الجميع يعرف أن العالم قديمًا كان يعج بالشر والأشرار، والحقيقة أنه لا يزال على نفس الحال، لكن لعبة الموت التي ظهرت للعالم أسرارها في القرن السادس عشر تؤكد على أنه لم يبلغ أحد بعد نصف الجنون الذي بلغه العالم قديمًا، ونحن هنا نتحدث تحديدًا عن الوقت الذي سبق ميلاد السيد المسيح بألف ونصف الألف عام، حيث كان العالم في هذا الوقت مسرحًا لإقامة لُعبة من الألعاب التي تُلعب بالكرة في ملاعب واسعة، تمامًا مثلما هو الحال الآن في إنجلترا على سبيل المثال، لكن الفارق الوحيد الغريب في نفس الوقت أن قوانين تلك اللعبة كانت تقضي بمعاقبة الشخص الخاسر وسلب أثمن شيء في حياته منه، وذلك الشيء في الواقع هو الحياة نفسها، أجل كان يتم قتله بسبب الخسارة، وإذا كنتم تعتقدون أن هذا نوع من الجنون فإن الجنون الحقيقي لا يزال ينتظركم فيما هو قادم من تفاصيل لتلك اللعبة، فهل أنتم مستعدون لخوض تلك الرحلة ومعرفة كل شيء عن لعبة الموت؟
اكتشاف لعبة الموت
كانت لعبة الموت من الأشياء الحاضرة في هذا العالم منذ آلاف السنين، لكن هذا لا يمنع من أنه لم يكن هناك عدد كبير من الناس يعرفون بها، فقط كان يعرفها شعب الأزتيك، والذي هو الآن مُتمثل على الأغلب في شعب المكسيك بقارة أمريكا، عمومًا، في عام 1519، ومع بداية القرن السادس عشر المعروف بقرن التوسع العالمي، قام أحد القادة الإسبان، ويُدعى كورتيز، بشق طريقه باتجاه تلك الأراضي ومعه جيش لم يكن كبيرًا حسبما ذكر التاريخ، لكن ما حدث، وذكره التاريخ كذلك، كان إعجاز بكل ما تعنيه الكلمة من معان.
بهذا الجيش الصغير تمكن القائد الإسباني كورتيز من إسقاط مدن وقلاع الأزتيك التي كان العالم يعرف عنها شموخها وقوتها، لكن السقوط السهل جعل البعض يظن بأن حضارة الأزتيك كانت تنتظر بفارغ الصبر من يقوم بإسقاطها، كما أن البعض الآخر قد أرجع ذلك السقوط إلى السحر والطقوس الغريبة التي كانت تتم ممارستها في تلك الحضارة، وعلى رأسها ذلك الطقس الغريب الذي نتحدث عنه الآن، وهو ممارسة لعبة الموت.
لعبة الموت والأزتيك
من خلال بعض النقوش على المعابد تمكن الإسبان من فك طلاسم لعبة قديمة كانت موجودة في حضارة الأزتيك ومؤكدة لحضورها بقوة، تلك اللعبة ببساطة كانت عبارة عن لعبة كرة تُلعب في ملاعب كبيرة حجرية مُخصصة في الأصل لهذا الغرض، وكان يتم كذلك اقتياد الشعب بأكمله إلى الساحة التي يُجرى بها اللعب، والحقيقة أن البعض كان يحضر من تلقاء نفسه لأن اللعبة في الأصل كانت جِد ممتعة، وكما تعرفون، متعة الإنسان هي أغرب شيء يُمكن مصادفته في هذه الحياة، فهي تتفاوت من شخص إلى آخر بطريقة مُريبة، فمثلًا شعب الأزتيك الذي نتحدث عنه كان يجد متعته في الموت، أو مشاهدة الناس وهم يموتون على وجه التحديد!
دهشة الإسبان الحقيقية كانت بعد معرفتهم بأن الكرة التي كان يتم ممارسها كانت تحكمها بعض القوانين، أهمها أن الفريق الخاسر يتم اقتياده إلى منتصف الملعب ثم شق بطنه وإخراج قلبه من قِبل المشرفين على اللعبة والطواف به في الملعب أمام أنظار الجمهور، وإذا كنتم تتوقعون أن الجمهور كان يصرخ من الرعب فأنتم مخطئون، لأن صيحات الفرح والمتعة كانت تتفجر تفجرًا كبيرًا في هذه اللحظات المجنونة بالذات!
