يُعتبر تومي مكهيو أكبر دليل على وجود الأمل بهذا الأرض، فهذا الرجل، والذي وُلد في النصف الثاني من القرن العشرين، كان إذا ذُكر اسمه في شوارع مدينة ليفربول يُثير الرعب والخوف والهلع نظرًا لكونه لص مُدمن مُغتصب، لا يفلت أي شخص سوي طبيعي من قبضته، لكنه بعد حادثة غريبة تعرض لها أصبح على النقيض تمامًا، فهو لم يعد تومي الذي يعرفه الناس ويحرصون على تفاديه والابتعاد عنه، بل تومي الذي يتمنى الجميع الحصول على توقيعه، وذلك ببساطة لأنه قد أصبح رسامًا وشاعرًا مرموقًا، وإذا كنتم تعتبرون أن هذا يُعد جنونًا فإن الجنون الأكبر سوف يكون حاضرًا في الطريقة التي أدت إلى تحويل تومي إلى هذا المسار، عمومًا، قصة هذا الرجل تستحق حقًا الاحتفاء والذكر، لذلك دعونا في السطور القادمة نتعرف على تفاصيلها ونتبين حقًا كيف يُمكن للمعجزات أن تحدث في عالمنا بكل هذه السهولة.
من هو تومي مكهيو؟
أولى الخطوات في ذلك الموضوع أن نتعرف بالتأكيد على الرجل الأهم والأكثر إثارة فيه، إنه تومي مكهيو الذي وُلد في بداية ستينات القرن المنصرم، القرن العشرين، قرن بدأ فيه خفوت بريطانيا كدولة عظمى، لكنها لم تنطفئ كثيرًا، كما أن مدينة ليفربول التي وُلد بها تومي ما زالت تُعد واحدة من المدن التاريخية الشهيرة التي يحلم الجميع بزيارتها، ولهذا كان من الصعب جدًا أن تجد بها الفقر الشديد الذي قد يتوافر في المُدن المُعدمة الأخرى، لكن تومي للغرابة وجد أمامه هذا الفقر!
طفولة تومي لم تكن مثالية بما تحتويه كلمة المثالية من معان، فقد كان فقيرًا لأب وأم فقيرين، والحقيقة أنه من ضمن أسباب ذلك الفقر العدد الكبير جدًا من الأبناء، فقد كان تومي يمتلك تسعة أشقاء، وهؤلاء حتى يكبروا ويحظوا بفرصة تعليم جيد وطعام جيد وملبس جيد يحتاجون إلى الكثير والكثير من الأموال، وهذا ما لم يكن متوافرًا في هذا الوقت، ولذلك جاءت نشأة تومي غير مثالية تمامًا مثلما كانت فترة الطفولة.
نشأة تومي مكهيو
مع بلوغ تومي سن الخامسة عشر كان لزامًا عليه أن يحتك بالشارع وينزل إلى العمل كي يوفر الطعام له على الأقل، فقد كان العمل قديمًا بالنسبة للأطفال والصغار أن يعملوا طوال اليوم في مقابل طعامهم وشرابهم بذلك اليوم، ولم يكن هناك رواتب أو أي أموال يتم إعطائها في اليد، إذًا، كان ثمة استغلال، وهو ما بدأ تومي يُدركه شيئًا فشيئًا مع تقدم الوقت، وربما هذا ما دفعه إلى اللجوء للطريق غير السوي بالمرة من أجل مواجهة ذلك الاستغلال من أرباب العمل معه.
بدأ تومي يسرق الأغراض والأشياء من الأماكن التي عمل بها، ثم مع الوقت بدأ يسرق الأموال من أصحاب العمل، كان لصًا، لكنه كان يرى في ذلك ردًا لما تم سلبه منه من حقوق، والواقع أنه يُمكن جدًا التغاضي عن هذه الحالة إذا توقفت في وقت من الأوقات، لكن ما حدث أن الأمر قد تطور أكثر وأكثر حتى وصل إلى حالة يُمكن القول إنها قد وضعتنا أمام مجرم وجد من الظروف عونًا له في السرقة وقطع الطريق وترويع الناس بشكلٍ عام.
