دنتي بورتيوس حتى يسيطروا على عقول الفقراء وعامة الشعب. ويتمكنون في القيام بعلميات ثورية واحتجاجية ضد الملك الذي يدعو للتسامح مع المذهب الكاثوليكي ووقف أعمال التعذيب وإعدام الكاثوليكيين، خوفًا من غضب الكنيسة عليهم.
ختام
شبح دنتي بورتيوس إحدى أشهر القصص وأكثرها وضوحًا التي تنقل لنا جهل الشعب الإنجليزي في القرن السابع عشر. وكمية المشاكل والحروب الأهلية والمؤامرات الداخلية والخارجة التي لحقت ووصمت هذا العصر المظلم. لتحمد ربك على نعمة العقل وإعماله والتفكير في كل ما ينتشر قبل تصديقه والإيمان به. حتى لا تكون من التابعين الجهلاء لمن يريدون السيطرة على عقول العامة.
الكاتب: أيمن سليمان
أضف تعليق