بداية لعبة الموت
في مثل هذه الظروف لم يجد الإسبان سؤال أبلغ من السؤال عن بداية اللعبة ونشأتها، كانوا يريدون التعرف على كل شيء له صلة بهذا الجنون، وقد عرفوا من خلال بعض المخطوطات أن البداية كانت قبل 1400 من الميلاد في حضارة الأزتيك وحضارات أخرى مجاورة له، فهذا الأمور كانت تنتشر سريعًا بعد أن تُثبت نجاحها، والنجاح المقصود هنا هو النجاح في إدخال المتعة إلى قلوب المتفرجين الذين كانوا يسعدون عند مشاهدة الناس وهم يخسرون حياتهم بعد خسارة مبارياتهم، كان الأمر جنونيًا، وكان من المنطقي أن يكون المتفرجين عليه مجرد حفنة من المجانين كذلك.
ملاعب لعبة الموت كان تختلف من مكان إلى آخر باختلاف الحالة الاقتصادية لكل مكان، فمثلًا الأماكن الثرية كانت تُنشئ ملعبًا كبيرًا يزيد عن مئات الأمتار، بينما الأماكن الفقيرة كانت ملاعبها صغيرة تصل بالكاد إلى حجم المئة متر، لكن في النهاية ومهما كان حجم الملعب في أن طريقة اللعب تظل واحدة في كل مكان.
طريقة اللعب المجنونة
عندما يؤسس الملعب الحجري وتُدعى الجماهير من أجل تطويق الملاعب من أجل المشاهدة فإن خمسين بالمئة من اللعبة يكون مكتملًا، أما النصف الثاني فهو يكمن في الكرة المطاطية التي كان يتم صنعها، وهي للغرابة كانت تتجاوز من ناحية الوزن الثلاثة كيلوغرامات، ثم بعد ذلك يتم تخطيط الملعب وإنشاء فريقين من الحضور بأمر المشرف على اللعبة، وعدد كل فريق كان يرجع تحديده إلى المشرف على اللعبة أيضًا، والذي كان في أحيان كثيرة الملك.
باستعمال العصي أو الورك أو اليد أو اليدين كان يتم تناقل الكرة المطاطية الثقيلة بين الفريقين المتنافسين، وكانت الخسارة تحضر في حالة لم يستطع أحد الفريقين السيطرة على الكرة أو أنه قد تجاوزت الملعب أو حتى دخول المرمى الحجري المنصوب، ففي كل الحالات الماضية يُعتبر الفريق خاسرًا ويكون لزامًا عليه الخضوع لطقوس العقاب، وقد ذكرنا من قبل أن الجماهير كانت تطوق الملعب للمشاهدة، لكنها أيضًا كانت تفعل ذلك من أجل منع أي شخص في الملعب من الهرب، فبالتأكيد كان يدب في نفوس هؤلاء المساكين الرعب، لكن الأمر يكون قد نفذ والعقاب أصبح لا مفر منه.
قواعد لعبة الموت
لكل لعبة قواعد، ولعبة الموت بالذات كانت تمتلك الكثير والكثير من القواعد، أولها أن أعداد اللاعبين لا تكون متساوية عدديًا وإنما بدنيًا، بمعنى أن الشخص القوي بدنيًا في هذه اللعبة لا يُعادل أبدًا الشخص الضعيف، ولذلك كان من الممكن أن ترى فريق مُكون من عشرة أفراد وفريق آخر لا يتكون سوى من ست أو سبع أفراد فقط، وبالرغم من أن اللعبة بأكملها كانت مُجحفة إلا أن تلك القاعدة بالذات كانت ترمي إلى مبدأ المساواة وعدم جعل الضعفاء لقمة سائغة، لكن بعد فترة من تاريخ بداية اللعبة تم تغيير تلك القاعدة وأصبح الفريقين متساويين عدديًا مهما كانت قوة أفراد كل فريق، وطبعًا كانت الحجة في ذلك هي الرغبة في المزيد والمزيد من المتعة.
أيضًا من أبرز قواعد لعبة الموت المُخيفة أنه إذا لم يتحدد الفريق الفائز مع غروب الشمس يتم تأجيل المباراة إلى اليوم التالي، وهكذا لمرتين آخرتين حتى يخرج الفائز في النهاية، لكن في حالة عدم خروجه يتم تنفيذ الطقوس في كافة اللاعبين المُنتمين للفرق المُتنافسة، ونقول الفرق المتنافسة لأنه في فترة من الفترات كانت قواعد اللعبة تُخول لأكثر من فريقين الاشتراك في المباراة الواحدة، وهنا يُمكننا القول ببساطة أن الحرب كانت تكون في هذه الظروف أشد وأشد.
