تسعة مجهول
أسطورة سبت الساحرات
الرئيسية » اسطورة » أسطورة سبت الساحرات التي أدت إلى مقتل مئة ألف شخص

أسطورة سبت الساحرات التي أدت إلى مقتل مئة ألف شخص

أسطورة سبت الساحرات واحدة من الأساطير القديمة التي ظهرت خلال عصور الظلام في أوروبا وأدت إلى مقتل ما يزيد عن مئة ألف شخص، فكيف حدث ذلك؟!

مما لا شك فيه أن أسطورة سبت الساحرات لا تزال تُعتبر أحد أبرز وأهم الأساطير التي شهدت عليها أوروبا في تاريخها المُظلم، فإذا كنا نعتبر أن الدجل والسحر والشعوذة أشياء أصيلة تعود إلى أفريقيا فنحن إذًا لم نسمع بعد عن أوروبا وما كان يحدث بها في أيامها المُظلمة التي بدأت منذ بداية القرن الخامس عشر، والحقيقة أنه مع كثرة الأساطير تمكنت سبت الساحرات من حجز مكانها بقوة بين ذلك السيل من الأساطير، وطبعًا لم يأتي ذلك من فراغ، وإنما جاء بسبب الكم الكبير من الضحايا الذي نتج عن تلك الأسطورة، والذي يفوق المئة ألف شخص، وبالتأكيد إذا كنا نتحدث عن شيء تسبب في مقتل مئة شخص فهو بلا شك أمر جدير بالاهتمام، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كل شيء يتعلق بأسطورة سبت الساحرات وكيفية نشأتها وكيف وصل بها الأمر إلى التسبب في مقتل مئة ألف شخص.

ما المقصود بالأسطورة؟

قبل أن نتعرف على أسطورة سبت الساحرات بالتحديد نحن في حاجة أولًا إلى التعرف على معنى كلمة أسطورة، فليس كل شيء غير قابل للتصديق يُمكن إعطائه تلك الصفة، بل يجب أن يكون عتيقًا وصعب تصديقه وفي نفس الوقت لم ينقطع الناس عن ذكره ولا الأجيال عن تناقله، فالأسطورة لا تكون أسطورة إلا عندما يتحدث الناس عنها طوال الوقت، وغالبًا ما يكون الشيء موضع الأسطورة سبب في شعور غريب كالخوف أو التعجب أو التحفز، وفي أسطورتنا هذه نحن نتحدث عن شيء تجتمع فيه الأمور الثلاثة، الرعب والخوف والدهشة وكذلك التحفز لمعرفة ما حدث بسبب تلك الأسطورة.

لم تكن أوروبا تعرف الأساطير بالمعنى الدرج، كانت حضارة متقدمة بعض الشيء ولا تتعلق سريعًا بتلك الخرافات، لكن حدث في يوم وليلة أن دخلت أوروبا بتاريخها العريق عصور الجهل والظلام، العصور الوسطى حسبما يُطلق عليها البعض، وفي تلك العصور انهالت الأساطير والخرافات عليها كالأرز، وبسبب هذه الكثرة بات من الصعب أن تعلق في الأذهان أحد هذه الأساطير لفترة طويلة، إلا أن أسطورة سبت الساحرات فعلت هذا الأمر وحققت المعادلة الصعبة.

أسطورة سبت الساحرات

كما ذكرنا، من ضمن الأساطير الكثيرة التي بدأت في الظهور خلال العصور المظلمة في أوروبا تمكنت أسطورة سبت الساحرات من تبوء منزلة رفيعة، ونعني هنا بالمنزلة أنها قد أصبحت حديث الناس لفترة طويلة من الزمن، وبداية يجب علينا أن نعرف أن الأساطير والخرافات لها أبطال، وبطل هذه الأسطورة هو السحر الذي كان كذلك مظهرًا من مظاهر الجهل في العصر الأوروبي المظلم، وإذا كنا نبحث عن مكان يُمكن أن ننسب له تلك الأسطورة فلن نجد أفضل من المعابد القديمة التي كانت لا تتخلص أبدًا من حفلات المجون والعربدة، وخاصة يوم السبت العظيم.

كانت أسطورة سبت الساحرات في الأصل وليدة لخرافة وثنية قديمة، ولم يكن من الغريب أبدًا أوروبا بذلك الوقت أن يتم الخلط بين الوثنية والمسيحية، فالجهل الذي كان منتشرًا كان من الوارد جدًا أن تتوقع منه أي شيء، لكن يا تُرى ما الذي كان يحدث في سبت الساحرات هذا؟

ما الذي كان يحدث في ذلك السبت؟

في السبت المخصص للساحرات كانت الأسطورة تحدث على عدة خطوات، في كل خطوة ثمة قواعد إذا لم تتم فإن سبت الساحرات يُصبح والعدم سواء، لذلك كان يتم اختيار ساحرات شابات جميلات قادرات على فعل كل شيء تنص عليه الأسطورة، ولتكن البداية مثلًا بخطوة التجمع.