المجرم تومي مكهيو
كان تومي يستحق حياة أفضل من ذلك، هذا ما كان يظنه الفتى بنفسه، لكن، لم يكن في نفس الوقت يستحق ما آل إليه، فقد أدمن السرقة ولم يعد مجرد هاوٍ على الإطلاق، كما أن الحانات وأماكن شرب الخمور باتت مكانه المُفضل الذي يتردد عليه باستمرار، وكلنا نعرف أنه تحت تأثير الخمور يُمكن أن تحدث الكثير من الأشياء التي لا يمناها أحد أبدًا، يُمكن مثلًا أن يتحول الشخص من مُدمن إلى مُتحرش ثم مُغتصب، وهذا ما حدث بالفعل مع تومي.
وجد تومي في أي مكان من شوارع ليفربول كان يُعد دليلًا واضحًا على أن شر ما سيحدث، كان الجميع يخشونه ويبتعدون عنه، بالطبع لا أحد يُريد أن يُصبح صديقًا للص وقاطع طريق، وفي نفس الوقت لا أحد يُحبذ أن يقع ضحية له، كان الأمر مُعقدًا، ومن المُحتمل في حالة استمراره أن يتحول تومي إلى سفاح وقاتل ومُتسلسل، وربما كان حدثينا القادم، في ظروف غير ما حدثت، عن عدد ضحايا تومي ونهايته المأساوية، لكن الغريب حقًا أن شتاء 2001 قد أحدث تغيرًا جذريًا بالأمر، أو يُمكن القول بمعنى أدق أن معجزةً ما قد حدثت في هذا الوقت.
المعجزة تحدث لتومي
في مرة من المرات كان تومي ذاهبًا لممارسة عادته المفضلة في سرقة الآخرين وإزعاجهم، لكنه في الطريق إلى أحد ضحاياه المحتملين شعر بمغص شديد وألم في البطن، كان يُريد الدخول في الحمام لإنهاء هذا الوجع، بيد أنه عند دخول ذلك الحمام لم يُنهي ذلك الوجع فقط، وإنما كل شيء سيء بحياته، فقبل أن يفرغ من حمامه جاء من يدق الباب ويستعجله للخروج، كان الحمام في مكان عام مُخصص للجميع، وكان من الطبيعي أن يقف الناس للتناوب على ذلك الحمام.
الشخص الذي ظل يدق الباب كان يشعر بالألم كذلك، ولم يكن متحملًا الوقوف سوى بسب من بداخل الحمام، ولهذا شعر تومي بالإهانة وقرر أن ينتهي سريعًا كي يخرج ويُلقنه درسه الأهم، ولكي يفعل ذلك كان عليه أن يعصر بطنه عن آخرها، ومع عصر البطن للانتهاء من الحمام حدثت المعجزة التي تحدثنا عنها، فما الذي حدث بالضبط يا تُرى؟
ما الذي حدث بالضبط؟
مع عصر تومي مكهيو لبطنه لم ينتبه إلى كونه قد أسرف جدًا في هذا العصر، مما أدى إلى حدوث انفجار مفاجئ بشريانين بدماغه، هذان الشريانين تسببا في حدوث نزيف دماغي حاد، لم يتمكن تومي من تحوله وسقط مغشيًا عليه مُصدرًا ارتطام شديد سمعه كل المُحطين بالمكان، مما دفعهم إلى اقتحام الحمام وحمل تومي إلى المستشفى، وهناك كان ينتظر الأطباء مُهمة شاقة جدًا في إيقاف نزيف ذلك الرجل الذي يقترب من الموت بخطوات ثابتة.
بالكاد تمكن الأطباء من تحقيق المُعجزة وإيقاف النزيف، لكن تومي لم يفق من غيبوبته وظل غارقًا بها طيلة أسبوع كامل، توقع الجميع خلالها أن يُعلن خبر موت لص ليفربول الأول، بيد أنه بعد أسبوع فتح عينه ببطء ثم بدأ يتعرف على المُحيطين حوله، فهو لم يكن يعرف زوجته أو أولاده أو أي شخص من الموجودين بجواره، ببساطة شديدة، لقد فقد بطلنا ذاكرته، والواقع أن هذا الأمر هو أفضل شيء قد يحلم يومًا أن يحدث معه في حياته تلك.