لعبة الموت والدين
كانت لعبة الموت في الأصل تُقام كطقس ديني في المقام الأول بعيدًا عن المتعة والبحث عنها، فقد كان الكهنة ورجال الدين في حضارة الأزتيك يعتقدون أن التضحية بالناس بتلك الكيفية يؤدي إلى حماية الشعب من أي خطر من الممكن أن يتعرضوا له في يوم من الأيام، ولهذا قلنا في البداية أن البعض من سكان حضارة الأزتيك يظنون أنهم سقطوا كفريسة سهلة للإسبان بسبب توقفهم عن ممارسة هذه اللعبة لفترة من الفترات، مما أدى إلى انهيار الحصن الديني الذي يحميهم.
تصديق الناس لتلك الخرافة جعلهم يربون أطفالهم على تعلم لعبة الموت من أجل الصمود وعدم الخسارة وفي نفس الوقت بذل كل الجهد من أجل الحفاظ على الحضارة، لذلك كان يُعتقد أن الضعفاء الذين يخسرون ويقتلون يستحقون ذلك الجزاء بسبب ضعفهم وعدم قدرتهم على حماية الحضارة الأزتيكية، وهذا ما يُبرر حالة المتعة وعدم المبالاة التي كانوا يتمتعون بها وقت مشاهدة المباريات، أو بالتحديد وقت مشاهدة الناس وهم يموتون.
مصير الفائز في لعبة الموت
في الحقيقة لم يكن الأمر سوداويًا بالكامل، فإذا كان الخاسر في لعبة الموت يلقى العقاب المجنون الذي تحدثنا عنه فإن الفائز كان يحصل على الكثير من الامتيازات التي لم يكن يحلم بالحصول عليها عندما كان ضمن صفوف المتفرجين على اللعبة وليس المشاركين بها، فمثلًا، وكما هو الحال في الوقت الحالي، فإن الفائزين كان يتم تسليط الضوء عليهم وتناقل أخبارهم، بمعنى أدق، كانوا يتحولون إلى مشاهير بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكانت تلك الشهرة تجعلهم من المُستجاب لهم في كل شيء، فعند الزواج على سبيل المثال يُمكن أن يُرفض الثري ولا يُرفض لاعب لعبة الموت.
اللاعب في لعبة الموت أيضًا كان يحظى بميزة هامة جدًا، وهو أنه لا يُمارس اللعبة مرة أخرى ولا يكون معرضًا للموت مجددًا، وكأنه يحصل على وقاية منها بمشاركته في المرة الأولى وفوزه، بل تلك المباراة تحديدًا تكون نقطة فاصلة وحاسمة في حياته، فإما أن يُكمل طريقه في النجومية والشهرة والثراء وإما يتعرض للموت ولا يكون له طريق من الأساس، في النهاية، كان لعبة تحمل اسمًا على مُسمى بالفعل.
استخدامات لعبة الموت
المُدهشات لا تتوقف عند ما ذكرناه آنفًا عن لعبة الموت، فعندما تعرف أبرز استخدامات تلك اللعبة سوف تحظى بدرجة أعظم بكثير من الاندهاش، فمن ضمن هذه الاستخدامات مثلًا، بخلاف الجانب الديني، منع الحروب، وبمزيد من التفصيل كان يتم اللجوء إلى اللعبة في حالة نشوب خلاف بين فريقين أو قبيلتين، حيث كانت تلك الطريقة هي الأمثل لحقن دماء الكثير من الناس، وهذه بالطبع كانت فكرة يتم الترحيب بها واستخدام من الاستخدامات التي أعطت للعبة عمرًا طويلًا، بالرغم من أن هذا لا يمنع من الاعتراض على نهاية الفريق الخاسر، وهي الذبح.
التنازع على الحكم أيضًا من الاستخدامات التي كانت شائعة عند ممارسة اللعبة، فقد ذكر التاريخ في أكثر من مرة أن حضارة الأزتيك كانت عندما تعجز عن اختيار حاكمها كان يتم إدخال المتصارعين على الحكم في ساحة اللعبة من أجل اختيار الفائز ليكون الحاكم، لأنه بالنسبة للجميع يبدو الرجل الأقوى والأكثر تأهيلًا، وأيضًا كانت تُعتبر اللعبة وسيلة للتحكيم، فالمنتصر من وجهة نظر الجميع هو الشخص صاحب الحق واليد العليا.
أضف تعليق