تجمع الساحرات للبدء

أول شيء كان يحدث في سبت الساحرات أن يتم تجميع الساحرات، أو بطلات السبت كما يُطلق عليهم، وقد كان ذلك التجمع يحدث في أماكن نائية وبعيدة عن العمران بكل ما تعنيه الكلمة من معان، إذ أنه لم يكن من المنطقي أبدًا أن يتم مشاهدة ما كان يحدث في تلك الأماكن، خاصةً وأننا نتحدث عن تبجيل الشيطان، وهو أمر لم تكن لترضى به أي شريعة تخضع لديان سماوي، حتى المسيحية الأصيلة التي كانت مُوجهة في ذلك الوقت لم تكن لتقبل بما يفعله الساحرات، واللاتي كن، كما تقول الأسطورة، فتيات جميلات لهن أجنحة يُمكن من خلالها التحليق في أي مكان يُريدونه، حتى الانتقال في الزمن كانوا يفعلونه باستخدام تلك الأجنحة، وهذا ما يوضح كونها مجرد أسطورة لا أساس لها من الصحة.

سحق الصليب وتقديس الشيطان

الخطوة الثانية في أسطورة سبت الساحرات كانت تتم بعد التجمع مباشرةً، حيث يقوم الساحرات الخارقات، كما تصفهم الأسطورة بسحق الصليب، وكأن الأسطورة كانت تُعادي المسيحين في المقام الأول، وبعد عملية السحق تحدث عملية الابتذال المُشينة التي لا يعرف أحد الفائدة منها، تمامًا مثلما هو الحال مع كل شعائر تلك الأسطورة، وهذه العملية هي خلع الساحرات لملابسهن كاملة والطواف حول الصليب المسحوق والبصق عليه، كان الأمر مذريًا ومقززًا بحق.

في هذه الخطوة أيضًا تقوم الساحرات باستدعاء الشيطان ويقمن واحدة تلو الأخرى بتقبيل مؤخرته في دلالة على تبجيله، وطبعًا لن نتوقف عند النقطة كثيرًا لأنها ليست الوحيدة من حيث الخرافة، فكل ما سبق أصلًا مجرد خرافة، لكن هذه النقطة بالذات تفوق حدود المعقول بكثير، إذ أن استدعاء الشيطان ليس أمرًا مُتاحًا، والأكثر جنونًا هو تقبيل مؤخرته، فهل للشيطان مؤخرة عادية صالحة للتقبيل فعلًا؟ لكن كما ذكرنا، كل هذا جنون لا أكثر.

مشاركة الجن والعفاريت

خلال طقوس سبت الساحرات الغريب ثمة مشاركة ملحوظة تكون للجن والعفاريت، والتي تحضر هذا الأمر بما أنه عربدة كبيرة يكون الشيطان حاضرًا بها وبكل قوته، حيث تقوم تلك المخلوقات بالتشبه ببعض الكائنات ومنها النساء، ويقومون كذلك بالرقص وتقبيل مؤخرة الشيطان تمامًا مثلما يفعل ساحرات السبت، ثم يتطور الأمر ويُمارسون معهن الأفعال الشنيعة، ولا ينقطع ذلك الأمر حتى صباح اليوم التالي، أو تحديدًا مع وصول أول ضوء الفجر، حيث تُصبح المخلوقات الأخرى مثل الجن والعفاريت غير مُرحب بها، وتُصبح حرارة الشمس مانعة لأفعال الساحرات المجنونة.

تعليم التعاويذ السحرية

في الخطوة التي تسبق طلوع الشمس ولملمة الساحرات لأوراقهن، تقوم الشياطين، حسبما تنص أسطورة سبت الساحرات، بتعليم الحاضرين والحاضرات كيفية استخدام التعاويذ السحرية، هذا بعد أن تُطلعها على بعض بالفعل، والحقيقة أن تلك التعاويذ عادة ما تكون حقيقية، بمعنى أنها تؤتي بثمارها فعلًا، لكن ما نُنكره أنها لا تأتي بالطريقة التي ربما نتصورها، وهي مشاركة الجن والعفاريت وإقامة يوم السبت الصاخب، فالأمر بالتأكيد لا يمر بكل هذه المراحل التي تمر بها الأسطورة، وأكبر دليل على ذلك أن بعض السحرة العاديين يملكون بعض التعاويذ، والتي عادة ما تكون مجلوبة من كتب السحر القديمة وعلى رأسها كتاب شمس المعارف الشهير، لكن لنعد إلى الأسطورة ونسأل، هل يفعل الشيطان ذلك مجانًا؟