أشياء أُخرى يفقدها تومي
كما ذكرنا، فقد تومي مكهيو ذاكرته، وهي أثمن شيء لدى أي إنسان، لكن بالنسبة لتومي كانت أول شيء يتمنى فقدانه، فقد أدى ذلك تباعًا إلى فقدانه لأشياء أخرى كانت سببًا في تحويل حياته السابقة إلى جحيم، لقد فقد تومي تلك النظر المُتشائمة للعالم، كان يراه جحيمًا كبيرًا يُعاني منه الجميع وخاصةً الفقراء، لكن الآن، باتت الحياة بيضاء مُشرقة، كانت كلوحة صالحة للرسم كيفما يشاء تومي، وهو أمر لم يتوانى عنه الرجل الجديد لحظةً واحدة، فقد أمسك لأول مرة بالفرشاة واللوحة وبدأ يرسم ما ظنه البعض عبث، لكنه في النهاية أفرز لوحات فنية رائعة، لا يُمكن لأحد أبدًا أن يُشكك في كونها قد خرجت من رسام مُخضرم مارس الرسم لعشرين عام على الأقل، لكنها في الحقيقة لم تكن سوى المحاولة الأولى!
أيضًا تغير لسان تومي السليط، فذلك الرجل الذي كان يتوارى الناس منه في شوارع ليفربول كيلا ينالوا وصلةً من الردح والسباب أصبح شاعرًا يتجمع الناس حوله كي يسمعوا أحدث قصائده ويتناقلونها فيما بينهم، بات محبوبًا، وحب الناس في الحقيقة كان أحد أهم الأشياء التي كان يفتقدها من قبل، المدهش حقًا أن كل هذا التغير قد حدث في ليلةٍ كان تومي ينوي فيها سرقة شيء ما قد تم فرض كمين حوله لإسقاط تومي، لكنه لم يسقط، بل أخذ القدر بيده إلى السحاب.
سعادة الحياة الجديدة
لا يُمكننا بالطبع تخيل ما آلت إليه الحياة الجديدة لذلك الرجل، فبالإضافة إلى الرسم أصبح تومي معروفًا ومن المُسلط الضوء عليهم، فكانت تأتيه دعوات المشاركة في البرامج التلفزيونية وأيضًا صحف تطلب منه حوار صحفي يقص فيه ما حدث له باستفاضة، كان مشهورًا، حتى أن الناس في الشارع بدئوا يُشيرون إليه بوصفه معجزة تمشي على الأرض، هذا بعدما كانوا يفعلون ذلك قديمًا لكن باعتبار مجرد كارثة، أو غُمة يجب أن تنزاح في قادم الأيام، وعلى ما يبدو أن الأدعية كانت مُستجابة على طول الخط، فقد انزاحت الغمة واستراح الناس وكذلك سعيد الحظ تومي.
من ضمن الأشياء التي أسست للحياة الجديدة للرجل السعيد تومي أنه بات يمتلك الكثير من الجوائز التي علقها في بيته بجوار لوحاته التي غمرت الحيطان كذلك، وكانت واحدة من لوحاته تُساوي الكثير والكثير، أصلًا كانت مقابلة تومي مطلب وحلم بحد ذاته، وسبحان الله، وكأن الرجل لم تتغير حياته فقط، وإنما كذلك تغيرت حيوات كل اللذين يُحيطون به، والذين أصبحوا يُعاملونه كهدف يجب الوصول إليه وقدوة يجب الاقتداء بها.
معجزات مُتكررة
في الواقع لم تكن الواقعة التي وقعت مع تومي مكهيو فريدة من نوعها، فما حدث وأدى إلى نبوغه حدث كذلك مع أشخاص آخرين وأدى بهم إلى حلات بنفس القدر من الغرابة، الفارق الوحيد أن تلك الحالات كانت تختلف طُرق حدوثها، أي أن جميعهم لم يدخلوا المرحاض ويعتصرون أمعائهم، وإنما هناك من سقط على رأسه وهناك من تمت مهاجمته من لصوص، وهناك كذلك من تعرضوا لحادثة من المفترض أن تودي بحياتهم لكنهم لم يموتوا، وإنما فقط حظوا بأكبر خدمة يُمكن أن تُسدى لهم في حياتهم التي ربما كانوا يظنون أنها بلا أي قيمة قبل حدوث تلك المعجزات.
المعجزات كذلك لم تكن تقتصر على البراعة المفاجأة في الرسم، فهناك من أصبح عالمًا للرياضيات بعد حادثةٍ ما على الرغم من كونه لم يكن يعرف قبل ذلك مجموع أبسط عددين في الوجود، وهناك أيضًا من تعرض لحادث ثم استيقظ منه فوجد نفسه يتحدث أكثر من لغة لم يكن يعرف بها من قبل، وهناك الكثير والكثير من المُعجزات التي تجعلنا نتساءل حقًا حول كيفية جريان العقل وما الذي يحدث به بالضبط عند تعرضه لتلك الحوادث!
أضف تعليق