تقديم الأضحية من البشر

تقول أسطورة سبت الساحرات أن الشيطان لا يُقدم للساحرات التعاويذ السحرية مجانًا، فبالإضافة إلى تقبيل المؤخرة وكل أمور العربدة التي تحدثنا عنها ثمة شيء آخر يجب تقديمه له، وهو متمثل في دماء البشر، ولهذا فإنه في كل مرة تحضر فيها الساحرات إلى الأماكن النائية التي يُمارسون فيها الشعائر فإنهم غالبًا ما يُحضرون معهم بعض الضحايا من الذين تمكنوا استضعافهم وجلبهم معهم بالقوة أو بمساعدة بعض الرجال الأشداء، والحقيقة أن أغلب هؤلاء الضحايا يكونون من الأطفال، وليس هذا لشيء إلا أن الشيطان، حسبما تقول الأسطورة طبعًا، يُحبذ دم الأطفال أكثر ويشتهي تذوقه.

الأسطورة بعد تنفيذ التقاليد

بعد تنفيذ التقاليد التي ذكرناها آنفًا، والتي تتمثل في قتل الأطفال وشرب دمائهم وممارسة العربدة والفجور بكل ما تعنيه الكلمة من معان فإن الأسطورة تتابع قائلة إن الساحرات يحظين، بالإضافة إلى التعاويذ، على بعض المزايا الخاصة التي تجعلهم مميزين عن باقي البشر العاديين، فمثلًا هم يُصبحون قادرين على تغيير وجوههم في الوقت الذي يريدونه، فحتى لو كانت الساحرة قبيحة فسوف يكون بإمكانها أن تتحول إلى امرأة جميلة في أي لحظة بفضل هبات الشيطانة الخرافية، وأيضًا يُمكن للساحرات أن يحظين بجناحين يُمكنونهن من الطيران والتنقل من مكان إلى آخر بسهولة، ومن هذا يتضح أن أسطورة سبت الساحرات لم تقم فقط من أجل عبادة الشيطان، وإنما كذلك الحصول على بعض الهبات منه.

مئة ألف ضحية لسبت الساحرات

ربما تعتقدون أن الأمر كان مجرد أسطورة خرافية يُقام فيها أمور السحر والشعوذة والمجون، لكن الحقيقة أن أبعاد الموضوع كانت أكبر من ذلك بكثير، فقد تسببت تلك الأسطورة في جعل أكثر من مئة ألف شخص يلقون حتفهم بطريقة بشعة، وطبعًا كان ذلك يحدث في صورة الأضحية التي كان يتم تقديمها للشيطان من أجل أن يتكرم على الساحرات بمنحهن الطرق المشعوذة وبعض الصفات والقدرات الخاصة التي لا تتوافر دون تضحية، أو هكذا تقول الأسطورة.

الأمر الأصعب في كل ذلك هو ما كان يتعلق بالطريقة التي كان يتم من خلالها اختيار الضحية وتقديمها للشيطان، فقد كان ذلك يتم بطريقتين، الطريقة الأولى هي الجبر، بمعنى أن تذهب الساحرات ومعهن رجال أشداء ثم يقمن باختطاف أشخاص وقيادتهن جبرًا إلى مكان الأضحية ثم إجراء الطقوس عليهم، وقد ذكرنا أن أغلب هؤلاء الضحايا كانوا من الأطفال الصغار، أما الطريقة الثانية لاختيار الضحية فكانت تتم عن طريق شراء الأطفال من الأمهات، والحقيقة أن الفقر الشديد الذي كان يُعاني منه المجتمع الأوروبي في هذا الوقت كان كفيلًا بالفعل بجعل الأمهات يُقدمن على بيع الأبناء!

القضاء على أسطورة ست الساحرات

انتشرت أسطورة سبت الساحرات بطريقة أصبح من الصعب السيطرة عليها بالصورة الطبيعية، كان كل شيء فعلًا مُبالغٌ فيه، فأعداد الضحايا تزداد، وأعداد الساحرات تزداد، والأهم من كل ذلك أن أعداد الذين يؤمنون بتلك الأسطورة كانت في ازدياد أيضًا، كل شيء كان كارثي لو استمر، ولأن السلطات في كل زمان ومكان لا يشغلها سوى السيطرة على الحكم فإنها قد استعدت بالسوط والجلد والنار للقضاء على هؤلاء، وإذا كنتم تعتقدون أنه ثمة نوع من الوحشية في الطريقة التي كان يتم من خلالها قتل الأطفال من قِبل الساحرات فإن الوحشية التي استخدمتها السلطة كانت أعظم من ذلك بكثير، والحقيقة أنه في الطريق للقضاء على الأسطورة أُخذ الحابل بالنابل، فكل شخص كان يُشتبه به مجرد اشتباه بأنه تابع لمنظومة سبت الساحرات كان يتم قتله وصلبه بطريقة وحشية جدًا، لكن في النهاية انتهى كل شيء، وفرغت أوروبا من الأسطورة تمامًا، وهذا هو المهم بكل تأكيد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ستة عشر − 12 =